لقد قرأت هذا الموضوع في احد المواقع و اردت نقله لتعم الفائدة ان شاء
الله تعالى.
البرزخ في اللغة يعني : (الحاجز والحد بين الشيئين) .
وفي الاصطلاح : هو (الفترة ما بين الموت والقيامة).
وعرّفه الفيض الكاشاني بأنه : (الحالة التي تكون بين الموت والبعث، وهو
مدّة اضمحلال هذا البدن المحسوس إلى وقت العود ـ أعني زمان القبر ـ وتكون
الروح في هذه المدّة في بدنها المثالي الذي يرى الإنسان نفسه فيه في
النوم).
إنّ من العقائد الأساسية التي بني عليها الإسلام هو الإيمان بعالم الآخرة .
وعالم الآخرة يبدأ من لحظة انفصال الروح عن البدن، ثمّ يمتد في عالم الخلود .
وقد تحدّثت الروايات الواردة عن الرسول الكريم محمد (ص) ، والأئمة الهداة
عليهم السلام عن مرحلة من مراحل عالم الآخرة ، وهي مرحلة البرزخ ، وما
ينتظر الإنسان ويواجهه في ذلك العالم المذهل الغريب .
والتسليم بعالم البرزخ يتوقف على الإيمان بوجود الروح وبقائها حية بعد
انفصالها عن البدن، ذلك لأن النعيم والعذاب المتحققين في هذه المرحلة من
عالم الآخرة هما نعيم أو عذاب تتلقاه الروح حتى يوم البعث والنشور والمعاد
الجسماني ، كما استفاد علماء الإسلام ذلك من الآيات والروايات الواردة في
هذا الشأن .
فمن تلك الآيات الآيات التي تحدثت عن حياة الشهداء ، وما ينالونه من
النعيم والجزاء بعد موتهم مباشرة ممّا يعني تنعُّم أرواحهم في عالم يسبق
عالم النشور والمعاد الجسماني .
قال تعالى :
(ولا تَحْسَبنَّ الّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمواتاً بَلْ أحياءٌ
عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُون * فَرِحينَ بما آتاهُمُ اللهُ من فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذينَ لَم يَلحقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أ لاّ
خَوْفٌ عَلَيهم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * يَسْتَبْشِـرُون بِنِعْمَة مِنَ
اللهِ وَفَضْـل وأنَّ اللهَ لا يُضِـيعُ أجْرَ المُؤْمِنينَ ) . ( آل
عمران / 169 ـ 171 )
وقال سبحانه :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أحْياءٌ وَلكن لا تَشْعُرُون ) . ( البقرة / 154 )
فتلك الآيات الكريمة تتحدث عن حياة الشهداء بعد انفصال أرواحهم عن أجسادها في عالم النعيم والجزاء الإلهي السّار .
وهذا العالم كما توضحه الروايات هو قبل عالم البعث والنشور والمعاد
الجسماني، وهو عالم محيط بعالمنا، ومتداخل معه لايفصله عنا فاصل زماني ولا
مكاني، إنما يفصله فاصل نوعي، لذا فهو لايقع تحت حواسّنا ، كما وضّح
القرآن ذلك بقوله : (ولكِن لا تَشْعُرون ) شأنه شأن كثير من الحقائق
المادية المحيطة بنا والتي لانستطيع إدراكها بحواسّنا ، كالأشعة تحت
الحمراء والأشعة فوق البنفسجية أو الأصوات التي لا نستطيع سماعها في حين
تسمعها بعض الحيوانات، كالأصوات التي تقلّ ذبذباتها عن 22 ذبذبة في
الثانية.
وقد أخبر القرآن بشكل مجمل عن هذا العالم والحياة فيه بعد الموت مباشرة بقوله :
(حتّى إذا جاءَ أحَدَهُم الموْتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعلِّي أعمَلُ
صالِحاً فيما تَركتُ كَلاّ إنّها كَلمةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِم
بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .
( المؤمنون / 99 ـ 100 )
فإنّ هذه الآية تتحدث عن قول المجرمين بعد مماتهم مباشرة ، وطلبهم من الله
سبحانه أن يعودوا إلى عالم الدنيا نادمين آسفين على ما فرّطوا فلا ينفعهم
ذلك ، بل يظلّون في عالم البرزخ الذي صرَّحت به الآية ، وهم أحياء قد صدر
منهم ذلك الطلب ، كما صرَّحت بحياة الشهداء آيات أُخَر .
