1ـ بنت النور
وُلدت فى بيت النور , فأبوها سيد خلق الله صلى الله عليه وسلم ، وأمها خديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين ، وقد جاء مولدها قبل النبوة بخمس سنين ، حيث كانت أصغر بنات النبى صلى الله عليه وسلم ، ففتحت عينيها على رسالة النبوة ، فأمها أول من آمن بأبيها نبيًا ورسولاً ، وكذلك أخوات فاطمة الطاهرات زينب ورقية وأم كلثوم .
وكانت ترافق أباها فى ذهابه وإيابه ، وذات مرة رأت من عقبة بن أبى معيط موقفًا لن يمحى من ذاكرة الطفلة البرئية فقد سمعت من يقول : من يقوم إلى هذا السَّلاَ ( دماء وقذورات ) فيلقيه على ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ؟
فقام عقبة ووضعه على ظهر النبى وهو ساجد وسط ضحكات وتهكم القوم .
وتسرع فاطمة بيديها الصغيرتين الطاهرتين لتلقى الأقذار بعيدًا عن جسد أبيها ، ثم أقبلت ببراءة الطفولة تسب هؤلاء العتاة .
أى مشاعر ترسخت فى نفس الفتاة الصغيرة ، وهى تواجه جهالة القوم الذين رفضوا النور ، الذى تحمله فى نفسها ، وتراه فى أمها ، وتشعر به فى أسرتها ، وهكذا تكون الفتاة الصالحة تدافع عن الحق , وتواجه الخطأ من المخطئين , فى جرأة وشجاعة , دون ضعف أو انكسار .
2ـ بنت تصنعها المحن :
لم تكن طفولة فاطمة فى رؤيتها الأذى الذى يتعرض له المسلمون ، بل هى وفى هذه السن المبكرة تعرضت للمحن تلو المحن ، التي كانت سببًا ربانيًا فى صناعة سيدة العالمين ، وأول هذه المحن كان الحصار الذى ضربه أعداء الإسلام لمقاطعة المسلمين , فلا بيع ولا شراء ولا كلام ولا مخالطة ، حيث كانت تسمع صرخات الأطفال وأنين الأمهات ، وكانت فاطمة من البنات اللاتى تدهورت صحتهن ، حتى أنها عانت من ذلك إلى أن ماتت وهى فى ريعان شبابها .
والمحنة الثانية بعد هذا الحصار هى موت أمها خديجة ، وهى فى أمس الحاجة إلى أم تشجعها وتدفع بها وتحفزها ، بالحب والرعاية والدفء ، نعم فقد تعلقت بوالدها ووجدت عنده العطف والرحمة والحنان ، ولكن شتان بين أم حنون لا شغل لها إلا بناتها ، وبين أب حنون مشغول بهم الدعوة وحمل الرسالة ، ولكن فى كل محنة منحة ، فقد كتب الله لفاطمة أن تتابع رحلة الحياة مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تشاركه أعباء الإسلام الوليد فى مكة ، فاكتسبت من الخبرات العملية والمعارف العلمية ، ما جعلها بحق أن نقول عنها : إنها البنت الصالحة التى صنعتها المحن ، إلى أن أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة ، ولم تبلغ بعد السادسة عشر من عمرها .
3ـ عروس الثمان عشرة عامًا
بعد سنتين من الهجرة إلى المدينة ، وعقب غزوة بدر الكبرى التى انتصر فيها المسلمون ، تقدم ابن عمها علىّ بن أبى طالب لخطبتها , وكان يكبرها بأربعة أعوام حيث أتم 22 عاماً من عمره ، بينما بلغت عروستنا الثمان عشرة عامًا .
