منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>


منتديات التاريخ المنسي
<div style="text-align: center;"><img src="https://i.servimg.com/u/f27/11/57/48/93/m0dy_n10.gif"><br></div>

منتديات التاريخ المنسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات التاريخ المنسيدخول

التاريخ المنسي


descriptionفي العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه Emptyفي العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه

more_horiz

نص الله سبحانه و تعالى في محكم كتابه العزيز و منزل خطابه الوجيز على شرف العقل، و قد ضرب الله سبحانه و تعالى الأمثال و أوضحها، وبيَّن بدائع مصنوعاته و شرحها، فقال تعالى: { وَ سَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }(1) ، و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: « أول ما خلق الله تعالى العقل ، فقال له: أقبل، فأقبل . ثم قال له: أَدْبِرْ. فقال عزَّ من قائل: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقًا أعز عليَّ منك، بك آخذ و بك أعطي ، و بك أحاسب و بك أعاقب ».

و قال أهل المعرفة و العمل : العقل جوهر مضيء خلقه الله عَزَّ و جلَّ في الدماغ ، و جعل نوره في القلب يدرك به المعلومات بالوسائط ، و المحسوسات بالمشاهدة .

و اعلم أن العقل ينقسم إلى قسمين : قسم لا يقبل الزيادة و النقصان ، و قسم يقبلهما. فأما الأول فهو العقل الغريزي المشترك بين العقلاء، و أما الثاني فهو العقل التجريبي و هو مكتسب ، و تحصل زيادته بكثرة التجارب و الوقائع . و باعتبار هذه الحالة يقال : إن الشيخ أكمل عقلاً، و أتم دراية، و إن صاحب التجارب أكثر فهمًا و أرجح معرفة. و لهذا قيل: مَنْ بيَّضت الحوادث سواد لمته، و أخلقت التجارب لباس جدته، و أراه الله تعالى لكثرة ممارسته تصاريف أقداره و أقضيته، كان جديرًا برزانة العقل و رجاحة الدراية.

و قد يخص الله تعالى بألطافه الخفية مَنْ يشاء من عباده فيفيض عليه من خزائن مواهبه رزانة العقل، و زيادة معرفة، تخرجه عن حدِّ الاكتساب، و يصير بها راجحًا على ذوي التجارب و الآداب ، و يدل على ذلك قصة يحيى ابن زكريا عليهما السلام فيما أخبر الله تعالى به في محكم كتابه العزيز حيث يقول: { وَ آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }(2) . فمن سبقت له سابقة من الله تعالى في قسم السعادة و أدركته عناية أزلية أشرقت على باطنه أنوار ملكوتية و هداية ربانية فاتصف بالذكاء و الفطنة قلبه ، و أسفر عن وجه الإصابة ظنه، و إن كان حديث السن قليل التجربة ، كما نقل في قصة سليمان بن داود عليهما السلام و هو صبي حيث رَدَّ حكم أبيه داود عليه السلام في أمر الغنم و الحرث ، و شرْح ذلك فيما نقله المفسرون: أن رجلين دخلا على داود عليه السلام : أحدهما صاحب غنم، و الآخر صاحب حرث ، فقال أحدهما: إن هذا دخلت غنمه بالليل إلى حرثي فأهلكته و لم تبق لي فيه شيئًا، فقال داود عليه السلام : الغنم لصاحب الحرث عوضًا عن حرثه، فلما خرجا من عنده مرَّا على سليمان عليه السلام ، و كان عمره إذ ذاك على ما نقله أئمة التفسير إحدى عشرة سنة فقال لهما: ما حكم بينكما الملك ؟ فذكرا له ذلك فقال: غير هذا أرفق بالفريقين، فعادا إلى داود عليه السلام ، و قالا له ما قاله ولده سليمان عليه السلام. فدعاه داود عليه السلام و قال له: ما هو الأرفق بالفريقين؟ فقال سليمان: تسلم الغنم إلى صاحب الحرث – و كان الحرث كرمًا قد تدلت عناقيده في قول أكثر المفسرين – فيأخذ صاحب الكرم الأغنام يأكل لبنها، و ينتفع بدرها و نسلها، و يسلم الكرم إلى صاحب الأغنام ليقوم به ، فإذا عاد الكرم إلى هيئته و صورته التي كان عليها ليلة دخلت الغنم إليه، سلم صاحب الكرم الغنم إلى صاحبها، و تسلم كرمه كما كان بعناقيده و صورته . فقال له داود : القضاء كما قلت ، و حكم به كما قال سليمان عليه السلام .

