تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (1)
بقلم: ياسين هشام المهدي
اَلحَمْدُ للهِ وَلِيِّ كُلِّ خَيْرٍ وهدايةٍ، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ الدَّاعِي إلى أفضلِ طريقٍ وغايةٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، مصابِيحِ الهُدَى والدِّينِ، وتابعيهِم بإحسانٍ على النَّهْجِ المَتينِ، آمين. وبعدُ:
لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله، في خلقه وأمره، في الآفاق والأنفس، أنى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول ويزيد الإيمان، ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على دلائل عظمته، وأدلة قدره سبحانه.
خضعت لعظمة ربي عز وجل المخلوقات، وذلت لجبروته الأرض والسماوات، واشتد نكيره تعالى على من أخل بتعظيمه، فقال سبحانه: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ .
فحق على من عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه تعالى قياما بحقه من التوحيد والعبادة، وقياما بحق كتابه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم. إن كل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات إلا ما أمر الله بمحبته، قال ابن القيم رحمه الله: "فليس بمحب صادق من له إرادة تخالف مراد محبوبه منه، بل هذا مريد من محبوبه لا مريد له، وإن كان مريدا له فليس مريدا لمراده؛ فالمحبون ثلاثة أقسام: منهم من يريد من المحبوب، ومنهم من يريد المحبوب، ومنهم من يريد مراد المحبوب مع إرادته للمحبوب، وهذا أعلى أقسام المحبين" [1].
وغير خاف على مسلم صادق في إسلامه تلك المنزلة الرفيعة التي حباه ربنا تعالى لصفوة خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإلى شيء من جوانب تلك العظمة، وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه صلى الله عليه وسلم.. ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور المومنين الصادقين، وتتطلع إليه نفوسهم، ويتمنون أن لو اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم، وتشنَّفت آذانهم بسماع صوته.
المراد بالتعظيم
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ .
فذكر تعالى حقا مشتركا بينه وبين رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الإيمان، وحقا خاصا به تعالى وهو التسبيح، وحقا خاصا برسوله صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير.
وحاصل ما قيل في معناهما أن: "التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار" [2].
وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلاقه، فإن معناه في اللغة: التبجيل، يقال: لفلان عظمة عند الناس: إي حرمة يعظم لها، ولفظ التعظيم وإن لم يرد في نصوص القرآن، إلا أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى المراد من التعزير والتوقير.
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة وخُلقاً
لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعيا لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه.
"ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق، وأعظم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، كما روى البخاري في صحيحه [ح/12125]: عن عبد الله بن عمر، أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: "محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، حتى يقولوا لا إله إلا الله."
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله، وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذباً عن أصحابه وحماية لهم ودفاعاً عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهي عنه، وأوصل الخلق لرحمه، فهو أحق بقول القائل:
برد على الأدنى ومرحمة *** وعلى الأعادي مازن جَلَد" [3]
يتبع..................
بقلم: ياسين هشام المهدي
اَلحَمْدُ للهِ وَلِيِّ كُلِّ خَيْرٍ وهدايةٍ، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ الدَّاعِي إلى أفضلِ طريقٍ وغايةٍ، وعلى آلهِ وصحبِهِ، مصابِيحِ الهُدَى والدِّينِ، وتابعيهِم بإحسانٍ على النَّهْجِ المَتينِ، آمين. وبعدُ:
لربنا تبارك وتعالى أرفع القدر وأعظم الشأن؛ فله العظمة الكاملة التي تتجلى في ذاته وصفاته وأفعاله، في خلقه وأمره، في الآفاق والأنفس، أنى نظرت في خلقه رأيت ما يبهر العقول ويزيد الإيمان، ومهما تلوت من آي كتابه العظيم وقفت على دلائل عظمته، وأدلة قدره سبحانه.
خضعت لعظمة ربي عز وجل المخلوقات، وذلت لجبروته الأرض والسماوات، واشتد نكيره تعالى على من أخل بتعظيمه، فقال سبحانه: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ .
فحق على من عرف قدر الله وأراد تعظيمه أن يعظم ما عظمه تعالى قياما بحقه من التوحيد والعبادة، وقياما بحق كتابه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم. إن كل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات إلا ما أمر الله بمحبته، قال ابن القيم رحمه الله: "فليس بمحب صادق من له إرادة تخالف مراد محبوبه منه، بل هذا مريد من محبوبه لا مريد له، وإن كان مريدا له فليس مريدا لمراده؛ فالمحبون ثلاثة أقسام: منهم من يريد من المحبوب، ومنهم من يريد المحبوب، ومنهم من يريد مراد المحبوب مع إرادته للمحبوب، وهذا أعلى أقسام المحبين" [1].
وغير خاف على مسلم صادق في إسلامه تلك المنزلة الرفيعة التي حباه ربنا تعالى لصفوة خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم. فإلى شيء من جوانب تلك العظمة، وهدي السابقين والتابعين لهم بإحسان في تعظيمه صلى الله عليه وسلم.. ذلك الحديث الذي تنشرح له صدور المومنين الصادقين، وتتطلع إليه نفوسهم، ويتمنون أن لو اكتحلت أعينهم برؤية حبيبهم صلى الله عليه وسلم، وتشنَّفت آذانهم بسماع صوته.
المراد بالتعظيم
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ .
فذكر تعالى حقا مشتركا بينه وبين رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الإيمان، وحقا خاصا به تعالى وهو التسبيح، وحقا خاصا برسوله صلى الله عليه وسلم وهو التعزير والتوقير.
وحاصل ما قيل في معناهما أن: "التعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه. والتوقير: اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار" [2].
وهذه المعاني هي المراد بلفظ التعظيم عند إطلاقه، فإن معناه في اللغة: التبجيل، يقال: لفلان عظمة عند الناس: إي حرمة يعظم لها، ولفظ التعظيم وإن لم يرد في نصوص القرآن، إلا أنه استعمل لتقريب المعنى إلى ذهن السامع بلفظ يؤدي المعنى المراد من التعزير والتوقير.
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سيرة وخُلقاً
لقد حبا الله تبارك وتعالى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم من الخصائص القوية والصفات العلية والأخلاق الرضية ما كان داعيا لكل مسلم أن يجله ويعظمه بقلبه ولسانه وجوارحه.
"ومما يحمد عليه صلى الله عليه وسلم ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه صلى الله عليه وسلم علم أنها خير أخلاق، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم الخلق، وأعظم أمانة، وأصدقهم حديثاً، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالاً، وأعظمهم عفواً ومغفرة، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، كما روى البخاري في صحيحه [ح/12125]: عن عبد الله بن عمر، أنه قال في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة: "محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخَّاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، حتى يقولوا لا إله إلا الله."
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله، وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد، وأصبرهم في مواطن الصبر، وأصدقهم في مواطن اللقاء، وأوفاهم بالعهد والذمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشدهم تواضعاً، وأعظمهم إيثاراً على نفسه، وأشد الخلق ذباً عن أصحابه وحماية لهم ودفاعاً عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهي عنه، وأوصل الخلق لرحمه، فهو أحق بقول القائل:
برد على الأدنى ومرحمة *** وعلى الأعادي مازن جَلَد" [3]
يتبع..................