منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


descriptionتسامح الإسلام مع غير المسلمين Emptyتسامح الإسلام مع غير المسلمين

more_horiz



تسامح الإسلام مع غير المسلمين


حصر واستقراء النصوص والآثار
المتعلقة بتعامل المسلمين مع غيرهم


كتبه:
عبد الباسط بن يوسف الغريب








قال أبو الفوارس ( ):


ملكنا فكان العفو منـا سجية فلما ملكتم سـال بالدم أبطح
وحللتم قتـل الأسارى وطالما غدونا على الأسرى نمن ونصفح
وحسبكم هـذا التفاوت بيننا وكل إنـاء بالذي فيه ينضح


المقدمة
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن إقامة البراهين الدالة على سماحة الإسلام مع غيره من غير المسلمين كثيرة جداً من كتاب الله وسنة رسوله  والسيرة النبوية والوقائع التاريخية, وقد شهد بذلك القاصي والداني, وشهد بذلك حتى غير المسلمين.
فهذا أحد المستشرقين وهو برناد لويس يقول عن تسامح المسلمين: "وفي نظرة المسلمين إلى المسيحية تسامح وتساهل أكثر بكثير مما في نظرة أوربا المسيحية المعاصرة التي تنظر إلى الإسلام على أنه باطل وشر. وهذه النظرة المتسامحة من المسلمين تنعكس في المعاملة الحسنة والتسامح الكبير الذي يلقاه أتباع الديانة المسيحية في المجتمعات الإسلامية بالرغم من موقف المسيحيين كديانة منافسة( ).
ويقول توماس أرنولد: "إن تسامح العرب كان وراء دخول الكثير في الإسلام"( ).
ويقول فيكتور سحاب: لا شك أن المسيحيين المخضرمين الذين عاصروا الفتح الإسلامي هم أكثر من لمس الأمر بوضوح، إذ انتقلوا فجأة من سلطان دولة كانت تضطهدهم اضطهاداً وصفه بعض المؤرخين العصريين في أوروبا بأنه لا يشبه حتى أعمال البهائم، إلى سلطان دولة حافظت لهم على أديارهم وبيعهم، كما خيرتهم بين اعتناق الإسلام، والبقاء على دينهم بشرط الدخول في ذمة المسلمين، أي بشرط الإنضمام إلى دولة الإسلام ورفض القتال مع أعدائها، وكان ( ألكيروس)- الكنيسة المصرية - متخفياً في الصحاري هرباً من المذابح البيزنطية؛ فلما جاء الفتح الإسلامي عادت الكنيسة المصرية إلى حرّيّتها الكاملة علناً، ولقد كان في الإسلام متسع للنصارى لم يكن متاحاً لهم شيء منه في دولة بيزنطية, وتمتعت المذاهب المسيحية العربية على اختلافها بعد ظهور الإسلام بالحرية التي كانت تقاتل من أجلها تحت حكم بيزنطة، ووقت كانت جميع الدول لا ترضى بدين آخر داخل تخومها( ).
وفي هذا البحث الاستقرائي من سنة المصطفى ، نعرض أوجه كثيرة من تسامح الإسلام مع شتى الديانات بمختلف أصنافها وتنوعها، ونعرض صوراً من هذا التسامح بمواقف مشرّفة من حياة نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قال الله في حقه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، وهو قدوة وأسوة المسلمين جميعاً, نسأل الله أن نكون قد وفقنا في جمع مادة هذا البحث, وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
منهج البحث
هذا الموضوع من الأهمية بمكان, وخصوصا في مثل هذا الزمان الذي كثر فيه الطاعنون في دين الإسلام, ومحاولة تشويه حقيقته المشرفة، وإقامة البراهين الدالة على سماحة الإسلام مع غيره من غير المسلمين كثيرة جداً, وهذه النصوص والمواقف والنماذج العملية كثيرة ومبثوثة في بطون الكتب والمراجع, وتحتاج إلى بحث واستقراء وتأمل في الأحاديث والنصوص, فرب كلمة في حديث طويل دلت على المراد، كما في قصة مقتل عمر بن الخطاب  لما طعن قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة. قال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام( ). وعلى ذلك:
1- قمت باستقراء الكتب الستة: البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وكذلك الموطأ والدارمي ودلائل النبوة لأبي نعيم وللبيهقي، وكذلك "مستدرك" الحاكم.
2- بعد ذلك قمت باستقراء الكتب التي عنت بالزوائد على الكتب الستة كـ"المطالب العالية" لابن حجر، و"مجمع الزوائد" للهيثمي ،و"إتحاف الخيرة" للبوصيري، والزوائد على صحيح ابن حبان المسمى "موارد الظمآن".
3- كذلك قمت بالبحث والنظر في كتاب "المصنف" لابن أبي شيبة، و"المصنف" لعبد الرزاق الصنعاني، وكتاب "المعجم" لابن المقريء، و"البداية والنهاية" لابن كثير, وموسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية، وكتب شيخنا الألباني رحمه الله، وغيرها، كذلك استفدت من الكمبيوتر في بحثي بواسطة أقراص الموسوعات الحديثية.
4- قمت بتخريج الأحاديث وعزوها إلى مصادرها وتوثيقها وبيان درجتها من الصحة أو الضعف في الأغلب، وقد اعتمدت توثيق شيخنا الألباني رحمه الله في ذلك في الأغلب.
5- أبقيت الأحاديث المرسلة وبلاغات ابن إسحق المتعلقة بالسيرة النبوية، وقمت بحذف الأحاديث التي في رواتها متروك أو كذاب أو شديدة الضعف في الأغلب.
6- بلغ مجموع الأحاديث والآثار التي قمت بجمعها أكثر من (370) بين حديث مرفوع أو أثر لصحابي أو قول لتابعي.
7- إذا كان الحديث في "الصحيحين" أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليها , فإن لم يوجد في واحد منهما , ووجد في السنن الأربعة اكتفيت بالعزو إليها, فإن لم يوجد في الكتب الستة عزوت الحديث حسب مصدره.
8- قمت بترجمة لأهم الأعلام الواردين في البحث.
9- قمت بذكر بعض فوائد الأحاديث والآثار.
وقد رتبت البحث على النحو الآتي:
الباب الأول:
تمهيد
- بيان أن الإسلام حث على خلق الرحمة مع غير المسلمين.
- بيان أن الإسلام دين هداية.
- التسامح في الاعتقاد والعبادة.
- الوصية بأهل الذمة والإحسان إلى أهل العهد.
- حرمة دماء أهل الذمة والعهد والمستأمنين.
- حرمة أموالهم وأعراضهم.
- حرمة أذيتهم وظلمهم.
- الوفاء بالعهود والمواثيق.
- جواز الصدقة على أهل الذمة والعهد والأمان إذا كانوا فقراء.
- الحكم بين أهل الذمة.
- قبول شهادة غير المسلمين.
- قبول شفاعتهم في بعض الأحوال.
- حكم السلام على غير المسلم ومصافحته.
- الاستئذان على المشركين.
- جواز إكرامهم.
- حل ذبائح أهل الكتاب.
- معاملتهم في البيع والشراء والتجارة والإجارة وغيرها من المعاملات.
- أخذ العلوم عنهم وتعلم لغتهم.
- جواز استطباب غير المسلم.
- حق الجوار لغير المسلم.
- عيادة غير المسلمين.
- الدعاء لهم بالهداية ونحو ذلك.
- مخالطة غير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم.
- التهادي معهم وقبول هداياهم.
- صلة الرحم للمشرك القريب.
- موافقة أهل الكتاب.
- تعزية الذمي ودفنه.
- الإرث والوصية.
- الزواج من أهل الكتاب.
- الرواية والحديث عنهم.
- الإحسان إليهم.
- قبول دعوتهم.
- المن عليهم بالعتق.
- العفو عنهم.
- العدل.
- مظاهر التسامح في الجهاد.
- مظاهر التسامح في الجزية.
10- الباب الثاني: قمت بعد ذلك بذكر القواعد والضوابط الفقهية والآداب السلوكية المستنبطة من الأحاديث والآثار المذكورة في الباب الأول لسماحة الإسلام مع نماذج تطبيقية على حسب مارتبناه في الباب الأول.
11- قمت بعمل فهرس للأحاديث النبوية المرفوعة والأثار الموقوفة عن الصحابة والتابعين , وفهرس عام .


