يطلق هذا الوصف على الأصول التالية:
1 - صحيح البخاري 2 - صحيح مسلم 3 - سنن النسائي
4 - سنن أبي داود 5 - سنن الترمذي 6 - سنن ابن ماجه.
1 - صحيح البخاري:
هذا الكتاب سماه مؤلفه "الجامع الصحيح" وخرجه من ستمائة ألف حديث، وتعب رحمه الله في تنقيحه، وتهذيبه، والتحري في صحته، حتى كان لا يضع فيه حديثاً إلا اغتسل وصلى ركعتين، يستخير الله في وضعه، ولم يضع فيه مسنداً إلا ما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط.
وأكمل تأليفه في ستة عشر عامًّا، ثم عرضه على الإمام أحمد ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة.
وقد تلقاه العلماء بالقَبول في كل عصر، قال الحافظ الذهبي: هو أجل كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله تعالى.
وعدد أحاديثه بالمكرر (7397) سبعة وتسعون وثلاثمائة وسبعة آلاف، وبحذف المكرر (2602) اثنان وستمائة وألفا حديث، كما حرر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله.
* البخاري:
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه[81] الجعفي - مولاهم - الفارسي الأصل.
ولد ببخارى في شوال سنة 194 هـ أربع وتسعين ومئة، ونشأ يتيماً في حجر والدته، وبدأ بالرحلة في طلب الحديث سنة عشر ومائتين، وتنقل في البلاد لطلب الحديث، وأقام في الحجاز ست سنين، ودخل الشام ومصر والجزيرة والبصرة والكوفة وبغداد، وكان رحمه الله غاية في الحفظ، ذكر عنه أنه كان ينظر في الكتاب فيحفظه من نظرة واحدة، وكان زاهداً ورعاً بعيداً عن السلاطين والأمراء، شجاعاً، سخيًّا، أثنى عليه العلماء في عصره وبعده، قال الإمام أحمد: ما أخرجت خراسان مثله، وقال ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أحفظ من محمد بن إسماعيل البخاري. وكان مجتهداً في الفقه، وله دقة عجيبة في استنباطه من الحديث. كما تشهد بذلك تراجمه في "صحيحه".
توفي رحمه الله في خَرْتَنْك[82] ؛ بلدة على فرسخين من سمرقند، ليلة عيد الفطر سنة 256 هـ ست وخمسين ومائتين عن اثنين وستين عاماً إلا ثلاثة عشر يوماً، وقد خلّف علماً كثيراً في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.
2 - صحيح مسلم:
هو الكتاب المشهور الذي ألّفه مسلم بن الحجاج رحمه الله، جمع فيه ما صح عنده عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال النووي: سلك فيه طرقاً بالغة في الاحتياط، والإتقان، والورع، والمعرفة، لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار. اهـ.
وكان يجمع الأحاديث المتناسبة في مكان واحد، ويذكر طرق الحديث وألفاظه مرتباً على الأبواب، لكنه لا يذكر التراجم إما: خوفاً من زيادة حجم الكتاب، أو لغير ذلك.
وقد وضع تراجمه جماعة من شراحه، ومن أحسنها تراجم النووي رحمه الله.
وعدد أحاديثه بالمكرر (7275) خمسة وسبعون ومائتان وسبعة آلاف حديث، وبحذف المكرر نحو (4000) أربعة آلاف حديث.
وقد اتفق جمهور العلماء أو جميعهم على أنه - من حيث الصحة - في المرتبة الثانية بعد صحيح البخاري، وقيل في المقارنة بينهما:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم
لدي وقالوا: أي ذين تقدم
فقلت: لقد فاق البخاري صحة
كما فاق في حسن الصناعة مسلم
* مسلم:
هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، ولد في نيسابور سنة 204 هـ أربع ومائتين، وتنقل في الأمصار لطلب الحديث؛ فرحل إلى الحجاز والشام والعراق ومصر، ولما قدم البخاري نيسابور لازمه ونظر في علمه، وحذا حذوه.
أثنى عليه كثير من العلماء من أهل الحديث وغيرهم.
توفي في نيسابور سنة 261 هـ إحدى وستين ومائتين، عن سبع وخمسين سنة.
وقد خلّف علماً كثيراً في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.
