منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


descriptionالجزء 02 Emptyالجزء 02

more_horiz
حرمة أموالهم وأعراضهم
82- عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي  ثلاثين ومائة فقال النبي : ((هل مع أحد منكم طعام)). فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها. فقال النبي : ((بيعاً أم عطية أو قال أم هبة؟)). قال: لا بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت, وأمر النبي  بسواد البطن أن يشوى, وأيم الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حز النبي  له حزة من سواد بطنها إن كان شاهداً أعطاها إياه وإن كان غائباً خبأ له؛ فجعل منها قصعتين فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه على البعير أو كما قال( ).
قوله: رجل مشعان، أي منتفش الشعر و في الأصل مشعان أي طويل جداً فوق الطويل.
فوائد الحديث: أن الإسلام لم يحل مال الكافر إلا بطيب نفس منه كما فعل النبي  في هذا الحديث فاشترى منه.
83- عن العرباض بن سارية السلمي قال: نزلنا مع النبي  خيبر ومعه من معه من أصحابه، وكان صاحب خيبر رجلاً مارداً (المارد العاتي) منكرا؛ فأقبل إلى النبي  فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ فغضب يعني النبي  وقال: ((يا ابن عوف اركب فرسك ثم ناد ألا إن الجنة لاتحل إلا لمؤمن, وأن اجتمعوا للصلاة)). قال: فاجتمعوا ثم صلى بهم النبي  ثم قام فقال: ((أيحسب أحدكم متكئاً على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئاً إلا ما في هذا القرآن ألا وإني والله قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء إنها لمثل القرآن أو أكثر, وإن الله تعالى لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن, ولاضرب نسائهم, ولا أكل ثمارهم إذا أعطوكم الذي عليهم))( ).
فوائد الحديث: حرمة التعرض لأموال أهل الذمة والعهد وأعراضهم.
84- عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله  عن آبائهم دنية (دنية بكسر الدال وسكون النون وفتح الياء معناه لاصقو النسب متصلو النسب)، عن رسول الله  قال: ((ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس ؛فأنا حجيجه (أي أنا الذي أخاصمه وأحاجه) يوم القيامة))( ).
فوائد الحديث: حرمة ظلم أهل الذمة والعهد.
85- عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله  أنه قال: ((ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه لايوشك رجل شبعان على أريكته (السرير) يقول عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه, وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع, ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها))( ).
فوائد الحديث: إذا كان الله حرم لقطة المعاهد فمن باب أولى دمه وعرضه وماله.
86- عن ابن أبي رواد: أن جيشاً مروا بزرع رجل من أهل الذمة فأرسلوا فيه دوابهم وحبس رجل منهم دابته, وجعل يتبع بها المرعى ويمنعها من الزرع؛ فجاء الذمي صاحب الزرع إلى الذي حبس دابته فقال: كفانيك الله - أو قال كفاني الله بك - فلولا أنت كفيت هؤلاء, ولكن إنما يدفع عن هؤلاء بك( ).
فوائد الحديث: أن التعرض لأهل الذمة والعهد سبب لعقاب الله وسخطه.
87- عن رجل من جهينة قال: قال رسول الله : ((لعلكم تقاتلون قوماً فتظهرون عليهم؛ فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فيصالحونكم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك؛ فإنه لا يصلح لكم)). قال: فصحبت الجهني إلى أرض الروم؛ فما رأيت رجلاً أتقى للأرض أن يصيب منها شيئاً منه( ).
88- عن خالد بن الوليد  قال: غزوت مع رسول الله  خيبر فأتت اليهود فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم فقال رسول الله : ((ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها, وحرام عليكم حمر الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير))( ).
89- عن أبي هريرة  قال: سمعت أبا القاسم  يقول: ((من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال))( ).
عن الزهري قال: إذا قذف اليهودي والنصراني عزر قاذفه( ).
90- عن عكرمة قال: لو أوتيت برجل قذف يهودياً أو نصرانياً وأنا وال لضربته( ).
91- عن عمار بن ياسر  قال: قال رسول الله : ((من ضرب مملوكه ظلماً أقيد منه يوم القيامة))( ).
فوائد الأحاديث: حرمة التعرض للمماليك وهم في الأغلب من غير المسلمين بأذى أو ظلم أو انتقاص حق.