الباب الأول
تمهيد:
الإسلام دين اليسر ورفع الحرج والمشقة؛ فلا عسر فيه ولا أغلال ولا آصار, وهذه ميزة للإسلام لا يشاركه فيها دين آخر, وقد كانت الأمم السابقة تكلف بتكاليف عسيرة, وفرض عليها فرائض شديدة, وذلك لكثرة عنادهم وشكوكهم، قال تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175]، وقال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا [النساء:160]، وقال تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:286].
وقال النبي : ((دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم يسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم))( ).
وقال النبي : ((إنما بعثت بحنيفية سمحة))( ).
ومن هذا المنطلق فقد شمل الإسلام بيسره ورفقه الناس حتى غير المسلمين؛ فتسامح معهم في كثير من القضايا والأحكام, ومنحهم كثيراً من الحقوق( ). وقد تجلى هذا التسامح في رحمة الإسلام الواسعة. فمن أسماء الله تعالى الحسنى الرحمن الرحيم, ومن صفاته الرأفة والرحمة، قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف:156].
قال الألوسي( ) رحمه الله في تفسير هذه الآية: " أي شأنها أنها واسعة تبلغ كل شيء، ما من مسلم ولا كافر، ولا مطيع ولا عاص، إلا وهو متقلب في الدنيا بنعمتي"( ).
وبين الله أنه أرسل محمداً  رحمة للخلق كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
فرحمة المسلمين لا تختص بهم فقط، بل هي شاملة لهم ولغيرهم من المخلوقات في الدنيا. فقد أمر  أمته برحمة كل من أوجده الله تعالى على هذه الأرض، من إنسان وحيوان.
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قَال: قال رسول الله : ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))( ).
و(من) الموصولة في قوله: (ارحموا من في الأرض)، شاملة للإنسان مسلما أو كافراً، وللحيوان كذلك، وعلى هذا حمله العلماء.
قال الحافظ ابن حجر( ) رحمه الله: "قال ابن بطال( ): فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق، فيدخل المؤمن والكافر، والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب..."( ).
ونفى الله تعالى رحمته عمن لم يرحم الناس، كما في حديث جرير بن عبد الله ، قَال: قال رسول الله : ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس))( ).
وهو نفي عام يدخل فيه كل الناس، والنفي هنا للوعيد والتحذير والتنفير من الغلظة والشدة والعدوان على الناس، ولا يلزم منه حرمان من فقد الرحمة الواجبة من رحمة الله له في الدنيا، بمنحه الرزق والصحة والقوة المادية والذرية وغيرها، سواء كان من المسلمين أو غيرهم، ابتلاء له وامتحانا، لأن رحمة الله في الدنيا تعم جميع خلقه.
ومن الأدلة على شمول رحمة الخلق أن الله جعل من يقوم على اليتامى، بالإنفاق والكفالة الشاملة التي يحتاجون إليها، شركاء لرسوله  في الجنة، كما في حديث سهل عن الرسول ، قال: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً))( ).
وبين في حديث أبي هريرة أنه يستوي في هذه المنزلة من كفل يتيماً من أقاربه أو من غيرهم، فقال رسول الله : ((كافل اليتيم - له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى))( ).
وهو يشمل كذلك يتامى المسلمين وغيرهم، كما تدل عليه صيغة العموم، لأن "أل" في اليتيم للجنس.
وقد تعدت رحمة الإسلام حتى إلى الحيوان والطير، ومن أمثلة ذلك:
حديث أبي هريرة ، أن رسول الله  قال: ((بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقِيَ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: في كل كبد رطبة أجر))( ).
وصح عنه  أنه أخبر أن الله غفر لامرأة بغي لسقيها كلباً اشتد عطشه. كما في حديث أبي هريرة: ((أن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها))( ).
وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله  في سفر فانطلق لحاجته؛ فرأينا حمّرة( ) معها فرخان فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش (أي ترفرف)، فجاء النبي  فقال: ((من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها)), ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: ((من حرق هذه ؟)). قلنا: نحن. قال: ((إنه لاينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار))( ).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي ، قال: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض))( ).
فإذا كانت هذه الرأفة والرحمة والتسامح مع الحيوان والطير؛ فلا شك أن بني آدم أولى بهذه الرحمة والرأفة بمختلف ألوانهم وأجناسهم.
حث الإسلام على خلق الرحمة مع غير المسلمين
وهنا سرد للأحاديث التي فيها الحث على خلق الرحمة.
1- عن أبي هريرة  قال: قيل: يا رسول الله ادع على المشركين! قال: ((إني لم أبعث لعاناً, وإنما بعثت رحمة))( ).
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأل أهل مكة رسول الله  أن يجعل لهم الصفا ذهباً, وأن ينحي عنهم الجبال فيزدرعوا. قال الله عز وجل: إن شئت آتيناهم ما سألوا؛ فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من قبلهم, وإن شئت نستأني بهم لعلنا ننتج منهم. فقال: لا، بل أستأني بهم . فأنزل الله هذه الآية: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء:59]( ).
3- وفي رواية صحيحة عند البيهقي في "دلائل النبوة" (2/272): وإن شئت أن أفتح لهم باب التوبة والرحمة؟ فقال رسول الله: ((لا بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة)).
4- عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي حدثته: أنها قالت للنبي : هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ قال: ((لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال؛ فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب؛ فرفعت رأسي؛ فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت؛ فإذا فيها جبريل فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك, وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم! فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال النبي : ((بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً))( ).
فوائد الأحاديث:
فيها بيان عظم الإسلام وسماحته، فقد رفض النبي  الدعاء على المشركين ورجا من الله أن يهديهم, وأن يستأني بهم, وأن يفتح لهم باب التوبة.
5- عن مسروق قال: قال عبد الله : إنما كان هذا لأن قريشاً لما استعصوا على النبي  دعا عليهم بسنين كسني يوسف ؛ فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد؛ فأنزل الله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11]. قال: فأتي رسول الله  فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: لمضر؟ إنك لجريء. فاستسقى فسقوا. فنزلت: إِنَّكُمْ عَائِدُونَ[الدخان:15]. فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية؛ فأنزل الله عز وجل: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ [الدخان:16]. قال يعني يوم بدر( ).
فوائد الحديث:
في الحديث دليل على سماحة الإسلام ورأفته؛ فمع ما صنعه المشركون برسول الله  وبأصحابه؛ فهو يدعو لهم بالرزق والمعافاه.
6- عن أبي هريرة  قال: بعث النبي  خيلاً قبل نجد؛ فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد؛ فخرج إليه النبي  فقال: ((ما عندك يا ثمامة))؟. فقال: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم, وإن تنعم تنعم على شاكر, وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت. فترك حتى كان الغد فقال: ((ما عندك يا ثمامة))؟. فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر. فتركه حتى كان بعد الغد.فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك. فقال: ((أطلقوا ثمامة)). فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي, والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي, وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة؛ فماذا ترى؟ فبشره رسول الله  وأمره أن يعتمر؛ فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله , ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي ( ).
7- زاد ابن هشام في "السيرة" بلاغاً (6/51): ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً؛ فكتبوا إلى رسول الله  إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا؛ فكتب رسول الله  إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل( ).
قال ابن حجر: وفي قصة ثمامة من الفوائد: ربط الكافر في المسجد والمن على الآسير الكافر, وتعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حباً في ساعة واحدة لما أسداه النبي  إليه من العفو والمن بغير مقابل، وأن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسارى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير، اهـ. قلت: ومن فوائده أيضاً أنه دل على جواز تصدير الطعام إلى المشركين, وإن كانوا أهل حرب.
8- عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم)). قالوا: يا رسول الله كلنا يرحم قال: ((ليس برحمة أحدكم صاحبه يرحم الناس كافة))( ).
فوائد الحديث:
أن النبي  ندب إلى رحمة الناس كافة فيدخل فيهم المسلم والكافر والصغير والكبير والذكر والأنثى.
الإسلام دين هداية
حرص الإسلام على هداية الناس لإخراجهم من الضلالة إلى الهدى, وإنقاذهم من النار. ولذلك قال الله مرغباً أهل الكتاب بالإسلام: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ [المائدة:65-66].
فقد جاء الإسلام ليهدي الضالين ليتمكنوا بحججه وبيناته من التفريق بين الحق والباطل، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ... [البقرة:185]. وقال تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [الإسراء:9].
وهو امتداد للهدى الذي منحه الله تعالى للبشرية من يوم خلق أصلها آدم ، وجعله معيارا يفرق به بين المهتدين والضالين، كما قال تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:39].
ومن الأحاديث التي تدل على حرص الإسلام على هداية الناس جميعاً وترغيبهم فيه:
9- عن أبي هريرة : قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي  فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت فادع الله عليها. فقيل: هلكت دوس. قال : اللهم اهد دوساً وأت بهم( ).
فوائد الحديث: جواز الدعاء للمشركين بالهداية , وقد فهم من ذلك الإمام البخاري وعليه فقد بوب باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم .
وقال الكرماني ( ): هم طلبوا الدعاء عليهم ورسول الله دعا لهم, وذلك من كمال خلقه العظيم, ورحمته على العالمين( ).
وبوب البخاري في "صحيحه": باب دعوة اليهود والنصارى وعلى مايقاتلون عليه وما كتب النبي  إلى كسرى وقيصر والدعوة قبل القتال.
وبوب كذلك باب دعاء النبي  إلى الإسلام والنبوة وأن لا يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وقوله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ.. إلى آخر الآية/آل عمران (79).
10- ثم ذكر عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه أخبره: أن رسول الله  كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي ,وأمره رسول الله  أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر, وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكراً لما أبلاه الله؛ فلما جاء قيصر كتاب رسول الله  قال حين قرأه: التمسوا لي ها هنا أحدا من قومه لأسألهم عن رسول الله  ... الحديث( ).
وقد أخرج البخاري الحديث مطولاً:
11- عن عبد الله بن عباس: أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش, وكانوا تجاراً بالشأم في المدة التي كان رسول الله  ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسباً. فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه؛ فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل عن هذا الرجل؛ فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال : فهل يغدر؟ قلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب؛ فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول فذكرت أن لا فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك فذكرت أن لا. قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه وهم أتباع الرسل, وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون, وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؛ فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف؛ فإن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم فلو أني أعلم حتى أخلص إليـه لتجشمت لقاءه, ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله  الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا فيـه:
((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64].
قال أبو سفيان: فلما قال ما قال وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقناً أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
وكان ابن الناطور صاحب إيلياء، وهرقل أسقفاً على نصارى الشأم، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك.
قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود فلا يهمنك شأنهم واكتب إلى مداين ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله  فلما استخبره هرقل قال: أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر. ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم وسار هرقل إلى حمص فلم يروم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي  وأنه نبي فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت؛ فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي. وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت فسجدوا له ورضوا عنه. فكان ذلك آخر شأن هرقل( ).
قال النووي( ): في هذا الكتاب جمل من القواعد وأنواع من الفوائد منها: دعاء الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم, وهذا الدعاء واجب والقتال قبله حرام إن لم تكن بلغتهم دعوة الإسلام, وإن كانت بلغتهم فالدعاء مستحب هذا مذهبنا, وفيه خلاف للسلف.
ومنها: التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط, ولهذا قال النبي  إلى هرقل عظيم الروم؛ فلم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره إلا بحكم دين الإسلام, ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه رسول الله  أو ولاه من أذن له رسول الله  بشرط, وإنما ينفذ من تصرفات الكفار ما تنفذه الضرورة ولم يقل إلى هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال عظيم الروم، أي الذي يعظمونه ويقدمونه وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125]. وقال تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وغير ذلك( ).
قلت: وفيه جواز مخاطبة أهل الشرك بلفظ فيه تعظيم وتبجيل لترغيبه بالإسلام كما قال النبي  عظيم الروم, وفيه إرسال السفراء والدعاة لنشر دين الإسلام.
وفيه أيضا شهادة غير المسلمين بفضائل هذا الدين ومحاسنه كما قال أبو سفيان وكان يومئذ مشركاً لما ذكر ما جاء به النبي : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم, ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
12- عن أنس  أن نبي الله  كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى, وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي  ( ).

