*·~-.¸¸,.-~*رحيل الروح*·~-.¸¸,.-~*
رحيل الروح
كنا نجلس انا ووالدتي وبقية اخواتي، جلستنا اليومية المعتادة لتناول الفوالة والقهوة مساءً وللتحدث في شتى المواضيع التي تهم الحريم·
جاءنا احد اخواني الشباب على غير العادة، فلا احد منهم يحب مشاركتنا مثل هذه الجلسات التي لا تخلو من الغيبة والنميمة والمواضيع التي يعتبرونها تافهة من وجهة نظرهم·
قبل والدتي على رأسها وجلس بيننا باستحياء· كم احبه أخي هذا، انه الثالث في ترتيب الذكور في العائلة، وهو يختلف عن الجميع· انه نموذج للانسان الرائع بكل معنى الكلمة، وكنا نردد دائماً: من هي سعيدة الحظ التي ستكون من نصيبه؟
هو مختلف، لا يشبه شباب هذا الزمن، الكل يشهد بصفاته النبيلة وأخلاقه الرائعة ومعدنه الطيب··· مستقيم في سلوكه، متفوق في دراسته، انهى دراسته الجامعية وعمل موظفاً في الموانئ بنظام المناوبة الليلية من العاشرة ليلاً وحتى السابعة صباحاً·
جلس صامتاً تعلو وجهه الوسيم مسحة من الخجل وهو في غاية الارتباك· الكل لاحظ ذلك، وشعرنا انه بحاجة لشيء من التشجيع لإزاحة ذلك الارتباك· الكل بدأ بالتحدث واطلاق التعليقات المضحكة وكأننا نتسابق لتلطيف الجو·
ويبدو اننا تجاوزنا الحدود··· فقد صرخت بنا الوالدة طلباً للسكوت، وكأنها شعرت بأن لديه أمرا ما يريد البـوح به· سكت الجميع فازداد أخي ارتباكاً، ولكنه غالب تلك الحالة وتحدث بصوت واضح قائلاً: أمي أنا أفكر بالزواج·
ما ان سمعنا كلماته حتى انطلقنا بموجة من كلمات التشجيع والزغاريد، فنحن نعلم بأنه قد بلغ السابعة والعشرين من عمره ولم يفتح مثل هذا الموضوع من قبل، وكان يتهرب دائماً من الخوض فيه، فلربما كان ينتظر ان يتم زواج اخواننا الكبار ثم يأتي دوره بعد ذلك·
عادت أمي لإسكاتنا، ثم سألته قائلة: انه نعم القرار يا ولدي، ولكن هل تريد مواصفات معينة فيمن سنخطبها لك؟ أم ستترك المهمة لنا؟
ازداد احمرار وجنتيه وهو يقول: أريدها ملتزمة بالدين بلا تشدد ولا مبالغة، ليس مهماً ان تكون جميلة الشكل، المهم ان تكون جميلة الروح والمعشر·
ردت عليه أمي قائلة: بإذن الله سأبحث لك عن عروس فيها كل هذه المواصفات، فأنت سيد الشباب والكل يتمنى شابا مثلك·
البحث والتنقيب
بدأنا عملية البحث والتقصي والترشيح لجميع من نعرفه من فتيات الأهل والجيران والمعارف· كان اخي قد اشترط أيضاً الرؤية الشرعية للفتاة التي سيرتبط بها، فهو متمسك بتلك السنة النبوية الرائعة التي تمنح الراغبين بالزواج فرصة تحقيق الاندماج الروحي الذي يحدث غالباً من النظرة الأولى·
على الرغم من خجله وحيائه الشديد، إلا انه شاهد بعضاً من الفتيات اللواتي تم ترشيحهن من قبل الوالدة ولكنه لم يرتح لأي واحدة منهن مع انهن كن جميلات ومقنعات من وجهة نظرنا، ولكن الأمر كله في النهاية يعود له فهو المسؤول عن ذلك الاختيار الذي سيحدده لنفسه·
كانت لي زميلة في العمل احبها كثيراً لأخلاقها الرائعة وروحها الجميلة، كنت اعرف انها رفضت العديد من الخطاب الذين تقدموا لها بلا سبب واضح وكانت تبرر رفضها بأنها كانت تصلي صلاة الاستخارة فلا تجد في قلبها تلك الراحة النفسية التي تشجعها على المضي في ذلك الزواج فترفضه·
