غازي العريضي
الرئيس الأميركي باراك أوباما يتهم العرب بعدم الشجاعة؛ لأنهم لم يتقدموا أكثر نحو إسرائيل بمبادرات تكرّس التطبيع معها! وهو يريدهم أكثر إقداماً لتحقيق السلام في المنطقة. ويؤكد في الوقت ذاته على مطالبته بوقف توسيع المستوطنات.
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تطالب العرب أيضاً بمبادرات ملموسة تجاه إسرائيل. المطلوب التطبيع والتطبيع والتطبيع... قرار مرور السفن في المياه الإقليمية العربية. وقرار عبور الطائرات الأجواء العربية.
ولكن ماذا تقول إسرائيل؟ مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية عوزي أراد يؤكد أن وديعة رابين المتعلقة بالاستعداد للانسحاب من الجولان قد دفنت!
والمسؤولون السياسيون والأمنيون يؤكدون أن لا وقف للاستيطان ولا تراجع عن خطة التهويد وكرسّوا ذلك في عدد من المدن والبلدات من خلال تغيير الأسماء العربية لبعض الشوارع وتحويلها إلى أسماء إسرائيلية! حتى اسم الشارع ممنوع أن يكون عربياً! المطلوب عدم وجود أي أثر عربي، وأي أثر للعرب في كل الأراضي المحتلة. وهدم المنازل في القدس مازال مستمراً. ورفض حق عودة الفلسطينيين من الخارج أمر ثابت وحق مكتسب لا تنازل عنه.
أما القتل فهو عادة، وهواية وترف، وحرفة وذهنية ونفسية، ليس فيها إلا الحقد والكراهية والاستهداف للفلسطينيين. والجنود الإسرائيليون يعترفون مجدداً، ومن خلال شهادات أدلوا بها أنهم "لاحقوا الفلسطينيين مثل النمل لإحراقهم"! الأسلحة الفوسفورية تستخدم لإبادة المدنيين. استهداف الأطفال والنساء نوع من التلذذ في القتل! إنها حرب دينية بين أبناء النور وأبناء الظلام!
فهل يمكن أن تكون هذه الممارسات باباً للتسوية والسلام؟ وماذا تقول إدارة أميركا عنها؟ ومن يحاسب إسرائيل على ممارساتها واعترافاتها؟ وكيف يمكن تحقيق المحاسبة والمساءلة عندما يكرر الرئيس الأميركي دائماً التزامه بأمن إسرائيل، وإسرائيل هي التي تحدد حاجاتها الأمنية وضماناتها الأمنية، وبالتالي تستمر في سياساتها الحالية؟ أين تتلاقى المواقف الأميركية الإعلامية الرسمية مع الممارسات الإسرائيلية الرسمية الإرهابية؟
ثمة في أميركا من ينتقد السياسات الإسرائيلية. ومن ينبّه إلى مخاطرها ولذلك تنبهت إسرائيل مع انطلاق عمل الإدارة الجديدة. ذهبت إلى "إيباك" وإلى مؤسسات أخرى تشكل عنصر ضغط على هذه الإدارة كي لا تفسح المجال أمام هيئات ومؤسسات أميركية بتوسيع دائرة مطالبتها بوقف الاستيطان أو الإقلاع عن ممارساتها الإرهابية. والإدارة الأميركية أمامها أشهر وليس أكثر. وهي فترة السماح لأي إدارة جديدة من جهة، والفترة المتبقية لانتخابات الكونجرس من جهة ثانية، حيث سينشغل الداخل الأميركي ويكون الرهان على تثبيت نتائج الانتخابات لجهة وصول العدد الأكبر من مؤيدي إسرائيل مجدداً إلى دوائر القرار.
إنها لعبة الوقت التي يجيد الإسرائيليون لعبها. ولذلك يتم استهلاك الوقت الآن بإدارة مفاوضات مع أميركا فيها كل أشكال المناورات، وبإطلاق المزيد من المخاوف وخطابات التخويف من الفلسطينيين والعرب وإيران لتبرير كل سياساتهم وتحرير الوقت والعودة لاحقاً إلى التحكم بمفاصل اللعبة.