حرمة أذيتهم وظلمهم
92-عن عروة بن الزبير: أن هشام بن حكيم رأى ناساً من أهل الذمة قياماً في الشمس فقال: ما هؤلاء؟ فقالوا: من أهل الجزية، فدخل على عمير بن سعد, وكان على طائفة الشام فقال هشام: سمعت رسول الله  يقول: ((من عذب الناس في الدنيا عذبه الله تبارك وتعالى)). فقال عمير: خلوا عنهم( ).
فوائد الحديث: أنكر الصحابي ظلم أهل الكتاب أو تحميلهم فوق طاقتهم, وفيه أيضاً فضل السلف وسرعة استجابتهم للنصيحة.
93- عن أبي بشر قال: سمعت سعيد بن جبير عن أبي موسى عن النبي  قال: ((من سمع يهودياً أو نصرانياً دخل النار))( ).
94- عن أنس بن مالك  قال: قال رسول الله : ((اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنه ليس دونها حجاب))( ).
فوائد الحديث: أن ظلم الكافر لا يجوز وأن المسلم عليه أن يحذر من ظلمهم لأن الله يستجيب للمظلوم, وإن كان كافراً ومشركاً.
95- عن أبي هريرة  قال: بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئاً كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار؛ فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر والنبي  بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً؛ فما بال فلان لطم وجهي فقال: ((لم لطمت وجهه)). فذكره، فغضب النبي  حتى رئي في وجهه ثم قال: ((لا تفضلوا بين أنبياء الله؛ فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى؛ فأكون أول من بعث؛ فإذا موسى آخذ بالعرش؛ فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي, ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى))( ).
فوائد الحديث: فيه بيان عدل الإسلام وأن اليهودي رفع مظلمته إلى النبي , وأنه قام عندهم أن أهل العهد والذمة لا يجوز التعرض لهم، ولذلك قال للنبي  إن لي عهداً وذمة.
الوفاء بالعهود والمواثيق
96- عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي  قال: ((شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه))( ).
قال ابن حجر: وكان جمع من قريش اجتمعوا فتعاقدوا على أن ينصروا المظلوم وينصفوا بين الناس ونحو ذلك من خلال الخير واستمر ذلك بعد المبعث, ويستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام, وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم( ).
قلت: فهذا العهد في الجاهلية حرص النبي  على الوفاء به؛ فلا شك أن العهود في الإسلام أولى بالحرص على الوفاء بها.
97- وحديث جبير بن مطعم هو ما رواه مسلم (2530) عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله : ((لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهليةلم يزده الإسلام إلا شدة)).
98- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : ((أوفوا الحلفاء عهودهم التي عقدت أيمانكم))( ).
99- حذيفة بن اليمان  قال: ما منعنى أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، قال: فأخذنا كفار قريش قالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده ما نريد إلا المدينة؛ فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة, ولا نقاتل معه؛ فأتينا رسول الله  فأخبرناه الخبر. فقال: ((انصرفا نفي بعهدهم ونستعين الله عليهم))( ).
فوائد الحديث: وفيه أن النبي  أمر بوفاء العهد للمشركين مع أنهم من أهل الحرب.
100- عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه قالا: خرج رسول الله  زمن الحديبية حتى كانوا ببعض الطريق قال النبي : ((إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين)). فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض نذيراً لقريش وسار النبي  حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته. فقال الناس: حل حل فألحت فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء، فقال النبي : ((ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل)). ثم قال: ((والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)). ثم زجرها فوثبت، قال: فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضاً؛ فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكي إلى رسول الله  العطش فانتزع سهماً من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه؛ فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة, وكانوا عيبة نصح رسول الله  من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال رسول الله : ((إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم؛ فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس؛ فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا, وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره)). فقال بديل: سأبلغهم ما تقول. قال: فانطلق حتى أتى قريشاً قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء, وقال ذوو الرأي منهم: هات! ما سمعته يقول قال: سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي ، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم أولست بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولستم بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهمونني؟ قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة رشد اقبلوها ودعوني آتيه. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم النبي  . فقال النبي  نحواً من قوله لبديل. فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك, وإن تكن الأخرى؛ فإني والله لأرى وجوهاً، وإني لأرى أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص ببظر اللات أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي ، فكلما تكلم أخذ بلحيته, والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي  ومعه السيف وعليه المغفر؛ فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ، ضرب يده بنعل السيف وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله  فرفع عروة رأسه فقال: من هذا ؟ قالوا: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك, وكان المغيرة صحب قوماً فـي الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم. فقال النبي : ((أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء)). ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي  بعينه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله  نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده, وما يحدون إليه النظر تعظيماً له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد  محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره, وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه, وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له, وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه فقالوا ائته؛ فلما أشرف على النبي  وأصحابه قال رسول الله : ((هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له)). فبعثت له واستقبله الناس يلبون؛ فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت؛ فلما رجع إلى أصحابه قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت. فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آتيه. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قال النبي : ((هذا مكرز وهو رجل فاجر)). فجعل يكلم النبي ، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.
قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل بن عمرو قال النبي : ((لقد سهل لكم من أمركم)). قال: معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتاباً، فدعا النبي  الكاتب، فقال النبي : ((بسم الله الرحمن الرحيم)). قال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي : ((اكتب باسمك اللهم)). ثم قال: ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)). فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال النبي : ((والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله)). قال الزهري: وذلك لقوله: ((لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)). فقال له النبي : ((على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به)). فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل. فكتب. فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا. قال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين, وقد جاء مسلماً. فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده, وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ. فقال النبي : ((إنا لم نقض الكتاب بعد)). قال: فوالله إذاً لم أصالحك على شيء أبداً. قال النبي : ((فأجزه لي)). قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: ((بلى فافعل)). قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بل قد أجزناه لك قال أبو جندل: أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذاباً شديداً في الله. قال: فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبي الله  فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: ((بلى)). قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: ((بلى)). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: ((إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري)). قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: ((بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام))؟. قال: قلت: لا. قال: ((فإنك آتيه ومطوف به)). قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله  وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق؟ قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به. قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله  لأصحابه: ((قوموا فانحروا ثم احلقوا)). قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات؛ فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يانبي الله أتحب ذلك، أخرج لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه؛ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل غماً ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ – حتى بلغ - بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ). فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. ثم رجع النبي  إلى المدينة؛ فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى إذا بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير: لأحد الرجلين والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيداً فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت. فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله  حين رآه: ((لقد رأى هذا ذعرا)). فلما انتهى إلى النبي  قال: قُتل والله صاحبي وإني لمقتول. فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم نجاني الله منهم. قال النبي : ((ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد)). فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة؛ فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم؛ فأرسلت قريش إلى النبي  تناشده بالله والرحم لما أرسل؛ فمن آتاه فهو آمن فأرسل النبي  إليهم فأنزل الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ - حتى بلغ - الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ). وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت.
قال أبو عبد الله: معرة: العر الجرب. تزيلوا: تميزوا. حميت القوم منعتهم حماية وأحميت الحمى جعلته حمى لا يدخل( ).
القترة: الغبار الأسود. ثنية المرار: مهبط الحديبية وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية. خلأت القصواء: الخلاء للإبل كالحران للخيل. قوله: على ثمد: أي حفيرة فيها ماء مثمود أي قليل. يتبرضه الناس: هو الأخذ قليلاً قليلاً. وكانوا عيبة نصح: العيبة ما توضع فيه الثياب لحفظها، أي أنهم موضع النصح له والأمانة. ومعهم العوذ المطافيل: العوذ جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن، والمطافيل الأمهات اللاتي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كنى بذلك عن النساء معهن الأطفال, والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام, قوله حتى تنفرد سالفتي: السالفة صفحة العنق( ).
فوائد الحديث: في قول النبي  للمغيرة: (أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء): تحريم الغدر ولو كان مع المشركين والمحاربين.
(1) وسيأتي تمام الحديث عن فوائده. وفي رواية عند أبي داود (2766) باب في صلح العدو، وإسنادها صحيح:
101- عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: أنهم اصطلحوا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيهن الناس وعلى أن بيننا عيبة مكفوفة، وأنه لا إسلال ولا إغلال.
العيبة هنا مثل ضربه والمكفوفة المشرجة المشدودة، والإسلال من السلة وهي السرقة. والإغلال: الخيانة. أغل الرجل إذا خان.
الشروط العمرية
102- عن عبد الرحمن بن غنم قال: كتبت لعمر بن الخطاب  حين صالح نصارى أهل الشام: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا، وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدائننا ولا فيما حولها ديراً ولا قلاية ولا كنيسة ولا صومعة راهب.
قال ابن القيم: وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها؛ فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها.
وقال ابن القيم رحمه الله: ذكر أبو القاسم الطبري من حديث أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا عبيد بن جناد حدثنا عطاء بن مسلم الحلبي عن صالح المرادي عن عبد خير قال: رأيت علياً صلى العصر فصف له أهل نجران صفين؛ فناوله رجل منهم كتاباً فلما رآه دمعت عينه ثم رفع رأسه إليهم قال: يا أهل نجران هذا والله خطي بيدي وإملاء رسول الله  فقالوا: يا أمير المؤمنين أعطنا ما فيه. قال: ودنوت منه فقلت: إن كان راداً على عمر يوماً؛ فاليوم يرد عليه. فقال: لست براد على عمر شيئاً صنعه، إن عمر كان رشيد الأمر, وإن عمر أخذ منكم خيراً مما أعطاكم، ولم يجر عمر ما أخذ منكم إلى نفسه إنما جره لجماعة المسلمين.
وذكر ابن المبارك عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن علياً  قال لأهل نجران: إن عمر كان رشيد الأمر ولن أغير شيئاً صنعه عمر.
وقال الشعبي: قال علي حين قدم الكوفة: ما جئت لأحل عقدة شدها عمر( ).
فوائد الحديث: فيه حرص الأئمة والخلفاء على احترام العهود والمواثيق والوفاء بها كما في هذه الآثار.
103-عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون (البرذون ضرب من الدواب) وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر؛ فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت رسول الله  يقول: ((من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها (الأمد الغاية) أو ينبذ إليهم على سواء, فرجع معاوية))( ).
104- عن سعد بن أبي وقاص  قال: لما قدم النبي  المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك نزلت بين أظهرنا؛ فأوثق لنا حتى نأمنك وتأمنا قال: فأوثق لهم ولم يسلموا( ).
105-عن سراقة  قال: أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فجعلت لا أمر على مقنب من مقانب الأنصار إلا قرعوا رأسي وقالوا: إليك إليك فلما انتهيت إليه رفعت الكتاب وقلت: أنا يا رسول الله. قال: وقد كان كتب لي أماناً في رقعة، فقال النبي : نعم اليوم يوم وفاء وبر وصدق( ).
106- عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله  فقال: ((يامعشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً منء غيرهم فأخذوا بعض مافي بأيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))( ).
فوائد الحديث: أن نقض العهود والمواثيق سبب من الأسباب التي يعذب الله بها العباد.
107- عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه نعيم قال: سمعت رسول الله  يقول لهما حين قرأ كتاب مسيلمة: ((ما تقولان أنتما؟)). قالا: نقول: كما قال. قال: ((أما والله لولا أن الرسل لاتقتل لضربت أعناقكما))( ).
فوائد الحديث: أن الرسل والسفراء ومن هو على شاكلتهم لا يجوز التعرض لهم. 108- عن حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله فقال: ما بيني وبين أحد من العرب حنة (الضغن) وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم، غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله  يقول: ((لولا أنك رسول لضربت عنقك))، فأنت اليوم لست برسول؛ فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال: من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلاً بالسوق( ).
109-عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار؛ فلما قدمنا حمص قال لي عبيد الله بن عدي: هل لك في وحشي نسأله عن قتله حمزة؟ قلت: نعم, وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت. قال: فجئنا حتى وقفنا عليه يسيراً فسلمنا فرد السلام قال: عبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه. فقال عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال: فنظر إليه ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص فولدت له غلاماً بمكة فكنت أسترضع له؛ فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فلك - أني نظرت إلى قدميك قال: فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال: نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر. قال: فلما أن خرج الناس عام عينين وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد خرجت مع الناس إلى القتال؛ فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال: هل من مبارز قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع با ابن أم أنمار مقطعة البظور أتحاد الله ورسوله ؟ قال: ثم أشد عليه فكان كأمس الذاهب. قال: وكمنت لحمزة تحت صخرة؛ فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته حتى خرجت من بين وركيه قال؛ فكان ذاك العهد به؛ فلما رجع الناس رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا فيها الإسلام ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله  رسولاً فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل قال؛ فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله  فلما رآني قال: ((آنت وحشي))؟. قلت :نعم قال: ((أنت قتلت حمزة)). قلت: قد كان من الأمر ما بلغك قال: ((فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني)). قال: فخرجت، فلما قبض رسول الله  فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال: فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس قال: فرميته بحربتي فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال: قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله ابن عمر يقول: فقالت جارية على ظهر بيت: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود( ).
