لا تزال نجاحات النساء الجزائريات تبرز
إلى الواجهة، رغم ما جنته الحياة على من لا تتمكن مقامات التشبيه من حملهنّ
إلى مصاف المقارنة باللؤلؤ الذي هو أبلغ من أن تخفيه الليالي الحالكة
الظلماء، أو يمر عليه التقادم أو يحتويه، التقادم الذي يقف شاهدا على نساء
شققن طريقهن إلى الحياة في ثبات، وحققنا في مختلف محطاتها ما هو كفيل
ليبهر المتتبعين في مجتمع يتجه على التحرر من آثار الإقصاء.
ولأنّ إرادة الحياة أقوى من كل الإرادات،
فقد قوبلت الحدة بالحدة لتصنع استحقاقا الواحد تلو الآخر، نالت به المرأة
الجزائرية حق المساواة مع الرجل بل وجارته في معظم الميادين، فعبر مختلف
المناطق الجزائرية نلحظ نساء يحملن راية التحدي للمضي في تدرج وبصمت صوب
تحقيق الذات.
وأبرز ما يميز نجاحات نساءنا، انطلاقهن من
العدم بيقين تام وإرادة كبيرة لإثبات أنهن قادرات على الريادة وصنع الحدث
في مستويات عديدة، ولتدعيم هذه النظرة التي تبدو أحيانا نظرة خيالية لنساء
خرافيات، نستقي أمثلة بسيطة من جنوبنا الكبير الذي يلتحف برمال الصحراء
الصفراء، نساء عرفن كيف يحولن بأناملهن قساوة الطبيعة إلى إبداعات تكفل لهن
أساسيات الحياة الكريمة.
وفي عمق صحرائنا الكبرى، وعلى امتداد أقاليمها المعروفة بقساوتها حيث تقل
فيها الحياة ومصادرها، كما يصعب على الكثير من الناس التأقلم مع تلك الظروف
القاسية، إلا أنّ تلك المناطق أيضا تتميز بطقوس الكرم والضيافة المتجذرة
في المجتمع الصحراوي، هذا الأخير تحتل فيه المرأة مكانة رئيسية، لاسيما
فيما يتعلق بتوفير مكونات المسكن العائلي سواء كان خيمة أو بيتا عصريا،
بالإضافة إلى تجسيد مبادئ التربية وأدبيات التضامن مع الغير، وكذا مثالا
على طريقة التعامل مع الماشية ومختلف الحيوانات ومنها بشكل خاص الجمال.
وتشكل الصناعة التقليدية إرثا تاريخيا للمرأة الصحراوية، يجمع بين تشكيل
مكونات البيت الصحراوي وأساسياته بين فن وإبداع وتطوير، وترتكز الصناعة
التقليدية في منطقة ورقلة الصحراوية الواقعة جنوبي شرق الجزائر العاصمة،
على تحويل جلد الماعز والإبل والفضة والعاج الملوّن والطين المحلي إلى
منتوجات نفعية وتحف فنية.
وتعتمد صناعة الأدوات النفعية والتحف التقليدية بنسبة كبيرة على تربية
الماعز والإبل، حيث يتم استعمال الشعر والوبر في نسج الزرابي وخيم الرحالة،
بينما يجري استعمال جلود هذه المواشي في صناعة النعال وبعض الألبسة، مثلما
تستعمل كذلك لإنتاج المحافظ بغرض حماية الأغراض والوثائق النادرة
كالمخطوطات والعقود من التلف.
وتستخدم النساء الورقليات أوراق النخيل لصنع لوازم المطبخ بطريقة مدهشة
تجمع فيها بساطة المنتوج مع فعاليته وجماله.
وتبدع المرأة الورقلية في مصنوعاتها
اليدوية، لتخرج من نمطية الحاجة إلى إبداع محض يتجاوز حدود الصحاري ويتحول
إلى موروث عالمي تجمع فئات عديدة حالمة على أن تعيش ولو لحظات في تلك
الأجواء الصحراوية المفعمة بالألوان الدافئة.
وتسعى الورقليات اليوم إلى تحقيق انتشار
أوسع لحرفهنّ عن طريق تعليم ونقل معارفهن اليدوية إلى جيل اليوم من الفتيات
اللائي لا يبدين مانعا في الاندراج ضمن هذا الإرث الحرفي، محافظات في نفس
الوقت على ملامح نساء القرن الواحد والعشرين اللواتي يرتدن الجامعات
ويقتحمن السياسة ويعتلين أعلى قمم الإدارة.
وعرفت المرأة الورقلية كيف تتأقلم مع
قساوة الصحراء وتكيفت مع ما تستخلصه من الطبيعة مقتنصة في الوقت ذاته
المجال الواسع للحرية المعطى لها في المجتمع الصحراوي الجزائري، ليس فقط
لتساعده على البقاء، بل لتقوده أيضا نحو التميز في العطاء.