بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* مجتمعنا والقيم البدوية:
إن الدور الطويل الذي قامت به البداوة في مجتمعنا منذ أقدم الأزمان لا يمكن أن يختفي دون أن يترك أثره في أخلاقنا وفي نظرتنا إلى الأمور.
لعلني لا أغالي إذا قلت إن مجتمعنا الراهن هو من أكثر المجتمعات في العالم تأثراً بالقيم البدوية في محاسنها ومساوئها ،، ولعل المساوئ البدوية أوضح أثراً فيه من المحاسن.
في الوقت الذي نرى فيه القبائل تشعر بالعزة المتطرفة تجاه من يريد انتهاك حرمتها وعصبيتها ،، نراها تتخذ إزاء (....) موقف الذل والمجاملة الزائدة ....
شهد المجتمع العربي نوعاً من صراع القيم إبان ظهور الإسلام فيه ،، فقد شجب الإسلام كثيراً من القيم البدوية كالعصبية والثأر والغزو والقتل بغير حق ،، وظل المجتمع العربي يعاني الصراع بين قيم الإسلام وقيم البداوة زمناً طويلاً...
وفي العصر الحديث ظهر في المجتمع العربي صراع في القيم من نوع آخر ،، فهناك القيم البدوية متغلغلة في أعماق النفوس من جهة ،، وهناك من الجهة الأخرى قيم مضادة جاءت بها الحضارة الجديدة.
نجد هناك من يتقمص أحياناً مظاهر الحضارة ولكنه مع ذلك لا يستطيع أن يتخلص من بعض بقايا القيم البدوية المتغلغلة في أغوار عقله الباطن.
فالموظف في دائرة حكومية مثلاً يدرك أن المواطنين كلهم في نظر النظام (القانون) سواء ،، بيد أنه لا يستطيع أن يساوي بينهم فعلاً عند مراجعتهم إياه في معاملة ،، إنه مضطر أن يفضل جيرانه وأبناء حيه وقبيلته على غيرهم ،، وهو يخشى أن يساوي بينهم فيتهمه الناس بأنه رجل (خكري) غير جدير بفخار آبائه.
إن العصبية في مجتمعنا تنشأ في الإنسان منذ طفولته الباكرة ،، فالطفل لا يكاد يفتح عينه للحياة حتى يرى نفسه عضواً في جماعة مكونة من أبناء جيرانه وقبيلته ،، وتدور معظم القيم في تلك الجماعة حول مفهوم ( الرجال والخكري) ،، ولابد للطفل أن يبدي شجاعته وقوته عند الخصام لكي يستحق لقب (رجال) وإلا فهو (خكري) لا نفع فيه.
وينشب الخصام في أكثر الأحيان بين أطفال الأحياء المتجاورة ،، وقد يحدث بينهم من الثارات والأحقاد في هذا السبيل ما يحدث بين الرجال الكبار قليلا أو كثيراً ،، ويلهج الأطفال في جلساتهم الزقاقية بذكرى المعارك التي خاضوها والانتصارات التي كسبوها ضد خصومهم.
وقد يشن الأطفال حملات على البقالات والبساتين ،، لينهبوا منها ويسرقوا ،، وقد يتلذذ الطفل بما ينهب من الحلوى أو الفاكهة أكثر مما يتلذذ بما هو موجود في بيته ،، فالمسألة ليست مسألى أكل فقط إنما هي فوق ذلك دليل على الشجاعة والقدرة على الغزو والاستحواذ.
ومن أفضع المعايب في الطفل (الرجال) أن يصاحب البنات أو يلعب معهن ،، فذلك أمر يشين (رجولته) ،، هناك مثل دارج بين الأطفال يرمز إلى حقارة الطفل الذي يلعب مع البنات هو (غزته شوكة ومات) ،، والطفل الذي تنسب إليه هذه التهمة قد يحلف بأغلظ الأيمان ليبرهن بها على أنه بريء منها كل البراءة (والله العظيم).
لا حاجة بنا إلى تبيان أثر هذه القيم في شخصية الطفل بعد أن يكبر ويبلغ مبلغ الرجال ،، إذ لا يستطيع أن يتخلص من أثر تلك القيم الكامنة في أعماق نفسه حتى وإن بلغ أعلى المناصب في الدولة.
تحياتي للجميع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* مجتمعنا والقيم البدوية:
إن الدور الطويل الذي قامت به البداوة في مجتمعنا منذ أقدم الأزمان لا يمكن أن يختفي دون أن يترك أثره في أخلاقنا وفي نظرتنا إلى الأمور.
لعلني لا أغالي إذا قلت إن مجتمعنا الراهن هو من أكثر المجتمعات في العالم تأثراً بالقيم البدوية في محاسنها ومساوئها ،، ولعل المساوئ البدوية أوضح أثراً فيه من المحاسن.
في الوقت الذي نرى فيه القبائل تشعر بالعزة المتطرفة تجاه من يريد انتهاك حرمتها وعصبيتها ،، نراها تتخذ إزاء (....) موقف الذل والمجاملة الزائدة ....
شهد المجتمع العربي نوعاً من صراع القيم إبان ظهور الإسلام فيه ،، فقد شجب الإسلام كثيراً من القيم البدوية كالعصبية والثأر والغزو والقتل بغير حق ،، وظل المجتمع العربي يعاني الصراع بين قيم الإسلام وقيم البداوة زمناً طويلاً...
وفي العصر الحديث ظهر في المجتمع العربي صراع في القيم من نوع آخر ،، فهناك القيم البدوية متغلغلة في أعماق النفوس من جهة ،، وهناك من الجهة الأخرى قيم مضادة جاءت بها الحضارة الجديدة.
نجد هناك من يتقمص أحياناً مظاهر الحضارة ولكنه مع ذلك لا يستطيع أن يتخلص من بعض بقايا القيم البدوية المتغلغلة في أغوار عقله الباطن.
فالموظف في دائرة حكومية مثلاً يدرك أن المواطنين كلهم في نظر النظام (القانون) سواء ،، بيد أنه لا يستطيع أن يساوي بينهم فعلاً عند مراجعتهم إياه في معاملة ،، إنه مضطر أن يفضل جيرانه وأبناء حيه وقبيلته على غيرهم ،، وهو يخشى أن يساوي بينهم فيتهمه الناس بأنه رجل (خكري) غير جدير بفخار آبائه.
إن العصبية في مجتمعنا تنشأ في الإنسان منذ طفولته الباكرة ،، فالطفل لا يكاد يفتح عينه للحياة حتى يرى نفسه عضواً في جماعة مكونة من أبناء جيرانه وقبيلته ،، وتدور معظم القيم في تلك الجماعة حول مفهوم ( الرجال والخكري) ،، ولابد للطفل أن يبدي شجاعته وقوته عند الخصام لكي يستحق لقب (رجال) وإلا فهو (خكري) لا نفع فيه.
وينشب الخصام في أكثر الأحيان بين أطفال الأحياء المتجاورة ،، وقد يحدث بينهم من الثارات والأحقاد في هذا السبيل ما يحدث بين الرجال الكبار قليلا أو كثيراً ،، ويلهج الأطفال في جلساتهم الزقاقية بذكرى المعارك التي خاضوها والانتصارات التي كسبوها ضد خصومهم.
وقد يشن الأطفال حملات على البقالات والبساتين ،، لينهبوا منها ويسرقوا ،، وقد يتلذذ الطفل بما ينهب من الحلوى أو الفاكهة أكثر مما يتلذذ بما هو موجود في بيته ،، فالمسألة ليست مسألى أكل فقط إنما هي فوق ذلك دليل على الشجاعة والقدرة على الغزو والاستحواذ.
ومن أفضع المعايب في الطفل (الرجال) أن يصاحب البنات أو يلعب معهن ،، فذلك أمر يشين (رجولته) ،، هناك مثل دارج بين الأطفال يرمز إلى حقارة الطفل الذي يلعب مع البنات هو (غزته شوكة ومات) ،، والطفل الذي تنسب إليه هذه التهمة قد يحلف بأغلظ الأيمان ليبرهن بها على أنه بريء منها كل البراءة (والله العظيم).
لا حاجة بنا إلى تبيان أثر هذه القيم في شخصية الطفل بعد أن يكبر ويبلغ مبلغ الرجال ،، إذ لا يستطيع أن يتخلص من أثر تلك القيم الكامنة في أعماق نفسه حتى وإن بلغ أعلى المناصب في الدولة.
تحياتي للجميع