و هو أن تعلم أن الله تعالى واحد لا شريك له ، فرد لا مثل له، صمد لا ندَّ له، أبديُّ دائم، لا أول لوجوده، و لا آخر لأبديته، قيوم لا يفنيه الأبد، و لا يغيره الأمد، بل هو الأول و الآخر، و الظاهر ، و الباطن، منزه عن الجسمية ليس كمثله شيء، فوقيَّتُه لا تزيده بعدًا عن عباده، و هو أقرب إلى العبيد من حبل الوريد، و هو على كل شيء شهيد، و هو معكم أينما كنتم.
لا يشابه قربه قرب الأجسام ، كما لا يشابه ذاته ذوات الأجرام ، منزَّه عن أن يحدَّه زمان ، مقدَّس عن أن يحيط به مكان ، تراه أبصار الأبرار، في دار القرار على ما دلت عليه الآيات و الأخبار. حيٌّ قادرٌ جبار قاهر لا
يعتريه عجز و لا قصور، و لا تأخذه سنة(1) و لا نوم ، له الملك و الملكوت و العزة و الجبروت.
خلق الخلق و أعمالهم، و قدر أرزاقهم و آجالهم، لا تحصى مقدوراته ، و لا تتناهى معلوماته ، عالم بجميع المعلومات، لا يعزب(2) عنه مثقال ذرة في الأرض و لا في السموات. يعلم السر و أخفى ، و يطلع على
هواجس الضمائر، و خفيات السرائر، مريد للكائنات، مدبر للحادثات، لا يجري في ملكه قليل و لا كثير، و لا جليل و لا حقير، خير أو شر، نفع أو ضر إلا بقضائه و قدره و حكمه و مشيئته ، فما شاء كان، و ما لم يشأ لم يكن، فهو المبدي المعيد الفاعل لما يريد، لا معقب لحكمه، و لا راد لقضائه، و لا مهرب لعبد من معصيته إلا بتوفيقه و رحمته، و لا قوة له على طاعته إلا بمحبته و إرادته. لو اجتمع الإنس و الجن و الملائكة و الشياطين على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها دون إرادته لعجزوا، سميع بصير، متكلم بكلام لا يشبه كلام خلقه، و كل ما سواه سبحانه و تعالى فهو حادث، أوجده بقدرته، و ما من حركة و سكون إلا و له في ذلك حكمة دالة على وحدانيته. قال الله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمّاوَاتِ وَ الأَرْضِ... }(3) الآية، و قال أبو العتاهية:
فيــا عَجَبًــا كيـف يُعْصَـى الإلـ .... ــهُ أم كيــف يَجْحـــدهُ الجـــاحدُ
و فــي كُــــلِّ شــيء لـــه آيــة .... تـــدلُّ عـلـــى أنَّـــه الــواحِــــــدُ
و للَّـه فـــي كُـــلِّ تـحـريــكــةٍ .... و تسكينةٍ فـــي الــورى شَــاهد
و فــي كُــــلِّ شــيء لـــه آيــة .... تـــدلُّ عـلـــى أنَّـــه الــواحِــــــدُ
و للَّـه فـــي كُـــلِّ تـحـريــكــةٍ .... و تسكينةٍ فـــي الــورى شَــاهد
و قال غيره:
كــل مــا ترتقــي إليـــه بوهـــمٍ .... مــن جــلالِ و قـــدرةٍ و سـنـــاءِ
فــالذي أبــدع البريَّــة(4) أعلــى .... منــه ســبحانَهُ مُبـــدِع الأشْــيـاء
فــالذي أبــدع البريَّــة(4) أعلــى .... منــه ســبحانَهُ مُبـــدِع الأشْــيـاء
و قال علي رضي الله عنه في بعض وصاياه لولده : اعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، و لرأيت آثار ملكه و سلطانه، و لعرفت أفعاله و صفاته، و لكنه إله واحد لا يضاهيه في ملكه أحد.
و عنه عليه الصلاة و السلام : كل ما يتصور في الأذهان ، فالله سبحانه بخلافه.
و روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال و هو على المنبر: « إن أشهر كلمة قالتها العرب: ألا كل شيء ما خلا الله باطل »(5) .
ثم بعد هذا الاعتقاد: الإقرار بالشهادة بأن محمدًا رسول الله بعثه برسالته إلى الخلائق كافة ، و جعله خاتم الأنبياء ، و نسخ بشريعته الشرائع ، و جعله سيد البشر، و الشفيع المشفع في المحشر ، و أوجب على الخلق تصديقه فيما أخبر عنه من أمور الدنيا و الآخرة، فلا يصح إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت من سؤال منكر و نكير، و هما ملكان من ملائكة الله تعالى يسألان العبد في قبره عن التوحيد و الرسالة، و يقولان له : مَنْ ربك ؟ و ما دينك ؟ و مَنْ نبيك ؟ و يؤمن بعذاب القبر، وأنه حق ، و أن الميزان حق ، و الصراط حق ، و الحساب حق ، و أن الجنة حق ، و النار حق ، و أن الله تعالى يُدْخل الجنة من يشاء بغير حساب ، و هم المقربون ، و أنه يُخرج عُصاة الموحدين من النار، بعد الانتقام ، حتى لا يبقى في جهنم مَنْ في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ، و يؤمن بشفاعة العلماء ، ثم بشفاعة الشهداء ، و أن يعتقد فضل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، و يحسن الظنَّ بجميعهم، على ما وردت به الأخبار، و شهدت به الآثار، فمَنِ اعتقد جميع ذلك مؤمنًا فهو من أهل الحق و السنة، مُفارقٌ لعصابة الضلال و البدع.
رزقنا الله الثبات على هذه العقيدة و جعلنا من أهلها ، و وفقنا للدوام إلى الممات على التمسك و الاعتصام بحبلها ، إنه سميع مجيب .
فهذه العقيدة قد اشتملت على أحد أركان الإسلام الخمسة ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، و أن محمدًا رسول الله ، و إقام الصلاة ، و إيتاء الزكاة ، و صوم رمضان ، و حج البيت من استطاع إليه سبيلاً »(6).
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور
مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سِنة: فتور يسبق النوم.
(2)- يعزب: يغيب و يبعد.
(3)- سورة البقرة: 164.
(4)- البريَة: الخلق.
(5)- أخرجه: البخاري في المناقب 3841.
(6)- أخرجه: البخاري في الإيمان 8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سِنة: فتور يسبق النوم.
(2)- يعزب: يغيب و يبعد.
(3)- سورة البقرة: 164.
(4)- البريَة: الخلق.
(5)- أخرجه: البخاري في المناقب 3841.
(6)- أخرجه: البخاري في الإيمان 8.