[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
حلم السلطة في مصر إلى كابوس يتطلب نسيانه، أو بالأحرى محوه من مخيلة
ثمانين مليون مصري و300 مليون عربي، سنوات من العمل الدؤوب لتفكيك رواسبه
التي علقت في الأذهان. وتمثل الحلم في إعلان الخليفة الذي سيجلس على عرش
مصر، في سهرة 14 نوفمبر الماضي، وتحت أقدام تمثال ''أبوالهول''، حيث كان
سيتم تزكية جمال نائبا لأبيه حسني مبارك في انتظار الانتخابات الرئاسية
القادمة.
السيناريو حبك باحترافية كبيرة من طرف صناع القرار في القاهرة، لكن ولحسن
حظ الجزائر أنها كانت على علم مسبق به وبمختلف فصوله الكوميدية منها
والدراماتيكية. وحسب روايات موثوقة، فقد وضعت السلطات الجزائرية جميع
الأوراق المشكلة لما حدث في القاهرة مسبقا، وتم رسم خريطة طريق محكمة
لمواجهة أي طارئ قد يصيب اللاعبين والأنصار الذين نقلوا إلى القاهرة
لمؤازرة ''الخضر''. ومن تلك الأوراق أن تمت الاستعانة بوسيلة إعلامية
فرنسية وحيادية (كنال بلوس)، لتكون شاهد عيان على ما سيحدث. وقبل التوجه
إلى القاهرة، حذرت أجهزة الأمن الطاقم الوطني وأعضاء الوفد الرسمي أن
يلتزموا الحيطة والحذر وألا يستبقوا الأحداث، وألا يتسرعوا في إصدار
التصريحات والتعاليق مهما كانت الأسباب والاستفزازات.
وللأمانة، التزمت سلطات القاهرة بكل ما طلبته الجزائر، قبل مغادرة طائرة
الفريق الوطني إلى مطار القاهرة يوم الخميس 12 نوفمبر، وتعهدت لنظيرتها
الجزائرية بتوفير التغطية الأمنية في المطار وفي محيط الفندق الذي لا يبعد
عنه إلا بنحو 300 متر. وهو ما تمت معاينته في التقارير القادمة من
القاهرة، قبل يوم الوصول.. حيث تم تمشيط الطريق ومحيط الفندق من كل شبهة
أو حجرة.. غير أن كل المعطيات بطلت عندما اقتحمت مجموعات مدربة على ما
فعلت تدريبا جيدا، وفي التوقيت المحدد بدأت عملية رشق الحافلة بالحجارة!.
وبسرعة البرق اتصل الوفد الجزائري بالعاصمة، وأطلع السلطات على ما وقع،
فطلب منهم البقاء في الفندق وعدم الخروج منه في انتظار صدور القرار من
الجهات المختصة، وتم التحفظ على أشرطة فيديو كان الوفد الجزائري قد صورها،
أضيف لها وجود مصور ومراسل القناة الفرنسية.
ولتفادي الوقوع في الفخ، أوعزت الجزائر إلى السفير حجار ورئيس الـ''فاف''
محمد روراوة عدم التعاطي مع القاهرة ورمي الكرة في ملعب السلطات في
العاصمة وتحديدا بيد الرئيس بوتفليقة.
وفي الوقت الذي غرقت القاهرة في الفوضى العارمة، وجهت الجزائر بعثاتها
الدبلوماسية المتواجدة في كل الدول للعمل على توضيح وجهة النظر الجزائرية
المعززة بكافة الأدلة التي تدين القاهرة، ولا تترك لها أي فرصة لاستغلال
علاقاتها خاصة مع الدول العربية التي كانت تعتبرها حليفتها في السراء
والضراء.
وتقول التقارير التي وصلت إلى الجزائر، قبل وصول الفريق الوطني والوفد
الرسمي المرافق له، إن سلطات القاهرة أعدت حفلا فرعونيا للاحتفاء بالتأهل
إلى المونديال وأن الطريق الذي يربط ملعب القاهرة إلى أهرامات الجيزة تم
تأمينه بالكامل تحسبا لرحلة طويلة وسط أمواج بشرية تخرج إلى الشارع
للاحتفال بالفوز، وقبل كل ذلك إعلان جمال مبارك خليفة لأبيه.. وقد تم
إعداد الموائد والطبول والألعاب النارية، وتم استدعاء المطربين والفنانين
المشهورين وغير المشهورين من أجل تقديم الولاء أمام كاميرات العالم أجمع.
وقبل المباراة، احتدم الصراع بين جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة والنخب
المستقلة عن السلطة، منادين بإجهاض مؤامرة التوريث التي يجري الإعداد لها،
على حساب الجزائر التي قررت القاهرة توظيفها في ورقة صراع داخلي.
وإدراكا منها بأن العملية مفضوحة ومعروفة لديها، التزمت الجزائر الصمت..
وانتظرت مغادرة الفريق الوطني القاهرة باتجاه الخرطوم.. لكي ترد السلطات
عمليا على مؤامرة القاهرة. وكان لزاما على الرئيس بوتفليقة التحرك ودق آخر
مسمار على نعش السلطات المصرية التي ''استغلت'' ظرفا رياضيا لـ''تصفية
حسابات مع الجزائر تعود إلى فترة الثورة التحريرية''.