قررت ترشيح تلك الفتاة لأخي، فأخبرته بمدى إعجابي بأخلاقها وصفاتها الحسنة وعرضت عليه المجيء إلى مكان عملي لرؤيتها· رحب بالفكرة ووعدني بالزيارة شرط ان لا أخبر الفتاة بشيء لكي لا نسبب لها الإحراج إذا لم تعجبه·
بعد يومين جاء أخي لزيارتي في عملي، فقمت بتعريفه على زميلتي واختلقت موضوعاً مشتركاً لأعطيهما الفرصة لتبادل الحديث، واستغربت كثيراً عندما صارا يتحدثان بشكل يوحي بأنهما ربما كانا يعرفان بعضهما منذ زمن طويل·
شعرت بانه أعجب بها· وتأكد شعوري لأنه بمجرد استئذانه وانصرافه، اتصل بي ليخبرني بأن الفتاة قد أعجبته وانه اختارها لتكون زوجة له، وطلب مني مفاتحتها في الأمر قبل ان يتم التقدم رسمياً لأهلها·
اخبرت الفتاة برغبة أخي في الارتباط بها، فلم أجد منها أية ممانعة· على العكس من ذلك فقد بدت معجبة به اعجاباً شديداً، لم تستطع اخفاءه عني·
اخبرت الوالدة واخواتي بالأمر، ففرح الجميع لهذا النبأ ثم بدأت عملية السؤال والتقصي عن البنت وأهلها، فجاءت النتائج اكثر من جيدة·
خطوات عملية
تم الاتصال بأهل الفتاة، وتم تحديد موعد معهم للزيارة الأولى، فذهبت أمي وعمتي وعدد من نساء العائلة الكبار في السن لخطبة الفتاة·
طلبت أمي رؤية البنت، فجاءت لتسلم على الحريم· فوجئت أمي بأن البنت ليست بيضاء مئة بالمئة، وهي تميل إلى السمرة، على الرغم من تقاطيعها الجميلة، واكتشفت بأن في عائلتها عناصر سمراء واخرى بيضاء· كان الوضع محرجاً لها، فلم تقل شيئاً وأتمت إجراءات الخطبة على الرغم من عدم قناعتها·
عادت إلى البيت وهي متجهمة وقالت لأخي: يا ولدي انا غير مقتنعة بهذه الفتاة ولا أريدك ان تتزوجها· سكت أخي ولم يعلق ولكنه بدى متضايقاً جداً، ثم قال لها: اتصلي بهم واعتذري منهم·
قالت: انا محرجة لأنني تحدثت معهم في كل التفاصيل قبل رؤيتي للبنت، وقد حددنا موعد عقد القران بعد شهر واحد، بصراحة··· ليس سهلاً أبداً ان اتراجع وأعود للاتصال والاعتذار منهم، ان الأمر في غاية الصعوبة···
فالبنت ليست جميلة كما تخيلتها، وهي تحمل العرق الأسمر، ولربما جاء بعض اطفالك بأشكال غريبة عن عائلتنا وهذا الشيء لا يعجبني أبداً·
رد عليها أخي قائلاً: يا أمي انا لا أبحث عن جمال الشكل كما اخبرتك من قبل، انني أبحث عن جمال الروح، وهذه البنت قد دخلت قلبي ولا يهمني ان كانت سمراء أو بيضاء، فهذه كلها اشياء ليست اختيارية لدى البشر، فمن منا يختار لونه وشكله؟ انه خلق الله ولا عيب في ذلك إنما العيب فقط في السلوك والأخلاق·
لم تقتنع والدتي بمنطق أخي واصرت على رفضها وقالت له: اسمع يا بني انا أمك وأدرى منك بالأمور، فإن كنت حريصاً على ارضائي فلا تناقشني في هذا الموضوع مرة اخرى، فتصرف انت واختك لحسم هذه القضية دون إثارة المشاكل·
على الرغم من الإحراج الشديد الذي شعرت به في مواجهة زميلتي بقرار الوالدة، إلا انني كنت على استعداد لاخبارها بالحقيقة لحسم الأمر، لأنني واثقة بأن أمي مصرة على قرارها وان أخي لن يعصي والدته مهما كان الثمن· ولكن ما حدث هو ان أخي استمهلني وطلب مني ان امنحه فرصة لإقناع الوالدة، فهو متمسك بتلك الفتاة بشكل كبير، وأكد علي عدم مفاتحتها وتأجيل الأمر قليلاً لإعطائه الفرصة للتصرف· لا أدري لم لا يتقبل الأمر الواقع فهو يعلم بأن أمنا عنيدة ولن تتراجع مهما حدث·