قال النووي: وفي هذا الحديث جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام( ).
13- وأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن قتادة قال: سمعت أنسا  يقول: لما أراد النبي  أن يكتب إلى الروم قيل له: إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا أن يكون مختوماً؛ فاتخذ خاتماً من فضة؛ فكأني أنظر إلى بياضه في يده ونقش فيه محمد رسول الله( ).
فوائد الحديث: فيه الأخذ بما تعارف عليه غير المسلمين في كتاباتهم ومراسيمهم.
14- عن أبي هريرة  قال: بينا نحن في المسجد خرج رسول الله  فقال: ((انطلقوا إلى يهود)). فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس، فقام النبي  فناداهم فقال: ((يا معشر يهود أسلموا تسلموا)). فقالوا: بلغت يا أبا القاسم. قال: فقال لهم رسول الله : ((ذلك أريد أسلموا تسلموا)). فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله : ((ذلك أريد))( ).
15- عن أبي هريرة  قال: قام رسول الله  حين أنزل الله عز وجل: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ. قال: يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا بني مناف لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً, ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً, ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً( ).
16- عن محمد بن إسحاق قال: حدثني من سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل واستكتمني اسمه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله : وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قال رسول الله : عرفت أني إن بادأت بها قومي رأيت منهم ما أكره؛ فصمت فجاءني جبريل  فقال: يا محمد إن لم تفعل ما أمرك به ربك عذبك بالنار. قال: فدعاني فقال: يا علي إن الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين؛ فاصنع لنا يا علي شاة على صاع من طعام, وأعد لنا عسل ولبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت؛ فاجتمعوا له يومئذ وهم أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون؛ فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب الكافر الخبيث فقدمت إليهم تلك الجفنة؛ فأخذ رسول الله  منها حذية فشقها بأسنانه ثم رمى بها في نواحيها, وقال: كلوا بسم الله فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى إلا آثار أصابعهم، والله إن كان الرجل ليأكل مثلها، ثم قال رسول الله : اسقهم يا علي. فجئت بذلك القعب فشربوا منه حتى نهلوا منه جميعاً, وأيم الله إن كان الرجل ليشرب مثله؛ فلما أراد رسول الله  أن يكلمهم بدره أبو لهب لعنه الله فقال: لهدّما - كلمة تعجب - سحركم صاحبكم فتفرقوا, ولم يكلمهم رسول الله ؛ فلما كان من الغد قال رسول الله : يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت بالأمس من الطعام والشراب؛ فإن هذا الرجل قد بدرني إلى ما سمعت قبل أن أكلم القوم. ففعلت ثم جمعتهم له فصنع رسول الله  كما صنع بالأمس فأكلوا حتى نهلوا عنه ثم سقيتهم من ذلك القعب حتى نهلوا, وأيم الله إن كان الرجل ليأكل مثلها وليشرب مثلها، ثم قال رسول الله : يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل من ما جئتكم به إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة( ).
فوائد الحديثين:
حرص النبي  على دعوة قومه, وفيه أيضاً تلطف النبي  في دعوة قومه والإحسان إليهم.
17- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله  قال: ((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب)). قال: وكان أحبهما إليه عمر( ).
فوائد الحديث: فيه جواز الدعاء للمشركين بالهداية.
18- عن أنس بن مالك  عن زيد بن ثابت  قال: نظر رسول الله  قبل اليمن فقال: اللهم أقبل بقلوبهم ثم نظر قبل الشام فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، ثم نظر قبل العراق فقال: اللهم أقبل بقلوبهم, وبارك لنا في صاعنا ومدنا( ).
19- عن جابر  قال: قالوا: يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع الله عليهم! قال: ((اللهم اهد ثقيفا))( ).
فوائد الحديث: فيه دليل على سماحة الإسلام فقد رفض النبي  الدعاء على المشركين, وفيه أيضاً جواز الدعاء للمشركين بالهداية.
20- عن سهل بن سعد  قال: قال النبي  يوم خيبر: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)). فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى؛ فغدوا كلهم يرجونه فقال: ((أين علي))؟. فقيل: يشتكي عينيه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام, وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله رجلاً بك خير لك من أن يكون لك حمر النعم))( ).
قال ابن حجر في بيان فوائد الحديث: يؤخذ منه أن تألف الكافر حتى يسلم أولى من المبادرة إلى قتله( ).
21- عن أنس  أن النبي  كتب إلى بكر بن وائل: ((من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل أن أسلموا تسلموا)) قال: فما قرأه إلا رجل منهم من بني ضبيعة فهم يسمون بني الكاتب( ).
22- عن أبي بردة أنه سمع أباه عن النبي  قال: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين الرجل تكون له الأمة فيعلمها فيحسن تعليمها ويؤدبها فيحسن أدبها ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران, ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمناً ثم آمن بالنبي  فله أجران, والعبد الذي يؤدي حق الله وينصح لسيده))( ).
فوائد الحديث: فيه دليل على حرص الإسلام على هداية الناس وإنقاذهم من الضلالة إلى النور، وترغيب أهل الكتاب في الإسلام ببيان مضاعفة الأجر في إسلامهم.
23- وعن ابن عباس  أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله  فقرأ عليه القرآن؛ فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه. فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً. قال:لم؟ قال: ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله. قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالاً. قال: فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له. قال: وماذا أقول؛ فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني ولا بأشعار الجن, والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا, والله إن لقوله الذي يقوله حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته. قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال: قف عني حتى أفكر فيه؛ فلما فكر قال: إن هذا إلا سحر يؤثر يأثره عن غيره؛ فنزلت: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا الآيات( ).
قال ابن كثير: وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة مرسلاً، وفيه أنه قرأ عليه: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]( ).
فوائد الحديث:
فيه التلطف في دعوة الآخرين وبيان محاسن دين الإسلام، فقد قرأ النبي  قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ. وفيه أيضا شهادة المشرك على محاسن الإسلام كما شهد بذلك الوليد بن المغيرة.
24- وعن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل قدم على رسول الله  المدينة بالعقيق؛ فأسلم وحسن إسلامه, وقال: يا رسول الله إني أحب أن تبعث إلى قومي تدعوهم إلى الإسلام, وأن تكتب لي كتاباً إلى قومي عسى الله أن يهديهم. فقال لمعاوية: اكتب له فكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم .. إلى الأقيال من حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقة( ).
فوائد الحديث: حرص الإسلام على هداية غيرالمسلمين وإنقاذهم من الضلالة إلى الهدى.
25- عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله  فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أمية بن المغيرة، قال رسول الله  لأبي طالب: ((يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله)). فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؛ فلم يزل رسول الله  يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب, وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال رسول الله : ((أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)). فأنزل الله تعالى فيه: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ .. الآية( ).