مقطعة البظور: هي اللحمة التي تقطع من فرج المرأة عند الختان. قال ابن إسحاق: كانت أمه ختانة بمكة تختن النساء، والعرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم( ).
فوائد الحديث: أن النبي  كان لا يتعرض للرسل, وأن الرسل في مأمن وإن كانوا فعلوا ما يستوجب القصاص .
110- عن أبي رافع أنه أقبل بكتاب من قريش إلى رسول الله  قال: فلما رأيت النبي  ألقي في قلبي الإسلام فقلت: يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله : ((إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع إليهم؛ فإن كان في قلبك الذي في قلبك الآن فارجع)). قال: فرجعت إليهم ثم إني أقبلت إلى رسول الله  فأسلمت. قال بكير: وأخبرني أن أبا رافع كان قبطياً( ).
قال الخطابي( ): يشبه أن يكون المعنى في ذلك أن الرسالة تقتضي جواباً والجواب لا يصل إلى المرسل إلا مع الرسول بعد انصرافه فصار كأنه عقد له العقد مدة مجيئه ورجوعه.
قال: وفي قوله لا أخيس بالعهد أن العهد يراعى مع الكافر كما يراعى مع المسلم, وأن الكافر إذا عقد لك عقد أمان فقـد وجب عليك أن تؤمنه ولا تغتاله في دم ولا مال ولا منفعة( ).
111- عن سهل بن أبي حثمة قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه، ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ، فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: ((كبر كبر)). وهو أحدث القوم فسكت، فتكلما فقال: ((تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم)). قالوا :وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: ((فتبرئكم يهود بخمسين)). فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي  من عنده( ).
فوائد الحديث: رفض النبي  أن يتعرض لليهود مع غلبة الظن في قتل عبد الله بن سهل، لأن اليهود كانوا أهل عهد وذمة.
112- عن عبد الله بن عباس: أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارا بالشأم في المدة التي ماد فيها رسول الله ... تقدم الحديث( ).
قال ابن حجر: قال ابن بطال: أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم وليس هو من صفات الرسل( ).
113- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((أربع خلال من كن فيه كان منافقا خالصاً من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها))( ).
قال ابن حجر: الغدر حرام باتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي.
وقال أيضا: وفيه علم من أعلام النبوة والتوصية بالوفاء لأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع المسلمين, وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئا فتضيق أحوالهم( ).
114- عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم النبي  المدينة جاءت جهينة فقالوا له: أنت قد نزلت بين أظهرنا فما وثقنا حتى نأمنك وتأمنا قال: فأوثق لهم ولم يسلموا( ).
115- وبوّب البخاري أيضاً في (كتاب الجزية والموادعة)، (باب إثم الغادر للبر والفاجر): عن أنس: عن النبي  قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة قال أحدهما ينصب وقال الآخر يرى يوم القيامة يعرف به))( ).
116- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة))( ).
قال النووي: وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين, وقيل لأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء كما جاء في الحديث الصحيح في تعظيم كذب الملك, والمشهور أن هذا الحديث وارد في ذم الإمام الغادر, وذكر القاضي عياض احتمالين أحدهما هذا, وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته وللكفار وغيرهم( ).
117- عن جابر قال: قال رسول الله : ((لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم))( ).
118- عن عاصم بن عبيد الله أن النبي  قـال: ((إنها ستكون من بعدي أمراء يصلون الصلاة لوقتها ويؤخرونها عن وقتها فصلوها معهم؛ فإن صلوها لوقتها وصليتموها معهم فلكم ولهم, وإن أخروها عن وقتها فصليتموها معهم فلكم وعليهم، من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية, ومن نكث العهد ومات ناكثاً للعهد جاء يوم القيامة لا حجة له)). قلت له: من أخبرك هذا الخبر؟ قـال: أخبرنيه عبـد الله بن عامر بن ربيعـة عن أبيه عامر بن ربيعة يخبر عامر بن ربيعة عن النبي ( ).