فائدتان :
الفائدة الأولى:
لم يستوعب "الصحيحان": صحيح البخاري، ومسلم جميع ما صح عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، بل في غيرهما أحاديث صحيحة لم يروياها، قال النووي: إنما قصد البخاري ومسلم جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنه يحصر جميع مسائله، لكن إذا كان الحديث الذي تركاه، أو تركه أحدهما مع صحة إسناده في الظاهر أصلاً في بابه، ولم يخرجا له نظيراً، ولا ما يقوم مقامه؛ فالظاهر من حالهما أنهما اطلعا فيه على علة إن كانا روياه، ويحتمل أنهما تركاه نسياناً، أو إيثاراً لترك الإطالة، أو رأيا أن غيره مما ذكراه يسد مسده، أو لغير ذلك. اهـ.
الفائدة الثانية:
اتفق العلماء على أن "صحيحي البخاري ومسلم" أصح الكتب المصنفة في الحديث فيما ذكراه متصلاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا يتفقان على حديث إلا يكون صحيحاً لا ريب فيه. وقال: جمهور متونهما، يعلم أهل الحديث علماً قطعيًّا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قالها. اهـ.
هذا وقد انتقد بعض الحفاظ على صاحبي "الصحيحين" أحاديث نزلت عن درجة ما الْتزماه، تبلغ مائتين وعشرة أحاديث، اشتركا في اثنين وثلاثين منها، وانفرد البخاري بثمانية وسبعين، وانفرد مسلم بمئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية[83] : جمهور ما أنكر على البخاري، مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على من نازعه، بخلاف مسلم فإنه نوزع في أحاديث خرجها، وكان الصواب مع من نازعه فيها، ومثّل لذلك بحديث: "خلق الله التربة يوم السبت"[84] ، وحديث "صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأربع"[85] .
وقد أجيب عما انتقد عليهما بجوابين مجمل ومفصل:
1 - أما المجمل: فقال ابن حجر العسقلاني في مقدمة "فتح الباري"[86] : لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، قال: فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضاً لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة. اهـ.
2 - وأما المفصل: فقد أجاب ابن حجر في المقدمة عمّا في "صحيح البخاري" جواباً مفصلاً عن كل حديث، وألّف الرشيد العطار كتاباً في الجواب عما انتقد على مسلم حديثاً حديثاً، وقال العراقي في "شرح ألفيته" في المصطلح: إنه قد أفرد كتاباً لما ضعف من أحاديث "الصحيحين" مع الجواب عنها، فمن أراد الزيادة في ذلك فليقف عليه، ففيه فوائد ومهمات. اهـ.
3 - سنن النسائي:
ألف النسائي رحمه الله كتابه "السنن الكبرى" وضمنه الصحيح، والمعلول، ثم اختصره في كتاب "السنن الصغرى"، وسماه "المجتبى"، جمع فيه الصحيح عنده، وهو المقصود بما ينسب إلى رواية النسائي من حديث.
و"المجتبى" أقل السنن حديثاً ضعيفاً، ورجلاً مجروحاً ودرجته بعد "الصحيحين"، فهو - من حيث الرجال - مقدم على "سنن أبي داود والترمذي"؛ لشدة تحري مؤلفه في الرجال، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب إخراج حديث جماعة في "الصحيحين". اهـ.
وبالجملة فشرط النسائي في "المجتبى" هو أقوى الشروط بعد "الصحيحين".
* النسائي:
هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، ويقال: النسوي؛ نسبة إلى نسأ بلدة مشهورة بخراسان.
ولد سنة 215، في نسأ، ثم ارتحل في طلب الحديث، وسمع من أهل الحجاز وخراسان والشام والجزيرة وغيرها، وأقام بمصر طويلاً، وانتشرت مصنفاته فيها، ثم ارتحل إلى دمشق، فحصلت له فيها محنة، وتوفي سنة 303، في الرملة في فلسطين عن ثمان وثمانين سنة.
وقد خلف مصنفات كثيرة في الحديث والعلل، فرحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.
4 - سنن أبي داود:
هو كتاب يبلغ 4800 أربعة آلاف وثمانمائة حديث، انتخبه مؤلفه من خمسمائة ألف حديث، واقتصر فيه على أحاديث الأحكام وقال: ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه. وما كان في كتابي هذا فيه وهن شديد بينته، وليس فيه عن رجل متروك الحديث شيء، وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، والأحاديث التي وضعتها في كتاب "السنن" أكثرها مشاهير. اهـ.
قال السيوطي: يحتمل أن يريد بصالح: الصالح للاعتبار دون الاحتجاج فيشمل الضعيف، لكن ذكر ابن كثير أنه يُروى عنه أنه قال: وما سكتَ عنه فهو حسن، فإن صح هذا فلا إشكال. اهـ. أي: فلا إشكال في أن المراد بصالح: صالح للاحتجاج، وقال ابن الصلاح: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في أحد "الصحيحين"، ولا نص على صحته أحد؛ عرفنا أنه من الحسن عند أبي داود. اهـ. وقال ابن منده: وكان أبو داود يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال. اهـ.
وقد اشتهر "سنن أبي داود" بين الفقهاء لأنه كان جامعاً لأحاديث الأحكام، وذكر مؤلفه أنه عرضه على الإمام أحمد بن حنبل فاستجاده واستحسنه، وأثنى عليه ابن القيم ثناءً بالغاً في مقدمة "تهذيبه".
* أبو داود:
هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستاني، ولد في سجستان سنة 202هــ، ورحل في طلب الحديث وكتب عن أهل العراق والشام ومصر وخراسان، وأخذ عن أحمد بن حنبل، وغيره من شيوخ البخاري ومسلم.
أثنى عليه العلماء ووصفوه بالحفظ التام والفهم الثاقب والورع.
توفي في البصرة سنة 275هــ عن ثلاث وسبعين سنة.
وقد خلف علماً كثيراً في مؤلفاته، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.
5 - سنن الترمذي:
هذا الكتاب اشتهر أيضاً باسم "جامع الترمذي"، ألفه الترمذي رحمه الله على أبواب الفقه، وأودع فيه الصحيح والحسن والضعيف، مبيناً درجة كل حديث في موضعه مع بيان وجه الضعف، واعتنى ببيان من أخذ به من أهل العلم من الصحابة وغيرهم، وجعل في آخره كتاباً في "العلل" جمع فيه فوائد هامة.
قال: وجميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض العلماء ما خلا حديثين: حديث ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر[87] . وحديث: "إذا شرب فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه"[88] . اهـ[89] .
وقد جاء في هذا الكتاب من الفوائد الفقهية والحديثية ما ليس في غيره، واستحسنه علماء الحجاز والعراق وخراسان حين عرضه مؤلفه عليهم.
هذا وقد قال ابن رجب: اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الصحيح والحسن والغريب. والغرائب التي خرجها فيها بعض المنكر، ولا سيما في كتاب الفضائل، ولكنه يبيِّن ذلك غالباً، ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب، متفق على اتهامه بإسناد منفرد، نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ، ومن غلب على حديثه الوهن، ويبيِّن ذلك
غالباً، ولا يسكت عنه اهـ.
* الترمذي:
هو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي، ولد في ترمذ مدينة بطرف جيحون، سنة 209هـ فطاف بالبلاد، وسمع من أهل الحجاز والعراق وخراسان.
اتفقوا على إمامته وجلالته حتى كان البخاري يعتمد عليه ويأخذ عنه مع أنه - أي البخاري - من شيوخه.
توفي في ترمذ سنة 279هـ عن سبعين عاماً، وقد صنف تصانيف نافعة في العلل وغيرها، رحمه الله، وجزاه الله عن المسلمين خيراً.
6 - سنن ابن ماجه:
كتاب جمعه مؤلفه مرتباً على الأبواب يبلغ نحو واحد وأربعين وثلاثمائة وأربعة آلاف حديث (4341)، والمشهور عند كثير من المتأخرين أنه السادس من كتب أصول الحديث (الأمهات الست)، إلا أنه أقل رتبة من "السنن": "سنن النسائي وأبي داود والترمذي"، حتى كان من المشهور أن ما انفرد به يكون ضعيفاً غالباً إلا أن الحافظ ابن حجر قال: ليس الأمر في ذلك على إطلاقه باستقرائي، وفي الجملة ففيه أحاديث كثيرة منكرة، والله المستعان. اهـ، وقال الذهبي: فيه مناكير وقليل من الموضوعات. اهـ، وقال السيوطي: إنه تفرد بإخراج الحديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الأحاديث، وبعض تلك الأحاديث، لا تعرف إلا من جهتهم.
وأكثر أحاديثه قد شاركه في إخراجها أصحاب الكتب الستة كلهم، أو بعضهم، وانفرد عنهم بتسعة وثلاثين وثلاثمائة وألف حديث (1339) كما حقق ذلك الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله.
* ابن ماجه:
هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله بن ماجه (بالهاء الساكنة ويقال بالتاء) الربعي مولاهم القزويني.
ولد في قزوين (من عراق العجم) سنة 209هـ، وارتحل في طلب الحديث إلى الري والبصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر والحجاز، وأخذ عن كثير من أهلها.
توفي سنة 273هـ عن أربع وستين سنة.
له عدد من التصانيف النافعة، رحمه الله، وجزاه عن المسلمين خيراً.