بقي المسكين يعيش دوامة الصراع النفسي لفترة طويلة، يجلس أمام والدتي ساكتاً عيناه منكسرتان وقلبه موجوع، وهي تتجاهل مشاعره وتحاول ان تقنعه بفتاة اخرى اختارتها له، وتتفنن في وصف أخلاقها وجمالها، وهي تعلم تماماً بأنه لا يريد إلا تلك الفتاة التي لم يشاهدها إلا مرة واحدة، فكانت تردد: انها ساحرة لقد سحرته فأصبح بلا وعي وإدراك·
حكم الإعدام
اقترب الموعد المحدد لعقد القران، وكانت الفتاة تستعد لذلك اليوم والفرحة تغمرها، حتى انها لم تلاحظ التغير الذي طرأ علي ومقدار الحيرة التي أشعر بها حيال هذا الوضع الغريب، فأنا لا أدري كيف اتصرف، فهذا أخي يذوي أمامي وهو مكتئب وحزين بشكل يقطع القلب، وأمله في رضا أمي هو الخيط الأخير الذي يريد ان يتمسك به لآخر لحظة·
حاولنا جميعاً، انا واخواتي واخوتي ووالدي، حاولنا التأثير على الوالدة لتغير موقفها ولكننا فشلنا· فقد بقيت متمسكة بذلك العناد الغريب غير المنطقي وهي لا تدري بأنها بموقفها المتشدد هذا ستحكم على ولدها بالإعدام وبأنها ستخسره إلى الأبد· لا احد منا يعلم الغيب، ولا ندري لم يتمسك الانسان بعناده ولا يتراجع إلا بعد ان تقع الكوارث، انه عناد إبليس عليه اللعنة، وقد أبعده عناده عن رضا الله·
اصبح الوضع اكثر تعقيدا بالنسبة لي، فلم يعد سهلاً مصارحة الفتاة بعد ان تمت جميع الاستعدادات اللازمة لعقد القران، فبقيت ساكتة لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً· قبل الموعد بأيام قليلة جاءني أخي وكان لونه شاحباً بشكل مخيف، قال لي: احس بأنني متضايق، وان قلبي صار مثل طير جريح يتوجع ويتلوى من الألم·
حاولت التخفيف عنه لأنني شعرت بالخوف عليه، صرت اطمئنه إلى ان الحياة ستعطيه الكثير وان هذا ليس هو نهاية العالم· وكلمات كثيرة لم ادرك معناها لانشغالي وقلقي عليه· نظر إلي نظرة زائغة وقال: إذا حدث لي شيء فإنني أستحلفك بالله انت وأمي واخواتي بأن لا تبكينني، فبكاؤكن سيؤذيني·
شهقت بفزع وصرخت به: ماذا تقول؟ انت انسان مؤمن؟ هل يعقل ان تفكر بالانتحار؟
قال: حاشى لله ان افعل مثل ذلك الأمر، ولكني احس بأن روحي اصبحت سجينة وانها تريد ان ترحل إلى دنيا أرحب واوسع·
كلام غريب أوجع قلبي وزاد من قلقي وخوفي على أخي·
ذهب فسلم على والدتي قبل مغادرته إلى عمله احتضنها طويلاً وقبلها على رأسها عدة مرات وكأنه يودعها· بقيت مستغربة من تصرفه، واعتقدت بأنه ربما يفكر بعصيانها، فقالت: هل سيتزوج تلك البنت دون رضاي؟ ألم أقل لكم انها سحرته؟
ذهب إلى عمله· اتصلت به عدة مرات لأن النوم جافاني، والاحساس بالخوف عليه دمرني· طمأنني على نفسه، واخبرني بأنه سيقرأ سورة يس بعد صلاة الفجر، فاطمأننت عليه ونمت·
فرش سجادة الصلاة وصلى صلاة الفجر ثم قرأ سورة يس، ثم خرجت روحه الطاهرة منطلقة إلى سمائها الرحبة تاركة ذلك الجسد النحيل ممداً على سجادة الصلاة·