26- عن معاذ بن جبل  أن النبي  قال: ((يا معاذ لأن يهدي الله على يديك رجلاً من أهل الشرك خير لك من أن يكون لك حمر النعم))( ).
27- وعن عقبة بن عامر الجهني  قال: قال رسول الله : ((من أسلم على يديه رجل وجبت له الجنة))( ).
28- عن عبد الرحمن بن عائذ  قال: كان النبي  إذا بعث بعثاً قال: ((تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم فما على الأرض من أهل بيت مدر ولا وبر إلا تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تقتلوا رجالهم وتأتوني بنسائهم))( ).
فوائد الحديث: فيه بيان حرص الإسلام على تأليف قلوب غير المسلمين, وأن الله أرسل محمداً  لهداية الناس, وأن القتل ليس مقصودا لذاته.
29- قال البيهقي في "الدلائل" (2/308): باب ما جاء في كتاب النبي  الى النجاشي، ثم روى عن الحاكم عن الأصم عن أحمد بن عبد الجبار عن يونس عن ابن إسحاق قال: هذا كتاب من رسول الله  إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة: سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولداً, وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاية الله؛ فإني أنا رسوله فأسلم تسلم: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك.
هذا حديث مرسل.
30- عن الزهري عن عبد الله بن عبد القاريء أن رسول الله  بعث حاطب بن أبي بلتعه إلى المقوقس صاحب الإسكندرية؛ فمضى بكتاب رسول الله  إليه فقبل الكتاب وأكرم حاطباً وأحسن نزله وسرحه إلى النبي , وأهدى له مع حاطب كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين إحدهما أم ابراهيم وأما الأخرى فوهبها رسول الله  لمحمد بن قيس العبدي( ).
31- ثم روي من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه عن جده حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله  إلى المقوقس ملك الإسكندرية قال: فجئته بكتاب رسول الله  فأنزلني في منزله وأقمت عنده، ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته وقال: إني سائلك عن كلام فأحب أن تفهم عني. قال: قلت: هلم. قال: أخبرني عن صاحبك أليس هو نبي؟ قلت: بل هو رسول الله . قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها؟ قال: فقلت: عيسى ابن مريم أليس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى. قلت: فما له حيث أخذوه قومه فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حيث رفعه الله الى السماء الدنيا؟ فقال لي: أنت حكيم قد جاء من عند حكيم. هذه هدايا أبعث بها معك الى محمد وأرسل معك ببذرقة يبذرقونك إلى مأمنك.قال: فأهدى الى رسول الله  ثلاث جوار منهم أم إبراهيم ابن رسول الله , وواحدة وهبها رسول الله  لحسان بن ثابت الأنصاري, وأرسل إليه بطرف من طرفهم( ).
فوائد الحديث: فيه دعوة الغير إلى الإسلام والتلطف في الدعوة, وقبول هدية المشرك.
32- قال ابن إسحاق: وحدثني أبي إسحاق بن يسار قال: وكان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف أشد قريشاً؛ فخلا يوماً برسول الله  في بعض شعاب مكة فقال له رسول الله : ((يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟)). قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك. فقال له رسول الله : ((أفرأيت إن صرعتك أتعلم أن ما أقول حق؟)). قال: نعم. قال: ((فقم حتى أصارعك)). قال: فقام ركانة إليه فصارعه؛ فلما بطش به رسول الله  أضجعه لا يملك من نفسه شيئاً ثم قال: عد يا محمد. فعاد فصرعه فقال: يا محمد والله إن هذا للعجب أتصرعني! قال: ((وأعجب من ذلك إن شئت أريكه إن اتقيت الله واتبعت أمري)). قال: وما هو؟ قال: ((أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني)). قال: فادعها. فدعاها فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله فقال لها: ((ارجعي إلى مكانك)). فرجعت إلى مكانها قال: فذهب ركانة الى قومه فقال: يا بني عبد مناف ساحروا صاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ثم أخبرهم بالذي رأى, والذي صنع( ).
33- وقد روى أبو داود والترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر بن محمد ابن ركانة عن أبيه: أن ركانة صارع النبي  فصرعه النبي  ثم قال الترمذي: غريب ولا نعرف أبا الحسن ولا ابن ركانة( ).
34- قال ابن إسحاق: وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر, وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطاً من حوائط بني ظفر على بئر يقال له بئر مرق فجلسا في الحائط, واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه؛ فلما سمعا به قال سعد لأسيد: لا أبا لك! انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أن يأتيا دارينا؛ فإنه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدماً. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ؛ فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال: فوقف عليهما متشتماً فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. وقال موسى بن عقبة: فقال له غلام: أتيتنا في دارنا بهذا الرعيد الغريب الطريد ليتسفه ضعفاءنا بالباطل ويدعوهم إليه.
قال ابن إسحاق: فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته, وإن كرهته كف عنك ما تكره. قال: أنصفت. قال: ثم ركز حربته وجلس إليهما فكلمه مصعب بالإسلام, وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله. ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي. فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وتشهد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً إن اتبعكمالم يتخلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن؛ سعد بن معاذ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأساً, وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت وقد حدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه, وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك. قال: فقام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً مخوفاً للذي ذكر له من بني حارثة وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً ثم خرج إليهما سعد؛ فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف متشتماً ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني أتغشانا في دارنا بما نكره. قال: وقد قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان. قال: فقال له مصعب: أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته, وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره. قال سعد: أنصفت ثم ركز الحربة وجلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن. وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول الزخرف قال: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين. قال: فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق ثم ركع ركعتين ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن الحضير فلما رآه قومه مقبلاً قالوا :نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة؟ قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلماً أو مسلمة, ورجع سعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقاما عنده يدعوان الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون( ).
فوائد الحديث: أن اللين في دعوة الآخرين سبب عظيم لهداية الناس, وفيه أيضاً حسن المعاملة مع المشرك والتلطف به.
35- عن أبي هريرة  عن رسول الله  قال: ((الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))( ).
فوائد الحديث: ترغيب أهل الشرف من غير المسلمين بالإسلام.
قال النووي رحمه الله: ومعناه أن أصحاب المروءات ومكارم الأخلاق في الجاهلية

