عادت ظاهرة الهجرة السرية مساء هذا الخميس، لتصنع الحدث السينمائي في
الجزائر من خلال الفيلم الجديد “حراقة” للمخرج المخضرم “مرزاق علواش” الذي
سعى من خلال عمل متفكك لتشريح ظاهرة أثارت ضجة مضاعفة خلال السنوات
الأخيرة.
وفي عرضه الافتتاحي الأول بالجزائر العاصمة، سرد فيلم “حراقة” (103 دقيقة)
وهو إنتاج جزائري- فرنسي مشترك، قصة كوكبة من الشباب القاطنين بمدينة
مستغانم، حيث يسعى ناصر ورشيد بدافع من اليأس والخيبة والفراغ إلى العبور
للشاطئ الآخر، وتبدي إيمان خطيبة رشيد الرغبة ذاتها، ويزداد إصرار الأصدقاء
الثلاثة بعد إقدام “عمر” شقيق إيمان على الانتحار.
وتحت ظلال سوداوية عمد المخرج إلى تكثيفها، اتفق الشبان الثلاثة رفقة عدد
من أترابهم على امتطاء زورق الموت، ويتصلون بالكهل “حسن” الذي يتولى بطريقة
احتيالية عملية تهريب الأشخاص، لكنّ شابا غامضا غريب الأطوار يظهر فجأة
ويقوم بقتل حسن على الفور، قبل أن يتفق مع ناصر ورفاقه على امتطاء الزورق
تحت تهديدات بالنيل منهم إن خرجوا عن طاعته.
وبدأت رحلة العذاب بجزع كبير من حرس الشواطئ، ويتخلل المغامرة عديد العقبات
التي تبلغ ذروتها مع الصراع الحاد الذي ينشب بين ذاك الشاب الذي يصرّح
أنّه شرطي هارب، ومجموعة المهاجرين التسعة الذين أظهرهم علواش كعاطلين
ناقمين أتوا من الصحاري والأرياف والمدن.
وفي خضم كم هائل من الوساوس والتشنجات، تنشب مناوشة شرسة يلقى على إثرها كل
من الشرطي والشاب حمزة المتديّن حتفهما غرقا، بينما يفضل ناصر تماما مثل
رشيد وإيمان النجاة من خلال الارتماء في عرض البحر والوصول إلى الساحل
الإسباني سباحة، لكنّ الشرطة الإسبانية تتلقفهم وتقوم بطرد إيمان بينما تزج
بناصر ورشيد في السجن، في حين يجد باقي الشباب أنفسهم محاصرين بعد انتحار
أحدهم وسط أمواج متلاطمة وأمل كاذب في معانقة فردوس مزيّف.
وانتهى الفيلم بوقفة عابرة أشارت إلى أربعة عشر ألف مهاجر سري من مختلف
الجنسيات عانوا الأمرّين بين سنتي 1988 و2009، بينهم أربعة آلاف شاب لقوا
مصرعهم، في نهاية صادمة تدعو لإيقاف النزيف.
اللافت، في هذا الفيلم أنّ صاحب “عمر قتلاتو” و”مغامرات بطل” وّباب الواد
سيتي” وغيرها، سقط في فخ الحشو والإطالة المسطّحة، فالعمل الذي استهلك
قرابة الساعتين كان يمكن اختصاره إلى ما دون ذلك بكثير، خصوصا مع غياب حوار
بالمعايير التقنية المتعارف عليها، وضعف الحبكة والأداء التمثيلي لمجموعة
من شبان المسرح الهاوي بمستغانم، وكذا معهد الفنون العرض ببرج الكيفان.
وبدا أنّ علواش الذي سبق له أن كشف رغبته في البداية لإنجاز فيلم تسجيلي،
كان عليه الاقتصار على ذاك النمط، طالما أنّ ما اقترحه مخرج “باب الواب”
و”بابور دزاير” كان هزيلا للغاية وحفلا بالاجترارات والاستطرادات التي كان
يمكن تلافيها، وغاب الوازع المنطقي للأفعال، فكيف يمكن أن نتصور أبا وأما
يتقبلان فكرة (حرقة) يقومان بتوديع ابنهما، وهو موقف شاذ زاد من هزال
الأفعال وطرح تساؤلات حول وحدة الفيلم، مثلما جرّده من رونقه الجمالي.