قال الله تعالى في الكاذبين : { وَلَهُمْ عَذَاٌب أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}(1) ، وقال تعالى {وَيَوْم الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةٌ}(2) ، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار وتحرّوا (3) الصدق فإن الصدق يهدي إلى البرّ والبر يهدي إلى الجنة» (4) وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « إذا كذب العبد كذبة تباعد الملكان عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به، ويقال : راوي الكذب أحد الكذابين. ويقال رأس المآثم الكذب ، وعمود الكذب البهتان.»
وقيل : أمران لا ينفكان من الكذب ؛ كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار. وقال الحسن في قوله تعالى : {وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (5) وهي لكل واصف كذب إلى يوم القيامة . وقال الأصمعي : قلت لكذاب : أصدقت قط ؟ قال : لولا أني أخاف أن أصدق في هذا لقلت لك لا ، فتعجب .
وقال محمود بن أبي الجنود :
لي حيلــــة فيمَـــــن يَنَــــــمُّ ...... وليـــسَ فـي الكذاب حيلَهْ
مَــنْ كــان يـخـلـقُ مـا يقــــ ...... ــــولُ فحيلتــي فيـه قليلـهَْ
مَــنْ كــان يـخـلـقُ مـا يقــــ ...... ــــولُ فحيلتــي فيـه قليلـهَْ
ويقال : فلان أكذب من لمعان السراب ومن سحاب تموز. وكان بفارس محتسب يعرف بجراب الكذب وكان يقول : إن منعت الكذب انشقت مرارتي ، وإني والله لأجد به مع ما يلحقني من عاره من المسرة ، ما لا أجده بالصدق ، مع ما ينالني من نفعه. وقال فيلسوف : من عرف من نفسه الكذب لم يصدّق الصادق فيما يقوله.
ولبعضهم :
حســبُ الكــذوبِ من البلــ ........ ـيَّةِ بعــضُ مـَا يُحكــــى عليـــه
فمـتـــى سمعـــتَ بـكـذبـــةٍ ........ مــن غـــــيــره نـسـِــبَـتْ إليــــه
فمـتـــى سمعـــتَ بـكـذبـــةٍ ........ مــن غـــــيــره نـسـِــبَـتْ إليــــه
وأضاف صيرفي قومًا فأقبل يحدثهم فقال بعضهم : نحن كما قال تعالى : {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلْسُُّحْتِ} (6) وعن عبد الله بن السدى قال : قلت لابن المبارك : حدثنا حديثًا. قال : ارجعوا فلست أحدثكم ، فقيل له : إنك لم تحلف. فقال : لو حلفت لكفرت وحدثتكم. ولكن لست أكذب فكان هذا أحب إلينا من الحديث. وقال مجاهد : يكتب على ابن آدم كل شيء حتى أنينه في سقمه ، وحتى أن الصبي ليبكي ، فتقول له أمه : اسكت وأشتري لك كذا ثم لا تفعل فتكتب كذبة. وقال الفضيل : ما من مضغة أحب إلى الله تعالى من اللسان إذا كان صدوقًا ، ولا مضغة أبغض إلى الله تعالى من اللسان إذا كان كذوبًا. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرفوعا : « أعظم الخطايا اللسان الكذوب » .
قال الشاعر:
لا يكــذبُ المــرءُ إلاَ مِـــنْ مَهَانتــه ..... أو فِعْلِــهِ الســوءَ أو مــن قلّــةِ الأدبِ
لَبَعَــضُ جِيفَةِ كلــبٍ خــيرُ رائـحــةٍ ..... من كذبــةِ المــرءِ فـي جّـدِّ وفي لَعَبِ
ولما نصب معاوية رضي الله تعالى عنه ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء ، وجعل الناس يسلمون على معاوية ، ثم يسلمون على يزيد ، حتى جاء رجل ففعل ذلك ، ثم رجع إلى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين اعلم أنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها ، والأحنف ساكت. فقال معاوية: ما لك لا تقول يا أبا بحر. فقال : أخاف الله تعالى إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال : جزاك الله خيرًا عما تقول ، ثم أمر له بألوف ، فلما خرج الأحنف لقيه ذلك الرجل بالباب ، فقال له : يا أبا بحر إني لأعلم أن هذا من شرار خلق الله تعالى ، ولكنهم استوثقوا من الأموال بالأبواب والأقفال ، فلسنا نطمع في إخراجها إلا بما سمعت. فقال له الأحنف يا هذا أمسك ، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهًا.
وقيل : إن الكذب يحمد إذا وصل بين المتقاطعين ، أو أصلح بين الزوجين ، ويذم الصدق إذا كان غيبة ، وقد رفع الحرج عن الكاذب في الحرب وعن المصلح بين المرء وزوجه. وكان المهلب في حرب الخوارج يكذب لأصحابه ، يقوي بذلك جأشهم. فكانوا إذا رأوه مقبلاً إليهم قالوا جاءنا بكذب. وقال يحيى بن خالد رأينا شارب خمر نزع ، ولصَّا أقلع ، وصاحب فواحش رجع ، ولم نر كذّابًا صار صادقًا.وكان عمر بن معد يكرب مشهورًا بالكذب. و قيل لخلف الأحمر و كان شديد التعصب لليمن :
أكان ابن معد يكرب يكذب . فقال : كان يكذب في المقال ، ويصدق في الفعال. قيل : إن بلالاً لم يكذب مذ أسلم رضي الله تعالى عنه.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
لَبَعَــضُ جِيفَةِ كلــبٍ خــيرُ رائـحــةٍ ..... من كذبــةِ المــرءِ فـي جّـدِّ وفي لَعَبِ
ولما نصب معاوية رضي الله تعالى عنه ابنه يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء ، وجعل الناس يسلمون على معاوية ، ثم يسلمون على يزيد ، حتى جاء رجل ففعل ذلك ، ثم رجع إلى معاوية فقال : يا أمير المؤمنين اعلم أنك لو لم تول هذا أمور المسلمين لأضعتها ، والأحنف ساكت. فقال معاوية: ما لك لا تقول يا أبا بحر. فقال : أخاف الله تعالى إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت. فقال : جزاك الله خيرًا عما تقول ، ثم أمر له بألوف ، فلما خرج الأحنف لقيه ذلك الرجل بالباب ، فقال له : يا أبا بحر إني لأعلم أن هذا من شرار خلق الله تعالى ، ولكنهم استوثقوا من الأموال بالأبواب والأقفال ، فلسنا نطمع في إخراجها إلا بما سمعت. فقال له الأحنف يا هذا أمسك ، فإن ذا الوجهين خليق أن لا يكون عند الله وجيهًا.
وقيل : إن الكذب يحمد إذا وصل بين المتقاطعين ، أو أصلح بين الزوجين ، ويذم الصدق إذا كان غيبة ، وقد رفع الحرج عن الكاذب في الحرب وعن المصلح بين المرء وزوجه. وكان المهلب في حرب الخوارج يكذب لأصحابه ، يقوي بذلك جأشهم. فكانوا إذا رأوه مقبلاً إليهم قالوا جاءنا بكذب. وقال يحيى بن خالد رأينا شارب خمر نزع ، ولصَّا أقلع ، وصاحب فواحش رجع ، ولم نر كذّابًا صار صادقًا.وكان عمر بن معد يكرب مشهورًا بالكذب. و قيل لخلف الأحمر و كان شديد التعصب لليمن :
أكان ابن معد يكرب يكذب . فقال : كان يكذب في المقال ، ويصدق في الفعال. قيل : إن بلالاً لم يكذب مذ أسلم رضي الله تعالى عنه.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة البقرة : 10. (2)- سورة الزمر: 60.
(3)- تحرّوا : توخوا. (4)- أخرجه : مسلم في كتاب البر و الصلة و الآداب 2607.
(5)- سورة الأنبياء: 18. (6)- سورة المائدة : 42.
(1)- سورة البقرة : 10. (2)- سورة الزمر: 60.
(3)- تحرّوا : توخوا. (4)- أخرجه : مسلم في كتاب البر و الصلة و الآداب 2607.
(5)- سورة الأنبياء: 18. (6)- سورة المائدة : 42.