و في هذه القصة نزل قوله تعالى: { وَ دَاوُودَ وَ سُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنَّا لِحُكْمِهُمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَ كُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَ عِلْمًا }(3) فهذه المعرفة و الدراية لم تحصل لسليمان بكثرة التجربة و طول المدة، بل حصلت بعناية ربانية، و ألطاف إلهية.

إذا قذف الله تعالى شيئًا من أنوار مواهبه في قلب مَنْ يشاء من خلقه اهتدى إلى مواقع الصواب ، و رجح على ذوي التجارب و الاكتساب في كثير من الأسباب.

و يستدل على حصول كمال العقل في الرجل بما يوجد منه و ما يصدر عنه ، فإن العقل معنى لا يمكن مشاهدته فإن المشاهدة من خصائص الأجسام ؛ فأقول : يستدل على عقل الرجل بأمور متعددة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، و إعراضه عن رذائل الأعمال ، و رغبته في إسداء صنائع المعروف ، و تجنّبه ما يكسبه عارًا(4) ،و يورثه سوء السمعة. و قد قيل لبعض الحكماء: بم يُعرفُ عقل الرجل؟ فقال: بقلة سقطه في الكلام، و كثرة إصابته فيه، فقيل له: فإن كان غائبًا؟ فقال: بإحدى ثلاث: إما برسوله، و إما بكتابه، و إما بهديَّته، فإن رسوله قائم مقام نفسه، و كتابه يصف نطق لسانه، و هديته عنوان همته، فبقدر ما يكون فيها من نقص يحكم به على صاحبها.

و قيل : من أكبر الأشياء شهادةً على عقل الرجل حسن مداراته للناس، و يكفي أن حسن المدارة يشهد لصاحبه بتوفيق الله تعالى إياه. فإنه روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: « مَنْ حُرِمَ مُداراةَ الناس فقد حرم التوفيق » فمقتضاه أن من رزق المداراة لم يحرم التوفيق. و قالوا: العاقل الذي يحسن المداراة مع أهل زمانه. و قال رسول الله صلى اله عليه و سلم: « الجنة مائة درجة، تسعة و تسعون منها لأهل العقل، و واحدة لسائر الناس ».
و قال علي بن عبيدة : العقل ملك ، و الخصال رعية، فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها. فسمعه أعرابي فقال: هذا كلام يقطر عسله. و قيل: بأيدي العقول تمسك أعنة النفوس، و كل شيء إذا كثر رخص ، إلا العقل فإنه كلما كثر غلا. و قيل : لكل شيء غاية و حدٌّ ، و العقل لا غاية له و لا حد ، و لكن الناس يتفاوتون فيه تفاوت الأزهار في المروج .

و اختلف الحكماء في ماهيته ، فقال قوم : هو نور وضعه الله طبعًا و غريزة في القلب كالنور في العين، و هو يزيد و ينقص ، و يذهب و يعود، و كما يدرك بالبصر شواهد الأمور كذلك يدرك بنور القلب المحجوب و المستور. و عَمَى القلب كعَمَى البصر قال الله تعالى: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَ لَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }(5) ، و قيل : محل العقل الدماغ ، و هو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. و ذهب جماعة إلى أنه في القلب كما روي عن الشافعي رحمه الله تعالى : { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا }(6) و بقوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ }(7) أي : عقل. و قالوا: التجربة مرآة العقل. و لذلك حُمِدت آراءُ المشايخ حتى قالوا: المشايخ أشجار الوقار لا يطيش لهم سَهْم ، و لا يسقط لهم فَهْم، و عليكم بآراء الشيوخ فإنهم إن عدموا ذكاء الطبع ، فقد أفادتهم الأيام حيلة و تجربة.
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)- سورة النحل: 12. (2)- سورة مريم: 12.

(3)- سورة الأنبياء: 78 – 97. (4)- العار: الشيء الذي يُعيَّر به الإنسان الذي يأتي مثل هذه الأفعال السيئة.

(5)- سورة الحج: 46. (6)- سورة الحج: 46.

(7)- سورة ق: 37.

descriptionفي العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه Emptyرد: في العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه

more_horiz
جـــــزاك الله عنــــــا كل الخير ليلى

descriptionفي العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه Emptyرد: في العقل و الذكاء و الحمق و ذمــه

more_horiz
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد