من تواضع لله رفعه
صفة التواضع من الصفات السامية النبيلة , تُضفي على صاحبها رونقاً خاص به ليس يملكهُ سواه
و التواضع قد يُحمد وقد يُذم !
التواضع المحمود كأن يتواضع العبد لخالقه و تواضع الإنسان لوالديه وتواضع الإنسان لأخيه الإنسان وتواضع الأب لأطفاله وتواضع الصغير لمن هو أكبر منه سناً ...
أما التواضع المذموم هو تواضع الإنسان للدنيا الزائلة وخضوعه لمغرياتها الزائفة
فمهما علا شأن المرء ومهما بلغ من مناصب الدنيا يجب عليه أن يبقى شاخصاً ببصره نحو الأرض حتى لا يُحلق في سماء الكبر بين سحب الزهو وينسى أنه كان يسير على الأرض يوماً ولم يزل وسيبقى كذلك ..
فمهما علا رأسه فقدماه لا تمشيان إلا على هذه الأرض الطاهرة التي احتوته منذو كان طفلاً صغيراً حتى غدا يافعاً غض العود
و لا أعني بكلامي أن لا يجب على الإنسان أن يسمو بطموحه عالياً , بل الطموح جميل جداً ومطلوب أيضاً لكن على الإنسان أن لا ينسى أن التواضع أجمل زي يرتديه وأجمل حلية يتزين بها
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ ..... على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تكن كالدخان يعلو بنفسهِ ...... على طبقات الجو وهو وضيعُ
فمن تواضع لله جل وعلا رفعه ومن تواضع للدنيا اردتهُ ذليلاً
ولنا في رسول الله أسوةُ حسنة فقد كان حبيب الله سيد الخُلق الكريم وكان من أخلاقه التواضع وليس يخفى عليكم ذلك أبداً
ما دعاني للكتابة عن هذا الموضوع موقف رأيته منذو سنتين وكالعادة تبقى ذاكرتي محتفظة بكل ذكرى تؤثر في نفسي إجاباً ولا أسمح لرياح النسيان أن تهب فتنسيني أياها
فمنذو سنتين حدث موقف جميل جداً حمدت الله أن رأته عيناي وأعتبره أحدى دروس الحياة الجمة
:::::::::::::::::::
كنا في سفر وكنت مع أختي عائدتين للفندق في طريقنا رأيت شيخ جليل في عقده الخمسين يبدو عليه الوقار يمشي في الطريق وإذا بشاب في عقده العشرين يمشي مقابلاً للشيخ تماماً
في حركة سريعة اصطدم الشاب بالشيخ بالتأكيد بدون قصد ويفترض في مثل هذه المواقف أن يبادر الشاب بالاعتذار إلا أن الشيخ لم يعطه المجال ليعتذر ..!
قام الشيخ بتقبيل جبين الشاب رغم أنه لم يكن المخطئ
أي تواضع هذا يا شيخنا
ثم قام الشاب بتقبيل رأس الشيخ ولا أدري أي حوار لغوي دار بينهما , إلا أن هذا الحوار الوجداني يكفي أن نقف و نحيي تواضع هذا الشيخ وربما يكون من العلماء الأفاضل وليس شيخاً فقط ومع ذلك لم تمنعه مكانته أن يسمو بروحه عالياً بموقف قد يعتبره البعض لا شي يستحق الثناء
و لأني لست معتادة أن أرى مثل هذه المواقف ولن أراها كل يوم سجلته في عقلي وقلبي وها أنا أدونه هنا حتى لا يبقى حبيساً في الذاكرة وليصل مداه بعيداً الى كل قلب طاهر يعي جيداً ما معنى أن يتواضع الكبير لمن هو دونه سناً ومكانةً وعلماً
تحية صادقة من قلبي لك أيها الشيخ الجليل بأن جسدت أرقى معاني التواضع بقُبلة رسمتها على جبين شاب
تحياتي