descriptionتسامح الإسلام مع غير المسلمين Emptyالجزء03

more_horiz
الرواية والحديث عنهم
290- عن عمرو بن الشريد عن أبيه: قال ردفت رسول الله  يوماً فقال: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئاً؟ قلت: نعم. قال: ((هيه)). فأنشدته بيتاً، فقال: ((هيه))، ثم أنشدته بيتاً، فقال: ((هيه))، حتى أنشدته مائة بيت( ).
فوائد الحديث: أن النبي  استنشد من شعر أمية بن أبي الصلت وهو مشرك.
291- عن أبي هريـرة  قـال: قـال رسـول الله : ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))( ).
292- عن عبد الله بن عمرو قال: كان نبي الله  يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عظم (أي أكثره ومعظمه) صلاة( ).

الإحسان إلى غير المسلمين
293- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي  في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم؛ فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم. فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لأرقي ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا؛ فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً؛فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الحمد لله رب العالمين}. فكأنما نشط من عقال؛ فانطلق يمشي وما به قلبة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: أقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي  فنذكر له الذي كان؛ فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له فقال: ((وما يدريك أنها رقية)). ثم قال: ((قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم سهما)). فضحك رسول الله ( ).
294- أن عبد الله بن عمرو: أنه ذبحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله  يقول: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه))( ).
295- عن أبي بصرة الغفاري قال: أتيت النبي  لما هاجرت وذلك قبيل أن أسلم فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها؛ فلما أصبحت أسلمت، وقال عيال رسول الله : نبيت الليلة كما بتنا البارحة جياعاً. فحلب لي رسول الله  شاة فشربتها ورويت فقال لي النبي : ((أرويت؟)). قلت : يا رسول الله قد رويت ما شبعت ولا رويت قبل اليوم. فقال رسول الله : ((إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المؤمن يأكل في معاء واحد))( ).
296- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما كان يوم بدر أتي بالأسارى وأتي بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي  له قميصاً فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي  إياه؛ فلذلك نزع النبي  قميصه الذي ألبسه( ).
قال ابن عيينة: كانت له عند النبي  يد فأحب أن يكافئه.
297- عن عثمان بن أبي سليمان: أن مشركي قريش حين أتوا المدينة في فداء أسراهم كانوا يبيتون في المسجد منهم جبير بن مطعم. قال جبير: فكنت أسمع قراءة النبي ( ).
298- عمران بن حصين: أنهم كانوا مع النبي  في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس؛ فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر, وكان لا يوقظ رسول الله  من منامه حتى يستيقظ، فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي  فنزل وصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا؛ فلما انصرف قال: ((يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا)). قال: أصابتني جنابة فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى وجعلني رسول الله  في ركوب بين يديه وقد عطشنا عطشا شديداً؛ فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة، فقلنا: انطلقي إلى رسول الله  قالت: وما رسول الله؟ فلم نكلمها من أمره حتى استقبلنا بها النبي  فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها مؤتمة، فأمر بمزادتيها فمسح في العزلاوين فشربنا عطاشاً أربعين رجلاً حتى روينا فملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنه لم نسق بعيراً, وهي تكاد تنض من الملء ثم قال: ((هاتوا ما عندكم)). فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها. قالت: لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذلك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا( ).
فوائد الحديث: أن النبي  وأصحابه قابلوا إحسان المرأة بإحسان فلم يتعرضوا لها ولا لقومها.
قبول دعوة غير المسلمين
299-عن أنس: أن يهودياً دعا رسول الله  إلى خبز شعير وأهالة سنخة فأجابه, وقد قال أبان أيضاً: أن خياطاً( ).
300- عن أسماء بنت أبي بكر قالت : كنت مرة في أرض قطعها النبي  لأبي سلمة والزبير في أرض النضير فخرج الزبير مع رسول الله , ولنا جار من اليهود فذبح شاة فطبخت فوجدت ريحها فدخلني من ريح اللحم ما لم يدخلني من شيء قط, وأنا حامل بابنة لي تدعى خديجة، فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأته أقتبس منها ناراً لعلها تطعمني، وما بي من حاجة إلى النار؛ فلما شممت ريحه ورأيته ازددت شراً فأطفأته ثم جئت الثانية أقتبس مثل ذلك، ثم الثالثة، فلما رأيت ذلك قعدت أبكي وأدعو الله فجاء زوج اليهودية فقال: أدخل عليكم أحد؟ قالت: [لا إلا] العربية دخلت تقتبس ناراً. قال: فلا آكل منها أبدا أو ترسلي إليها منها. فأرسلت إلي بقدحة ولم يكن في الأرض شيء أدعى إلي من تلك الأكلة( ). قال ابن بكير: القدحة عرقة .
المن عليهم بالعتق
301- عن علي  قال: كان آخر كلام رسول الله : ((الصلاة الصلاة اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم))( ).
302- عن إسماعيل بن أبي حكيم: أن عمر بن عبد العزيز أعتق غلاماً له نصرانياً( ).
303- عن ابن عمر: أنه أعتق غلاماً له نصرانياً كان وهبه لبعض أهله فرجع إليه في ميراث فأعتقه( ).
304- عن خارجة بن زيد أن أباه أعتق غلاما له مجوسياً( ).
العفو عنهم
305- جاء في وصف النبي : عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت: أخبرني عن صفة رسول الله  في التوراة. قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحزرا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر, ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله, ويفتح بها أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً( ).
306- وقال كعب: نجده مكتوباً محمد رسول الله  لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمادون يكبرون الله عز وجل على كل نجد ويحمدونه في كل منزلة, ويتأزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء, لهم بالليل دوي كدوي النحل, ومولده بمكة ومهاجره بطيبة, وملكه بالشام( ).
307- عن عائشة قالت: سحر النبي  يهودي من يهود بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم حتى كان النبي  يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا النبي  ثم دعا ثم قال: ((يا عائشة أشعرت أن الله جل وعلا قد أفتاني فيما استفتيته؟ قد جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي, وجلس الآخر عند رجلي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، فقال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذي ذروان)). قالت: فأتاها رسول الله  في أناس من أصحابه ثم جاء فقال: ((يا عائشة فكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين)). فقلت: يا رسول الله فهلا أحرقته أو أخرجته؟ قال: ((أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس منه شيئاً))، فأمر بها فدفنت( ).
308- عن عائشة: أن النبي  سحر حتى كان يخيل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه( ).
309- وقال ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب سئل: أعلى من سَحر من أهل العهد قَتل؟ قال : بلغنا أن رسول الله  قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه, وكان من أهل الكتاب( ).
فوائد الحديث: أن النبي  عفا عن اليهودي, وكان بإمكانه الاقتصاص منه.
310- عن سراقة بن خعشم قال: جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله  وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو أسره؛ فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس بني مدلج أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس. فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفا أسودة بالساحل أراها محمداً وأصحابه. قال سراقة: فعرفت أنهم هم فقلت له: إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلاناً انطلقوا بأعيينا، ثم لبثت في المجلس ساعة، ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي, وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فحططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم فعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره؛ فركبت فرسي وعصيت الأزلام تقرب بي حتى سمعت قراءة رسول الله , وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات, ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت؛ فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان؛ فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله . فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم وعرضوا عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني ولم يسألاني إلا أن قال: ((أخف عنا)). فسألته أن يكتب لي كتاب أمن فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله ( ).
فوائد الحديث: أن النبي  عفا عن سراقة مع أنه أراد النيل من النبي .
311- عن أبي هريرة  قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي  شاة فيها سم، فقال النبي : ((اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود)). فجمعوا له فقال: ((إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه)). فقالوا: نعم. قال لهم النبي : ((من أبوكم))؟. قالوا: فلان. فقال: ((كذبتم بل أبوكم فلان)). قالوا: صدقت. قال: ((فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه))؟. فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: ((من أهل النار؟)). قالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها. فقال النبي : ((اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا)). ثم قال: ((هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه)). فقالوا: نعم يا أبا القاسم. قال: ((هل جعلتم في هذه الشاة سماً))؟. قالوا: نعم. قال: ((ما حملكم على ذلك)). قالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح وإن كنت نبياً لم يضرك( ).
