[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ثقافة المرور العربية..
ثقافة المرور في العالم العربي بلا جذور اجتماعية راسخة، وبلا تاريخ حقيقي.
لم ينتج العرب السيارة، لذا لم يتمكنوا من إنتاج ثقافة مرورية عربية خاصّة بها، بمضمون ونكهة ولسان عربي، ولم يطوّر العرب السيارة، فلم يستطيعوا تطوير علاقاتهم الثقافية، للتعامل معها بمفردات ومصطلحات وطقوس وشعائر ورموز ودلالات من طبيعتها الأصلية.
ظلّت ثقافة المرور عند العرب جارية فعلا، ولكن باعتبارها "ثقافة اضطرار". لا " ثقافة اختيار"، كما ظلّت صفتها "العربية " واقعة فعلا، ولكن " بالاكتساب"، وليس"بالانتساب".
كل ما يفعله العرب اليوم بثقافتهم المرورية، أنهم يعيدون إنتاجها، بطرق غريبة مشوّهة، ويغذونها من توجيهات ثقافتهم المجتمعية العامة، ذات المصادر الأخرى المختلقة، والطبيعة المغايرة تماما فيخلقون بذلك واقعا ثقافيا مروريا غريبا معقّدا وخطيرا.
ولابد من ملاحظة أن هذا الواقع الثقافي المروري الغريب، يجد له تأثيرات وتفاعلات وتداعيات مستمرة في شوارعنا العربية، تتجسّد في حرب عصرية جديدة، أكثر غرابة وخطورة.
ضمن هذه الخطوط نحاول تقديم فهم لثقافة المرور، وصلتها بالمجتمع العربي، تأثيرا وتأثّرا وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية:
- لماذا بقيت الآلة/ السيارة بلا تاريخ ثقافي عربيا؟ وكيف تشكّلت ثقافة المرور عربيا؟ وما أبرز سمات ثقافة المرور في المجتمع العربي ؟ وعمّ تسفر "حرب الشوارع " العربية، حقيقة ؟ والى أين تسير ثقافتنا، الصغرى والكبرى، في عصر العولمة؟
هذا ما يطرحه أستاذ علم الاجتماع الدكتور سالم ساري في رؤية تحليلية لثقافة المرور العربية فإلى التفاصيل..
على مدى التاريخ العربي الطويل، أنتج العرب ثقافة تاريخية عربية أصيلة، في كل شيء، ولكل شيء تقريبا: عن الله والطبيعة والعالم الخارجي والذات والقريب والغريب وعن الحبّ والغزل والهجر... الدار والعائلة وعن الديار والأرض، والوطن والجيرة و الرفيق والطريق وعن الخيل والليل، والبيداء وعن الرجولة وعن البخل والكرم وعن المجالسة، والمحادثة، والاستماع وعن الحلّ والترحال والإقامة.
تلك والكثير غيرها، إنتاجات ثقافية عربية خالصة، فهي لحسن الحظ أو لسوئه، ثقافات لنا ونحن لها. هي شيء منّا، ونحن شيء منها. أما السيارة فلا! ما زالت السيارة عندنا بلا تاريخ ثقافي عربي، وبلا جذور مجتمعية عربية.
تراكمت لهذه الموضوعات الثقافية ثقافات خاصة ممّيزة في المجتمع العربي، كما تجمعّت لها أدبيات وفيرة، مازالت مستقرة مستمرة أحيانا، متصلة متقطّعة أحيانا أخرى. وذلك لأن الثقافة إنتاج جمعي دائما، متراكم مستقرّ ومستمر. وإذا أردنا الاستقرار والاستمرار والفاعلية، لأي مجال من مجالات الحياة، المتعددة التفاصيل والمضامين والاتجاهات، فإنه يحتاج إلى ثقافة جمعية، تغذّيه، وتتغذّى منه، في الوقت ذاته.سواء كنا نتحدث عن الأدب والفن، السياسة والاقتصاد، التربية والتعليم ، الإعلام والمعلومات..إلخ.
وما دامت الثقافة إنتاجا مجتمعيا خالصا، فلا مرجعية لها إلا ذاتها، محددة في الزمان والمكان.
ومعنى هذا، أنه لا يمكن الحكم على الثقافة، إلا بحكم قيمي معياري، من داخل الثقافة نفسها.
وما دامت الثقافات المجتمعية متعددة مختلفة بالضرورة، فإن مدى "تقدّم" / " تخلّف" الإنتاجات الثقافية ، لا يقاس بمقياس خارجي موحد، أي بمدى قربها /بعدها عن غيرها من الثقافات.
- فما هي الثقافة التي تعطي لنفسها الحق في تنصيب نفسها بالذات بإعتبارها "النموذج الثقافي " الأوحد ؟
- أين هي "الثقافة المركز" التي يمكن لها أن تزعم، من الآن فصاعدا، أنها وحدها التي يقاس بها التقدم ، وعنها التخلّف الثقافي؟
انتهاء من أزمة الأنثربولوجيا البريطانية المبكرة ، لم يعد الاختلاف الثقافي مساويا" للتخلّف الثقافي" ، بالضرورة. اصبح الاختلاف لايعني إلا الاختلاف. وليس الاختلاف الثقافي، بالطبع، وصمة أو تهمة لأي ثقافة أو مجتمع , وإنما هو أمر طبيعي و صحي ، بل هو مشروع، مطلوب ومرغوب.
أنتج العرب اللباس العربي التقليدي، العباءة العربية، غطاء الرأس العربي ( الشماغ والعقال)، "القفطان" المغربي الموشّى بالذهب ، الثوب الفلسطيني المطرّز بالحرير،"الدشداشة" الخليجية البيضاء..إلخ، وأجادوا صنعه،لأن وراءه ثقافة عربية عريقة للباس والمظهر والثراء. يسير الرجل العربي بعباءته العربية الفاخرة،بجلال، كأنه أمير أسطوري! وتتهادى المرأة العربية بعباءتها العربية المزيّنة، بجمال، كأنها ملكة خرافية! وما المفاخرة العربية بالقول" إن العزّ للعرب " العزّ يليق بالعرب"، إلا مفاخرة مستندة بثقة إلى عراقة ثقافة اللباس العربية. وإلى هذه الثقة بعراقة ثقافته المظهرية، لابد أن نلاحظ أنه لاتوجد مشكلة حتى للعربي العادي مع اللباس والوسامة و"الشياكة"، حين يريد ارتداء الألبسة الأجنبية ذات "الماركات " العالمية الفاخرة .
وفي المقابل هناك مثلا، مشكلة حقيقية للغربي في ارتداء اللباس العربي (في المصنع والعمل)، أوتناول الأكل العربي (بالطريقة التقليدية). فالمعلقة والشوكة والسكين، مثلا، أدوات صنعها ويعرفها ويألفها، ولكنها تبقى غريبة غير مألوفة وغير ملائمة لثقافة "المنسف" الأردني، أو"الكبسة" الخليجية، أو"الباجا" العراقية، أو "المسخن " الفلسطيني.
المسألة ببساطة، أن الإنسان كائن ثقافي قيمي معياري. أي شيء لا ينتجه مجتمعه بيديه، يظل غريبا عنه، ثقيلا عليه. ويظل يتعامل مع ما لا يعرف، بهدي ما يعرف. والسيارة ثقافة من حيث طرق التعامل معها. الإنتاج الحضاري إنتاج واحد/ موحد للعالم كله. والإنتاج الثقافي إنتاج مجتمعي مختلف باختلاف المجتمعات في العالم.
مازالت ثقافة المرور غريبة عنّا، ونحن غرباء عنها. وذلك ببساطة، لأننا لم ننتج (تاريخيا) ثقافة عربية (محلية) مستقرة مستمرة مؤثّرة للمرور. فظلت ثقافة السيارة، كالسيارة ذاتها، ثقافة مستوردة يتم تعلّمها، والتعامل معها بطريقة مشوّهة. ثقافة من الصعب استنباتها بسهولة ويسر وفعالية، لأنها لم تتأصّل في بنية الحياة الاجتماعية العربية، ولم تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية الأخرى. فكل ما لدينا هو تصوّرات وقيم وممارسات اعتقادية بشأن هذه الثقافة المرورية الوافدة. تتراكم هذه الاعتقادات (وليس المناهج والقوانين والمعلومات) في المجتمع العربي حقا، ولكن ليس من واقعها الفعلي، أو من طبيعتها الأصلية، وإنما من واقع مغاير، وطبيعة أخرى تتشكل إحداثياتها في بيئة ثقافية عربية ذات تاريخ واتجاهات وتوجّهات مناقضة تماما.
مصدر هذه الاعتقادات المرورية في المجتمع العربي هو توجيهات الثقافة المجتمعية العربية السائدة، وأنماط قيمها وسلوكياتها. الثقافة العربية العامة عندنا هي الموجّهة لكل شيء في المجتمع العربي: هي التي توجّه المرور كما توجّه القبور. توجّه العلم كما توجّه الشركات. توجّه الطموحات كما توجّه المقاولات!!
ثقافة المرور في العالم العربي بلا جذور اجتماعية راسخة، وبلا تاريخ حقيقي.
لم ينتج العرب السيارة، لذا لم يتمكنوا من إنتاج ثقافة مرورية عربية خاصّة بها، بمضمون ونكهة ولسان عربي، ولم يطوّر العرب السيارة، فلم يستطيعوا تطوير علاقاتهم الثقافية، للتعامل معها بمفردات ومصطلحات وطقوس وشعائر ورموز ودلالات من طبيعتها الأصلية.
ظلّت ثقافة المرور عند العرب جارية فعلا، ولكن باعتبارها "ثقافة اضطرار". لا " ثقافة اختيار"، كما ظلّت صفتها "العربية " واقعة فعلا، ولكن " بالاكتساب"، وليس"بالانتساب".
كل ما يفعله العرب اليوم بثقافتهم المرورية، أنهم يعيدون إنتاجها، بطرق غريبة مشوّهة، ويغذونها من توجيهات ثقافتهم المجتمعية العامة، ذات المصادر الأخرى المختلقة، والطبيعة المغايرة تماما فيخلقون بذلك واقعا ثقافيا مروريا غريبا معقّدا وخطيرا.
ولابد من ملاحظة أن هذا الواقع الثقافي المروري الغريب، يجد له تأثيرات وتفاعلات وتداعيات مستمرة في شوارعنا العربية، تتجسّد في حرب عصرية جديدة، أكثر غرابة وخطورة.
ضمن هذه الخطوط نحاول تقديم فهم لثقافة المرور، وصلتها بالمجتمع العربي، تأثيرا وتأثّرا وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية:
- لماذا بقيت الآلة/ السيارة بلا تاريخ ثقافي عربيا؟ وكيف تشكّلت ثقافة المرور عربيا؟ وما أبرز سمات ثقافة المرور في المجتمع العربي ؟ وعمّ تسفر "حرب الشوارع " العربية، حقيقة ؟ والى أين تسير ثقافتنا، الصغرى والكبرى، في عصر العولمة؟
هذا ما يطرحه أستاذ علم الاجتماع الدكتور سالم ساري في رؤية تحليلية لثقافة المرور العربية فإلى التفاصيل..
على مدى التاريخ العربي الطويل، أنتج العرب ثقافة تاريخية عربية أصيلة، في كل شيء، ولكل شيء تقريبا: عن الله والطبيعة والعالم الخارجي والذات والقريب والغريب وعن الحبّ والغزل والهجر... الدار والعائلة وعن الديار والأرض، والوطن والجيرة و الرفيق والطريق وعن الخيل والليل، والبيداء وعن الرجولة وعن البخل والكرم وعن المجالسة، والمحادثة، والاستماع وعن الحلّ والترحال والإقامة.
تلك والكثير غيرها، إنتاجات ثقافية عربية خالصة، فهي لحسن الحظ أو لسوئه، ثقافات لنا ونحن لها. هي شيء منّا، ونحن شيء منها. أما السيارة فلا! ما زالت السيارة عندنا بلا تاريخ ثقافي عربي، وبلا جذور مجتمعية عربية.
تراكمت لهذه الموضوعات الثقافية ثقافات خاصة ممّيزة في المجتمع العربي، كما تجمعّت لها أدبيات وفيرة، مازالت مستقرة مستمرة أحيانا، متصلة متقطّعة أحيانا أخرى. وذلك لأن الثقافة إنتاج جمعي دائما، متراكم مستقرّ ومستمر. وإذا أردنا الاستقرار والاستمرار والفاعلية، لأي مجال من مجالات الحياة، المتعددة التفاصيل والمضامين والاتجاهات، فإنه يحتاج إلى ثقافة جمعية، تغذّيه، وتتغذّى منه، في الوقت ذاته.سواء كنا نتحدث عن الأدب والفن، السياسة والاقتصاد، التربية والتعليم ، الإعلام والمعلومات..إلخ.
وما دامت الثقافة إنتاجا مجتمعيا خالصا، فلا مرجعية لها إلا ذاتها، محددة في الزمان والمكان.
ومعنى هذا، أنه لا يمكن الحكم على الثقافة، إلا بحكم قيمي معياري، من داخل الثقافة نفسها.
وما دامت الثقافات المجتمعية متعددة مختلفة بالضرورة، فإن مدى "تقدّم" / " تخلّف" الإنتاجات الثقافية ، لا يقاس بمقياس خارجي موحد، أي بمدى قربها /بعدها عن غيرها من الثقافات.
- فما هي الثقافة التي تعطي لنفسها الحق في تنصيب نفسها بالذات بإعتبارها "النموذج الثقافي " الأوحد ؟
- أين هي "الثقافة المركز" التي يمكن لها أن تزعم، من الآن فصاعدا، أنها وحدها التي يقاس بها التقدم ، وعنها التخلّف الثقافي؟
انتهاء من أزمة الأنثربولوجيا البريطانية المبكرة ، لم يعد الاختلاف الثقافي مساويا" للتخلّف الثقافي" ، بالضرورة. اصبح الاختلاف لايعني إلا الاختلاف. وليس الاختلاف الثقافي، بالطبع، وصمة أو تهمة لأي ثقافة أو مجتمع , وإنما هو أمر طبيعي و صحي ، بل هو مشروع، مطلوب ومرغوب.
أنتج العرب اللباس العربي التقليدي، العباءة العربية، غطاء الرأس العربي ( الشماغ والعقال)، "القفطان" المغربي الموشّى بالذهب ، الثوب الفلسطيني المطرّز بالحرير،"الدشداشة" الخليجية البيضاء..إلخ، وأجادوا صنعه،لأن وراءه ثقافة عربية عريقة للباس والمظهر والثراء. يسير الرجل العربي بعباءته العربية الفاخرة،بجلال، كأنه أمير أسطوري! وتتهادى المرأة العربية بعباءتها العربية المزيّنة، بجمال، كأنها ملكة خرافية! وما المفاخرة العربية بالقول" إن العزّ للعرب " العزّ يليق بالعرب"، إلا مفاخرة مستندة بثقة إلى عراقة ثقافة اللباس العربية. وإلى هذه الثقة بعراقة ثقافته المظهرية، لابد أن نلاحظ أنه لاتوجد مشكلة حتى للعربي العادي مع اللباس والوسامة و"الشياكة"، حين يريد ارتداء الألبسة الأجنبية ذات "الماركات " العالمية الفاخرة .
وفي المقابل هناك مثلا، مشكلة حقيقية للغربي في ارتداء اللباس العربي (في المصنع والعمل)، أوتناول الأكل العربي (بالطريقة التقليدية). فالمعلقة والشوكة والسكين، مثلا، أدوات صنعها ويعرفها ويألفها، ولكنها تبقى غريبة غير مألوفة وغير ملائمة لثقافة "المنسف" الأردني، أو"الكبسة" الخليجية، أو"الباجا" العراقية، أو "المسخن " الفلسطيني.
المسألة ببساطة، أن الإنسان كائن ثقافي قيمي معياري. أي شيء لا ينتجه مجتمعه بيديه، يظل غريبا عنه، ثقيلا عليه. ويظل يتعامل مع ما لا يعرف، بهدي ما يعرف. والسيارة ثقافة من حيث طرق التعامل معها. الإنتاج الحضاري إنتاج واحد/ موحد للعالم كله. والإنتاج الثقافي إنتاج مجتمعي مختلف باختلاف المجتمعات في العالم.
مازالت ثقافة المرور غريبة عنّا، ونحن غرباء عنها. وذلك ببساطة، لأننا لم ننتج (تاريخيا) ثقافة عربية (محلية) مستقرة مستمرة مؤثّرة للمرور. فظلت ثقافة السيارة، كالسيارة ذاتها، ثقافة مستوردة يتم تعلّمها، والتعامل معها بطريقة مشوّهة. ثقافة من الصعب استنباتها بسهولة ويسر وفعالية، لأنها لم تتأصّل في بنية الحياة الاجتماعية العربية، ولم تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية الأخرى. فكل ما لدينا هو تصوّرات وقيم وممارسات اعتقادية بشأن هذه الثقافة المرورية الوافدة. تتراكم هذه الاعتقادات (وليس المناهج والقوانين والمعلومات) في المجتمع العربي حقا، ولكن ليس من واقعها الفعلي، أو من طبيعتها الأصلية، وإنما من واقع مغاير، وطبيعة أخرى تتشكل إحداثياتها في بيئة ثقافية عربية ذات تاريخ واتجاهات وتوجّهات مناقضة تماما.
مصدر هذه الاعتقادات المرورية في المجتمع العربي هو توجيهات الثقافة المجتمعية العربية السائدة، وأنماط قيمها وسلوكياتها. الثقافة العربية العامة عندنا هي الموجّهة لكل شيء في المجتمع العربي: هي التي توجّه المرور كما توجّه القبور. توجّه العلم كما توجّه الشركات. توجّه الطموحات كما توجّه المقاولات!!