اعلم أن الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل ، ويكسبان الرذائل. وحسبك من رذيلة تمنع من سماع النصح، وقبول التأديب. والكبر يكسب المقت ، ويمنع من التكلف. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر » (1). وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « من جَرّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه »(2). وقال الأحنف بن قيس : ما تكبر أحد إلا من زلة يجدها في نفسه ولم تزل الحكماء تتحامى (3) الكبر، وتأنف منه .
ونظر أفلاطون إلى رجل جاهل معجب بنفسه. فقال : وددت أني مثلك في ظنك ، وأن أعدائي مثلك في الحقيقة.
ورأى رجلٌ رجلاً يختال في مشيه فقال: جعلني الله مثلك في نفسك، ولا جعلني مثلك في نفسي.
وقال الأحنف : عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر . ومرّ بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه، فقال له مالك: يا بني لو تركت هذه الخيلاء لكان أجمل لك. فقال : أو ما تعرفني؟ قال : أعرفك معرفة جيدة ، أوَّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك تحمل العذرة ، فأرخي الفتى رأسه ، وكَّف عما كان عليه. وقال: لا يدوم الملك مع الكبر، وحسبك من رذيلة تسلب الرياسة، والسيادة.
و أعظم من ذلك أن الله تعالى حرم الجنة على المتكبرين، فقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا}(4). فقرن الكبر بالفساد، وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ } (5) . قال بعض الحكماء: ما رأيت متكبرًا إلا تحول ما به بي. يعني : أتكبر عليه.
واعلَمْ أن الكبر يوجب المقت، ومن مقته رجاله لم يستقم حاله. والعرب تجعل جذيمة الأبرش غاية في الكبر. يقال : إنه كان لا ينادم أحدًا لتكبُّره ، ويقول : إنما ينادمني الفرقدان.
وكان ابن عوانة من أقبح الناس كبرًا ، روى أنه قال لغلامه : اسقني ماء. فقال : نعم. فقال : إنما يقول : نعم من يقدر أن يقول : لا ، اصفعوه فصفع ، ودعا أكارا (6) فكلمه ، فلما فرغ دعا بماء فتمضمض به استقذارًا لمخاطبته. ويقال : فلان وضع نفسه في درجة ، لو سقط منها لتكسر.
قال الجاحظ : المشهورون بالكبر من قريش : بنو مخزوم ، وبنو أمية ، ومن العرب : بنو جعفر بن كلاب ، وبنو زرارة بن عدي . وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيدًا ، وأنفسهم إلا أربابًا.
وقيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة؟ فقال : أخاف أن لا يحمل الجسر شرفي . وقيل للحجاج بن أرطاة : ما لك لا تحضر الجماعة ؟ قال : أخشى أن يزاحمني البقالون . وقيل : أتى وائل بن حجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقطعه أرضًا، وقال لمعاوية :« أعرض هذه الأرض عليه ، وأكتبها له » . فخرج معه معاوية في هاجرة شديدة ، ومشى خلف ناقته ، فأحرقه حر الشمس ، فقال له : اردفني خلفك على ناقتك ، قال : لست من أرادف الملوك . قال : اعطني نعليك. قال : ما بخلٌ يمنعني يا ابن أبي سفيان ، ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن (7) أنك لبست نعلي ، ولكن أمش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفًا . وقيل : إنه لحق زمن معاوية ، ودخل عليه ، فأقعده معه على السرير وحدثه .
وقال المسرور بن هند لرجل : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا المسرور بن هند . قال : ما أعرفك. قال : فتعسًا ونكسًا لمن لم يعرف القمر . قال الشاعر :
ورأى رجلٌ رجلاً يختال في مشيه فقال: جعلني الله مثلك في نفسك، ولا جعلني مثلك في نفسي.
وقال الأحنف : عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر . ومرّ بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه، فقال له مالك: يا بني لو تركت هذه الخيلاء لكان أجمل لك. فقال : أو ما تعرفني؟ قال : أعرفك معرفة جيدة ، أوَّلك نطفة مذرة ، وآخرك جيفة قذرة ، وأنت بين ذلك تحمل العذرة ، فأرخي الفتى رأسه ، وكَّف عما كان عليه. وقال: لا يدوم الملك مع الكبر، وحسبك من رذيلة تسلب الرياسة، والسيادة.
و أعظم من ذلك أن الله تعالى حرم الجنة على المتكبرين، فقال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا}(4). فقرن الكبر بالفساد، وقال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ } (5) . قال بعض الحكماء: ما رأيت متكبرًا إلا تحول ما به بي. يعني : أتكبر عليه.
واعلَمْ أن الكبر يوجب المقت، ومن مقته رجاله لم يستقم حاله. والعرب تجعل جذيمة الأبرش غاية في الكبر. يقال : إنه كان لا ينادم أحدًا لتكبُّره ، ويقول : إنما ينادمني الفرقدان.
وكان ابن عوانة من أقبح الناس كبرًا ، روى أنه قال لغلامه : اسقني ماء. فقال : نعم. فقال : إنما يقول : نعم من يقدر أن يقول : لا ، اصفعوه فصفع ، ودعا أكارا (6) فكلمه ، فلما فرغ دعا بماء فتمضمض به استقذارًا لمخاطبته. ويقال : فلان وضع نفسه في درجة ، لو سقط منها لتكسر.
قال الجاحظ : المشهورون بالكبر من قريش : بنو مخزوم ، وبنو أمية ، ومن العرب : بنو جعفر بن كلاب ، وبنو زرارة بن عدي . وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيدًا ، وأنفسهم إلا أربابًا.
وقيل لرجل من بني عبد الدار: ألا تأتي الخليفة؟ فقال : أخاف أن لا يحمل الجسر شرفي . وقيل للحجاج بن أرطاة : ما لك لا تحضر الجماعة ؟ قال : أخشى أن يزاحمني البقالون . وقيل : أتى وائل بن حجر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فأقطعه أرضًا، وقال لمعاوية :« أعرض هذه الأرض عليه ، وأكتبها له » . فخرج معه معاوية في هاجرة شديدة ، ومشى خلف ناقته ، فأحرقه حر الشمس ، فقال له : اردفني خلفك على ناقتك ، قال : لست من أرادف الملوك . قال : اعطني نعليك. قال : ما بخلٌ يمنعني يا ابن أبي سفيان ، ولكن أكره أن يبلغ أقيال اليمن (7) أنك لبست نعلي ، ولكن أمش في ظل ناقتي فحسبك بها شرفًا . وقيل : إنه لحق زمن معاوية ، ودخل عليه ، فأقعده معه على السرير وحدثه .
وقال المسرور بن هند لرجل : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا المسرور بن هند . قال : ما أعرفك. قال : فتعسًا ونكسًا لمن لم يعرف القمر . قال الشاعر :
قـولا لأحمـقَ يلـوى التيـهُ أخدعُـهُ(8) ...... لـو كنـتَ تعلـم مـا فـي التيـه لم تَتِـهِ
التيـهُ مـفــســدةٌ لـلـديــن ، منقصــةٌ ...... للعـقــلِ ، مـهـلـكـةٌ للعـرض فانـتبـهِ
التيـهُ مـفــســدةٌ لـلـديــن ، منقصــةٌ ...... للعـقــلِ ، مـهـلـكـةٌ للعـرض فانـتبـهِ
وقيل : لا يتكبر إلا كل وضيع ، ولا يتواضع إلا كل رفيع ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- أخرجه : البخاري في الإيمان 22. (2)- أخرجه : البخاري في المناقب 3665.
(3)- تتحامى : تبتعد عنه. (4)- سورة القصص : 83.
(5)- سورة الأعراف : 146. (6)- أكارا : الحمّال على الحمار.
(7)- ملوكها و واحدهم : قيل.
(8)- الأخدع : عرق في الرقبة.