السلام عليكم
قبل كل شيئ اطلب من مشرفي القسم تثبيت الموضوع
انا قمت بجمع سير بعض البطلات الجزائريات
كان تاثير وجودهن في تاريخ الجزائر الحدث الابرز .
نساء صنعن التاريخ ببطولاتهن
لالشيئ غير انهن امازيغيات
فالامازيغي هو الرجل الحر والامازيغية هي المراة الحرة .
مارح اطول عليكم
رح نبدا
بشخصية من الشخصيات الامازيغية اثناء الفتح الاسلامي للجزائر
وهي الكاهنة
من هي الكاهنة ؟
تعرف الكاهنة في المصادر التاريخية الأجنبية و العربية والبربرية القديمة والحديثة بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية. وهي كذلك بنت ينفاق الزناتية من بني جروة من القبائل البربرية البترية الكبيرة التي ستنتقل من الحياة الوبرية الرعوية إلى الحياة المدرية القائمة على الاستقرار والتمدين وبناء الممالك .
وكانت الكاهنة تقطن جبال باغية قرب مسكيانة بسفوح جبال الأوراس الشامخة بالجزائر، وتعرف باسم دميا أو دهيا، والصواب دهي بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي، ولقبت بالكاهنة لكونها دوخت بدهاء خارق الفاتح العربي المسلم حسان بن النعمان الوالي الجديد على أفريقيا الشمالية حوالي 72هـ الموافق لسنة 692م ، وواجهته بقسوة وشراسة قل نظيرها ، وتفوقت في هذه المقاومة العنيدة حتى على الملك الأمازيغي السابق أكسل أو كسيلا.
ومن ثم، فالكاهنة ملكة أمازيغية أوراسية واجهت المسلمين الفاتحين مواجهة الأبطال المدافعين عن الهوية الأمازيغية والمتشبثين بالأرض والكينونة البربرية معتقدة في ذلك أن المسلمين مثل: الرومان والوندال والبيزنطيين لايهمهم سوى احتلال أراضي الغير واستغلال ثرواته واستنزاف ممتلكاته وإخضاعه إذلالا واستعبادا. لذا ، كانت لمقاومتها العنيفة في نوميديا ( الجزائر) آثار وخيمة على التواجد العربي الإسلامي في شمال أفريقية. وقد حكمت الكاهنة مملكتها الأوراسية خمس سنوات متتالية، وقد بايعها الأمازيغيون بالإجماع مباشرة بعد مقتل أكسل( كسيلة) الذي قتله القائد العربي حسان بن النعمان في معركة ممش قرب مدينة القيروان بتونس ثأرا لمقتل عقبة بن نافع على يد كسيلا قرب نهر الزاب بالجزائر .
وكانت للكاهنة مكانة كبيرة بين أهلها يحترمونها تعظيما وتبجيلا إلى درجة التمجيد والتقديس ، وفي هذا يقول الثعالبي:” إنها امرأة نادرة رفعها سكان المنطقة إلى منازل الآلهة البشرية التي عبدها الناس”. أما عبد الرحمن بن عبد الحكم في كتابه” فتوح إفريقية والأندلس“، والبلاذري في كتابه” فتوح البلدان” فقد نعتاها ” بملكة البربر” بينما يورد المالكي في كتابه” رياض النفوس” بأن جميع الأمازيغيين كانوا يخافون من ديهيا ويطيعونها بسبب جرأتها وشجاعتها المنقطعة النظير، والدليل على ذلك ما أثبته صاحب هذا الكتاب قائلا:” وقد سأل حسان جماعة من مسلمي البربر عنها فذكروا له أن جميع من بإفريقية منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون، فإن قتلتها دان لك المغرب كله ولم يبق لك مضاد ولا معاند”.
ويعني هذا أن الكاهنة في حكمها امرأة مستبدة ومتجبرة ومطلقة ، تحكم البلاد بيد من حديد. ومن هنا، نفهم بأن الكاهنة كانت قائدة محنكة تحسن التخطيط الحربي، وتستعد جيدا للمعارك التي تخوضها ضد الفاتحين العرب المسلمين عددا وعدة، وتتصف بالذكاء والشجاعة والصلابة والقوة والمهابة والحنكة والدهاء والمراوغة وادعاء الغيب وممارسة السحر والكهانة مع حسن القيادة والإشراف . وكانت أيضا باعتراف المصادر العربية نفسها امرأة إنسانية تحترم أصول الحرب وقواعد القتال وتقدر مبادئ النزال العسكري تقديرا أخلاقيا محكما.
و قد كان للكاهنة فيما يرويه الإخباريون العرب ” بنون ثلاثة ورثوا رئاسة قومهم عن سلفهم، وربوا في حجرها،فاستبدت عليهم واعتزت على قومها بهم، ولما كان لها من الكهانة، فانتهت إليها رئاستهم ووقفوا عند إشارتها”.
]
وقد توفيت ديهيا في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة حوالي79هـ أو 80هـ.
2- تطـور مقاومة الكاهنــــة:
إذا كان الفتح العربي الإسلامي في الشرق قد تم بسرعة ملحوظة ، حيث أخضع المسلمون في عهد عمر بن الخطاب (ض) مجموعة من البلدان كالشام ومصر والعراق وفارس ، فقد ظلت أفريقيا الشمالية منطقة عسيرة وأرضا خطيرة بسبب وعورة التضاريس الأفريقية، وشدة مقاومة الأمازيغيين لكل من حاول الاعتداء على حريتهم وممتلكاتهم، وصلابة عود البرابرة، وكثرة شجاعتهم ، وقوة شكيمتهم، وتعسف الولاة في التعامل مع الأفارقة الذين لايقبلون الضيم ولا يرضون بالذل؛ نظرا لاعتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعلاء . لذا، بقيت أفريقيا الشمالية وعرة التطويع وصعبة الإخضاع لمدة تتراوح بين 22هـ و82هــ، أي فترة زمنية تقدر بــ60 سنة من تاريخ المد والجزر من أجل نشر الإسلام بين ساكنة تامازغا التي أظهرت العناد وعدم الانقياد بسهولة لسلطة الخلافة الأموية . ومن ثم، كان إسلامهم يتأرجح بين الاعتناق الطوعي و الردة المؤقتة .