119-قال ابن إسحاق: ولما انتهى رسول الله  الى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة صاحب إيلة فصالح رسول الله  وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح وأعطوه الجزية, وكتب لهم رسول الله  كتاباً فهو عندهم، وكتب ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن رؤبة وأهل إيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر؛ فمن أحدث منهم حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه, وأنه طيب لمن أخذه من الناس, وأنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقاً يردونه من بر أو بحر)). زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق بعد هذا: وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله ( ).
120-وعن إبن اسحاق قال: وكتب لأهل جرباء وأذرح: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي رسول الله  لأهل جرباء وأذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد, وأن عليهم مائة دينار في كل رجب ومائة أوقية طيبة, وأن الله عليهم كفيل بالنصح والإحسان إلى المسلمين, ومن لجأ اليهم من المسلمين)). قال: وأعطى النبي  أهل أيلة برده مع كتابه أماناً لهم قال: فاشتراه بعد ذلك أبو العباس عبد الله بن محمد بثلثمائة دينار( ).
121- وقال ابن إسحق: وكتب للأسقف هذا الكتاب ولأساقفة نجران بعده: ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك جوار الله ورسوله أبداً ما أصلحوا ونصحوا عليهم غير مبتلين بظلم ولا ظالمين)). وكتب المغيرة بن شعبة( ).
122- عن ابن عباس قال: صالح رسول الله  أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعاً، وثلاثين فرساً، وثلاثين بعيراً، وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد أو غدرة على أن لاتهدم لهم بيعة ولايخرج لهم قس ولايفتنوا على دينهم ما لم يحدثوا حدثاً أو يأكلوا الربا( ).
123- عن سويد بن غفلة قال: كنا مع عمر بن الخطاب  وهو أمير المؤمنين بالشام فأتاه نبطي مضروب مشجج مستعدي فغضب غضباً شديداً فقال لصهيب: انظر من صاحب هذا فانطلق صهيب؛ فإذا هو عوف بن مالك الأشجعي فقال له: إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً فلو أتيت معاذ بن جبل فمشى معك إلى أمير المؤمنين؛ فإني أخاف عليك بادرته فجاء معه معاذ؛ فلما انصرف عمر من الصلاة قال: أين صهيب فقال: أنا هذا يا أمير المؤمنين قال: أجئت بالرجل الذي ضربه؟ قال: نعم. فقام إليه معاذ بن جبل فقال: يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه ولا تعجل عليه. فقال له عمر: ما لك ولهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها: فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار ثم تغشاها ففعلت ما ترى. قال: ائتني بالمرأة لتصدقك فأتى عوف المرأة فذكر الذي قال له عمر  قال أبوها وزوجها: ما أردت بصاحبتنا فضحتها فقالت المرأة: والله لأذهبن معه إلى أمير المؤمنين؛ فلما أجمعت على ذلك قال أبوها وزوجها: نحن نبلغ عنك أمير المؤمنين، فأتيا فصدقا عوف بن مالك بما قال. قال: فقال عمر لليهودي: والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب. ثم قال: يا أيها الناس فوا بذمة محمد  فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له. قال سويد بن غفلة: وإنه لأول مصلوب رأيته. تابعه بن أشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك( ).
فوائد الحديث: فيه سماحة وعدل الإسلام فقد غضب عمر  لظلم المعاهد.
124- عن أنس بن مالك قال: ما خطبنا نبي الله  إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له))( ).
125- وقال محمد بن اسحاق: فلما رأى رسول الله  ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله عز وجل ومن عمه أبي طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه؛ فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله  إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة, وفرارا إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة كانت في الاسلام( ).
126- عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي  قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة, وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدماً كثيراً, ولم يتركوا من بطارقته بطريقاً إلا أهدوا له هديـة، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي, وأمروهما وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا فقدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار وخير جار؛ فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ثم قال لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم, وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم, وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم؛ فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم؛ فإن قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فقالوا لهما: نعم ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا له: أيها الملك إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت, وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم. فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك قومهم أعلى بهم عيناً وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليردانهم إلى بلادهم وقومهم قال: فغضب النجاشي ثم قال: لا هايم الله إذاً لا أسلمهم إليهما ولا أكاد قوماً جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم؛ فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في أمان المشرك, فقد كان النجاشي مشركاً لما أمنهم ودخلوا في أمانه, وفيه ما تعارف عليه السلاطين والملوك من قبل الإسلام وأقره الإسلام من احترام المستأمن والوفاء بعهده.
127- عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين, ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله  طرفي النهار بكرة وعشية؛ فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي. قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخرج؛ فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار؛ فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش. فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق. فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر. وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل وليقرأ ما شاء, ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به؛ فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر؛ فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز؛ فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه, وكان أبو بكر رجلاً بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين؛ فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة, وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل, وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك؛ فإنا كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال: قد علمت الذي عقدت لك عليه؛ فإما أن تقتصر على ذلك, وإما أن ترد إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له. قال أبو بكر: إني أرد لك جوارك وأرضى جوار الله, ورسول الله  يومئذ بمكة( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في أمان المشرك.
128- عن ذي مخمر عن النبي  قال: ((تصالحون الروم صلحاً آمنا وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم فتسلمون وتغنمون ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم إليه رجل من الروم فيرفع الصليب ويقول: ألا غلب الصليب فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله؛ فعند ذلك تغدر الروم وتكون الملاحم فيجتمعون إليكم فيأتونكم في ثمانين غاية مع كل غاية عشرة آلاف))( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في صلح مع المشركين, وسيبقى المسلمون يتصالحون إلى آخر الزمان كما في هذا الحديث.
129- عن جابر  قال: كتب رسول الله  على كل بطن عقولة( ).
130- وقال محمد بن إسحاق: كتب رسول الله  كتاباً بين المهاجرين والانصار وادع فيه اليهود, وعاهدهم, وأقرهم على دينهم وأموالهم, واشترط عليهم؛ وشرط لهم: ((بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم, وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين))، ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار: بني ساعدة وبني جشم وبني النجار وبني عمرو بن عوف وبني النبيت إلى أن قال: ((وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل, ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه, وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيسة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين, وإن أيديهم عليه جميعهم ولو كان ولد أحدهم, ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر, ولا ينصر كافر على مؤمن, وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم, وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس, وأنه من تبعنا من يهود؛ فإن له النصر والأسوة غير مظلومين, ولا متناصر عليهم, وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم, وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً, وإن المؤمنين يبىء بعضهم بعضاً بما نال دماءهم في سبيل الله, وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه, وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن, وإنه من اغتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلى أن يرضى ولي المقتول, وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم الا قيام عليه, وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثاً ولا يؤويه, وإنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة, ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل, وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء؛ فإن مرده الى الله عز وجل وإلى محمد , وإن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين, وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته, وإن ليهود بني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وجفنة وبني الشطنة مثل ما ليهود بني عوف, وإن بطانة يهود كأنفسهم وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ولا ينحجر على ثار جرح، وإنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم, وإن الله على أثر هذا, وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم, وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة, وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم, وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه, وإن النصر للمظلوم, وإن يثرب حرام حرفها لأهل هذه الصحيفة, وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم, وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها, وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده؛ فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله, وإن الله على من اتقى ما في هذه الصحيفة وأبره, وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب, وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه, وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم, وإنه من خرج آمن, ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم, وإن الله جار لمن بر واتقى))( ).
فوائد الحديث: جواز الدخول في صلح مع المشركين سواء أكانوا من أهل الكتاب أو غيرهم.
جواز الصدقة على أهل الذمة والعهد والأمان إذا كانوا فقراء
131- عن ابن عباس قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الاية: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:272]( ).
132- وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي حدثني أبي عن أبيه حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي  أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام حتى نزلت هذه الآية: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين( ).
133- وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها فسألت عائشة النبي  فأنزل الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلى آخر الآية، فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. والحديث أصله في الصحيحين وسيأتي( ).
وقال ابن كثير في قوله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [الإنسا

descriptionالجزء 02 Emptyرد: الجزء 02

more_horiz
الجزء 02 WBPyVN03211834
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد