قال الله تعالى: { وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ }(1) ، و سمى الله تعالى القرآن كريمًا فقال تعالى : { لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }(2) ، و سمّاه حكيمًا فقال تعالى : { يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }(3) ، و سمّاه مجيدًا فقال تعالى : { ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ }(4) . أنزله الله تعالى على سيد الأنام و خاتم الأنبياء الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة و السلام ، فكان من أعظم معجزاته أن أعجز الله الفصحاء عن معارضته، و عن الإتيان بآية من مثله، قال تعالى : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ }(5) ، و قال تعالى : { اجْتَمَعَتْ الإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَِانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }(6) ، فهو النور المبين ، و الحق المستبين، لا شيء أسطع من أعلامه و لا أصدع من أحكامه، و لا أفصح من بلاغته، و لا أرجح من فصاحته ، و لا أكثر من إفادته ، و لا ألذُّ من تلاوته.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « القرآن فيه خبر مَنْ قبلكم، و نبأ مَنْ بعدكم ، وحكم ما بينكم ». و قال أيضًا صلى الله عليه و سلم: « أصفرُ(7) البيوت بيتٌ صِفْر من كتاب الله تعالى ». و قال الشعبي : الذي يقرأ القرآن إنما يحدث عن ربه عز و جل.
وَ وَفِدَ غالب بن صعصعة على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و معه ابنه الفرزدق فقال له: من أنت؟ قال : غالب بن صعصعة. قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال : نعم. قال : فما فعلت بإبلك؟ قال: أذهبتها النوائب، و زعرَّتها الحقوق. قال: ذلك خير سبلها. ثم قال له : يا أبا الأخطل(8) من هذا الذي معك؟ قال: ابني و هو شاعر. قال: علمه القرآن فهو خير له من الشعر. فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيَّد نفسه و آلى على نفسه أن لا يحل قيده حتى يحفظ القرآن فحفظه في سنة. و في ذلك قال :
و مـا صَــبَّ رجــلـي في حـديــدٍ مـجـاشــع(9) .... مـع القـيــد إلا حــاجـــة لي أريــدهــا
و قال أنس رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: « يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أصبحت و إذا أمسيت ؛ فإن القرآن يحيي القلب الميت، و ينهى عن الفحشاء و المنكر ». و حكى الزمخشري في كتابه « ربيع الأبرار » قال : و من حكايات الحشوية(10) ما قيل:إن إبراهيم الخواص مرّ بمصروع فأذن في أذنه فناداه الشيطان في جوفه: دعني أقتله فإنه يقول القرآن مخلوق. و كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة ، و أقبل على قراءة القرآن .
و كان الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى إذا دخل شهر رمضان يفرّ من مذاكرة الحديث و مجالسة أهل العلم ، و يقبل على القراءة في المصحف . و كان أبو حنيفة و الشعبي رحمهما الله تعالى يختمان في رمضان ستين ختمة . و قال علي رضي الله تعالى عنه : مَنْ قرأ القرآن فمات فدخل النار فهو ممن كان يتخذ آيات الله هزوا.
و قال الشعبي: اللسان عدل على الأذن و القلب فاقرأ قراءة تسمعها أذنك و يفهمها قلبك. و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « مَنْ قرأ القرآن ثم رأى أن أحدًا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله ». و عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : « إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد »، قيل : يا رسول الله و ما جلاؤها؟ قال : « قراءة القرآن ، و ذكر الموت ».
و قال عمر بن ميمون: مَنْ نشر مصحفًا حين يصلي الصبح فقرأ مائة آية، رفع الله له مثل عمل جميع أهل الدنيا. و قال علي كرم الله وجهه: مَنْ قرأ القرآن و هو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، و مَنْ قرأه و هو جالس في الصلاة فله بكل حرف خمسون حسنة، و مّنْ قرأه في غير صلاة و هو على وضوء فخمسٌ و عشرون حسنة، و مَنْ قرأه على غير وضوء ، فعشر حسنات .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة القمر: 17.
(2)- سورة الواقعة: 77.
(3)- سورة يس: 1.
(4)- سورة ق: 1.
(5)- سورة البقرة: 23.
(6)- سورة الإسراء: 88. و ظهيرًا: معينًا و نصيرًا.
(7)- أصفر البيوت: أخلاها.
(8)- هذا وهم من المؤلف و لعله: يا أبا همام.
(9)- مجاشع: أحد أجداد الفرزدق.
(10)- الحشوية: قوم ينسبون إلى حشو الكلام و لغوه.