وممّا ورد في الروايات عن الرسول (ص) اتضح الإيمان بعالم البرزخ، وما فيه
من نعيم وعذاب. فمما استدل به على الحياة وبقاء الأرواح في عالم البرزخ هو
خطاب الرسول (ص) لقتلى المشركين في معركة بدر الكبرى وحديثه معهم .
فقد روي عنه (ص) أنه كان ينادي المقتولين فيقول : «هل وجدتم ما وعد ربّكم
حقاً ؟ فقيل : يارسول الله إنهم أموات فكيف تناديهم ؟ فقال (ص) : إنّهم
أسمع منكم» () .
وقد أسقط الإمام الصادق (ع) الخرافة القائلة بأن أرواح المؤمنين في حواصل
طيور خضر، وأوضح كيفية بقاء الروح في عالم البرزخ، فقد قال له أحد أصحابه
: « جُعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش.
فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في
أبدان كأبدانهم » () .
وروي عنه (ع) أيضاً : «... فإذا قبضه الله عزّ وجلّ صيَّر تلك الروح في
قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه
بتلك الصورة التي كانت في الدنيا» () .
وروي عن الرسول الكريم قوله : «القبر إمّا حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنّة» () .
وبعد أن اتضح لنا من هذه الآيات والروايات حياة الروح في هيئة جسد يناسب
ذلك العالم ، فلنوضح ما جاء من روايات مبيّنة لما يواجهه الإنسان في لحظة
دخوله القبر وحتى يوم القيامة، فهي كما صوّرتها العقيدة الإسلامية كالآتي :
1 ـ ضغطة القبر .
2 ـ المساءلة في القبر .
3 ـ حياة البرزخ .
إذا كان الموت عبارة عن عملية انفصال الروح عن البدن، والانتقال إلى عالم
الآخرة، فإن أول مايواجه الإنسان من عالم الآخرة حين تبدأ عملية الموت هو
رؤية الملائكة الذين يخاطبون المؤمنين، بما يبعث فيهم الطمأنينة والبشرى ،
قال تعالى مصوِّراً ذلك :
(إنّ الّذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثمّ اسْتقاموا تَتَنَزَّلُ عليهِمُ
الملائِكةُ ألاّ تَخافُوا ولا تَحْزَنوا وأبْشِروا بالجَنّةِ الّتي
كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَولياؤُكُم فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي
الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهي أَنفُسُكُم ولَكُم فِيها ما
تَدَّعُونَ ) .
( فُصّلَت / 30 ـ 31 )
كما يخاطب الملائكة المجرمين بالزجر والاهانة والتهديد، وهم في غمرات الموت ولحظات خروج الروح التي صوَّرها القرآن بقوله :
(وَلَوْ تَرى إذ الظّالمونَ فِي غَمراتِ المَوْتِ والملائِكَةُ باسِطو
أيديهم أخرِجُوا أنفسكُمُ اليومَ تُجزَونَ عَذابَ الهُوْنِ بِما كُنْتُم
تَقُولُونَ على اللهِ غَيْرَ الحقِّ وكُنْتُم عَن آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون
) . ( الأنعام / 93 )
وتفيد الروايات والبيانات أن الروح تعود إلى الجسد بعد الدفن، ليواجه
الإنسان ضغطة القبر والمساءلة فيه من قبل الملائكة المكلفين بذلك .
روي عن الرسول (ص) أ نّه لما توفي سعد بن معاذ صلّى على جنازته، وشيّعه،
ولحَّدهُ في قبره، ثمّ قال : «إنّ سعداً قد أصابته ضمّة... إنّه كان في
خلقه مع أهله سوء» () .
وضغطة القبر هذه لايسلم منها إلاّ قليل من الصالحين، غير أنها درجات في الشدة والألم والتخفيف، متناسبة مع عمل المرء ودينه .
وقد تحدّثت الروايات عن المساءلة في القبر وإثباتها ، فقد ورد عن الإمام
جعفر بن محمّد الصادق (ع) : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا :
المعراج ، والمساءلة في القبر، والشفاعة» () .
والمساءلة في القبر تبدأ بُعيد الدفن . فالميت بعد عودة الحياة إلى جسده
(إلى حقويه كما ورد في الرواية) يسأل عن دينه وعمله، تمهيداً للنعيم
والعذاب في هذا العالم (البرزخ) ثمّ تفارقه الحياة بعد ذلك ـ تنفصل روحه
عن جسده ـ .
فقد فسّر بعض المفسِّرين قوله تعالى رَبَّنا أَمتَّنا اثْنَتَيْنِ
وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْن )أنّ الحياة الثانية هي حياة القبر هذه التي
يعقبها الموت الثاني لتبقى الروح في عالم البرزخ إلى يوم القيامة .
وإذا كانت المساءلة في القبر من قبل الملائكة المكلفين، فقد أوضحت
الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الموتى في عالم
البرزخ ثلاثة أصناف :
1 ـ صنف محض الإيمان، فحسنُ دينه وعمله. وهم المؤمنون الصادقون. وهذا
الصنف من الناس يُسأل في قبره، وينعّم في عالم البرزخ حتى يوم القيامة.
2 ـ صنف من الناس محض الكفر محضاً ، وهذا الصنف يُسأل في قبره فيُعاقب في ذلك العالم البرزخي .
3 ـ أمّا الصنف الثالث فهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء
مُرجَون إلى يوم القيامة، ولا يُسْألون في قبورهم، ولا يُنالون جزاءهم في
هذا العالم، ذلك لأن هؤلاء المخلِّطين يتوقف أمرهم يوم القيامة على
الشفاعة والعفو، أو العقاب والعذاب المؤقت، ليدخلوا الجنّة والنعيم بعد
ذلك .
قال تعالى :
(وآخرونَ مُرْجَونَ لأمرِ اللهِ إمّا يُعذِّبُهُم وإمّا يَتُوبُ عَليْهِم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) . ( التوبة / 106 )
وقد أوضح الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) أصناف الناس في عالم القبر لأحد
سائليه فقال : «لا يُسْأل في القبر إلاّ من محض الإيمان محضاً ، أو محض
الكفر محضاً ، فقلت له : فسائر الناس ؟ فقال : يلهى عنهم» () .
وتحدّث العلاّمة المجلسي رحمه الله عن العقيدة في البرزخ فقال :
(إنّ عذاب البرزخ وثوابه ممّا اتفقت عليه الاُمّة سلفاً وخلفاً ...) () .
وإذا كان عالم البرزخ حقيقة، والإيمان به عقيدة إسلامية آمن بها المسلمون
جميعاً ، فلنعرض الرأي الإسلامي في كيفية الحياة في هذا العالم .
قال الشيخ المفيد موضحاً كيفية الحياة في ذلك العالم البرزخي :
(القول في تنعيم أصحاب القبور وتعذيبهم وعلى أي شيء يكون الثواب لهم
والعقاب، ومن أي وجه يصل إليهم ذلك ، وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال .
أقول : إنّ الله تعالى يجعل لهم أجساماً كأجسامهم في دار الدنيا، ينعّم
مؤمنهم فيها ويعذّب كافرهم فيها وفُسّاقهم دون أجسامهم التي في القبور
يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس، وتبلى على مرور الأوقات، وينالهم ذلك في
غير أماكنهم من القبور...) () .
وقال الشيخ الصدوق :
(اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب
فإذا بروح وريحان في قبره، وبجنة نعيم في الآخرة، ومن لم يأت بالصواب فله
نزل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة. وأكثر ما يكون عذاب القبر من
النميمة وسوء الخلق، والاستخفاف بالبول، وأشدّ ما يكون عذاب القبر على
المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجّام، ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من
الذنوب التي تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت ...)
() .
وهكذا يتّضح لنا عالم البرزخ والمساءلة في القبر وضغطته بصورته الاجمالية، كما حدثتنا الروايات وبيانات العلماء .
الله تعالى.
البرزخ في اللغة يعني : (الحاجز والحد بين الشيئين) .
وفي الاصطلاح : هو (الفترة ما بين الموت والقيامة).
وعرّفه الفيض الكاشاني بأنه : (الحالة التي تكون بين الموت والبعث، وهو
مدّة اضمحلال هذا البدن المحسوس إلى وقت العود ـ أعني زمان القبر ـ وتكون
الروح في هذه المدّة في بدنها المثالي الذي يرى الإنسان نفسه فيه في
النوم).
إنّ من العقائد الأساسية التي بني عليها الإسلام هو الإيمان بعالم الآخرة .
وعالم الآخرة يبدأ من لحظة انفصال الروح عن البدن، ثمّ يمتد في عالم الخلود .
وقد تحدّثت الروايات الواردة عن الرسول الكريم محمد (ص) ، والأئمة الهداة
عليهم السلام عن مرحلة من مراحل عالم الآخرة ، وهي مرحلة البرزخ ، وما
ينتظر الإنسان ويواجهه في ذلك العالم المذهل الغريب .
والتسليم بعالم البرزخ يتوقف على الإيمان بوجود الروح وبقائها حية بعد
انفصالها عن البدن، ذلك لأن النعيم والعذاب المتحققين في هذه المرحلة من
عالم الآخرة هما نعيم أو عذاب تتلقاه الروح حتى يوم البعث والنشور والمعاد
الجسماني ، كما استفاد علماء الإسلام ذلك من الآيات والروايات الواردة في
هذا الشأن .
فمن تلك الآيات الآيات التي تحدثت عن حياة الشهداء ، وما ينالونه من
النعيم والجزاء بعد موتهم مباشرة ممّا يعني تنعُّم أرواحهم في عالم يسبق
عالم النشور والمعاد الجسماني .
قال تعالى :
(ولا تَحْسَبنَّ الّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمواتاً بَلْ أحياءٌ
عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُون * فَرِحينَ بما آتاهُمُ اللهُ من فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذينَ لَم يَلحقُوا بِهِم مِن خَلْفِهِمْ أ لاّ
خَوْفٌ عَلَيهم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * يَسْتَبْشِـرُون بِنِعْمَة مِنَ
اللهِ وَفَضْـل وأنَّ اللهَ لا يُضِـيعُ أجْرَ المُؤْمِنينَ ) . ( آل
عمران / 169 ـ 171 )
وقال سبحانه :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أحْياءٌ وَلكن لا تَشْعُرُون ) . ( البقرة / 154 )
فتلك الآيات الكريمة تتحدث عن حياة الشهداء بعد انفصال أرواحهم عن أجسادها في عالم النعيم والجزاء الإلهي السّار .
وهذا العالم كما توضحه الروايات هو قبل عالم البعث والنشور والمعاد
الجسماني، وهو عالم محيط بعالمنا، ومتداخل معه لايفصله عنا فاصل زماني ولا
مكاني، إنما يفصله فاصل نوعي، لذا فهو لايقع تحت حواسّنا ، كما وضّح
القرآن ذلك بقوله : (ولكِن لا تَشْعُرون ) شأنه شأن كثير من الحقائق
المادية المحيطة بنا والتي لانستطيع إدراكها بحواسّنا ، كالأشعة تحت
الحمراء والأشعة فوق البنفسجية أو الأصوات التي لا نستطيع سماعها في حين
تسمعها بعض الحيوانات، كالأصوات التي تقلّ ذبذباتها عن 22 ذبذبة في
الثانية.
وقد أخبر القرآن بشكل مجمل عن هذا العالم والحياة فيه بعد الموت مباشرة بقوله :
(حتّى إذا جاءَ أحَدَهُم الموْتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعلِّي أعمَلُ
صالِحاً فيما تَركتُ كَلاّ إنّها كَلمةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِم
بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) .
( المؤمنون / 99 ـ 100 )
فإنّ هذه الآية تتحدث عن قول المجرمين بعد مماتهم مباشرة ، وطلبهم من الله
سبحانه أن يعودوا إلى عالم الدنيا نادمين آسفين على ما فرّطوا فلا ينفعهم
ذلك ، بل يظلّون في عالم البرزخ الذي صرَّحت به الآية ، وهم أحياء قد صدر
منهم ذلك الطلب ، كما صرَّحت بحياة الشهداء آيات أُخَر .
وممّا ورد في الروايات عن الرسول (ص) اتضح الإيمان بعالم البرزخ، وما فيه
من نعيم وعذاب. فمما استدل به على الحياة وبقاء الأرواح في عالم البرزخ هو
خطاب الرسول (ص) لقتلى المشركين في معركة بدر الكبرى وحديثه معهم .
فقد روي عنه (ص) أنه كان ينادي المقتولين فيقول : «هل وجدتم ما وعد ربّكم
حقاً ؟ فقيل : يارسول الله إنهم أموات فكيف تناديهم ؟ فقال (ص) : إنّهم
أسمع منكم» () .
وقد أسقط الإمام الصادق (ع) الخرافة القائلة بأن أرواح المؤمنين في حواصل
طيور خضر، وأوضح كيفية بقاء الروح في عالم البرزخ، فقد قال له أحد أصحابه
: « جُعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش.
فقال : لا ، المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في
أبدان كأبدانهم » () .
وروي عنه (ع) أيضاً : «... فإذا قبضه الله عزّ وجلّ صيَّر تلك الروح في
قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه
بتلك الصورة التي كانت في الدنيا» () .
وروي عن الرسول الكريم قوله : «القبر إمّا حفرة من حفر النيران، أو روضة من رياض الجنّة» () .
وبعد أن اتضح لنا من هذه الآيات والروايات حياة الروح في هيئة جسد يناسب
ذلك العالم ، فلنوضح ما جاء من روايات مبيّنة لما يواجهه الإنسان في لحظة
دخوله القبر وحتى يوم القيامة، فهي كما صوّرتها العقيدة الإسلامية كالآتي :
1 ـ ضغطة القبر .
2 ـ المساءلة في القبر .
3 ـ حياة البرزخ .
إذا كان الموت عبارة عن عملية انفصال الروح عن البدن، والانتقال إلى عالم
الآخرة، فإن أول مايواجه الإنسان من عالم الآخرة حين تبدأ عملية الموت هو
رؤية الملائكة الذين يخاطبون المؤمنين، بما يبعث فيهم الطمأنينة والبشرى ،
قال تعالى مصوِّراً ذلك :
(إنّ الّذينَ قالوا ربُّنا اللهُ ثمّ اسْتقاموا تَتَنَزَّلُ عليهِمُ
الملائِكةُ ألاّ تَخافُوا ولا تَحْزَنوا وأبْشِروا بالجَنّةِ الّتي
كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَولياؤُكُم فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَفِي
الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهي أَنفُسُكُم ولَكُم فِيها ما
تَدَّعُونَ ) .
( فُصّلَت / 30 ـ 31 )
كما يخاطب الملائكة المجرمين بالزجر والاهانة والتهديد، وهم في غمرات الموت ولحظات خروج الروح التي صوَّرها القرآن بقوله :
(وَلَوْ تَرى إذ الظّالمونَ فِي غَمراتِ المَوْتِ والملائِكَةُ باسِطو
أيديهم أخرِجُوا أنفسكُمُ اليومَ تُجزَونَ عَذابَ الهُوْنِ بِما كُنْتُم
تَقُولُونَ على اللهِ غَيْرَ الحقِّ وكُنْتُم عَن آياتِهِ تَسْتَكْبِرُون
) . ( الأنعام / 93 )
وتفيد الروايات والبيانات أن الروح تعود إلى الجسد بعد الدفن، ليواجه
الإنسان ضغطة القبر والمساءلة فيه من قبل الملائكة المكلفين بذلك .
روي عن الرسول (ص) أ نّه لما توفي سعد بن معاذ صلّى على جنازته، وشيّعه،
ولحَّدهُ في قبره، ثمّ قال : «إنّ سعداً قد أصابته ضمّة... إنّه كان في
خلقه مع أهله سوء» () .
وضغطة القبر هذه لايسلم منها إلاّ قليل من الصالحين، غير أنها درجات في الشدة والألم والتخفيف، متناسبة مع عمل المرء ودينه .
وقد تحدّثت الروايات عن المساءلة في القبر وإثباتها ، فقد ورد عن الإمام
جعفر بن محمّد الصادق (ع) : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا :
المعراج ، والمساءلة في القبر، والشفاعة» () .
والمساءلة في القبر تبدأ بُعيد الدفن . فالميت بعد عودة الحياة إلى جسده
(إلى حقويه كما ورد في الرواية) يسأل عن دينه وعمله، تمهيداً للنعيم
والعذاب في هذا العالم (البرزخ) ثمّ تفارقه الحياة بعد ذلك ـ تنفصل روحه
عن جسده ـ .
فقد فسّر بعض المفسِّرين قوله تعالى رَبَّنا أَمتَّنا اثْنَتَيْنِ
وأحْيَيْتَنا اثْنَتَيْن )أنّ الحياة الثانية هي حياة القبر هذه التي
يعقبها الموت الثاني لتبقى الروح في عالم البرزخ إلى يوم القيامة .
وإذا كانت المساءلة في القبر من قبل الملائكة المكلفين، فقد أوضحت
الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الموتى في عالم
البرزخ ثلاثة أصناف :
1 ـ صنف محض الإيمان، فحسنُ دينه وعمله. وهم المؤمنون الصادقون. وهذا
الصنف من الناس يُسأل في قبره، وينعّم في عالم البرزخ حتى يوم القيامة.
2 ـ صنف من الناس محض الكفر محضاً ، وهذا الصنف يُسأل في قبره فيُعاقب في ذلك العالم البرزخي .
3 ـ أمّا الصنف الثالث فهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء
مُرجَون إلى يوم القيامة، ولا يُسْألون في قبورهم، ولا يُنالون جزاءهم في
هذا العالم، ذلك لأن هؤلاء المخلِّطين يتوقف أمرهم يوم القيامة على
الشفاعة والعفو، أو العقاب والعذاب المؤقت، ليدخلوا الجنّة والنعيم بعد
ذلك .
قال تعالى :
(وآخرونَ مُرْجَونَ لأمرِ اللهِ إمّا يُعذِّبُهُم وإمّا يَتُوبُ عَليْهِم واللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) . ( التوبة / 106 )
وقد أوضح الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) أصناف الناس في عالم القبر لأحد
سائليه فقال : «لا يُسْأل في القبر إلاّ من محض الإيمان محضاً ، أو محض
الكفر محضاً ، فقلت له : فسائر الناس ؟ فقال : يلهى عنهم» () .
وتحدّث العلاّمة المجلسي رحمه الله عن العقيدة في البرزخ فقال :
(إنّ عذاب البرزخ وثوابه ممّا اتفقت عليه الاُمّة سلفاً وخلفاً ...) () .
وإذا كان عالم البرزخ حقيقة، والإيمان به عقيدة إسلامية آمن بها المسلمون
جميعاً ، فلنعرض الرأي الإسلامي في كيفية الحياة في هذا العالم .
قال الشيخ المفيد موضحاً كيفية الحياة في ذلك العالم البرزخي :
(القول في تنعيم أصحاب القبور وتعذيبهم وعلى أي شيء يكون الثواب لهم
والعقاب، ومن أي وجه يصل إليهم ذلك ، وكيف تكون صورهم في تلك الأحوال .
أقول : إنّ الله تعالى يجعل لهم أجساماً كأجسامهم في دار الدنيا، ينعّم
مؤمنهم فيها ويعذّب كافرهم فيها وفُسّاقهم دون أجسامهم التي في القبور
يشاهدها الناظرون تتفرق وتندرس، وتبلى على مرور الأوقات، وينالهم ذلك في
غير أماكنهم من القبور...) () .
وقال الشيخ الصدوق :
(اعتقادنا في المساءلة في القبر أنها حق لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب
فإذا بروح وريحان في قبره، وبجنة نعيم في الآخرة، ومن لم يأت بالصواب فله
نزل من حميم في قبره، وتصلية جحيم في الآخرة. وأكثر ما يكون عذاب القبر من
النميمة وسوء الخلق، والاستخفاف بالبول، وأشدّ ما يكون عذاب القبر على
المؤمن مثل اختلاج العين أو شرطة حجّام، ويكون ذلك كفّارة لما بقي عليه من
الذنوب التي تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت ...)
() .
وهكذا يتّضح لنا عالم البرزخ والمساءلة في القبر وضغطته بصورته الاجمالية، كما حدثتنا الروايات وبيانات العلماء .