كانت النصرانية في ربيعة وغسان وبعض قضاعة . وكانت اليهودية في نمير وبني كنانة ، وبني الحرث بن كعب ، وكندة . وكانت المجوسية في بني تميم منهم زرارة ابن عدي ، وابنه علي ، وكان تزوج ابنته ثم ندم ، ومنهم الأقرع بن حابس كان مجوسيًّا . وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الجزيرة . وكانت بنو حنيفة اتخذوا في الجاهلية صنمًا من حيْسٍ (1) فعبدوه دهرًا طويلاً ثم أدركتهم مجاعة فأكلوه . وقد قيل : إن أول مَنْ غير الحنيفية عمرو بن لحي أبو خزاعة ، وهو أنه رحل إلى الشام فرأى العماليق يعبدون الأصنام فأعجبه ذلك . فقال : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدونها ؟ قالوا : هذه أصنام نستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا . فقال : أعطوني منها صنمًا أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه . فأعطوه صنمًا يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه ، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه .
وقيل : إن أول ما كانت عبادة الأحجار في بني إسماعيل ، وسبب ذلك أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حتى ضاقت عليهم ، وتفرقوا في البلاد ؛ وما من أحد إلا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة ، وأفضى ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحسنوه من الحجارة ، ثم خلفت الخلوف ، ونسوا ما كانوا عليه من دين إسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلال .
وكانت قريش قد اتخذت صنمًا على بئر في جوف الكعبة ، يقال له : هبل . وأيضًا اتخذوا إسافًا ونائلة على موضع زمزم فينحرون عندها ويطعمون . وكان إساف ونائلة رجلاً وامرأة فوقع إساف على نائلة في الكعبة فمسخهما الله حجرين .
واتخذ أهل كل دار في دارهم صنمًا يعبدونه ، فإذا أراد الرجل سفرًا تمسح به حين يركب ، وكان ذلك آخر ما يصنع إذا توجه إلى سفره . وإذا قدم من سفره بدأ به قبل أن يدخل إلى أهله ، واتخذت العرب الأصنام وانهمكوا على عبادتها ، وكانت لقريش وبني كنانة : العزّى وكان حجابها بني شيبة وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان حجابها بني مغيث من ثقيف ، وكانت مناة للأوس والخزرج و من دان بدينهم . وأما يغوث ويعوق ونسر فقيل : إنهم كانوا أسماء أولاد آدم عليه السلام ، وكانوا أتقياء عبادًا ، فمات أحدهم فحزنوا عليه حزنًا شديدًا ، فجاءهم الشيطان وحسّن لهم أن يصوّروا صورته في قبلة مسجدهم ليذكروه إذا نظروا فكرهوا ذلك . فقال : اجعلوه في مؤخر المسجد ، ففعلوا وصوّروه من صفر(2) ورصاص ، ثم مات آخر ففعلوا ذلك إلى أن ماتوا كلهم فصوّروهم هناك وأقام من بعدهم على ذلك إلى أن تركوا الدين ، وحسّن لهم الشيطان عبادة شيء غير الله ، فقالوا له : مَنْ نعبد ؟ قال : آلهتكم المصوّرة في مصلاكم ، فعبدوها ، إلى أن بعث الله نوحًا عليه السلام فنهاهم عن عبادتهم ، فقالوا كما أخبر الله عنهم : } وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا{(3) الآية . ولما عمَّ الطوفانُ الأرضَ طمَّها وعلا عليها التراب زمانًا طويلاً فأخرجها الشيطان لمشركي العرب فعبدوها .
وذكر الواحدي في « الوسيط » أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام فسوّل الشيطان لقومهم بعد موتهم أن يصوّروا صورهم ليكون أنشط لهم وأشوق للعبادة كلما رأوهم ففعلوا ، ثم نشأ بعدهم قوم جهال بالأحوال فحسَّن لهم عبادتها ، وأن من سبقهم من قومهم عبدوها فسموها بأسمائهم .
وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل ، و سواع على صورة امرأة ، و يغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر ، والله تعالى اعلم أيّ ذلك كان .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الحيْس : خليط من تمر و دقيق و غيره .
(2) - صفر : نحاس .
(3) - سورة نوح : 23 .
وقيل : إن أول ما كانت عبادة الأحجار في بني إسماعيل ، وسبب ذلك أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن منهم ، حتى ضاقت عليهم ، وتفرقوا في البلاد ؛ وما من أحد إلا حمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم فحيثما نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة ، وأفضى ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحسنوه من الحجارة ، ثم خلفت الخلوف ، ونسوا ما كانوا عليه من دين إسماعيل فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلال .
وكانت قريش قد اتخذت صنمًا على بئر في جوف الكعبة ، يقال له : هبل . وأيضًا اتخذوا إسافًا ونائلة على موضع زمزم فينحرون عندها ويطعمون . وكان إساف ونائلة رجلاً وامرأة فوقع إساف على نائلة في الكعبة فمسخهما الله حجرين .
واتخذ أهل كل دار في دارهم صنمًا يعبدونه ، فإذا أراد الرجل سفرًا تمسح به حين يركب ، وكان ذلك آخر ما يصنع إذا توجه إلى سفره . وإذا قدم من سفره بدأ به قبل أن يدخل إلى أهله ، واتخذت العرب الأصنام وانهمكوا على عبادتها ، وكانت لقريش وبني كنانة : العزّى وكان حجابها بني شيبة وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان حجابها بني مغيث من ثقيف ، وكانت مناة للأوس والخزرج و من دان بدينهم . وأما يغوث ويعوق ونسر فقيل : إنهم كانوا أسماء أولاد آدم عليه السلام ، وكانوا أتقياء عبادًا ، فمات أحدهم فحزنوا عليه حزنًا شديدًا ، فجاءهم الشيطان وحسّن لهم أن يصوّروا صورته في قبلة مسجدهم ليذكروه إذا نظروا فكرهوا ذلك . فقال : اجعلوه في مؤخر المسجد ، ففعلوا وصوّروه من صفر(2) ورصاص ، ثم مات آخر ففعلوا ذلك إلى أن ماتوا كلهم فصوّروهم هناك وأقام من بعدهم على ذلك إلى أن تركوا الدين ، وحسّن لهم الشيطان عبادة شيء غير الله ، فقالوا له : مَنْ نعبد ؟ قال : آلهتكم المصوّرة في مصلاكم ، فعبدوها ، إلى أن بعث الله نوحًا عليه السلام فنهاهم عن عبادتهم ، فقالوا كما أخبر الله عنهم : } وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا{(3) الآية . ولما عمَّ الطوفانُ الأرضَ طمَّها وعلا عليها التراب زمانًا طويلاً فأخرجها الشيطان لمشركي العرب فعبدوها .
وذكر الواحدي في « الوسيط » أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح عليهما السلام فسوّل الشيطان لقومهم بعد موتهم أن يصوّروا صورهم ليكون أنشط لهم وأشوق للعبادة كلما رأوهم ففعلوا ، ثم نشأ بعدهم قوم جهال بالأحوال فحسَّن لهم عبادتها ، وأن من سبقهم من قومهم عبدوها فسموها بأسمائهم .
وقال الواقدي : كان ود على صورة رجل ، و سواع على صورة امرأة ، و يغوث على صورة أسد ، ويعوق على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر ، والله تعالى اعلم أيّ ذلك كان .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الحيْس : خليط من تمر و دقيق و غيره .
(2) - صفر : نحاس .
(3) - سورة نوح : 23 .