312- عن أنس بن مالك : أن يهودية أتت النبي  بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل: ألا نقتلها؟ قال: ((لا)). فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله ( ).
313- عن أبي هريرة  قال: مر رسول الله  على عبد الله بن أبي ابن سلول وهو في ظل أجمة فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة. فقال ابنه عبد الله بن عبد الله: والذي أكرمك والذي أنزل عليك الكتاب لئن شئت لآتينك برأسه. فقال رسول الله : لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته( ).
114- عن شيبة قال: كنت أقول والله لو آمن بمحمد جميع الناس ما آمنت به؛ فلما فتح مكة وخرج إلى هوازن خرجت معه رجاء أن أجد فرصة آخذ بثأر قريش كلها منه قال: فاختلط الناس ذات يوم ونزل رسول الله  عن بغلته فدنوت منه وانتضبت سيفى لأضربه به؛ فرفع لى شواظ من نار كاد يمحشني، فالتفت إليّ رسول الله . وقال: ((يا شيبة ادن منى فدنوت منه فوضع يده على صدرى وقال: اللهم أعذه من الشيطان)). قال: فوالله ما رفع يده حتى لهو يومئذ أحب إلى من سمعى وبصرى، ثم قال: ((اذهب فقاتل)). قال: فتقدمت إلى العدو والله لو لقيت أبى لقتلته لو كان حياً؛ فلما تراجع الناس قال لى: يا شيبة الذى أراد الله بك خير مما أردت لنفسك ثم حدثنى بكل ما كان فى نفسى مما لم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل فتشهدت. وقلت: أستغفر الله فقال: ((غفر الله لك))( ).
315- وقال ابن إسحاق في "المغازي": حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن وفد هوازن أتوا النبي  وقد أسلموا قالوا: يا رسول الله إنا أهل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك؛ فامنن علينا من الله عليك قال: وكان رجل من هوازن يكنى أبا صرد فقال: يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك.. فذكر الحديث والشعر بطوله.
قال ابن حجر رحمه الله: وقد وقع لي هذا الحديث وفيه الشعر عالياً عشاري الإسناد ذكرته في "العشرة العشارية" وأمليته من وجه آخر في "الأربعين المتباينة." وأعل بن عبد البر إسناده بأمر غير قادح قد أوضحته في "لسان الميزان" في ترجمة زياد بن طارق, والله المستعان( ).
316- أنس بن مالك قال: مر يهودي برسول الله  فقال: السام عليك! فقال رسول الله : ((وعليك)). فقال رسول الله : ((أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك)). قالوا : يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: ((لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم))( ).
317- عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي  فقالوا: السام عليك. فقلت: بل عليكم السام واللعنة فقال: ((يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)). قلت: أولم تسمع ما قالوا! قال: ((قلت: وعليكم))( ).
318- عن عائشة قالت: كان على رسول الله  ثوبان قطريان غليظان فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه؛فقدم بز من الشام لفلان اليهودي فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله : ((كذب قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة))( ).
319- عن أبي هريرة : أن النبي  لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل, وقال: يا أبا هريرة اهتف بالأنصار قال: اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه فنادى مناد لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله : ((من دخل داراً فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن)), وعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي  وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي  على الإسلام.
زاد فيه القاسم بن سلام بن مسكين عن أبيه بهذا الإسناد قال: ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: ((ما تقولون وما تظنون؟)). قالوا: نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال: وقالوا ذلك ثلاثاً. فقال رسول الله : أقول كما قال يوسف: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. قال: فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام( ).
320- قال محمد بن اسحاق: حدثني بعض أهل العلم أن رسول الله  قام على باب الكعبة فقال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى؛ فهو موضوع تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج, ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ففيه الدية مغلظة مائة من الابل أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش, إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} الآية كلها ثم قال: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟)). قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم .قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))( ).
321- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه غزا مع رسول الله  قبل نجد؛ فلما قفل رسول الله  قفل معه؛ فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه فنزل رسول الله , وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر ونزل رسول الله  تحت سمرة فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة ثم إذا رسول الله  يدعونا فجئناه؛ فإذا عنده أعرابي جالس فقال رسول الله : ((إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتا فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله فها هو ذا جالس)). ثم لم يعاقبه رسول الله ( ).
322- عن ابن عباس: أن ضماداً قدم مكة كان من أزد شنوءة وكان يرقي من هذه الريح فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون إن محمداً مجنون. فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي. قال: فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من يشاء فهل لك؟ فقال رسول الله : ((إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أما بعد)). قال: فقال: أعد عليّ كلماتك هؤلاء فأعادهن عليه رسول الله  ثلاث مرات قال: فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء؛ فما سمعت مثل كلمات هؤلاء, ولقد بلغن ناعوس البحر. قال: فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام قال: فبايعه فقال رسول الله ، وعلى قومك، قال وعلى قومي قال: فبعث رسول الله  سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟. فقال رجل من القوم: أصبت منهم مطهرة فقال: ردوها؛ فإن هؤلاء قوم ضماد( ).
323- قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية في الحجر بعد مصاب أهل بدر بيسير, وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش, وممن كان يؤذي رسول الله  وأصحابه ويلقون منه عناء وهو بمكة, وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر. قال ابن هشام: والذي أسره رفاعة بن رافع أحد بني زريق.
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن جعفر عن عروة فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان: والله ما أن في العيش [بعدهم] خير قال له عمير: صدقت أما والله لولا دين عليَّ ليس عندي قضاؤه وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي فيهم علة ابني أسير في أيديهم. قال: فاغتنمها صفوان بن أمية فقال: عليّ دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم. فقال له عمير: فاكتم عليّ شأني وشأنك قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم في عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب وقد أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف. فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر, وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر، ثم دخل على رسول الله  فقال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه. قال: فأدخله عليّ. قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها وقال: لمن كان معه من الأنصار أدخلوا على رسول الله  فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث؛ فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله ؛ فلما رآه رسول الله وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه قال: أرسله يا عمر أدن يا عمير فدنا ثم قال: أنعم صباحاً وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم. فقال رسول الله : قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة. قال: أما والله يا محمد إن كنت بها لحديث عهد قال: فما جاء بك يا عمير قال: جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: فما بال السيف في عنقك. قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت شيئاً. قال: اصدقني ما الذي جئت له. قال: ما جئت إلا لذلك. قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً فتحمل لك صفوان بن أمية بدينك وعيالك على أن تقتلني له, والله حائل بينك وبين ذلك. فقال عمير: أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي, وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان؛ فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله فالحمد لله الذي هداني للاسلام, وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله : فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره ففعلوا ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله  فلحق بمكة وكان صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن في أيام تنسيكم وقعة بدر, وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً.
قال ابن إسحاق: فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعوا إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذى شديدا فأسلم على يديه ناس كثير( ).
324- عن أبي هريرة  قال: بعث رسول الله  عشرة رهط سرية عيناً وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر؛ فأنطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم قريباً من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمراً تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحداً. قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم أخبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دثنة ورجل آخر؛ فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم؛ فأبى فقتلوه فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر فابتاع خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا ؛ فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها فأعارته فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب, والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيباً( ).
فوائد الحديث: هذا الحديث من أعظم الأحاديث التي تدل على سماحة الإسلام فقد كان بإمكان خبيب  أن يقتل الغلام وهو يعلم أنهم سيقتلونه, ومع ذلك لم يتعرض له بأذى.
325-قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن [الفضل بن الحسن بن] عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف قالوا: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة ما أحد يغتال محمداً فإنه يمشي في الأسواق فندرك ثأرنا؛ فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله, وقال له: إن أنت وفيتني وخرجت اليه حتى أغتاله فإني هاد بالطريق خريت معي خنجر مثل خافية النسر. قال: أنت صاحبنا وأعطاه بعيراً ونمقه وقال: اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه إلى محمد قال: قال العربي: لا يعلمه أحد فخرج ليلاً على راحلته فسار خمساً وصبح ظهر الحي يوم سادسه ثم أقبل يسأل عن رسول الله  حتى أتى المصلى فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الأشهل فخرج الأعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الأشهل فعقل راحلته ثم أقبل يؤم رسول الله  فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده؛ فلما دخل ورآه رسول الله  قال لأصحابه: إن هذا الرجل يريد غدراً والله حائل بينه وبين ما يريده فوقف وقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال له رسول الله : أنا ابن عبد المطلب فذهب ينحني على رسول الله  كأنه يساره فجبذه أسيد بن حضير, وقال: تنح عن رسول الله  وجذب بداخل إزاره فإذا الخنجر فقال: يا رسول الله هذا غادر فأسقط في يد الأعرابي وقال: دمي دمي يا محمد وأخذه أسيد بن حضير يلببه فقال له النبي : اصدقني ما أنت وما اقدمك فإن معه نفعك الصدق وإن كذبتني فقد اطلعت على ما هممت به. قال العربي: فأنا آمن قال: وأنت آمن فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم صارا من الغد فقال: قد أمنتك فاذهب حيث شئت أو خير لك من ذلك قال: وما هو؟ فقال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك أنت رسول الله والله يا محمد ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي وضعفت ثم اطلعت على ما هممت به؛ فما سبقت به الركبان ولم يطلع عليه أحد فعرفت أنك ممنوع وأنك على حق( ).
326- وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن حميد ثنا سلمة ثنا ابن إسحاق عن زيد بن أبي حبيب قال: وبعث عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب معه: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فإن تسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك). قال: فلما قرأه شقه وقال: يكتب إلي بهذا وهو عبدي قال: ثم كتب كسرى إلى باذام وهو نائبه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به فبعث باذام قهرمانه وكان كاتباً حاسباً بكتاب فارس, وبعث معه رجلاً من الفرس يقال له خرخرة وكتب معهما إلى رسول الله  يأمره أن ينصرف معهما الى كسرى وقال لأباذويه: إيت بلاد هذا الرجل وكلمه وائتني بخبره؛ فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجلاً من قريش في أرض الطائف فسألوه عنه فقال: هو بالمدينة واستبشر أهل الطائف يعني وقريش بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله  فكلمه أباذويه. فقال: شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذام يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك, وقد بعثني إليك لتنطلق معي فإن فعلت كتب لك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك, وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك, ودخلا على رسول الله  وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما؛ فكره النظر اليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا ربنا يعنيان كسرى. فقال رسول الله : ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال: ارجعا حتى تأتياني غداً قال: وأتى رسول الله  الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر كذا وكذا من ليلة كذا وكذا من الليل سلط عليه ابنه شيرويه فقتله. قال: فدعاهما فأخبرهما، فقالا: هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا فنكتب عنك بهذا, ونخبر الملك باذام قال: نعم أخبراه ذاك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى, وينتهي الى الخف والحافر وقولا له: إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء ثم أعطى خرخرة منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذام فأخبراه الخبر. فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبياً كما يقول, وليكونن ما قد قال؛ فلئن كان هذا حقاً فهو نبي مرسل, وإن لم يكن فسنرى فيه رأيا؛ فلم ينشب باذام أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد فإني قد قتلت كسرى وما أقتله إلا غضباً لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم ونحرهم في ثغورهم؛ فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانطلق إلى الرجل الذي كان كسرى قد كتب فيه فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه ؛فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذام قال: إن هذا الرجل لرسول فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن( ).
فوائد الحديث: أن النبي  لم يتعرض لرسولي كسرى مع أنهم جاءا للقبض والنيل من النبي  بل وعفا عنهم.
327- عن ابن إسحاق: كان مسيلمة بن حبيب كتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك فإن لنا نصف الأمر ولقريش نصف الأمر, ولكن قريشاً قوم يعتدون فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب؛ فكتب اليه رسول الله : ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)).
328- قال ابن اسحاق: فحدثني سعد بن طارق عن سلمة بن نعيم بن مسعود عن أبيه قال سمعت رسول الله  حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: وأنتما تقولان مثل ما يقول؟ قالا: نعم. فقال: ((أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما))( ).
العدل مع غير المسلمين
329- عن ابن عمر: أن رسول الله  قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم فغلب على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله  الصفراء والبيضاء ويخرجون منها، فاشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عصمة، فغيبوا مسكاً فيه مال وحلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير، فقال رسول الله : لعم حيي: ((ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟)). فقال: أذهبته النفقات والحروب. فقال : ((العهد قريب المال أكثر من ذلك))، فدفعه رسول الله  إلى الزبير بن العوام فمسه بعذاب, وقد كان حيي قبل ذلك قد دخل خربة فوجدوا المسك في خربة فقتل رسول الله  أبني [أبي] حقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى رسول الله  نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا، وأراد أن يجليهم منها فقالوا : يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها، ولم يكن لرسول الله  ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها؛ فكانوا لا يتفرغون أن يقوموا فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشيء ما بدا لرسول الله , وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم كل عام يخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر قال: فشكوا إلى رسول الله  شدة حرصه وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله أتطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي, ولأنتم أبغض إلي من عدتكم من القردة والخنازير, ولايحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض( ).
330- عن ابن أبي حدرد الأسلمي: أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم فاستعدى عليه فقال: يا محمد أن لي على هذا أربعة دراهم وقد غلبني عليها. فقال: أعطه حقه قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها. قال: أعطه حقه. قال : والذي نفسي بيده ما أقدر عليها قد أخبرته إنك تبعثنا إلى خيبر فأرجو أن تغنمنا شيئا فأرجع فأقضه قال: أعطه حقه قال: وكان النبي  إذا قال ثلاثاً لم يراجع، فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق وعلى رأسه عصابة, وهو متزر ببرد فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها ونزع البردة فقال: أشتر مني هذه البردة فباعها منه بأربعة الدراهم فمرت عجوز فقالت: مالك يا صاحب رسول الله  فأخبرها فقالت: ها دونك هذا ببرد عليها طرحته عليه( ).
331- عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له. فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بن الخطاب بالدرة ثم قال: وما يدريك؟ فقال له اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاض يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام مع الحق فإذا ترك الحق عرجا وتركاه( ).
332- عن الزهري: أن يهودياً جاء إلى عبد الملك بن مروان فقال: إن ابن هرمز ظلمني؛ فلم يلتف إليه ثم الثانية ثم الثالثة فلم يلتفت إليه، فقال له اليهودي: إنا نجد في كتاب الله عز و جل في "التوراة": أن الإمام لا يشرك في ظلم و لا جور حتى يرفع إليه؛ فإذا رفع إليه فلم يغير شرك في الجور و الظلم. قال: ففزع بها عبد الملك و أرسل إلى ابن هرمز فنزعه( ).
333- عن عبد الله بن أبي سفيان يعني ابن الحارث بن عبد المطلب قال: جاء يهودي يتقاضى النبي  فأغلظ للنبي  فهم به أصحابه، فقال رسول الله : ((ما قدس الله أو قال: ما يرحم الله أمة لا يأخذون للضعيف منهم حقه غير متعتع))( ).
334- وله شاهد صحيح عند ابن ماجه، إلا أنه قال أعرابي بدل يهودي: فعن عند ابن ماجه (2426) عن أبي سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي  يتقاضاه ديناً كان عليه؛ فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني, فانتهره أصحابه وقالوا ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي. فقال النبي : ((هلامع صاحب الحق كنتم؟))، ثم أرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها: ((إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضيك))، فقالت: نعم. بأبي أنت يا رسول الله. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى الله لك. فقال: ((أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع))( ).
