السفر قطعة من عذاب ..ولكنها عذاب جميل يمد به المسافر بأشياء
كثيرة من المتعة والدهشة وأشياء كثيرة.. تنظف روحه وتجددها وتشحن وعيه
بآمال وأحلام كثيرة تنتهي ولا تنتهي.
والسفر عبر الطائرات جميل لأنه يحملك إلى المقصد مباشرة،
ويوفر لك من العناء والوقت الكثير، ولكن السفر عبر البواخر أجمل منه بكثير،
وإن كان معامل الوقت بخلاف ما يقضيه المسافر عبر الطائرة، فهو يشكل أضعافا
مضاعفة.
والسفر في رفقة، أو مع أناس يجتمعون حول هدف واحد، أو يقصدون
مكانا واحدا، أو يسيرون لغاية واحدة أجمل من السفر أفرادا متفرقين، أو
جماعات متفرقة، وعلى ذلك كانت حاجة التفضيل للبواخر أبلغ من غيرها من وسائل
السفر، لما تتيحه الباخرة من سعة للمكان، وفسحة للحوار وهدوء متعة وشعورا
أبلغ من كل شعور…
هذا لمسناه في استطلاع للرأي، نشرته الإذاعة الجزائرية على
موقعها على شبكة الانترنت وتضمن السؤال عن الإجراءات التي يراها زوار موقع
الإذاعة كفيلة بتمكين المناصرين الجزائريين لحضور مونديال جنوب إفريقيا، مع
اختيار واحدة من ثلاث، إما [ضمان جسر جوي] أو[إقرار تخفيضات] أو[السفر عبر
البواخر]، وقد جاءت نتيجة بأن اختار [40 بالمائة] من المستبينين الذين بلغ
عددهم [780 مصوتا] الإجابة بتفضيل البواخر، في حين ذهب [31 بالمائة] إلى
ضمان جسر جوي، و[28 بالمائة] قالوا بإقرار تخفيضات.
ومما تؤشر عليه هذه النتيجة هو علاقة الجزائري بالسفر بحرا..
كيف ما كان هذا السفر، وأينما كانت وجهته، لأسباب كثيرة، منها سعر التذكرة
التي عادة ما يكون في المتناول، مقارنة بسعر تذكرة الطائرة، وربما في هذا
الباب يتشارك مفضلين السفر عبر البحر، بالمصوتين على إقرار تخفيضات.
ومن أسباب الكامنة أيضا وراء هذا الاختيار، قوة العلاقة بين
الجزائري والبواخر التي طالما شكلت جزء معتبر من وجدانه، ولكم شكلت من
ذاكرته جزء مهما تترجه أنفاسه وهو يحمل رحاله إلى دول كثرة يفصل بيننا
وبينها البحر، أو عائدا من هذه الدول، أو واقفا على شرفة زيغوت يوسف يبادل
باخرة طارق بن زياد الشهيرة أو بواخر وهي تتأرجح متقدمة نحو المرسى شيئا
من الحب، لما تحمله في عمقها الدافئ مما هو بصدد استقباله من أهله، أو
أصدقائه بعد غياب.
ومما توحي به النتيجة أيضا هو السفر كقيمة خالصة تؤسس لوجدان
الفرد الجزائري يهمه كثيرا أن يصيب بالحجر الواحد أكثر من عصفورين،
فبالإضافة إلى تسجيل حضوره في جنوب إفريقيا لمساندة المنتخب الوطني، والشد
على عضده في اللقاءات الكروية التي تنتظره، يوجد هناك ولعه الشديد بالسياحة
التي تحركها قوة باطنه المشحون باكتشاف البر وباكتشاف البحر وباكتشاف
المحيط، وبإقامة العلاقات الجيدة مع أبناء وطنه الذين يشاركوه المنشأ
والسلوك واللغة والطموح والأنفة والوطن.