ويمكن تقسيم تطور مقاومة الكاهنة في شمال أفريقيا في مجابهتها للقائد العربي المسلم حسان بن النعمان إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة الانتصار ومرحلة الهزيمة.
أ- مرحلة انتصار الكاهنة على حسان بن النعمان:
بعد انتصار حسان بن النعمان على كسيلة، اتجه هذا القائد العربي نحو ممالك الجزائر والمغرب لنشر الإسلام بين ساكنتها، لكنه واجه مقاومة شرسة من قبل الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية، فكونت جيشا عرمرما استطاعت أن تؤثر فيه بهيبتها وجمالها وقوة شكيمتها وحدة فراستها.
وقد سبقت الكاهنة إلى إعلان الحرب على حسان ، وقصدت مدينة باغية، فأخرجت منها الروم، ثم هدمت حصونها لكي لايحتمي بها حسان بن النعمان الذي تحرك بدوره في اتجاهها ، فنزل بوادي مسكيانة، ثم التقى الجيشان مع انبلاج شمس الصباح قرب نهر بلىّ التقاء داميا تطاحنت فيه الرؤوس والخيول والسيوف، وانتهت المعركة بانهزام حسان ، وأسفرت المعركة عن مقتل الكثير من العرب ، فأسرت الكاهنة حسب المصادر حوالي ثمانين رجلا، وسميت هذه الموقعة بيوم البلاء ، وسمي النهر الذي التقى فيه الجيشان بنهر البلاء. و بعد المعركة، عاد حسان بن النعمان إلى تونس . وإثر ذلك، انتقل بجيشه إلى برقة، واستخلف على إفريقيا أبا صالح.
وكان” انهزام حسان أمام الكاهنة أشنع ما مني به العرب في بلاد المغرب، وهذا بإجماع المصادر العربية، وأول انكسار عرفه لهم التاريخ آنذاك. وعندما وصل حسان لمأمنه كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يستنجده لإعادة الكرة ويعتذر عن انكساره. ومن ضمن مابرر به هذا الاندحار مايلي:” إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم”
ومن مظاهر إنسانية الكاهنة أنها عندما تتبعت جيش حسان بن النعمان إلى تخوم تونس لم تخرب القيروان، ولم تقتل المسلمين المتواجدين بها أو تقوم بالتنكيل بهم ثأرا وانتقاما ، بل عادت برجالها إلى مقر عاصمتها بالأوراس، مما يعني هذا أن ثورتها كانت محلية وتستهدف من ورائها طرد العرب من بلادها إلى خارج أفريقية . كما أفرجت عن جميع أسرى حسان بن النعمان ” فأحسنت الكاهنة أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها”.
ولم يكن هذا التبني إلا لأسباب ترومها الكاهنة ، ربما أنها كانت تسعى من وراء ذلك إلى اتقاء المحاولات الانتقامية من قبل حسان بن النعمان وتجنب ردود فعل المسلمين أو ربما تريد من ذلك الفعل أن تستكنه نوايا الفاتحين المسلمين وتعرف خطط قوادهم وكيف يفكرون، وربما قربته إليه ليفشي لها أسرار كل الخطط الهجومية التي يمكن أن يلتجئ إليها حسان بن النعمان في المستقبل أو ربما قررت أن تستعين به ليوم الحرب الضروس الآتية و يوم اللقاء الأخير لتستأمنه على أولادها مما يمكن أن تصدر عن حسان من ردود فعل انتقامية .
ويقول ابن عذارى صاحب البيان:” وحبست عندها خالد بن اليزيد فقالت له يوما: مارأيت في الرجال أجمل منك ولا أشجع، وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخا لولدي، وكان لها ابنان أحدهما: بربري، والآخر يوناني. وقالت له:” نحن جماعة البربر لنا رضاع ، إذا فعلناه نتوارث به”،فعمدت إلى دقيق الشعير فلتته بزيت وجعلته على ثديها ودعت ولديها وقالت ” كلا معه على ثديي” ففعلا فقالت:” قد صرتم إخوة”.
أما رواية ابن عبد الحكيم فكانت أكثر وضوحا لمبتغى الكاهنة من هذا التبني حيث قال:” فقالت: يابني انظروا ماذا ترون في السماء. قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر. قالت: لا وإلهي ، ولكنها رهج خيل العرب. ثم قالت لخالد ين يزيد:إني تبنيتك لمثل هذا اليوم”.
ويفسر الدكتور محمد الغرايب السلوك الطقوسي الذي أقدمت عليه الكاهنة على مستوى الرضاع بأنه” يعبر من جهة عن دخول خالد بن يزيد، من الناحية الثقافية،حرزا حريزا لايمكن لأي كان أن يعتبره أجنبيا أو يتعامل معه بشكل دوني، بل إن هذا النوع من الطقوس يجعل صاحبه في مستوى أهل الدار حقا وواجبا؛ لأن هذا الرضاع كما جاء على لسان الكاهنة” إذا فعلناه نتوارث به”، ومعنى ذلك أن خالد بن يزيد في حالة موت الكاهنة وابنيها يصبح ملكا على الأمازيغ”.
و قد قلنا سابقا : إن الكاهنة قد تخلت عن جميع الأسرى باستثناء خالد بن يزيد الذي تبنته رضاعة ووراثة، ويبدو” أن الإحسان إلى الأسرى – كما يقول الدكتور علي محمد محمد الصلابي- كان من تقاليد البربر العريقة، حيث إنهم دأبوا على الإحسان إلى الأسرى في معاركهم السابقة، فكيف لاتحسن إليهم الكاهنة بعد معركة نينى(يقصد نهر بلى)؟ وقد يكون لتقرب خالد بن يزيد منها أثر كبير على إحسانها هذا، فمن المحتمل جدا أن خالدا بذل جهوده بعد أن أصبح أسيرا عند الكاهنة لإنقاذ إخوانه الأسرى، فكان له ما أراد.”.
وتذهب المصادر التاريخية إلى أن معاملة الكاهنة مع خالد بن يزيد كانت إيجابية وسمحة إلى درجة كبيرة، وإذا بحثنا بكل موضوعية في خلفيات هذا التبني ونتائجه القريبة والبعيدة، فإننا سنجد أن من أسباب انهزام الكاهنة في المرحلة الثانية هو تساهل الكاهنة مع خالد الذي كان تعزه كثيرا أكثر من ولديها الآخرين، ومن ثم، كانت تغض الطرف عن تصرفات خالد المشبوهة، والتي تتمثل في تقديم معلومات لوجيستيكية وعسكرية مهمة لحسان بن النعمان عبر الضيوف الوافدين عليه.
وعليه، ” فلم تسجل المصادر على الكاهنة أنها أكرهت خالد بن يزيد على اعتناق دينها، بل يبدو أنها تركته وشأنه، كما فعلت مع غيره، وظل يزيد بين ظهرانيها وهو يراقب كل التطورات التي كانت تجري داخل معسكر الكاهنة، وهي عموما تطورات سلبية تمخضت عن السنوات الخمس التي حكمتها الكاهنة بأفريقية؛ ونحن نعلم أن سخط الروم عليها ازداد مع تخريبها المزارع وهدم الحصون ومالقيه اليهود، على يديها جعل خالد بن يزيد يقول لحسان:” إن البربر متفرقون لا رأي لهم ولا نظام عندهم…فاطو المراحل وجد في السير”.
ربما كانت الكاهنة تعلم أن أسرار دولتها تصل حسان عن طريق من يستقبلهم خالد من الوافدين الأغراب لكن عدم مساءلتها له ولضيوفه، الذين كانوا يقضون وقتا ماعنده، والاقتصاص منهم، لايمكن فهمها إلا في إطار احترامها لعقد أمومتها له ورباط أخوة ابنيها له، وإلا فإن هذه المرأة التي لايخفى عليها شيء، كانت ستسمه من العذاب مالا قبل له به، ولنا في مالاقاه اليهود على يدها خير دليل.”.
ب- مرحلة انهزام الكاهنة على يد حسان بن النعمان:
بعد مرحلة الهزيمة والانكسار الشنيع، قرر حسان بن النعمان أن يعيد الكرة لمقاتلة الكاهنة، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على وجه الاستعجال بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن على الرغم من انشغالاته الكثيرة بإخماد الثورات المعارضة في الشرق وشبه الجزيرة العربية، فاتجه حسان بجيشه صوب مملكة الكاهنة لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس الجزائرية في ظل الحكم الاستبدادي الذي كانت تنهجه الكاهنة ، حيث استطاعت هذه المرأة الحديدية أن تقبض على أنفاس الشعب الأمازيغي بقوة وصلابة.
ولما علمت الكاهنة بحملة حسان بن النعمان ، ارتأت أن تلتجئ إلى سياسة الأرض المحروقة لدفع العرب الفاتحين للتراجع عن غزو الجزائر والمغرب على حد سواء، فقالت لأنصارها:” إن العرب لايريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر”.
وقد دفعتها هذه السياسة التخريبية التي نهجتها بدون حكمة وترو إلى تعجيل نهايتها المأساوية، حيث احتج البرابرة على الدمار الذي لحق أفريقيا، وثار كل الناس بما فيهم الروم والعرب والبربر واليهود على هذا الإجرام البيئي الخطير الذي لم يشهده تاريخ الإنسانية من قبل بهذا الحجم الخطير، فأصبحت أفريقيا بهذا الفعل المشين أرضا مهجورة من سكانها، وبقعة قاحلة ، وحديقة جرداء، وصحراء موحشة، وثغورا مخيفة .
ويرصد ابن عذاري أثر هذه الكارثة البيئية على العمران البشري فيقول: ” وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية”.
وهكذا وجهت الكاهنة” قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر، ويهدمون الحصون، فذكروا أن أفريقيا كانت ظلا واحدا من طرابلس إلى طنجة وقرى متصلة، ومدائن منتظمة، حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات، ولا أوصل بركات، ولا أكثر مدائن وحصونا من إقليم أفريقية والمغرب…. وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير، مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزائر البحرية.
لقد أضر هذا العمل التخريبي بقضية الكاهنة ضررا عظيما، لأنه إذا كان قد وجد من أهل البلاد من يؤيدها في مناهضة العرب وطردهم من البلاد، فليس فيهم من يقف مكتوف الأيدي إزاء التخريب الذريع الذي اختارته الكاهنة للبلاد على يديها وأخذوا يعارضون الكاهنة ويناجزونها، فاضطرب الأمر بيدها، وانقلب أمر البلاد من سيء إلى أسوإ.
هكذا تضعضع سلطان الكاهنة في بلادها : إدارة سيئة، وظلم للناس، وتخريب للبلاد، وحكم مرتجل لاهدف له ولاغاية”.
ويذهب عبد الله العروي إلى أن” الملاكين، رومان وبيزنطيين، تضايقوا من نفوذ بربر الأوراس بمجرد ما رحلت الجيوش العربية، تماما كما تضايق البيزنطيون قبل مائة سنة من نفوذ أنطالاس الذي أعانهم على صد جموع يابدن. أما الكاهنة فإنها أرادت أن تحافظ بكل الوسائل على وحدة القيادة، وهذا السلوك العنيد سمي فيما بعد بسياسة الأرض المحروقة.”.
ولكن الكاهنة لم تفهم مقاصد سياسة حسان بن النعمان ونواياه التوسعية جيدا ، فقد اعتقدت أنه لم يأت إلى بلاد المغرب والجزائر إلا لجمع الغنائم والثروات أو قصدها لاحتلال البلاد واستعباد العباد، بل كان الهدف الحقيقي لغزواته وفتوحاته التي غربت بعد أن شرقت الغزوات الأخرى من قبل القادة المسلمين الآخرين هو العمل على نشر الإسلام وإخراج الناس من ظلمات الجهل والوثنية إلى نور الهداية والعلم وعبادة الله وحده لاشريك له.
