في زمننا هذا تبرز مظاهر كثيرة للانهزام ومنها الفكرية والعسكرية
والنفسية، ومما يثير الالحاح والحاجة التحدث عن الهزيمة النفسية لدى
المسلمين هو دخولها بشكل مباشر وفعلي في الهزيمة العسكرية والفكرية ...
إن الانحراف بالكفر والخروج عن الدين صراحة ومجاهرة قد يكون أمراً بشرياً
واقعاً في حياة الناس، ولكن أن يعيش المسلمون حياة النفاق فلا هم لهؤلاء
ولا لهؤلاء، ويسلكوا طريق التذبذب، فلا وضوح في سلوك ولا هدف ولا منطق،
فهذه حقيقة الهزيمة النفسية ...
إن الذي يختار عقيدة منحرفة ويرفع لواءها ويكافح من أجلها، فهذا الشخص
قادر على اتخاذ القرار الحاسم وتنفيذه والتضحية من أجله. لكن المشكلة أن
يزعم زاعم أنه أتخذ قراراً ومقتنعاً بهذه العقيدة، ولكنه يتظاهر بغيرها
ويؤيد ما عداها ويتحدث عن أخلاق لا تمت لها بصلة، فهذه حقيقة الهزيمة
النفسية ...
والذين يتذبذبون غير قادرين على تحديد الأولويات، فهم يعيشون حياة فوضوية،
لأنهم لا يملكون الميزان الذي ترتبط به القضايا والذي هو القرار الأول في
تحديد مسار الحياة حيث تتحدد بذلك الأولويات. فالمنافقون وأهل دموع
التماسيح والملمس الناعم منشغلون بأن لا ينكشفوا وألا يتعروا، ويشغلهم أن
يعيشوا بأمن وسلام، مهما كان الثمن والضريبة، حتى لو انسلخوا من كرامتهم
وإنسانيتهم. فأين الأولويات في حياة هؤلاء ؟
ووجه آخر لهؤلاء هو أنهم يريدون أن يتسموا بالاسلام ويرفعوا شعاره ويظهروا
به، لأنه يحقق لهم مكاسب معينة، ولكنهم يعيشون حياة الشهوات والظلم
والخيانة والعهر والانحراف. فهؤلاء القوم لا يستطيعون مواجهة الصراع
النفسي الذي ينتاب النفس البشرية، ويتردد بها بين الاستقامة وبين الضلال،
فهذه حقيقة الهزيمة النفسية ...
ولكن يوجد صنف أشد هزيمة، ألا وهم الذين يعجزون عن مواجهة المشاكل ولا
يعترفون بها، ولا تسطيع عقولهم تقدير دورهم بهذه المشاكل، فتلك هزيمة
نفسية ...
هل تعلمون من هم أشد الناس هزيمة نفسياً ؟ الذي يعمل من غير هدف، ويجهد
ويكدح لغير غاية معلومة مرسومة. و لا يعلم أن العبرة بالهدف والغاية التي
تميز هذا عن ذاك. فالقاعدون والمجاهدون، مثلاً، غايتهم مرضاة الله
وعبادته، ولكن المجاهدين يحققون بجهادهم أن يكون الدين كله لله والا تكون
فتنة. فليس أشد هزيمة ممن يعمل ويجاهد لا ليكون الدين كله لله، ولكن لتكون
فتنة وهدم للدين، وذلك لضياع الهدف والغاية المحددة الواضحة، ولن تجد أشد
منه هزيمة نفسية ...
واليوم، تظهر هذه الاصناف في الواقع المسلم وغيرها من المنهزمين نفسياً
على كل صعيد وشريحة من شرائح المجتمع. فهذا داء ابتلي به بعض المسلمين،
فقبل أن يُهزموا عسكرياً أو فكرياً، فبالتأكيد قد هزموا نفسياً، وهذا من
الامور التي تحول دون نهضة الأمة في تجديد حياتها بالاسلام ...
بقلم دكتور : باردي
شكرا جزيلا لك دكتور باردي