وفي المقابل، "فتح"، حركة التحرير الوطني الفلسطيني، تعجز عن عقد مؤتمرها بعد انقطاع دام لسنوات طويلة. وإذا ما لاحت فرصة لانعقاده ظهرت الاتهامات الخطيرة بين قادتها بما يهدد بنسف المؤتمر ونتائجه سلفاً. "فتح" في حالة تراجع خطيرة. السلطة الوطنية الفلسطينية تكاد تكون غير موجودة باستثناء بعض المظاهر والشكليات والتسميات.
وحركة "حماس" تعاني أزمة، وغزة محروقة، وحركة الجهاد الإسلامي مأزومة، والحوار الفلسطيني - الفلسطيني مأزوم. وعناصره متداخلة متشابكة وضائعة في دوائر الصراع العربي – العربي. والعرب منقسمون، ضائعون. خائفون من أنفسهم. خائفون من بعضهم. خائفون من إيران. قلقون من أميركا. لا يطلبون شيئاً من إسرائيل سوى الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين. لكن هؤلاء لن يعودوا كما قال أحد الرؤساء العرب!
كنا أمام شعار الأرض مقابل السلام: اليوم أصبحنا أمام شعار: وقف المزيد من الاستيطان على الأرض مقابل السلام!
لا يمكن لفرد أو لمجتمع أو لحزب أو لدولة أن تعيش دون رؤية. دون تصور. دون تخطيط. دون تحديد هدف ورسم خريطة طريق للوصول إليه. فكيف بأمة كأمتنا؟
نحن نملك النفط، الثروة الكبرى. وهو معرّض للنهب والتحكم بإنتاجه وتحديد سعره كما هو معرّض للسيطرة عليه أو للنضوب. ونمتلك الطاقات البشرية الهائلة المنتشرة في كل مكان والمنتجة في كل مكان على المستوى العالمي، ولا تكامل بين الطاقتين المالية والبشرية عندنا. بل طاقاتنا البشرية هي في خدمة غيرنا. وطاقاتنا المالية هي تحت مراقبة غيرنا، وأبرز دليل الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها علينا، وطريقة تعاملنا عموماً مع نتائجها...
نحن نملك ثروة مائية هائلة لكنها غير مستثمرة. بل تذهب في البحر ومشاريع التنمية عندنا تكاد تكون غير موجودة قياساً على ثرواتنا. ودولنا تتعرض للتصحّر والجفاف. وخَضار بلادنا يتعرض للحريق، ولا نملك وسائل المواجهة الأخلاقية والقانونية والتقنية.
كل العالم يتجه نحو استخدام القطار وسكك الحديد وتفعيلها ونحن نعيش حياة بدائية على هذا الصعيد، رغم وجود مشاريع عملاقة على مستوى الطرقات في عدد من الدول، لكنها لم تعالج مشكلات السير، ولم تواجه أزمات الازدياد السكاني، فضلاً عن مشاكل البيئة وغيرها.
التبادل التجاري بين دولنا فضيحة بالنظر إلى إمكاناتنا. ولأننا نخاف بعضنا فحركة انتقال الأفراد مقيدة. مستوى الأمية إلى ازدياد. مستوى الفقر إلى ازدياد. مستوى العنف والإرهاب إلى ارتفاع وتقدم... فكيف يمكننا المواجهة؟
تخسر إسرائيل الحروب. لكنها تستمر في موقع المبادر والساعي إلى تحويل الخسارة إلى ربح. يربح العرب أو بعضهم الحرب أو يمنعون إسرائيل من الربح لكنهم يستمرون خاسرين... لماذا؟
هذا نقاش يطول وقد يأتي الجواب في مقالات وكتابات وكتب ودراسات على الأقل منذ نكبة فلسطين وحتى الآن. أما اليوم وفي هذه اللحظة، فالمطلوب وبالحد الأدنى تعامل جدّي مع اليوميات، مع الأحداث، وإدارة واعية لإنقاذ ما تبقى وإبعاد مجتمعاتنا عن خطر الصراعات المذهبية التي إذا عرف البعض كيف ومتى أطلقها فلا يستطيع أحد الادعاء أنه قادر على التحكم بمساراتها أو يعرف كيف ومتى تنتهي، وملامح هذه الصراعات ظاهرة في كل مجتمعاتنا وأبرز تجلياتها في الأيام الأخيرة كانت في العراق.