رحيل الروح
كنا نجلس انا ووالدتي وبقية اخواتي، جلستنا اليومية المعتادة لتناول الفوالة والقهوة مساءً وللتحدث في شتى المواضيع التي تهم الحريم·
جاءنا احد اخواني الشباب على غير العادة، فلا احد منهم يحب مشاركتنا مثل هذه الجلسات التي لا تخلو من الغيبة والنميمة والمواضيع التي يعتبرونها تافهة من وجهة نظرهم·
قبل والدتي على رأسها وجلس بيننا باستحياء· كم احبه أخي هذا، انه الثالث في ترتيب الذكور في العائلة، وهو يختلف عن الجميع· انه نموذج للانسان الرائع بكل معنى الكلمة، وكنا نردد دائماً: من هي سعيدة الحظ التي ستكون من نصيبه؟
هو مختلف، لا يشبه شباب هذا الزمن، الكل يشهد بصفاته النبيلة وأخلاقه الرائعة ومعدنه الطيب··· مستقيم في سلوكه، متفوق في دراسته، انهى دراسته الجامعية وعمل موظفاً في الموانئ بنظام المناوبة الليلية من العاشرة ليلاً وحتى السابعة صباحاً·
جلس صامتاً تعلو وجهه الوسيم مسحة من الخجل وهو في غاية الارتباك· الكل لاحظ ذلك، وشعرنا انه بحاجة لشيء من التشجيع لإزاحة ذلك الارتباك· الكل بدأ بالتحدث واطلاق التعليقات المضحكة وكأننا نتسابق لتلطيف الجو·
ويبدو اننا تجاوزنا الحدود··· فقد صرخت بنا الوالدة طلباً للسكوت، وكأنها شعرت بأن لديه أمرا ما يريد البـوح به· سكت الجميع فازداد أخي ارتباكاً، ولكنه غالب تلك الحالة وتحدث بصوت واضح قائلاً: أمي أنا أفكر بالزواج·
ما ان سمعنا كلماته حتى انطلقنا بموجة من كلمات التشجيع والزغاريد، فنحن نعلم بأنه قد بلغ السابعة والعشرين من عمره ولم يفتح مثل هذا الموضوع من قبل، وكان يتهرب دائماً من الخوض فيه، فلربما كان ينتظر ان يتم زواج اخواننا الكبار ثم يأتي دوره بعد ذلك·
عادت أمي لإسكاتنا، ثم سألته قائلة: انه نعم القرار يا ولدي، ولكن هل تريد مواصفات معينة فيمن سنخطبها لك؟ أم ستترك المهمة لنا؟
ازداد احمرار وجنتيه وهو يقول: أريدها ملتزمة بالدين بلا تشدد ولا مبالغة، ليس مهماً ان تكون جميلة الشكل، المهم ان تكون جميلة الروح والمعشر·
ردت عليه أمي قائلة: بإذن الله سأبحث لك عن عروس فيها كل هذه المواصفات، فأنت سيد الشباب والكل يتمنى شابا مثلك·
البحث والتنقيب
بدأنا عملية البحث والتقصي والترشيح لجميع من نعرفه من فتيات الأهل والجيران والمعارف· كان اخي قد اشترط أيضاً الرؤية الشرعية للفتاة التي سيرتبط بها، فهو متمسك بتلك السنة النبوية الرائعة التي تمنح الراغبين بالزواج فرصة تحقيق الاندماج الروحي الذي يحدث غالباً من النظرة الأولى·
على الرغم من خجله وحيائه الشديد، إلا انه شاهد بعضاً من الفتيات اللواتي تم ترشيحهن من قبل الوالدة ولكنه لم يرتح لأي واحدة منهن مع انهن كن جميلات ومقنعات من وجهة نظرنا، ولكن الأمر كله في النهاية يعود له فهو المسؤول عن ذلك الاختيار الذي سيحدده لنفسه·
كانت لي زميلة في العمل احبها كثيراً لأخلاقها الرائعة وروحها الجميلة، كنت اعرف انها رفضت العديد من الخطاب الذين تقدموا لها بلا سبب واضح وكانت تبرر رفضها بأنها كانت تصلي صلاة الاستخارة فلا تجد في قلبها تلك الراحة النفسية التي تشجعها على المضي في ذلك الزواج فترفضه·