وهكذا خرج حسان بجيشه العتيد إلى الأوراس لمحاربة الكاهنة بعد تذمر البربر من تصرفات ملكتهم المستبدة الجائرة، وقد حظي حسان بعد فعلة الكاهنة الشنيعة بتأييد السكان المحليين وبتأييد الروم الغاضبين من بطش الكاهنة. فساعده الأمازيغيون في حملته العسكرية بالأموال والرجال ، حيث قال ابن عبد الحكم: ” إنه كان مع حسان جماعة من البربر من البتر”.
ووجدت الكاهنة نفسها أنها ستهزم وستقتل فتنبأت بمصيرها قبل الدخول في الحرب فقالت لابنيها:” إني مقتولة وأعلمتهم أنها رأت رأسها مقطوعا موضوعا بين يدي ملك العرب. فقال لها خالد: فارحلي بنا وخلي له عن البلاد فامتنعت ورأته عارا لقومها”.
لكنها رأت في نفس الوقت أن يأخذ أبناؤها الأمان عن طريق انضمامهم إلى جيوش حسان بن النعمان والعمل على نشر الإسلام فقال لها خالد وأولادها:” فما نحن صانعون بعدك، فقالت: أما أنت يا خالد فستدرك ملكا عظيما. وأما أولادي فيدركون سلطانا مع هذا الرجل الذي يقتلني ويعقدون للبربر غرائم ، ثم قالت: اركبوا واستأمنوا إليه”.
وقد نشبت المعركة فعلا بين الكاهنة وحسان كما كانت تتوقع في منطقة بجبال الأوراس سميت فيما بعد ببئر الكاهنة حوالي 79هـ أو 80هـ. وقد قال الثعالبي في حق الكاهنة:” وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد”.
وبعد مقتل الكاهنة ، عاد حسان بن النعمان إلى القيروان سنة 82هـ دون أن يجد في طريقه مقاومة تذكر، وفي نفس الوقت، صالح البربر على شروط، وأعطى الأمان لولدي الكاهنة بعد تدخل يزيد بن خالد لديه.
وتقول الروايات التاريخية في هذا المنحى:” سار حسان نحو العاصمة الإفريقية دون أن يلقى مقاومة في الطريق وذلك لتواجد العناصر الأمازيغية التي أسلمت في هذه الفترة والتحقت بالجيوش العربية، فالنصوص تقول: إنه بعد انهزام البربر تم الصلح بينه وبينهم على أن يمدوه بــــ 12 ألف رجل يجاهدون معه وإنه قسم تلك القوة إلى جماعتين، وأوكل قيادة كل منهما إلى أبناء الكاهنة”.
وقال ابن عذاري أيضا في هذا الأمر بعد مقتل الكاهنة:” وكان مع حسان جماعة من البربر استأمنوا إليه فلم يقبل أمانهم إلا أن يعطوه من قبائلهم اثني عشر ألفا يجاهدون مع العرب، فأجابوه وأسلموا على يديه، فعقد لولدي الكاهنة لكل واحد منهما على ستة آلاف فارس وأخرجهم مع العرب يجولون في المغرب يقاتلون الروم ومن كفر من البربر”.
أما الثعالبي فيورد معلومات دقيقة عن حملة حسان بن النعمان بقوله:” وندب ولدي الكاهنة فعقد لكل واحد منهما على ستة آلاف من أولئك المواطنين وخولهما أسمى رتب الجيش ناهيك برتبة القيادة، فأخرجهم وسير معهم ستة آلاف من العرب لاكتساح المرتدين في موريطانيا وجعل مقرهم ثغر طنجة وأقام لهم المعلمين يعلمونهم العربية والدين”.
وبعد أن قضى حسان بن النعمان على الكاهنة وعلى البيزنطيين المتواجدين بالثغور الأفريقية، نعم المغرب الكبير في عهده بالاستقرار لسنوات عدة بفضل سياسة حسان الحازمة، حيث لم يرغم البربر على الإسلام ، بل بقي العديد من سكان تامازغا على وثنيتهم ونصرانيتهم ويهوديتهم مع إيفائهم بواجبهم في الخراج.
خاتمـــــة:
تعد الكاهنة نموذجا للمرأة البربرية المقاومة التي وقفت في وجه الفتوحات العربية الإسلامية دفاعا عن تامازغا ودول شمال أفريقيا التي كان يعيش فيها الأمازيغيون الأحرار. ولم يستطع حسان بن النعمان التغلغل في نوميديا بسبب شراسة مقاومة الكاهنة التي هزمت حسان شر هزيمة وكانت بمثابة انكسار وخيم في تاريخ الدولة الأموية.
بيد أن سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها الكاهنة كانت سياسة خاطئة من جميع الجوانب؛ لأن الكاهنة كانت تسعى جاهدة إلى منع العرب الفاتحين من احتلال أفريقيا اعتقادا منها بأن المسلمين لم يقدموا إليها إلا من أجل جمع الغنائم والذهب والفضة والبحث عن المعدن النفيس، بدل أن تفهم الكاهنة المغزى الحقيقي من غزوات حسان بن النعمان التي كانت تهدف في الصميم إلى تحقيق الغرض الأسمى ألا وهو نشر الإسلام وتوعية الأهالي ليقبلوا على الدين الجديد قصد إنقاذهم من براثن الجهل الدامس والوثنية الظلماء.
ومن هنا، فقد أدت سياسة الأرض المحروقة الفاشلة بالمرأة الأمازيغية الحديدية إلى مالا يحمد عقباه، حيث عجلت بطمس معالم حكمها، وسقوط مملكتها ، وقتلها على يد حسان بن النعمان بعد معركة حامية الوطيس .
وعليه، فقد أدى التخريب الذي ارتضته الكاهنة في حق طبيعة بلاد تامازغا إلى نهاية وجودها، و القضاء على آخر مقاومة بربرية عنيدة في أفريقية ، لتكون الأوضاع في شمال أفريقية بعد فترة قيادة حسان بن النعمان لشؤون المغرب الأمازيغي ميسرة والظروف التاريخية مهيأة ومعبدة أمام القائد العربي المسلم موسى بن نصير لفتح المغرب والأندلس على حد سواء.
قبل كل شيئ اطلب من مشرفي القسم تثبيت الموضوع
انا قمت بجمع سير بعض البطلات الجزائريات
كان تاثير وجودهن في تاريخ الجزائر الحدث الابرز .
نساء صنعن التاريخ ببطولاتهن
لالشيئ غير انهن امازيغيات
فالامازيغي هو الرجل الحر والامازيغية هي المراة الحرة .
مارح اطول عليكم
رح نبدا
بشخصية من الشخصيات الامازيغية اثناء الفتح الاسلامي للجزائر
وهي الكاهنة
من هي الكاهنة ؟
تعرف الكاهنة في المصادر التاريخية الأجنبية و العربية والبربرية القديمة والحديثة بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية. وهي كذلك بنت ينفاق الزناتية من بني جروة من القبائل البربرية البترية الكبيرة التي ستنتقل من الحياة الوبرية الرعوية إلى الحياة المدرية القائمة على الاستقرار والتمدين وبناء الممالك .
وكانت الكاهنة تقطن جبال باغية قرب مسكيانة بسفوح جبال الأوراس الشامخة بالجزائر، وتعرف باسم دميا أو دهيا، والصواب دهي بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي، ولقبت بالكاهنة لكونها دوخت بدهاء خارق الفاتح العربي المسلم حسان بن النعمان الوالي الجديد على أفريقيا الشمالية حوالي 72هـ الموافق لسنة 692م ، وواجهته بقسوة وشراسة قل نظيرها ، وتفوقت في هذه المقاومة العنيدة حتى على الملك الأمازيغي السابق أكسل أو كسيلا.
ومن ثم، فالكاهنة ملكة أمازيغية أوراسية واجهت المسلمين الفاتحين مواجهة الأبطال المدافعين عن الهوية الأمازيغية والمتشبثين بالأرض والكينونة البربرية معتقدة في ذلك أن المسلمين مثل: الرومان والوندال والبيزنطيين لايهمهم سوى احتلال أراضي الغير واستغلال ثرواته واستنزاف ممتلكاته وإخضاعه إذلالا واستعبادا. لذا ، كانت لمقاومتها العنيفة في نوميديا ( الجزائر) آثار وخيمة على التواجد العربي الإسلامي في شمال أفريقية. وقد حكمت الكاهنة مملكتها الأوراسية خمس سنوات متتالية، وقد بايعها الأمازيغيون بالإجماع مباشرة بعد مقتل أكسل( كسيلة) الذي قتله القائد العربي حسان بن النعمان في معركة ممش قرب مدينة القيروان بتونس ثأرا لمقتل عقبة بن نافع على يد كسيلا قرب نهر الزاب بالجزائر .
وكانت للكاهنة مكانة كبيرة بين أهلها يحترمونها تعظيما وتبجيلا إلى درجة التمجيد والتقديس ، وفي هذا يقول الثعالبي:” إنها امرأة نادرة رفعها سكان المنطقة إلى منازل الآلهة البشرية التي عبدها الناس”. أما عبد الرحمن بن عبد الحكم في كتابه” فتوح إفريقية والأندلس“، والبلاذري في كتابه” فتوح البلدان” فقد نعتاها ” بملكة البربر” بينما يورد المالكي في كتابه” رياض النفوس” بأن جميع الأمازيغيين كانوا يخافون من ديهيا ويطيعونها بسبب جرأتها وشجاعتها المنقطعة النظير، والدليل على ذلك ما أثبته صاحب هذا الكتاب قائلا:” وقد سأل حسان جماعة من مسلمي البربر عنها فذكروا له أن جميع من بإفريقية منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون، فإن قتلتها دان لك المغرب كله ولم يبق لك مضاد ولا معاند”.
ويعني هذا أن الكاهنة في حكمها امرأة مستبدة ومتجبرة ومطلقة ، تحكم البلاد بيد من حديد. ومن هنا، نفهم بأن الكاهنة كانت قائدة محنكة تحسن التخطيط الحربي، وتستعد جيدا للمعارك التي تخوضها ضد الفاتحين العرب المسلمين عددا وعدة، وتتصف بالذكاء والشجاعة والصلابة والقوة والمهابة والحنكة والدهاء والمراوغة وادعاء الغيب وممارسة السحر والكهانة مع حسن القيادة والإشراف . وكانت أيضا باعتراف المصادر العربية نفسها امرأة إنسانية تحترم أصول الحرب وقواعد القتال وتقدر مبادئ النزال العسكري تقديرا أخلاقيا محكما.
و قد كان للكاهنة فيما يرويه الإخباريون العرب ” بنون ثلاثة ورثوا رئاسة قومهم عن سلفهم، وربوا في حجرها،فاستبدت عليهم واعتزت على قومها بهم، ولما كان لها من الكهانة، فانتهت إليها رئاستهم ووقفوا عند إشارتها”.
]
وقد توفيت ديهيا في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة حوالي79هـ أو 80هـ.
2- تطـور مقاومة الكاهنــــة:
إذا كان الفتح العربي الإسلامي في الشرق قد تم بسرعة ملحوظة ، حيث أخضع المسلمون في عهد عمر بن الخطاب (ض) مجموعة من البلدان كالشام ومصر والعراق وفارس ، فقد ظلت أفريقيا الشمالية منطقة عسيرة وأرضا خطيرة بسبب وعورة التضاريس الأفريقية، وشدة مقاومة الأمازيغيين لكل من حاول الاعتداء على حريتهم وممتلكاتهم، وصلابة عود البرابرة، وكثرة شجاعتهم ، وقوة شكيمتهم، وتعسف الولاة في التعامل مع الأفارقة الذين لايقبلون الضيم ولا يرضون بالذل؛ نظرا لاعتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعلاء . لذا، بقيت أفريقيا الشمالية وعرة التطويع وصعبة الإخضاع لمدة تتراوح بين 22هـ و82هــ، أي فترة زمنية تقدر بــ60 سنة من تاريخ المد والجزر من أجل نشر الإسلام بين ساكنة تامازغا التي أظهرت العناد وعدم الانقياد بسهولة لسلطة الخلافة الأموية . ومن ثم، كان إسلامهم يتأرجح بين الاعتناق الطوعي و الردة المؤقتة .
ويمكن تقسيم تطور مقاومة الكاهنة في شمال أفريقيا في مجابهتها للقائد العربي المسلم حسان بن النعمان إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة الانتصار ومرحلة الهزيمة.
أ- مرحلة انتصار الكاهنة على حسان بن النعمان:
بعد انتصار حسان بن النعمان على كسيلة، اتجه هذا القائد العربي نحو ممالك الجزائر والمغرب لنشر الإسلام بين ساكنتها، لكنه واجه مقاومة شرسة من قبل الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية، فكونت جيشا عرمرما استطاعت أن تؤثر فيه بهيبتها وجمالها وقوة شكيمتها وحدة فراستها.
وقد سبقت الكاهنة إلى إعلان الحرب على حسان ، وقصدت مدينة باغية، فأخرجت منها الروم، ثم هدمت حصونها لكي لايحتمي بها حسان بن النعمان الذي تحرك بدوره في اتجاهها ، فنزل بوادي مسكيانة، ثم التقى الجيشان مع انبلاج شمس الصباح قرب نهر بلىّ التقاء داميا تطاحنت فيه الرؤوس والخيول والسيوف، وانتهت المعركة بانهزام حسان ، وأسفرت المعركة عن مقتل الكثير من العرب ، فأسرت الكاهنة حسب المصادر حوالي ثمانين رجلا، وسميت هذه الموقعة بيوم البلاء ، وسمي النهر الذي التقى فيه الجيشان بنهر البلاء. و بعد المعركة، عاد حسان بن النعمان إلى تونس . وإثر ذلك، انتقل بجيشه إلى برقة، واستخلف على إفريقيا أبا صالح.
وكان” انهزام حسان أمام الكاهنة أشنع ما مني به العرب في بلاد المغرب، وهذا بإجماع المصادر العربية، وأول انكسار عرفه لهم التاريخ آنذاك. وعندما وصل حسان لمأمنه كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يستنجده لإعادة الكرة ويعتذر عن انكساره. ومن ضمن مابرر به هذا الاندحار مايلي:” إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم”
ومن مظاهر إنسانية الكاهنة أنها عندما تتبعت جيش حسان بن النعمان إلى تخوم تونس لم تخرب القيروان، ولم تقتل المسلمين المتواجدين بها أو تقوم بالتنكيل بهم ثأرا وانتقاما ، بل عادت برجالها إلى مقر عاصمتها بالأوراس، مما يعني هذا أن ثورتها كانت محلية وتستهدف من ورائها طرد العرب من بلادها إلى خارج أفريقية . كما أفرجت عن جميع أسرى حسان بن النعمان ” فأحسنت الكاهنة أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته وأقام معها”.
ولم يكن هذا التبني إلا لأسباب ترومها الكاهنة ، ربما أنها كانت تسعى من وراء ذلك إلى اتقاء المحاولات الانتقامية من قبل حسان بن النعمان وتجنب ردود فعل المسلمين أو ربما تريد من ذلك الفعل أن تستكنه نوايا الفاتحين المسلمين وتعرف خطط قوادهم وكيف يفكرون، وربما قربته إليه ليفشي لها أسرار كل الخطط الهجومية التي يمكن أن يلتجئ إليها حسان بن النعمان في المستقبل أو ربما قررت أن تستعين به ليوم الحرب الضروس الآتية و يوم اللقاء الأخير لتستأمنه على أولادها مما يمكن أن تصدر عن حسان من ردود فعل انتقامية .
ويقول ابن عذارى صاحب البيان:” وحبست عندها خالد بن اليزيد فقالت له يوما: مارأيت في الرجال أجمل منك ولا أشجع، وأنا أريد أن أرضعك فتكون أخا لولدي، وكان لها ابنان أحدهما: بربري، والآخر يوناني. وقالت له:” نحن جماعة البربر لنا رضاع ، إذا فعلناه نتوارث به”،فعمدت إلى دقيق الشعير فلتته بزيت وجعلته على ثديها ودعت ولديها وقالت ” كلا معه على ثديي” ففعلا فقالت:” قد صرتم إخوة”.
أما رواية ابن عبد الحكيم فكانت أكثر وضوحا لمبتغى الكاهنة من هذا التبني حيث قال:” فقالت: يابني انظروا ماذا ترون في السماء. قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر. قالت: لا وإلهي ، ولكنها رهج خيل العرب. ثم قالت لخالد ين يزيد:إني تبنيتك لمثل هذا اليوم”.
ويفسر الدكتور محمد الغرايب السلوك الطقوسي الذي أقدمت عليه الكاهنة على مستوى الرضاع بأنه” يعبر من جهة عن دخول خالد بن يزيد، من الناحية الثقافية،حرزا حريزا لايمكن لأي كان أن يعتبره أجنبيا أو يتعامل معه بشكل دوني، بل إن هذا النوع من الطقوس يجعل صاحبه في مستوى أهل الدار حقا وواجبا؛ لأن هذا الرضاع كما جاء على لسان الكاهنة” إذا فعلناه نتوارث به”، ومعنى ذلك أن خالد بن يزيد في حالة موت الكاهنة وابنيها يصبح ملكا على الأمازيغ”.
و قد قلنا سابقا : إن الكاهنة قد تخلت عن جميع الأسرى باستثناء خالد بن يزيد الذي تبنته رضاعة ووراثة، ويبدو” أن الإحسان إلى الأسرى – كما يقول الدكتور علي محمد محمد الصلابي- كان من تقاليد البربر العريقة، حيث إنهم دأبوا على الإحسان إلى الأسرى في معاركهم السابقة، فكيف لاتحسن إليهم الكاهنة بعد معركة نينى(يقصد نهر بلى)؟ وقد يكون لتقرب خالد بن يزيد منها أثر كبير على إحسانها هذا، فمن المحتمل جدا أن خالدا بذل جهوده بعد أن أصبح أسيرا عند الكاهنة لإنقاذ إخوانه الأسرى، فكان له ما أراد.”.