335- عن عبد الله  قال: قال رسول الله : ((من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان)). قال: فقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك؛ كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي  فقال لي رسول الله : ((ألك بينة؟)). قلت: لا، قال فقال لليهودي: ((احلف)). قال: قلت: يا رسول الله إذاً يحلف ويذهب بمالي؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}، إلى آخر الآية( ).
336- عن شريح قال: لما توجه علي الى حرب معاوية افتقد درعاً له؛ فلما انقضت الحرب ورجع الى الكوفة أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق. فقال له علي: يا يهودي هذه الدرع درعي لم أبع ولم أهب. فقال اليهودي: درعي وفي يدي فقال علي: نصير إلى القاضي فتقدما إلى شريح فجلس علي إلى جنب شريح وجلس اليهودي بين يديه فقال علي: لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس، سمعت رسول الله  يقول: صغروا بهم كما صغر الله بهم. فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين فقال: نعم، إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي لم أبع ولم أهب. فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ فقال: درعي وفي يدي. فقال شريح: يا أمير المؤمنين، بينة. قال: نعم، قنبر والحسن يشهدان أن الدرع درعي. قال: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله  يقول: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه وقاضيه قضى عليه، أشهد أن هذا للحق أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وأن الدرع درعك كنت راكبا على جملك الأورق وأنت متوجه إلى صفين فوقعت منك ليلاً؛ فأخذتها وخرج يقاتل مع علي الشراة بالنهروان فقتل( ).
337- عن يحيى بن محمد يقول: حضرت بالري مجلس موسى بن إسحق في الجامع وقد جلس للحكم فقدم إليه يهودي فصاح اليهودي: أيها القاضي أنا رجل يهودي لا يمكنني أن أدخل المسجد؛ فقام موسى من مجلس الحكم وصار إلى باب المسجد فحكم بينه وبين صاحبه؛ فلم يزل باليهودي حتى أسلم( ).
338-قوله تعالى : إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء:105]. وذلك أن نفراً من الأنصار غزوا مع النبي  في بعض غزواته فسرقت درع لأحدهم فأظن بها رجلاً من الأنصار فأتى صاحب الدرع رسول الله  فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي فأتي به رسول الله ؛ فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء. وقال لنفر من عشيرته: إني قد غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده فانطلقوا إلى نبي الله  ليلاً فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا بريء وإن سارق الدرع فلان, وقد أحطنا بذلك علماً فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك! فقام رسول الله  فبرأه وعذره على رؤوس الناس فأنزل الله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا، يقول: احكم بينهم بما أنزل الله إليك في الكتاب، وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا* وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ الآية، ثم قال للذين أتوا رسول الله عليه السلام ليلاً: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ إلى قوله: أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً، يعني : الذين أتوا رسول الله  مستخفين يجادلون عن الخائن ثم قال: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا، يعني : الذين أتوا رسول الله  مستخفين بالكذب ثم قال: وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، يعنى: السارق والذين يجادلون عن السارق.
وقال ابن جرير الطبري:
339- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: في قوله: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ، الآية قال: كان رجل سرق درعاً من حديد في زمان النبي  وطرحه على يهودي فقال اليهودي: والله ما سرقتها يا أبا القاسم, ولكن طرحت علي! وكان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه ويطرحونه على اليهودي ويقولون: يا رسول الله إن هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به! قال: حتى مال عليه النبي  ببعض القول فعاتبه الله عز وجل في ذلك فقال: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا* وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ، بما قلت لهذا اليهودي، إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، ثم أقبل على جيرانه فقال: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فقرأ حتى بلغ: أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً قال: ثم عرض التوبة فقال: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه، وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا، وإن كان مشركاً: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، فقرأ حتى بلغ: لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ، فقرأ حتى بلغ: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى قال: أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له وخرج إلى المشركين بمكة فنقب بيتاً يسرقه فهدمه الله عليه فقتله، فذلك قول الله تبارك وتعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى، فقرأ حتى بلغ: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا، ويقال: هو طعمة بن أبيرق وكان نازلاً في بني ظفر( ).
مظاهر التسامح في الجهاد
الجهاد في الإسلام مصون بأحكام وقواعد وآداب شرعية كان النبي  يوصي بها قادته حينما يوجههم ليجاهدوا في سبيل الله كما في حديث بريدة( ).
1. النهي عن القتال قبل الدعوة.
2. النهي عن قتل النساء والصبيان ومن لا يقاتل كالرهبان والقساوسة ومن فـي حكمهم.
3. النهي عن الغدر والمثلة.
4. الأمر بالوفاء بالعهود والواثيق.
340- عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كانرسول الله  إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال: ((اغزوا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام؛ فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين, وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم مـا على المهاجرين؛ فإن أبوا أن يتحولوا منهـا فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجـري على المؤمنين, ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهـدوا مع المسلمين؛ فإن هم أبوا فسلهم الجزية؛ فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم))( ).
341- وقال أبو بكر الصديق في وصيته لجيوش المسلمين قال: لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة, سوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له( ).
342- وفي وصية عمر كذلك لجيوش المسلمين: فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً( ).
343- وأخرج الترمذي(1548) كتاب السير في ما جاء في الدعوة قبل القتال عن أبي البختري: أن جيشاً من جيوش المسملين كان أميرهم سلمان الفارسي حاصروا قصراً من قصور فارس فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال: دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله  يدعوهم فأتاهم سلمان فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي ترون العرب يطيعونني فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا وعليكم مثل الذي علينا, وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون. قال:ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين وإن أبيتم نابذناكم على سواء. قالوا: ما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا ثم قال: انهدوا إليهم قال: فهندنا إليهم ففتحنا ذلك القصر( ).
344- وعن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله  علي بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم ثم بعث إليه رجلاً فقال : ((لا تدعه من خلفه وقل له: لا تقاتلهم حتى تدعوهم))( ).
345- عن ابن عباس قال: ما قاتل النبي  قوماً حتى يدعوهم( ).
346- عن أبي بن كعب  قال: أتى رسول الله  بأسارى من اللات والعزى قال: فقال رسول الله : هل دعوهم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا فقال لهم: هل دعوكم إلى الإسلام؟ فقالوا: لا، قال :خلوا سبيلهم حتى يبلغوا مأمنهم ثم قرأ رسول الله  هاتين الآيتين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى، إلى آخر الآية( ).
347- عن خالد بن سعيد قال: بعثني رسول الله  إلى اليمن فقال: ((من لقيت من العرب فسمعت فيهم الأذان فلا تعرض لهم, ومن لم تسمع فيهم الأذان فادعهم إلى الإسلام فإن لم يجيبوا فجاهدهم))( ).
348- وعن أبي وائل قال: كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رسيم ومهران وملأ فارس؛ سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإنا ندعوكم إلى الإسلام؛ فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون؛ فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر, والسلام على من اتبع الهدى( ).
349- عن عبدالله: أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله  مقتولة فأنكر رسول الله  قتل النساء والصبيان( ).
350- عن الزهري عن ابن أخي كعب بن مالك عن عمه : أن رسول الله  لما بعثهم إلى ابن أبي الحقيق نهاهم عن قتل النساء والصبيان( ).
351- عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كان رسول الله  إذا بعث سرية قال: ((بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان))( ).
352- عن ابن عباس: عن رسول الله : أنه كان إذا بعث جيوشه قال: ((أخرجوا باسم الله فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع))( ).
353- عن الأسود بن سريع قال: أفضى بهم القتل إلى أن قتلوا الذرية فبلغ النبي  فقال: ((أوليس خياركم أولاد المشركين ما من مولود يولد إلا على فطرة الإسلام حتى يعرب فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه))( ).
354- عن عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله  يقول: ((أيما رجل أمن رجلا على دمه ثم قتله؛ فأنا من القاتل بريء و وإن كان المقتول كافراً))( ).
355- عن أنس بن مالك: أن رسول الله &

descriptionتسامح الإسلام مع غير المسلمين Emptyرد: تسامح الإسلام مع غير المسلمين

more_horiz
جزاك الله كل خير على الموضوع الرائع تسلم أديك

descriptionتسامح الإسلام مع غير المسلمين Emptyرد: تسامح الإسلام مع غير المسلمين

more_horiz
شكرا على الموضوع الرووووعة
تقبلي مروري
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد