روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : لما أراد الله تعالى أن يخلق الماء خلق ياقوتة خضراء لا يعلم طولها و لا عرضها إلا الله سبحانه و تعالى ، ثم نظر إليه بعين الهيبة فذابت و صارت ماء ، فاضطرب الماء ، فخلق الريح و وضع عليها الماء ، ثم خلق العرش و وضعه على متن الماء و عليه قوله تعالى : }وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء {(1) . و اعلم أن بحر الظلمات لا يدخله شمس و لا قمر ، و أن بحر الهند خليج منه ، و بحر اللاذقية خليج منه ، و بحر الصين خليج منه ، و بحر الروم خليج منه ، و بحر فارس خليج منه ، و كل هذه البحار التي ذكرتها أصلها من البحر الأسود الذي يقال له بحر المحيط . و أما بحر الخرز ، و بحر خوارزم ، و بحر أرمينيا ، و البحر الذي عند مدينة النحاس و غير ذلك من البحار الصغار فهي منقطعة عن البحر الأسود، و لذلك ليس فيها جزر و لا مد . و قيل : سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن الجزر و المد فقال : « هو ملك عادل قائم بين البحرين إن وضع رجله في البحر حدث له مد ، و إن رفعها حصل له جزر » و قيل : إنما سني البحر الأسود ؛ لأن ماءه في رأي العين كالحبر الأسود فإن أخذ منه الإنسان من يده شيئًا رآه أبيض صافيًا إلا أنه أمر من الصبر ، مالح شديد الملوحة ، فإذا صار ذلك الماء في بحر الروم ، تراه أخضر كالزنجار(2) و الله تعالى يعلم لأي شيء في ذلك .
و كذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم ، و بحر أصفر كالذهب ، و خليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع ، و الماء نفسه أبيض صاف . و قيل إن تغير الماء بلون الأرض . و أما ما يخرج من البحر من السمك و غيره ، فقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ساحل البحر ، و أمر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقى عير قريش و زودنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا ثمرة ثمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء ، فتكفينا يومنا إلى الليل ، فأشرفنا على ساحل البحر ، فرأينا شيئًا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر ، فأقمنا شهرًا نأكل منها و نحن ثلاثمائة حتى سمنا ، و لقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي وقب(3) عينيها بالقلال ، و نقطع منه القطعة كالثور ، و لقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينها و أخذ ضلعًا من أضلاعها فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا فمرّ من تحتها و تزودنا من لحمها ، فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك . فقال : « هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم شيء من لحمها فتطعمونا ؟ » فأرسلنا له منه فأكله .
و قيل : يخرج من البحر سمكة عظيمة ، فتتبعها سمكة أخرى أعظم منها لتأكلها ، فتهرب منها إلى مجمع البحرين ، فتتبعها فيضيق عليها مجمع البحرين لعظمها و كبرها ، فترجع إلى البحر الأسود و عرض مجمع البحرين مائة فرسخ ، فتبارك الله رب العالمين .
و قال صاحب تحفة الألباب : ركبت في سفينة مع جماعة ، فدخلنا إلى مجمع البحرين فخرجت سمكة عظيمة مثل الجبل العظيم ، فصاحت صيحة عظيمة لم أسمع قط أهول منها و لا أقوى ، فكاد قلبي ينخلع و سقطت على وجهي أنا و غيري ثم ألقت السمكة نفسها في البحر ، فاضطرب البحر اضطرابًا شديدًا و عظمت أمواجه و خفنا الغرق فنجَّانا الله تعالى بفضله ، و سمعت الملاحين يقولون : هذه سمكة تعرف بالبغل . قال : و رأيت في البحر سمكة كالجبل العظيم ، و من رأسها إلى ذنبها عظام سود كأسنان المنشار كل عظم أطول من ذراعين ، و كان بيننا و بينها في البحر أكثر من فرسخ . فسمعت الملاحين يقولون : هذه السمكة تعرف بالمنشار إذا صادفت أسفل السفينة قصمتها(4) نصفين . و لقد سمعت أنا من يقول إن جماعة ركبوا سفينة في البحر ، فأرسوا على جزيرة ، فخرجوا إلى تلك الجزيرة فغسلوا ثيابهم و استراحوا ، ثم أوقدوا نارًا ليطبخوا ، فتحركت الجزيرة و طلبت البحر و إذا بها سمكة فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو و لا معبود سواه . و قيل : إن في البحر سمكة تعرف بالمنارة لطولها، يقال: إنها تخرج من البحر إلى جانب السفينة فتلقى نفسها عليها فتحطمها و تهلك من فيها ، فإذا أحسَّ بها أهل السفينة صاحوا ، و كبروا ، و ضجوا ، و ضربوا الطبول ، و نفروا الطسوت و السطول و الأخشاب ؛ لأنها إذا سمعت تلك الأصوات ربما صرفها الله تعالى عنهم بفضله و رحمته .
و قيل : إنَّ في بحر الروم سمكًا طويلاً طول السمكة مائة ذراع و أكثر ، و له أنياب كأنياب الفيل تؤخذ و تباع في بلاد الروم ، و تحمل إلى سائر البلاد و هي أحسن و أقوى من أنياب الفيل ، و إذا شق الناب منها يظهر فيه نقوش عجيبة ، و يسمونه الجوهر و يتخذون منه نصبًا(5) للسكاكين و هو مع قوّته و حسن لونه ثقيل الوزن كالرصاص . و في البحر أيضًا سمك يسمى الرعاد ، إذا دخل شبكة فكل من جرّ تلك الشبكة ، أو وضع يده عليها ، أو على حبل من حبالها ، تأخذه الرعدة(6) حتى لا يملك من نفسه شيئًا كما يرعد صاحب الحمَّى ، فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة ، فإن أعادها عادت إليه الرعدة . و هذا أيضًا من العجائب فسبحان الله جلت قدرته .
و في البحر دابة يقال لها الدرفين(7) تنجي الغريق ؛ لأنها تدنوا منه حتى يضع يده على ظهرها فيستعين بالاتكاء عليها ، و يتعلق بها فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته ، فسبحان من دبر هذا التدبير اللطيف ، و أحكم هذه الحكمة البالغة .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة هود : 7 .
(2) - الزنجار : نوع السمك .
(3) - الوقب : محجريهما .
(4) - قصمتها : شطرتها .
(5) - النصب : القبضة .
(6) - الرعدة : هي سمكة مكهربة .
(7) - الدرفين : هو الدولفين .
و كذلك يرى في بحر الهند خليج أحمر كالدم ، و بحر أصفر كالذهب ، و خليج أبيض كاللبن تتغير هذه الألوان في هذه المواضع ، و الماء نفسه أبيض صاف . و قيل إن تغير الماء بلون الأرض . و أما ما يخرج من البحر من السمك و غيره ، فقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ساحل البحر ، و أمر علينا أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نتلقى عير قريش و زودنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره ، فكان أبو عبيدة يعطينا ثمرة ثمرة نمصها ثم نشرب عليها الماء ، فتكفينا يومنا إلى الليل ، فأشرفنا على ساحل البحر ، فرأينا شيئًا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هو دابة من دواب البحر تدعى العنبر ، فأقمنا شهرًا نأكل منها و نحن ثلاثمائة حتى سمنا ، و لقد رأيتنا نغترف من الدهن الذي وقب(3) عينيها بالقلال ، و نقطع منه القطعة كالثور ، و لقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينها و أخذ ضلعًا من أضلاعها فأقامها ، ثم رحل أعظم بعير معنا فمرّ من تحتها و تزودنا من لحمها ، فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك . فقال : « هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم شيء من لحمها فتطعمونا ؟ » فأرسلنا له منه فأكله .
و قيل : يخرج من البحر سمكة عظيمة ، فتتبعها سمكة أخرى أعظم منها لتأكلها ، فتهرب منها إلى مجمع البحرين ، فتتبعها فيضيق عليها مجمع البحرين لعظمها و كبرها ، فترجع إلى البحر الأسود و عرض مجمع البحرين مائة فرسخ ، فتبارك الله رب العالمين .
و قال صاحب تحفة الألباب : ركبت في سفينة مع جماعة ، فدخلنا إلى مجمع البحرين فخرجت سمكة عظيمة مثل الجبل العظيم ، فصاحت صيحة عظيمة لم أسمع قط أهول منها و لا أقوى ، فكاد قلبي ينخلع و سقطت على وجهي أنا و غيري ثم ألقت السمكة نفسها في البحر ، فاضطرب البحر اضطرابًا شديدًا و عظمت أمواجه و خفنا الغرق فنجَّانا الله تعالى بفضله ، و سمعت الملاحين يقولون : هذه سمكة تعرف بالبغل . قال : و رأيت في البحر سمكة كالجبل العظيم ، و من رأسها إلى ذنبها عظام سود كأسنان المنشار كل عظم أطول من ذراعين ، و كان بيننا و بينها في البحر أكثر من فرسخ . فسمعت الملاحين يقولون : هذه السمكة تعرف بالمنشار إذا صادفت أسفل السفينة قصمتها(4) نصفين . و لقد سمعت أنا من يقول إن جماعة ركبوا سفينة في البحر ، فأرسوا على جزيرة ، فخرجوا إلى تلك الجزيرة فغسلوا ثيابهم و استراحوا ، ثم أوقدوا نارًا ليطبخوا ، فتحركت الجزيرة و طلبت البحر و إذا بها سمكة فسبحان القادر على كل شيء لا إله إلا هو و لا معبود سواه . و قيل : إن في البحر سمكة تعرف بالمنارة لطولها، يقال: إنها تخرج من البحر إلى جانب السفينة فتلقى نفسها عليها فتحطمها و تهلك من فيها ، فإذا أحسَّ بها أهل السفينة صاحوا ، و كبروا ، و ضجوا ، و ضربوا الطبول ، و نفروا الطسوت و السطول و الأخشاب ؛ لأنها إذا سمعت تلك الأصوات ربما صرفها الله تعالى عنهم بفضله و رحمته .
و قيل : إنَّ في بحر الروم سمكًا طويلاً طول السمكة مائة ذراع و أكثر ، و له أنياب كأنياب الفيل تؤخذ و تباع في بلاد الروم ، و تحمل إلى سائر البلاد و هي أحسن و أقوى من أنياب الفيل ، و إذا شق الناب منها يظهر فيه نقوش عجيبة ، و يسمونه الجوهر و يتخذون منه نصبًا(5) للسكاكين و هو مع قوّته و حسن لونه ثقيل الوزن كالرصاص . و في البحر أيضًا سمك يسمى الرعاد ، إذا دخل شبكة فكل من جرّ تلك الشبكة ، أو وضع يده عليها ، أو على حبل من حبالها ، تأخذه الرعدة(6) حتى لا يملك من نفسه شيئًا كما يرعد صاحب الحمَّى ، فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة ، فإن أعادها عادت إليه الرعدة . و هذا أيضًا من العجائب فسبحان الله جلت قدرته .
و في البحر دابة يقال لها الدرفين(7) تنجي الغريق ؛ لأنها تدنوا منه حتى يضع يده على ظهرها فيستعين بالاتكاء عليها ، و يتعلق بها فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته ، فسبحان من دبر هذا التدبير اللطيف ، و أحكم هذه الحكمة البالغة .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - سورة هود : 7 .
(2) - الزنجار : نوع السمك .
(3) - الوقب : محجريهما .
(4) - قصمتها : شطرتها .
(5) - النصب : القبضة .
(6) - الرعدة : هي سمكة مكهربة .
(7) - الدرفين : هو الدولفين .