وتذهب المصادر التاريخية إلى أن معاملة الكاهنة مع خالد بن يزيد كانت إيجابية وسمحة إلى درجة كبيرة، وإذا بحثنا بكل موضوعية في خلفيات هذا التبني ونتائجه القريبة والبعيدة، فإننا سنجد أن من أسباب انهزام الكاهنة في المرحلة الثانية هو تساهل الكاهنة مع خالد الذي كان تعزه كثيرا أكثر من ولديها الآخرين، ومن ثم، كانت تغض الطرف عن تصرفات خالد المشبوهة، والتي تتمثل في تقديم معلومات لوجيستيكية وعسكرية مهمة لحسان بن النعمان عبر الضيوف الوافدين عليه.
وعليه، ” فلم تسجل المصادر على الكاهنة أنها أكرهت خالد بن يزيد على اعتناق دينها، بل يبدو أنها تركته وشأنه، كما فعلت مع غيره، وظل يزيد بين ظهرانيها وهو يراقب كل التطورات التي كانت تجري داخل معسكر الكاهنة، وهي عموما تطورات سلبية تمخضت عن السنوات الخمس التي حكمتها الكاهنة بأفريقية؛ ونحن نعلم أن سخط الروم عليها ازداد مع تخريبها المزارع وهدم الحصون ومالقيه اليهود، على يديها جعل خالد بن يزيد يقول لحسان:” إن البربر متفرقون لا رأي لهم ولا نظام عندهم…فاطو المراحل وجد في السير”.
ربما كانت الكاهنة تعلم أن أسرار دولتها تصل حسان عن طريق من يستقبلهم خالد من الوافدين الأغراب لكن عدم مساءلتها له ولضيوفه، الذين كانوا يقضون وقتا ماعنده، والاقتصاص منهم، لايمكن فهمها إلا في إطار احترامها لعقد أمومتها له ورباط أخوة ابنيها له، وإلا فإن هذه المرأة التي لايخفى عليها شيء، كانت ستسمه من العذاب مالا قبل له به، ولنا في مالاقاه اليهود على يدها خير دليل.”.
ب- مرحلة انهزام الكاهنة على يد حسان بن النعمان:
بعد مرحلة الهزيمة والانكسار الشنيع، قرر حسان بن النعمان أن يعيد الكرة لمقاتلة الكاهنة، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على وجه الاستعجال بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن على الرغم من انشغالاته الكثيرة بإخماد الثورات المعارضة في الشرق وشبه الجزيرة العربية، فاتجه حسان بجيشه صوب مملكة الكاهنة لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس الجزائرية في ظل الحكم الاستبدادي الذي كانت تنهجه الكاهنة ، حيث استطاعت هذه المرأة الحديدية أن تقبض على أنفاس الشعب الأمازيغي بقوة وصلابة.
ولما علمت الكاهنة بحملة حسان بن النعمان ، ارتأت أن تلتجئ إلى سياسة الأرض المحروقة لدفع العرب الفاتحين للتراجع عن غزو الجزائر والمغرب على حد سواء، فقالت لأنصارها:” إن العرب لايريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر”.
وقد دفعتها هذه السياسة التخريبية التي نهجتها بدون حكمة وترو إلى تعجيل نهايتها المأساوية، حيث احتج البرابرة على الدمار الذي لحق أفريقيا، وثار كل الناس بما فيهم الروم والعرب والبربر واليهود على هذا الإجرام البيئي الخطير الذي لم يشهده تاريخ الإنسانية من قبل بهذا الحجم الخطير، فأصبحت أفريقيا بهذا الفعل المشين أرضا مهجورة من سكانها، وبقعة قاحلة ، وحديقة جرداء، وصحراء موحشة، وثغورا مخيفة .
ويرصد ابن عذاري أثر هذه الكارثة البيئية على العمران البشري فيقول: ” وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية”.
وهكذا وجهت الكاهنة” قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر، ويهدمون الحصون، فذكروا أن أفريقيا كانت ظلا واحدا من طرابلس إلى طنجة وقرى متصلة، ومدائن منتظمة، حتى لم يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات، ولا أوصل بركات، ولا أكثر مدائن وحصونا من إقليم أفريقية والمغرب…. وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير، مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزائر البحرية.
لقد أضر هذا العمل التخريبي بقضية الكاهنة ضررا عظيما، لأنه إذا كان قد وجد من أهل البلاد من يؤيدها في مناهضة العرب وطردهم من البلاد، فليس فيهم من يقف مكتوف الأيدي إزاء التخريب الذريع الذي اختارته الكاهنة للبلاد على يديها وأخذوا يعارضون الكاهنة ويناجزونها، فاضطرب الأمر بيدها، وانقلب أمر البلاد من سيء إلى أسوإ.
هكذا تضعضع سلطان الكاهنة في بلادها : إدارة سيئة، وظلم للناس، وتخريب للبلاد، وحكم مرتجل لاهدف له ولاغاية”.
ويذهب عبد الله العروي إلى أن” الملاكين، رومان وبيزنطيين، تضايقوا من نفوذ بربر الأوراس بمجرد ما رحلت الجيوش العربية، تماما كما تضايق البيزنطيون قبل مائة سنة من نفوذ أنطالاس الذي أعانهم على صد جموع يابدن. أما الكاهنة فإنها أرادت أن تحافظ بكل الوسائل على وحدة القيادة، وهذا السلوك العنيد سمي فيما بعد بسياسة الأرض المحروقة.”.
ولكن الكاهنة لم تفهم مقاصد سياسة حسان بن النعمان ونواياه التوسعية جيدا ، فقد اعتقدت أنه لم يأت إلى بلاد المغرب والجزائر إلا لجمع الغنائم والثروات أو قصدها لاحتلال البلاد واستعباد العباد، بل كان الهدف الحقيقي لغزواته وفتوحاته التي غربت بعد أن شرقت الغزوات الأخرى من قبل القادة المسلمين الآخرين هو العمل على نشر الإسلام وإخراج الناس من ظلمات الجهل والوثنية إلى نور الهداية والعلم وعبادة الله وحده لاشريك له.