إذ على مر عقود من الزمن، رفضت القاهرة وجود مزاحم لها على الساحة العربية
أو الإفريقية أو الدولية، وسعت إلى فرض نفسها بعدما أوهمت الدول العربية
الأخرى بأحقيتها في قيادة الوطن العربي والدفاع عن مصالحه أمام القوى
الكبرى ! ولم تسقط في هذا الشرك إلا الجزائر وسوريا لاعتبارات تاريخية
وسياسية، أهمها موروث الثورة التحريرية التي لا تزال تشكل محطة تتوقف
عندها جميع شعوب القارة السمراء والأمة العربية على الأقل.
مأزق القاهرة ؟
تقول المعلومات إن سقف الشروط الثلاثة التي أعلنت عنها القاهرة من أجل
عودة سفيرها عبد العزيز سيف النصر إلى منصبه في الجزائر، بدأ يتراجع، أمام
الإصرار الجزائري الرافض لـ''تبييض'' صورة القاهرة القاتمة في عيون العالم
أجمع.. حيث أكدت مصادرنا أن الجزائر ترفض ''رفضا قاطعا التعاطي مع القاهرة
بشأن التعويضات المطلوبة من شركاتها، معتبرة إياها قضية تفصل فيها شركات
التأمين، وبنبرة أكثـر حزما، لا تعير الجزائر مطلب الاعتذار من مصر ذرة
اهتمام.. لأن الملف لم يطو بعد''.
ولا يوجد أمام القاهرة سوى طريق واحد للخروج من المأزق الذي أوقعت نفسها
فيه داخليا وعربيا ودوليا. فهي سحبت سفيرها للتشاور، وهذا قرار سيادي لا
دخل للجزائر فيه.. كما أن هذه الأخيرة لن تتدخل في قرار إعادته إلى منصبه
أو استبداله.. عكس سفير الجزائر الذي تلقى أوامر من الرئيس بوتفليقة
بالمكوث في موقعه ونسيان فكرة سحبه أو استبداله لا الآن ولا حتى في
المستقبل المنظور.
وحسب نفس المصادر، فإن جهود ''البحث عن المخرج المشرف'' لمصر عبر الوساطات
العربية، هو الآخر انتهى إلى طريق مسدود، فقد رفضت الجزائر عرضا ليبيا
وآخر سودانيا وآخر إماراتيا. باختصار، الحكومة المصرية غرقت في فنجان قهوة
مرة، وهي تجني نتيجة استعلائها على العرب ومحاولة فرض نفسها عليهم بشتى
الأشكال.
وماذا لو تصفح الجزائر العظيمة عن مصر الكبيرة؟ الجواب عن السؤال يعتبر،
في نظر العديد من المراقبين، ضربا من الخيال، على الأقل في المدى القريب
والمتوسط. وفي هذا الخضم، طرأت محاولة مصرية لتحميل الجزائر تصريحات نسبت
إلى وزير الخارجية مراد مدلسي من قبل مراسلة جريدة ''الشرق الأوسط'' في
القاهرة، سوسن أبو حسين، تفيد بأن الجزائر ''وافقت على طي الصفحة''، وفي
ذلك اعتراف دبلوماسي ضمني تتحمل فيه الجزائر مسؤولية ما حدث. غير أن
مسارعة وزارة الخارجية، في نفس اليوم الذي نشرت فيه التصريحات المحرفة،
بددت هذا المبتغى، وطرحته أرضا، مؤكدة بأن ''الوزير لم ينطق بعبارة طي
الصفحة''!.
لا يبدو أن المستقبل يحمل بشائر للقاهرة من الجزائر. حتى استقبال شكيب
خليل، وزير الطاقة والمناجم، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة للمشاركة في
مؤتمر لوزراء الطاقة في الدول العربية المنتجة للنفط، وزيارة العمل التي
قام بها على هامش المؤتمر، وإبرام اتفاقية إنشاء شركة نفطية مختلطة، جرت
برمجته منذ أشهر عديدة.. ووضعت السلطات المصرية في ''محنة''، وغرق وزيرها
للبترول في بحر من الإحراج قبل أن يتلقى الضوء الأخضر من مسؤوليه للرد على
طلب الجزائر بـ''استقرار'' موعد الزيارة.
الحلقة القادمة
في الجزائر، ستضطلع الدبلوماسية، خلال الفترة القادمة، بـ''إحصاء وتسجيل''
جميع حالات الاعتداء على الرعايا والطلبة الجزائريين في مصر. ولهذا الغرض،
فتحت وزارة الخارجية مكتبا خاصا بهؤلاء على مستوى مديرية الشؤون القنصلية
لتلقي شكاوى المعتدى عليهم، تمهيدا لرفع دعاوى لدى الجهات القضائية ضد
السلطات المصرية.
في الجهة الأخرى، وبعد أن وضع حد ''مؤقتا'' للتكالب الإعلامي على
الجزائر.. وبعد فشل ورقة استغلال السودان وقطر، ها هي القاهرة تعترف وتفتح
جبهة جديدة، لكن هذه المرة داخلية (مصرية - مصرية)، لاستثمارها في خطة
التوريث، بطلها المصري محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية
للطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل للسلام.. بعدما تأكد فشل ورقة النيل
من ''الجزائر''، و''تمرغت'' صورة مصر في التراب وانكشفت عورتها أمام
الصديق والعدو. وحسب المعلومات، فإن البرادعي سيشكل كبش فداء خلال الحلقة
القادمة لتجسيد ''الشفافية الضائعة''... حظ سعيد !
عدل سابقا من قبل kerrouche في السبت 12 ديسمبر 2009 - 19:33 عدل 1 مرات