منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


descriptionnewفي التيقظ و التبصر في الأمور

more_horiz
فقد قال الحكماء : من أيقظ نفسه وألبسها لباس التحفظ أيس عدوّه من كيده له ، وقطع عنه أطماع الماكرين به . وقالوا : اليقظة حارس لا ينام ، وحافظ لا ينسام ، وحاكم لا يرتشى ، فمن تدرّع بها أمن من الاختلال ، والغدر ، والجور ، والكيد ، والمكر. وقيل : إن كسرى أنو شروان كان أشدّ الناس تطلعًا في خفايا الأمور، وأعظم خلق الله تعالى في زمانه تفحصًا وبحثًا عن أسرار الصدور، وكان يبث العيون على الرعايا ، والجواسيس في البلاد ، ليقف على حقائق الأحوال ، ويطلع على غوامض القضايا ، فيعلم المفسد فيقابله بالتأديب ، والمصلح فيجازيه بالإحسان ويقول : متى غفل الملك عن تعرف ذلك ، فليس له من الملك إلا اسمه وسقطت من القلوب هيبته .

وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ليلة من الليالي يطوف يتفقد أحوال المسلمين فرأى بيتًا من الشعر مضروبًا لم يكن قد رآه بالأمس ، فدنا منه ، فسمع فيه أنين امرأة ، ورأى رجلاً قاعدًا فدنا منه وقال له : من الرجل ؟ فقال له : رجل من البادية قدمت إلى أمير المؤمنين لأصيب من فضله . قال : فلما هذا الأنين ؟ قال : امرأة تتمخض قد أخذها الطلق ، قال : فهل عندها أحد ؟ قال : لا . فانطلق عمر و الرجل لا يعرفه فجاء إلى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهما : هل لك في أجر قد ساقه الله تعالى لك ؟ قالت : وما هو ؟ قال : امرأة تتمخض ليس عندها أحد . قالت : إن شئت . قال : فخذي معك ما يصلح للمرأة من الخرق والدهن وائتني بقدر وشحم وحبوب ، فجاءت به فحمل القدر ومشت خلفه حتى أتى البيت ، فقال : ادخلي إلى المرأة ، ثم قال للرجل : أوقد لي نارًا ، ففعل فجعل عمر ينفخ النار ويضرمها والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضجها ، وولدت المرأة ، فقالت أم كلثوم رضي الله تعالى عنها : بَشِّرْ صاحبك يا أمير المؤمنين بغلام ، فلما سمعها الرجل تقول يا أمير المؤمنين ارتاع وخجل وقال : واخجلتاه منك يا أمير المؤمنين أهكذا تفعل بنفسك ؟ قال : يا أخا العرب مَنْ ولي شيئًا من أمور المسلمين ينبغي له أن يتطلع على صغير أمورهم وكبيره فإنه عنها مسؤول ومتى غفل عنها خسر الدنيا والآخرة . ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه وأخذ القدر من فوق النار وحملها إلى باب البيت ، وأخذتها أم كلثوم وأطعمت المرأة ، فلما استقرت وسكنت طلعت أم كلثوم ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للرجل : قم إلى بيتك وكل ما بقي في البرمة وفي غد ائت إلينا . فلما أصبح جاءه فجهزه بما أغناه به وانصرف .

وكان رضي الله تعالى عنه من شدة حرصه على تعرّف الأحوال ، وإقامة قسطاس العدل وإزاحة أسباب الفساد ، وإصلاح الأمة يعسّ بنفسه ويباشر أمور الرعية سرًّا في كثير من الليالي ، حتى أنه في ليلة مظلمة خرج بنفسه فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثًا ، فوقف على الباب يتجسس ، فرأى عبدًا أسود قدّامه إناء فيه مزرٌ (1) وهو يشرب ومعه جماعة ، فهمّ بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت ، فتسور على السطح ، ونزل إليهم من الدرجة ، ومعه الدرة ، فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب ، وانهزموا فمسك الأسود ، فقال له : يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت فإني تائب فاقبل توبتي ، فقال : أريد أن أضربك على خطيئتك ، فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث فإنَّ الله تعالى قال : {وَلا تَجَسَّسُوا}(2) وأنت تجسست . وقال تعالى : {وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}(3) وأنت أتيت من السطح ، وقال تعالى : {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}(4) وأنت دخلت وما سلمت ، فهب هذه لهذه ، وأنا تائب إلى الله تعالى على يدك أن لا أعود فاستتابه فاستحسن كلامه . وله رضي الله تعالى عنه وقائع كثيرة مثل هذه .

وكان معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه قد سلك طريق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك . وكان زياد بن أبيه يسلك مسلك معاوية في ذلك حتى نقل عنه أن رجلاً كلمه في حاجة له وجعل يتعرّف إليه ويظنّ أن زيادًا لا يعرفه فقال : أنا فلان بن فلان ، فتبسم زياد وقال له : أتتعرف إليَّ وأنا أعرف بك منك بنفسك ؟ والله إني لأعرفك وأعرف أباك وأعرف أمك ، وأعرف جدّك ، وجدتك وأعرف هذه البردة التي عليك وهي لفلان وقد أعارك إياها . فبهت الرجل وارتعد حتى كاد يغشى عليه . ثم جاء بعدهم من اقتدى بهم ، وهو عبد الملك بن مروان والحجاج .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المزر : خمر من الشعير .

(2) - سورة الحجرات : 12 .

(3) - سورة البقرة : 189 .

(4) - سورة النور : 27 .

descriptionnewرد: في التيقظ و التبصر في الأمور

more_horiz
بـــــــــــــــــــــــــــــــارك الله فيك ليلى على الموضوع
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد