قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ... } (1) الآية، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إياكم والشحَّ ، فإن الشحَّ أهلك مَنْ كان قبلكم (2) » . وعنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : « البخلُ جامعٌ لمساوئ القلوبِ، وهو زمامٌ يُقادُ به إلى كل سوء » وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما : إن البخل لو كان قميصًا ما لبستُهُ ، أو كان طريقا ما سلكتُهُ.
وقيل: بخلاء العرب أربعة ؛ الحطيئة ، وحميد الأرقط ، وأبو الأسود الدؤلى، وخالد بن صفوان. فأما الحطيئة: فمر به إنسان، وهو على باب داره وبيده عصا. فقال: أنا ضيف، فأشار إلى العصا وقال: لكعاب الضيفان أعددتها. وأما حميد الأرقط: فكان هجاء للضيفان فحّاشا (3) عليهم، نزل به مرة أضياف فأطعمهم تمرًا وهجاهم، وذكر أنهم أكلوه بنواه. وأما أبو الأسود: فتصدق على سائل بتمره. فقال له: جعل الله نصيبك من الجنة مثلها. وكان يقول: لو أطعنا المساكين في أموالنا كنا أسوأ حالاً منهم. وأما خالد بن صفوان: فكان يقول للدرهم إذا دخل عليه: يا عيار (4) ، كم تعير، وكم تطوف وتطير، لأطيلن حبسك، ثم يطرحه في الصندوق ويقفل عليه. وقيل له : لم لا تنفق ومالك عريض؟ فقال: الدهر أعرض منه. وأنشد بعضهم:
وهَبْنـي جمعـتُ المــال ثــم خزَنْتُــه ... و حـانَتْ وفــاتي هــل أزادُ به عمـرا
إذا خـــزن الـمـــال الـبـخيــلُ فـإنــه ... ســيـورثُـه غــمًّــا ويـعــقـبُـــه وزرا
إذا خـــزن الـمـــال الـبـخيــلُ فـإنــه ... ســيـورثُـه غــمًّــا ويـعــقـبُـــه وزرا
واستأذن حنظلة عل صديق له بخيل فقيل: هو محموم. فقال: كلوا بين يديه حتى يعرق. وكتب سهل بن هارون كتابًا في مدح البخل وأهداه إلى الحسن بن سهل فوقع على ظهره قد جعلنا ثوابك عليه ما أمرت به فيه.
وقال ابن أبي فنن:
ذَرينـي وإتلافـي لمـالي فــإنني ... أحـبُّ من الأخـلاق ما هو أجملُ
وإن أحــقَّ النـاسِ بـاللومِ شاعرٌ ... يلـومُ على البخـل الرجالَ ويبخلُ
وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلاً جدًا أصابه القولنج في بطنه، فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست، فقال لغلامه: اجمع الدهن الذي نزل من الحقنة وأسرج به. وكان المنصور شديد البخل جدًا، مر به مسلم الحادى في طريقه إلى الحج فحدا له يومًا بقول الشاعر:
أغــرُّ بــين الحــاجبين نــورُه ... يزينُــه حيــاؤه وخـــيرُهُ
ومسكَـــه يـشـــوبهُ كــافــورُه ... إذا تـغدّى رفعت ستورُهُ
وإن أحــقَّ النـاسِ بـاللومِ شاعرٌ ... يلـومُ على البخـل الرجالَ ويبخلُ
وكان عمر بن يزيد الأسدي بخيلاً جدًا أصابه القولنج في بطنه، فحقنه الطبيب بدهن كثير فانحل ما في بطنه في الطست، فقال لغلامه: اجمع الدهن الذي نزل من الحقنة وأسرج به. وكان المنصور شديد البخل جدًا، مر به مسلم الحادى في طريقه إلى الحج فحدا له يومًا بقول الشاعر:
أغــرُّ بــين الحــاجبين نــورُه ... يزينُــه حيــاؤه وخـــيرُهُ
ومسكَـــه يـشـــوبهُ كــافــورُه ... إذا تـغدّى رفعت ستورُهُ
فطرب حتى ضرب برجله المحمل. ثم قال: يا ربيع، أعطه نصف درهم. فقال مسلم: نصف درهم يا أمير المؤمنين، والله لقد حدوت لهشام، فأمر لي بثلاثين ألف درهم. فقال: تأخذ من بيت مال المسلمين ثلاثين ألف درهم يا ربيع . وكِّلْ به مَنْ يستخلص منه هذا المال . قال الربيع : فما زلت أمشي بينهما وأروضه حتى شرط مسلم على نفسه أن يحدو له في ذهابه وإيابه بغير مؤنة.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة النساء: 37.
(2)- أخرجه : أبو داود في كتاب الزكاة 1698.
(3)- فحّاشا : يتقول بالفحش .
(4)- العيار : مكثر الذهاب و المجيء.