قررت ترشيح تلك الفتاة لأخي، فأخبرته بمدى إعجابي بأخلاقها وصفاتها الحسنة وعرضت عليه المجيء إلى مكان عملي لرؤيتها· رحب بالفكرة ووعدني بالزيارة شرط ان لا أخبر الفتاة بشيء لكي لا نسبب لها الإحراج إذا لم تعجبه·
بعد يومين جاء أخي لزيارتي في عملي، فقمت بتعريفه على زميلتي واختلقت موضوعاً مشتركاً لأعطيهما الفرصة لتبادل الحديث، واستغربت كثيراً عندما صارا يتحدثان بشكل يوحي بأنهما ربما كانا يعرفان بعضهما منذ زمن طويل·
شعرت بانه أعجب بها· وتأكد شعوري لأنه بمجرد استئذانه وانصرافه، اتصل بي ليخبرني بأن الفتاة قد أعجبته وانه اختارها لتكون زوجة له، وطلب مني مفاتحتها في الأمر قبل ان يتم التقدم رسمياً لأهلها·
اخبرت الفتاة برغبة أخي في الارتباط بها، فلم أجد منها أية ممانعة· على العكس من ذلك فقد بدت معجبة به اعجاباً شديداً، لم تستطع اخفاءه عني·
اخبرت الوالدة واخواتي بالأمر، ففرح الجميع لهذا النبأ ثم بدأت عملية السؤال والتقصي عن البنت وأهلها، فجاءت النتائج اكثر من جيدة·
خطوات عملية
تم الاتصال بأهل الفتاة، وتم تحديد موعد معهم للزيارة الأولى، فذهبت أمي وعمتي وعدد من نساء العائلة الكبار في السن لخطبة الفتاة·
طلبت أمي رؤية البنت، فجاءت لتسلم على الحريم· فوجئت أمي بأن البنت ليست بيضاء مئة بالمئة، وهي تميل إلى السمرة، على الرغم من تقاطيعها الجميلة، واكتشفت بأن في عائلتها عناصر سمراء واخرى بيضاء· كان الوضع محرجاً لها، فلم تقل شيئاً وأتمت إجراءات الخطبة على الرغم من عدم قناعتها·
عادت إلى البيت وهي متجهمة وقالت لأخي: يا ولدي انا غير مقتنعة بهذه الفتاة ولا أريدك ان تتزوجها· سكت أخي ولم يعلق ولكنه بدى متضايقاً جداً، ثم قال لها: اتصلي بهم واعتذري منهم·
قالت: انا محرجة لأنني تحدثت معهم في كل التفاصيل قبل رؤيتي للبنت، وقد حددنا موعد عقد القران بعد شهر واحد، بصراحة··· ليس سهلاً أبداً ان اتراجع وأعود للاتصال والاعتذار منهم، ان الأمر في غاية الصعوبة···
فالبنت ليست جميلة كما تخيلتها، وهي تحمل العرق الأسمر، ولربما جاء بعض اطفالك بأشكال غريبة عن عائلتنا وهذا الشيء لا يعجبني أبداً·
رد عليها أخي قائلاً: يا أمي انا لا أبحث عن جمال الشكل كما اخبرتك من قبل، انني أبحث عن جمال الروح، وهذه البنت قد دخلت قلبي ولا يهمني ان كانت سمراء أو بيضاء، فهذه كلها اشياء ليست اختيارية لدى البشر، فمن منا يختار لونه وشكله؟ انه خلق الله ولا عيب في ذلك إنما العيب فقط في السلوك والأخلاق·
لم تقتنع والدتي بمنطق أخي واصرت على رفضها وقالت له: اسمع يا بني انا أمك وأدرى منك بالأمور، فإن كنت حريصاً على ارضائي فلا تناقشني في هذا الموضوع مرة اخرى، فتصرف انت واختك لحسم هذه القضية دون إثارة المشاكل·
على الرغم من الإحراج الشديد الذي شعرت به في مواجهة زميلتي بقرار الوالدة، إلا انني كنت على استعداد لاخبارها بالحقيقة لحسم الأمر، لأنني واثقة بأن أمي مصرة على قرارها وان أخي لن يعصي والدته مهما كان الثمن· ولكن ما حدث هو ان أخي استمهلني وطلب مني ان امنحه فرصة لإقناع الوالدة، فهو متمسك بتلك الفتاة بشكل كبير، وأكد علي عدم مفاتحتها وتأجيل الأمر قليلاً لإعطائه الفرصة للتصرف· لا أدري لم لا يتقبل الأمر الواقع فهو يعلم بأن أمنا عنيدة ولن تتراجع مهما حدث·
