[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لا شيء يقتل العقل مثل التعصب
عندما تكون المصلحة في طرف يأتون إليه مذعنين، فإذا انقلب للآخرين إذا هم يثنون صدروهم ليستخفوا منه؟
وعندما تكون الأشياء ضدهم يخفونها، وإن كانت في جانبهم وتشهد لهم، قرعوا الطبول والصنوج في نجاحاتهم.
ليس هناك من ميزة أروع للعلم الحديث من اعترافه أن هناك شيئا اسمه علم الأمراض، وأن المعالجة بالدواء لها تأثير جانبي، وأن أي عملية جراحية لها حجم اختلاطات، ونسبة فشل، مسجلة
في الكتب. وفي سجن عربي تم قتل ألف معتقل سياسي في ليلة واحدة على أنه أفضل ما يمكن عمله خدمة للعدالة. وهناك من يقول إن المعرفة هي معرفة الشيء بذاته. بمعنى أن القانون
الكوني يقع خارج عقولنا، وعندما تنتقل حقيقة هذا القانون إلى فهم وإدراك عقولنا، دخلنا منطقة العلم، وهذا التعريف أكثر إيغالاً في التعقيد من التبسيط.
وبعضهم يقول إن هناك مراتب في الوجود، كما قال الغزالي القديم أي أن الحقيقة تنتقل من الوجود الخارجي إلى الذهني، بعد أن تكون قد اخترقت الحواس مثل الكوبي عن الكوبي أي النسخة
المصورة عن النسخة المصورة.
ولكننا نعرف أن كل نسخة عن نسخة تفقدها جودتها، وكذلك حال المعرفة. فانتقال صورة كونية إلى صورة ذهنية يقود إلى تشوه في المعرفة من خلال المرور في معارج من الوجود مثل ما
يحدث للضوء حين اختراقه سلسلة من الأوساط المختلفة، ما يقوده إلى انكسارات في مسيره تضلل الرائي.
ومن يبصر قطعة المعدن تحت الماء يجب أن يعلم أنها ليست في مكانها، بل في مكان آخر، ومن أجل ذلك وضع ديكارت قانون الانكسار. ويذهب أصحاب الرأي الأخير إلى نوع من المؤشر
الذي قد يكون نافعاً نوعاً في الدلالة على الحقيقة فيقولون؛ إن النتيجة هي التي ستحكم على العمل. ومن ثمراتهم تعرفونهم.
ولكننا نعلم أن الطواغيت تشاد لهم الأضرحة، وأن ستالين أرسل إلى الموت أكثر من 600 ألف إنسان في الحملة التطهيرية عام 1938. ومات في عزة وشقاق.
وأن هناك عشرات الآلاف من المفقودين في بلدان عربية لم تنشف دموع أمهاتهم، ولم يعرفوا هل هم أحياء يرزقون أم أموات ينعون؟
وأحياناً أرفع أنا شخصيا رأسي إلى السماء ويصيبني نوع من الإحباط عميق وأطرح سؤالاً خطيرا عن معنى الظلم الموجود في الأرض ومعنى وجود الإنسان؟
والسؤال كيف يمكن وضع أيدينا على شيء نثق به فنقول إنه العلم؟
في القرن التاسع عشر ركب العلماء شعور مليء بالزهو أن كل شيء أصبح مفسرا ومعروفاً، وفي الطب قالوا إن الجراثيم سبب الأمراض، وعندما انفجر مرض الإنفلونزا عام 1918م
بدؤوا يبحثون في دم ومفرزات وقشع المرضى، وقالوا إنهم اكتشفوا نوع الجرثوم المسبب للمرض. وكان مثلهم من يبحث عن سبب الطاعون في تعكر مزاج المريخ، كما فعل أهل العصور
الوسطى. إنه يطيب لنا أن نضحك عليهم، ولكننا مثلهم بفارق درجة. ونحن بدورنا لمن سيأتي بعدنا قرون وسطى على نحو آخر. واليوم يعرف الطب أن سبب مرض الإنفلونزا كان
الفيروسات، وليست الجراثيم، وهو عالم جديد يحتاج إلى تكبيره عشرات الآلاف من المرات، ولم يكن في الإمكان فتح العين على هذا العالم الخفي لولا تطوير المجهر الإلكتروني. إن أعظم
حكمة يستفيدها الإنسان من هذه الواقعة أن يبحث الإنسان عن الحقيقة، ولا يدعي أنه امتلك الحقيقة. ولكن أكثر الناس منتفخون من الشعور بوضع اليد علىالحقيقة النهائية، التي لا تقبل
النقاش، وكلنا متعصب بدرجة واتجاه، وهذا سر خطير في توقف الحركة العقلية في العالم العربي؛ فلا شيء يقتل العقل مثل التعصب والتشدد والتقوقع، وزعم امتلاك الحقيقة النهائية التي هي
لله وحده، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم. قال ليسنج من فلاسفة التنوير لو وضع الله الحقيقة المطلقة في يمناه، والشوق الخالد إلى البحث عن الحقيقة في يسراه،
ومعها الخطأ لزام لي، ثم خيرني أن أختار؟ لجثوت على ركبتي متواضعا وقلت يا رب أعطني ما في يسراك من الشوق والحرقة في البحث عن الحقيقة، لأن الحقيقة المطلقة والنهائية هي لك
وحدك لا شريك لك .. لك الحمد ولك الشكر ..