وهكذا خرج حسان بجيشه العتيد إلى الأوراس لمحاربة الكاهنة بعد تذمر البربر من تصرفات ملكتهم المستبدة الجائرة، وقد حظي حسان بعد فعلة الكاهنة الشنيعة بتأييد السكان المحليين وبتأييد الروم الغاضبين من بطش الكاهنة. فساعده الأمازيغيون في حملته العسكرية بالأموال والرجال ، حيث قال ابن عبد الحكم: ” إنه كان مع حسان جماعة من البربر من البتر”.
ووجدت الكاهنة نفسها أنها ستهزم وستقتل فتنبأت بمصيرها قبل الدخول في الحرب فقالت لابنيها:” إني مقتولة وأعلمتهم أنها رأت رأسها مقطوعا موضوعا بين يدي ملك العرب. فقال لها خالد: فارحلي بنا وخلي له عن البلاد فامتنعت ورأته عارا لقومها”.
لكنها رأت في نفس الوقت أن يأخذ أبناؤها الأمان عن طريق انضمامهم إلى جيوش حسان بن النعمان والعمل على نشر الإسلام فقال لها خالد وأولادها:” فما نحن صانعون بعدك، فقالت: أما أنت يا خالد فستدرك ملكا عظيما. وأما أولادي فيدركون سلطانا مع هذا الرجل الذي يقتلني ويعقدون للبربر غرائم ، ثم قالت: اركبوا واستأمنوا إليه”.
وقد نشبت المعركة فعلا بين الكاهنة وحسان كما كانت تتوقع في منطقة بجبال الأوراس سميت فيما بعد ببئر الكاهنة حوالي 79هـ أو 80هـ. وقد قال الثعالبي في حق الكاهنة:” وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد”.
وبعد مقتل الكاهنة ، عاد حسان بن النعمان إلى القيروان سنة 82هـ دون أن يجد في طريقه مقاومة تذكر، وفي نفس الوقت، صالح البربر على شروط، وأعطى الأمان لولدي الكاهنة بعد تدخل يزيد بن خالد لديه.
وتقول الروايات التاريخية في هذا المنحى:” سار حسان نحو العاصمة الإفريقية دون أن يلقى مقاومة في الطريق وذلك لتواجد العناصر الأمازيغية التي أسلمت في هذه الفترة والتحقت بالجيوش العربية، فالنصوص تقول: إنه بعد انهزام البربر تم الصلح بينه وبينهم على أن يمدوه بــــ 12 ألف رجل يجاهدون معه وإنه قسم تلك القوة إلى جماعتين، وأوكل قيادة كل منهما إلى أبناء الكاهنة”.
وقال ابن عذاري أيضا في هذا الأمر بعد مقتل الكاهنة:” وكان مع حسان جماعة من البربر استأمنوا إليه فلم يقبل أمانهم إلا أن يعطوه من قبائلهم اثني عشر ألفا يجاهدون مع العرب، فأجابوه وأسلموا على يديه، فعقد لولدي الكاهنة لكل واحد منهما على ستة آلاف فارس وأخرجهم مع العرب يجولون في المغرب يقاتلون الروم ومن كفر من البربر”.
أما الثعالبي فيورد معلومات دقيقة عن حملة حسان بن النعمان بقوله:” وندب ولدي الكاهنة فعقد لكل واحد منهما على ستة آلاف من أولئك المواطنين وخولهما أسمى رتب الجيش ناهيك برتبة القيادة، فأخرجهم وسير معهم ستة آلاف من العرب لاكتساح المرتدين في موريطانيا وجعل مقرهم ثغر طنجة وأقام لهم المعلمين يعلمونهم العربية والدين”.
وبعد أن قضى حسان بن النعمان على الكاهنة وعلى البيزنطيين المتواجدين بالثغور الأفريقية، نعم المغرب الكبير في عهده بالاستقرار لسنوات عدة بفضل سياسة حسان الحازمة، حيث لم يرغم البربر على الإسلام ، بل بقي العديد من سكان تامازغا على وثنيتهم ونصرانيتهم ويهوديتهم مع إيفائهم بواجبهم في الخراج.
خاتمـــــة:
تعد الكاهنة نموذجا للمرأة البربرية المقاومة التي وقفت في وجه الفتوحات العربية الإسلامية دفاعا عن تامازغا ودول شمال أفريقيا التي كان يعيش فيها الأمازيغيون الأحرار. ولم يستطع حسان بن النعمان التغلغل في نوميديا بسبب شراسة مقاومة الكاهنة التي هزمت حسان شر هزيمة وكانت بمثابة انكسار وخيم في تاريخ الدولة الأموية.
بيد أن سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها الكاهنة كانت سياسة خاطئة من جميع الجوانب؛ لأن الكاهنة كانت تسعى جاهدة إلى منع العرب الفاتحين من احتلال أفريقيا اعتقادا منها بأن المسلمين لم يقدموا إليها إلا من أجل جمع الغنائم والذهب والفضة والبحث عن المعدن النفيس، بدل أن تفهم الكاهنة المغزى الحقيقي من غزوات حسان بن النعمان التي كانت تهدف في الصميم إلى تحقيق الغرض الأسمى ألا وهو نشر الإسلام وتوعية الأهالي ليقبلوا على الدين الجديد قصد إنقاذهم من براثن الجهل الدامس والوثنية الظلماء.
ومن هنا، فقد أدت سياسة الأرض المحروقة الفاشلة بالمرأة الأمازيغية الحديدية إلى مالا يحمد عقباه، حيث عجلت بطمس معالم حكمها، وسقوط مملكتها ، وقتلها على يد حسان بن النعمان بعد معركة حامية الوطيس .
وعليه، فقد أدى التخريب الذي ارتضته الكاهنة في حق طبيعة بلاد تامازغا إلى نهاية وجودها، و القضاء على آخر مقاومة بربرية عنيدة في أفريقية ، لتكون الأوضاع في شمال أفريقية بعد فترة قيادة حسان بن النعمان لشؤون المغرب الأمازيغي ميسرة والظروف التاريخية مهيأة ومعبدة أمام القائد العربي المسلم موسى بن نصير لفتح المغرب والأندلس على حد سواء.
انتظروا المزيد من الشخصيات النسوية الجزائرية عن قريب.
اذا كانت عندك اي سير لشخصيات نسوية امازيغية ساهم في اغناء الموضوع بها