بقي المسكين يعيش دوامة الصراع النفسي لفترة طويلة، يجلس أمام والدتي ساكتاً عيناه منكسرتان وقلبه موجوع، وهي تتجاهل مشاعره وتحاول ان تقنعه بفتاة اخرى اختارتها له، وتتفنن في وصف أخلاقها وجمالها، وهي تعلم تماماً بأنه لا يريد إلا تلك الفتاة التي لم يشاهدها إلا مرة واحدة، فكانت تردد: انها ساحرة لقد سحرته فأصبح بلا وعي وإدراك·
حكم الإعدام
اقترب الموعد المحدد لعقد القران، وكانت الفتاة تستعد لذلك اليوم والفرحة تغمرها، حتى انها لم تلاحظ التغير الذي طرأ علي ومقدار الحيرة التي أشعر بها حيال هذا الوضع الغريب، فأنا لا أدري كيف اتصرف، فهذا أخي يذوي أمامي وهو مكتئب وحزين بشكل يقطع القلب، وأمله في رضا أمي هو الخيط الأخير الذي يريد ان يتمسك به لآخر لحظة·
حاولنا جميعاً، انا واخواتي واخوتي ووالدي، حاولنا التأثير على الوالدة لتغير موقفها ولكننا فشلنا· فقد بقيت متمسكة بذلك العناد الغريب غير المنطقي وهي لا تدري بأنها بموقفها المتشدد هذا ستحكم على ولدها بالإعدام وبأنها ستخسره إلى الأبد· لا احد منا يعلم الغيب، ولا ندري لم يتمسك الانسان بعناده ولا يتراجع إلا بعد ان تقع الكوارث، انه عناد إبليس عليه اللعنة، وقد أبعده عناده عن رضا الله·
اصبح الوضع اكثر تعقيدا بالنسبة لي، فلم يعد سهلاً مصارحة الفتاة بعد ان تمت جميع الاستعدادات اللازمة لعقد القران، فبقيت ساكتة لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً· قبل الموعد بأيام قليلة جاءني أخي وكان لونه شاحباً بشكل مخيف، قال لي: احس بأنني متضايق، وان قلبي صار مثل طير جريح يتوجع ويتلوى من الألم·
حاولت التخفيف عنه لأنني شعرت بالخوف عليه، صرت اطمئنه إلى ان الحياة ستعطيه الكثير وان هذا ليس هو نهاية العالم· وكلمات كثيرة لم ادرك معناها لانشغالي وقلقي عليه· نظر إلي نظرة زائغة وقال: إذا حدث لي شيء فإنني أستحلفك بالله انت وأمي واخواتي بأن لا تبكينني، فبكاؤكن سيؤذيني·
شهقت بفزع وصرخت به: ماذا تقول؟ انت انسان مؤمن؟ هل يعقل ان تفكر بالانتحار؟
قال: حاشى لله ان افعل مثل ذلك الأمر، ولكني احس بأن روحي اصبحت سجينة وانها تريد ان ترحل إلى دنيا أرحب واوسع·
كلام غريب أوجع قلبي وزاد من قلقي وخوفي على أخي·
ذهب فسلم على والدتي قبل مغادرته إلى عمله احتضنها طويلاً وقبلها على رأسها عدة مرات وكأنه يودعها· بقيت مستغربة من تصرفه، واعتقدت بأنه ربما يفكر بعصيانها، فقالت: هل سيتزوج تلك البنت دون رضاي؟ ألم أقل لكم انها سحرته؟
ذهب إلى عمله· اتصلت به عدة مرات لأن النوم جافاني، والاحساس بالخوف عليه دمرني· طمأنني على نفسه، واخبرني بأنه سيقرأ سورة يس بعد صلاة الفجر، فاطمأننت عليه ونمت·
فرش سجادة الصلاة وصلى صلاة الفجر ثم قرأ سورة يس، ثم خرجت روحه الطاهرة منطلقة إلى سمائها الرحبة تاركة ذلك الجسد النحيل ممداً على سجادة الصلاة·