بسم الله الرحمن الرحيم
يروي لنا صاحب القصة ويقول:
لـم أكن قد تجاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أول أبنائي، مازلت أذكر تلك الليلة ، كنت سهراناً مع الشلة في إحدى الشاليهات، كانت سهرة حمراء بمعنى الكلمة ، أذكر ليلتها أني أضحكتهم كثيراً ، كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليــد،
فإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه ، أجل كنت أسخر من هذا وذاك ، لم يسلم أحد مني حتى شلتي ، صار بعض الرجال يتجنبني كي يسلم من لساني وتعليقاتي اللاذعة.
تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسول في السوق ، والأدهى أني وضعت قدمي أمامه ليتعثر. تعثر وانطلقت ضحكتي التي دوت في السوق، عدت إلى بيتي متأخراً، وجدت زوجتي في انتظاري ، كانت في حالة يرثى لها!!
أين كنت ياراشد !! في المريخ (أجبتها ساخرا) عند أصحابي بالطبع ، كانت في حالة يرثى لها ، قالت والعبرة تخنقها : راشد ..أنا تعبة جداً..الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكاً ، صقطت دمعة صامتة على جبينها ، أحسست أني أهملت زوجتي ، كان المفروض أن أهتم بها وأن أقلل من سهراتي خاصة أنها في الشهر التاسع ، قاست زوجتي الآلام يوماً وليلة في المستشفى، حتى رأى طفلي النور ، لم أكن في المستشفى ساعتها ، تركت رقم هاتف المنزل وخرجت ، اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ، حين وصلت المستشفى طلب مني أن أراجع الطبيبة ، أي طبيبة؟ المهم الآن أن أرى ابني سالم ، لابد من مراجعة الطبيبة، أجابتني موظفة الإستقبال بحزم!
صدمت حين عرفت أن إبني (به تشوه في عينيه ومعاق في بصره )! تذكرت المتسول ، سبحان الله ، كما تدين تدان !!
لم تحزن زوجتي ، كانت مؤمنة بقضاء الله راضية ، طالما نصحتني طالما طلبت مني أن أكف في تقليد الآخرين ،كلا هي لا تسميه تقليدا بل غيبة ، ومعها كل الحق.
لم أكن أهتم بسالم كثيرا ، اعتبرته غير موجود في المنزل ، حين يشتد بكاؤه أهرب للصالة لأنام فيها ، كانت زوجتي تهتم به كثيراً ، وتحبه، لحظة لاتظنوا أني أكرهه، أنا لا أكرهه لكن لم أستطع أن أحبه! أقامت زوجتي احتفالا حين خطا خطواته الأولى ، وحين أكمل الثانية اكتشفنا أنه أعرج !! كلما زادت ابتعادا عنه ازدادت زوجتي حباً واهتماماً بسالم حتى بعد أن انجبت عمر وخالد ، مرت السنوات كنت لاهٍ وغافل ، غرتني الدنيا وما فيها ، كنت كاللعبة في يد رفقة سوء مع أني كنت أظن أني من يلعب عليهم ، لم تيأس زوجتي من إصلاحي ، كانت تدعو لي دائماً بالهداية ، لم تغضب من تصرفاتي الطائشة ،أو اهمالي لسالم واهتمامي بباقي أخوانه ، كبر سالم ، ولم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحد المدارس الخاصة بالمعاقين ، لم أكن أحس بمرور السنوات ، أيامي سواء ، عمل ونوم وطعام وسهر!!
حتى ذلك اليوم ...كان يوم الجمعة ، استيقظت الساعة الحادي عشر ظهراً، مايزال الوقت باكراً لكن لايهم ، أخذت دشاً سريعاً ، لبست وتعطرت ، وهممت بالخروج ، استوقفني منظره ، كان يبكي بحرقة !! إنها المرة الأولى التي أرى فيها سالم يبكي منذ أن كان طفلاً، أأخرج؟
وبإذن الله راح أكملها لكم اليوم أو غداً
يتبع