الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
.......
وكان هديه صلى الله عليه وسلم فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلا للمقصود، وأسهله على النفوس، ولما كان فطم النفوس عن شهواتها ومألوفاتها من أشق الأمور، تأخر فرضه إلى ما بعد الهجرة، وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم كل يوم مسكينا، ثم حتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا، ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا، ويقضيا، والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، وإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، فإن فطرهما لم يكن لخوف مرض، وإنما كان مع الصحة، فجبر بإطعام مسكين، كفطر الصحيح في أول الإسلام.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة، والذكر، والاعتكاف. وكان يخصه من العبادات بما لا يخص به غيره، حتى أنه ليواصل فيه أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة.
وكان ينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: إنك تواصل؟ فيقول: { لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني } ([3]) نهى عنه رحمة للأمة، وأذن فيه إلى السحر.
في الرؤية
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة، أو بشهادة شاهد، فإن لم يكن رؤية ولا شهادة، أكمل عدة شعبان ثلاثين، وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره سحاب أكمل شعبان ثلاثين، ولم يكن يصوم يوم الإغمام، ولا أمر به، بل أمر بإكمال عدة شعبان ولا يناقض هذا قوله: { فإن غم عليكم فاقدروا له } ([4]) فإن القدر: هو الحساب المقدور، والمراد به الإكمال.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الخروج منه بشهادة اثنين، وإذا شهد شاهدان برؤيته بعد خروج وقت العيد، أفطر، وأمرهم بالفطر، وصلى العيد من الغد في وقتها.
وكان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر، ويحث عليه، ويتسحر ويحث عليه ويؤخره ويرغب في تأخيره، وكان يحض على الفطر على التمر، فإن لم يجده، فعلى الماء.
ونهى صلى الله عليه وسلم الصائم عن الرفث والصخب والسباب، وجواب السباب، وأمره أن يقول لمن سابه: إني صائم. ([5])
وسافر صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام، وأفطر، وخير أصحابه بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من العدو، ولم يكن من هديه تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحد، وكان الصحابة حين ينشئون السفر يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك هديه وسنته صلى الله عليه وسلم.
{ وكان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم } ([6])، { وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان }، وشبه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء، ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم التفريق بين الشاب والشيخ.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيا، وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه، والذي صح عنه تفطير الصائم به: هو الأكل والشرب، والحجامة والقيء، والقرآن دل على الجماع، ولم يصح عنه في الكحل شيء.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه يستاك وهو صائم، وذكر أحمد عنه { أنه كان يصب على رأسه الماء وهو صائم، وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق }، { ولم يصح عنه أنه احتجم وهو صائم} ([7]).
قال أحمد: وروي عنه أنه قال في الإثمد: ليتقه الصائم. ولا يصح، قال ابن معين: حديث منكر.
تطوعه صلى الله عليه وسلم
وكان يصوم حتى يقال: لا يفطر. ويفطر حتى يقال: لا يصوم. وما استكمل صيام شهر غير رمضان، وما كان يصوم في شهر أكثر مما كان يصوم في شعبان، ولم يكن يخرج عنه شهر حتى يصوم منه، وكان يتحرى صيام الاثنين والخميس ([8]).
وقال ابن عباس: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر } ([9]) ذكره النسائي ([10]). وكان يحض على صيامها.
وأما صيام عشر ذي الحجة، فقد اختلف عنه فيه، وأما صيام ستة أيام من شوال، فصح عنه أنه قال: { صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر } وأما يوم عاشوراء { فإنه كان يتحرى صومه على سائر الأيام، ولما قدم المدينة وجد اليهود تصومه وتعظمه، فقال: نحن أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه، وذلك قبل فرض رمضان، فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه } ([11]) .
وكان من هديه إفطار يوم عرفة بعرفة ثبت عنه ذلك في الصحيحين وروي عنه { أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة } ([12]) رواه أهل " السنن " وصح عنه أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية ذكره مسلم ولم يكن من هديه صيام الدهر، بل قد قال: { من صام الدهر لا صام ولا أفطر } ([13]) { وكان يدخل على أهله، فيقول: هل عندكم شيء فإن قالوا: لا قال: إني إذا صائم } ([14]) وكان أحيانا ينوي صوم التطوع، ثم يفطر.
وأما حديث عائشة أنه قال لها ولحفصة اقضيا يوما مكانه فهو حديث معلول، وكان إذا نزل على قوم وهو صائم أتم صيامه، كما فعل لما دخل على أم سليم ولكن أم سليم عنده بمنزلة أهل بيته.
وفي الصحيح عنه أنه قال: { إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم، فليقل: إني صائم وكان من هديه كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم } ([15]).
من كتاب مخنصر زاد المعاد
منقول