حين
نريد فهم وتفسير آليات جعل الاتحادية تسير وفق نمط احترافي، والارتقاء
ببرامج تحضير المنتخب الوطني إلى مصاف كبار المنتخبات العالمية، نجد
أنفسنا أمام متاهات نصبها لنا رئيس اتحادية اللّعبة الأكثـر شعبية، فحتى
الألوان البيضاء والخضراء والحمراء، غيّبت عن الألبسة الجديدة لـ''الخضر''
التي اقترحتها شركة ''بيما'' الألمانية مؤخّرا، التي قرّرت أن تكون ألوان
الجزائر بمثل ألوان المنتخب المصري بالأحمر والأسود، واحتار بذلك
اللاّعبون أيّ مقطع يردّدون مستقبلا، إمّا ''معاك يا لخضرا'' أو ''معاك يا
الكحلة''.
تذكّرنا ''بيما'' اليوم بما حدث للمنتخب الوطني الجزائري في نهائيات كأس
أمم إفريقيا بالسنغال سنة 1992 مع شركة ''أديداس'' التي منحت ''الخضر''
قمصان بألوان المنتخب الفرنسي، ما خلق جوّا من الاستنفار في أوساط
المسؤولين ليلة المباراة الأولى أمام كوت ديفوار، وتنقّلوا على جناح
السرعة إلى العاصمة داكار واقتنوا قمصان بديلة بالألوان الجزائرية لتفادي
الفضيحة.
ورغم أن إنجاز النخبة الوطنية صنعه جزائريون، وحلم المونديال تحقق لأنصار
جزائريين، وتم تغطية أحداثه بكثير من الفخر والاعتزاز من إعلاميي الجزائر،
إلاّ أن تبعات هذا الصنيع الكروي اختار له محمّد روراوة أن يكون
''مفرنسا'' إعلاميا، وممنوعا على اللاّعبين إشهاريا، وبعيدا عن الجماهير
الجزائرية إخباريا.
وبعبارة أدقّ، أصبحت ''الفاف'' مثل القناة الكروية المشفّرة، لا يجوز إلاّ
لمالكها اتخاذ القرارات التي يراها مناسبة بشأنها، فمنح ''حصريا'' القنوات
الفرنسية حق مرافقة المنتخب الجزائري، واختار للأندية الجزائرية الراعي
الرسمي لكأس الجزائر، ومنع اللاّعبين الدوليين من حرية تسويق صورتهم
إشهاريا، وحدّد سلّم العلاوات دون تشاور مسبق مع اللاّعبين ولو شكليا، ولم
يجعل القيمة المالية تتناسب وقيمة الإنجاز الكروي عالميا.
وجاء أمر رئيس الاتحادية صارما حين قال بأن لا أحد من اللاّعبين له الحق
في إبداء الرأي حول مجيء مهدي لحسن لاعب نادي سانتندار الإسباني من عدمه،
وبأن الاتحادية هي التي تقرّر، ما يدفعنا إلى استخلاص أمر واحد بأن
الاتحادية أضحت ''أم المنتخب الجزائري'' فالرئيس يأمر والبقية كالعبيد،
ينفّذون دون مناقشة.
فقد أمر رئيس الاتحادية أمس بفتح أبواب الملعب أمام الصحافيين الفرنسيين
وكل من رافقهم، وحضر عدة غرباء وتمكّنوا من الدخول إلى أرضية الملعب
والتحدث إلى أي شخص من الوفد.
وبالمقابل، جدّد حرّاس الملعب للصحافيين الجزائريين بأنهم ممنوعون من
الدخول، بل إن رئيس الاتحادية همس لأحد الصحافيين المغتربين بأنه منح عمدا
الأفضلية للإعلام الأجنبي لأنهم ببساطة ''أجانب''.
ما يحدث اليوم من صراع بين الاتحادية واللاّعبين، ومن صدام بين روراوة
والإعلاميين، يوحي أن الاستثمار ماليا وإعلاميا في التأهّل إلى المونديال
أريد له أن لاّ يكون وراءه إلاّ شخص واحد دون سواه، إنه شخص رئيس
الاتحادية نفسه.
وحتى لا ننسى، لأن نشوة الفرحة ببلوغ نهائيات كأس العالم لم تفقدنا
الذاكرة، فالرئيس السابق للاتحادية حميد حدّاج هو صاحب الفضل الكبير فيما
بلغه اليوم المنتخب الوطني من درجة رفيعة كرويا، فقد ورث حدّاج من محمّد
روراوة، وهذا لم ننساه أيضا، فضائح المدرسة البلجيكية في صورة المدرّبين
جورج ليكنس وروبير واسايج، وكسب حدّاج أصعب الرهانات بأدنى الإمكانات
المالية، في وقت بلغ خلاله ''الخضر'' درجة ''تحت الصفر'' في أول عهدة
لروراوة، وكانت سابقة أولى للكرة الجزائرية التي احتفظت بالصفعة الثلاثية
الغابونية كأحد أبرز الشواهد على النكسة، وورث روراوة اليوم ''الجمل بما
حمل''، وحجبت عنه أضواء الشهرة رؤية الإعلاميين والجماهير الرياضية
واللاّعبين والمدربين الجزائريين.