المصدر
ايلاف
الرئيس الأميركي باراك أوباما يتهم العرب بعدم الشجاعة؛ لأنهم لم يتقدموا أكثر نحو إسرائيل بمبادرات تكرّس التطبيع معها! وهو يريدهم أكثر إقداماً لتحقيق السلام في المنطقة. ويؤكد في الوقت ذاته على مطالبته بوقف توسيع المستوطنات.
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تطالب العرب أيضاً بمبادرات ملموسة تجاه إسرائيل. المطلوب التطبيع والتطبيع والتطبيع... قرار مرور السفن في المياه الإقليمية العربية. وقرار عبور الطائرات الأجواء العربية.
ولكن ماذا تقول إسرائيل؟ مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية عوزي أراد يؤكد أن وديعة رابين المتعلقة بالاستعداد للانسحاب من الجولان قد دفنت!
والمسؤولون السياسيون والأمنيون يؤكدون أن لا وقف للاستيطان ولا تراجع عن خطة التهويد وكرسّوا ذلك في عدد من المدن والبلدات من خلال تغيير الأسماء العربية لبعض الشوارع وتحويلها إلى أسماء إسرائيلية! حتى اسم الشارع ممنوع أن يكون عربياً! المطلوب عدم وجود أي أثر عربي، وأي أثر للعرب في كل الأراضي المحتلة. وهدم المنازل في القدس مازال مستمراً. ورفض حق عودة الفلسطينيين من الخارج أمر ثابت وحق مكتسب لا تنازل عنه.
أما القتل فهو عادة، وهواية وترف، وحرفة وذهنية ونفسية، ليس فيها إلا الحقد والكراهية والاستهداف للفلسطينيين. والجنود الإسرائيليون يعترفون مجدداً، ومن خلال شهادات أدلوا بها أنهم "لاحقوا الفلسطينيين مثل النمل لإحراقهم"! الأسلحة الفوسفورية تستخدم لإبادة المدنيين. استهداف الأطفال والنساء نوع من التلذذ في القتل! إنها حرب دينية بين أبناء النور وأبناء الظلام!
فهل يمكن أن تكون هذه الممارسات باباً للتسوية والسلام؟ وماذا تقول إدارة أميركا عنها؟ ومن يحاسب إسرائيل على ممارساتها واعترافاتها؟ وكيف يمكن تحقيق المحاسبة والمساءلة عندما يكرر الرئيس الأميركي دائماً التزامه بأمن إسرائيل، وإسرائيل هي التي تحدد حاجاتها الأمنية وضماناتها الأمنية، وبالتالي تستمر في سياساتها الحالية؟ أين تتلاقى المواقف الأميركية الإعلامية الرسمية مع الممارسات الإسرائيلية الرسمية الإرهابية؟
ثمة في أميركا من ينتقد السياسات الإسرائيلية. ومن ينبّه إلى مخاطرها ولذلك تنبهت إسرائيل مع انطلاق عمل الإدارة الجديدة. ذهبت إلى "إيباك" وإلى مؤسسات أخرى تشكل عنصر ضغط على هذه الإدارة كي لا تفسح المجال أمام هيئات ومؤسسات أميركية بتوسيع دائرة مطالبتها بوقف الاستيطان أو الإقلاع عن ممارساتها الإرهابية. والإدارة الأميركية أمامها أشهر وليس أكثر. وهي فترة السماح لأي إدارة جديدة من جهة، والفترة المتبقية لانتخابات الكونجرس من جهة ثانية، حيث سينشغل الداخل الأميركي ويكون الرهان على تثبيت نتائج الانتخابات لجهة وصول العدد الأكبر من مؤيدي إسرائيل مجدداً إلى دوائر القرار.
إنها لعبة الوقت التي يجيد الإسرائيليون لعبها. ولذلك يتم استهلاك الوقت الآن بإدارة مفاوضات مع أميركا فيها كل أشكال المناورات، وبإطلاق المزيد من المخاوف وخطابات التخويف من الفلسطينيين والعرب وإيران لتبرير كل سياساتهم وتحرير الوقت والعودة لاحقاً إلى التحكم بمفاصل اللعبة.
وفي المقابل، "فتح"، حركة التحرير الوطني الفلسطيني، تعجز عن عقد مؤتمرها بعد انقطاع دام لسنوات طويلة. وإذا ما لاحت فرصة لانعقاده ظهرت الاتهامات الخطيرة بين قادتها بما يهدد بنسف المؤتمر ونتائجه سلفاً. "فتح" في حالة تراجع خطيرة. السلطة الوطنية الفلسطينية تكاد تكون غير موجودة باستثناء بعض المظاهر والشكليات والتسميات.
وحركة "حماس" تعاني أزمة، وغزة محروقة، وحركة الجهاد الإسلامي مأزومة، والحوار الفلسطيني - الفلسطيني مأزوم. وعناصره متداخلة متشابكة وضائعة في دوائر الصراع العربي – العربي. والعرب منقسمون، ضائعون. خائفون من أنفسهم. خائفون من بعضهم. خائفون من إيران. قلقون من أميركا. لا يطلبون شيئاً من إسرائيل سوى الاعتراف بحق عودة الفلسطينيين. لكن هؤلاء لن يعودوا كما قال أحد الرؤساء العرب!
كنا أمام شعار الأرض مقابل السلام: اليوم أصبحنا أمام شعار: وقف المزيد من الاستيطان على الأرض مقابل السلام!
لا يمكن لفرد أو لمجتمع أو لحزب أو لدولة أن تعيش دون رؤية. دون تصور. دون تخطيط. دون تحديد هدف ورسم خريطة طريق للوصول إليه. فكيف بأمة كأمتنا؟
نحن نملك النفط، الثروة الكبرى. وهو معرّض للنهب والتحكم بإنتاجه وتحديد سعره كما هو معرّض للسيطرة عليه أو للنضوب. ونمتلك الطاقات البشرية الهائلة المنتشرة في كل مكان والمنتجة في كل مكان على المستوى العالمي، ولا تكامل بين الطاقتين المالية والبشرية عندنا. بل طاقاتنا البشرية هي في خدمة غيرنا. وطاقاتنا المالية هي تحت مراقبة غيرنا، وأبرز دليل الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها علينا، وطريقة تعاملنا عموماً مع نتائجها...
نحن نملك ثروة مائية هائلة لكنها غير مستثمرة. بل تذهب في البحر ومشاريع التنمية عندنا تكاد تكون غير موجودة قياساً على ثرواتنا. ودولنا تتعرض للتصحّر والجفاف. وخَضار بلادنا يتعرض للحريق، ولا نملك وسائل المواجهة الأخلاقية والقانونية والتقنية.
كل العالم يتجه نحو استخدام القطار وسكك الحديد وتفعيلها ونحن نعيش حياة بدائية على هذا الصعيد، رغم وجود مشاريع عملاقة على مستوى الطرقات في عدد من الدول، لكنها لم تعالج مشكلات السير، ولم تواجه أزمات الازدياد السكاني، فضلاً عن مشاكل البيئة وغيرها.
التبادل التجاري بين دولنا فضيحة بالنظر إلى إمكاناتنا. ولأننا نخاف بعضنا فحركة انتقال الأفراد مقيدة. مستوى الأمية إلى ازدياد. مستوى الفقر إلى ازدياد. مستوى العنف والإرهاب إلى ارتفاع وتقدم... فكيف يمكننا المواجهة؟
تخسر إسرائيل الحروب. لكنها تستمر في موقع المبادر والساعي إلى تحويل الخسارة إلى ربح. يربح العرب أو بعضهم الحرب أو يمنعون إسرائيل من الربح لكنهم يستمرون خاسرين... لماذا؟
هذا نقاش يطول وقد يأتي الجواب في مقالات وكتابات وكتب ودراسات على الأقل منذ نكبة فلسطين وحتى الآن. أما اليوم وفي هذه اللحظة، فالمطلوب وبالحد الأدنى تعامل جدّي مع اليوميات، مع الأحداث، وإدارة واعية لإنقاذ ما تبقى وإبعاد مجتمعاتنا عن خطر الصراعات المذهبية التي إذا عرف البعض كيف ومتى أطلقها فلا يستطيع أحد الادعاء أنه قادر على التحكم بمساراتها أو يعرف كيف ومتى تنتهي، وملامح هذه الصراعات ظاهرة في كل مجتمعاتنا وأبرز تجلياتها في الأيام الأخيرة كانت في العراق.
المصدر
ايلاف