يروى علىّ بن أبى طالب قصة زواجه قائلا : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قعدت بين يديه أُفحمت ، فو الله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك ألك حاجة ؟
يقول علىّ : فسكت
فقال صلى الله عليه وسلم : [ لعلك جئت تخطب فاطمة ؟ ]
فقلت : نعم
فقال : وهل عند من شيء تستحلها به ؟
فقلت : لا يا رسول الله
فقال : ما فعلت بالدرع التى سلحتكها ؟
فقلت : عندى فوالذى نفسى بيده ماثمنها أربعة دراهم
فقال صلى الله عليه وسلم : ( قد زوجتُكها فابعث إليها بها فاستحلها بها )
وأقبل صلى الله عليه وسلم على فاطمة قائلا لها : ( إن عليًا يذكرك ) ، فسكتت ، فزوجها .
وبهذا التيسير كانت فاطمة راضية بزوجها , وكان حفل الزواج فى قمة البساطة ، والنبى صلى الله عليه وسلم يدعو لهما : [ اللهم بارك فيهما وبارك لهما فى نسلهما ] ، وأقام حمزة عم فاطمة الموائد ، وفى فرحة تذهب فاطمة إلى بيت الزوجية الغالى ، فى قيمته وليس فى شكله ، فقد كانت فى قمة سعادتها التى انبعثت من داخلها ، وليس من المفروشات والأثاث أو البيت ، فكان بيتها يتكون من : وسادة حشوها من الليف وسقاء وجرتان ورحى للطحن ، ولم يكن البيت وسط المدينة ، أو بالقرب من أبيها ، وإنما كان على أطراف المدينة , بعيدًا عن بيوت النبى صلى الله عليه وسلم .
وهكذا عروس الثمان عشرة عامًا ، لم تشترط لزواجها ، وكانت راضية بالشاب علىّ , فهو فتى الإسلام الذى ضحى بنفسه ليلة الهجرة فداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا خير مؤهل ، وكانت راضية ببيت الزوجية المتواضع البعيد عن أبيها ، يكفيها رضا الله عنها ، وهل يتخلى الله عمن توجه إليه ؟.
كلا فالبنات الصالحات معهن الله تعالى , فما هى إلا فترة وجيزة ويأتى حارثة بن النعمان يعرض بيتًا قريباً لفاطمة , قائلا : ( إنما أنا ومالى لله ولرسوله ) ، ويقول له النبى صلى الله عليه وسلم : [ صدقت بارك الله عليك ] .
فما دامت البنت الصالحة مع ربها , فإن الله يسخر لها القلوب والأحوال والناس ، فلتطمئن الفتيات ، ويكفيهن الرضا بالحال ، فإذا بالله تعالى يجعل الحال أحسن الأحوال .
4ـ كونى فاطمة
فى مشاركتها :
كانت فى البيت تعمل في العجن والخبز والطحن حتى أثّر ذلك على يديها ، وعلى رضى الله عنه يأتى بالماء من البئر حتى اشتكى صدره ، فلما شق عليها ذلك طلب منها علىّ أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب خادمًا ، إلا أنها حينما وقفت بين يدى أبيها الذى سألها : ما جاء بكِ وما حاجتك أى بنية ؟ ، لم تستطع أن تتكلم أو تطلب شيئًا .
فشجعها علىّ وذهب معها فى تردد ، فقال لهما النبى صلى الله علهي وسلم : [ والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة ] ثم جاءها رسول الله صلى الله قائلا لهما : ألا أخبركما بخير مما سألتمانى ؟
قالا : بلى
قال : ( كلمات علمنيهن جبريل ، تسبحان الله فى دبر كل صلاة عشرًا ، وتحمدان عشرًا ، وتكبران عشرًا ، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثًا وثلاثين وتحمدان ثلاثًا وثلاثين وتكبران ثلاثًا وثلاثين ] البخارى .
وبهذا رسمت فاطمة للبنات الصالحات إيثار هذا الزاد الربانى الذى نفعها طيلة حياتهما ، فأيهما أفضل للفتاة شخصية ربانية , تبقى وتمتد أم تفوق مادي يزول ويختفى ؟!.
فى جهادها :
كانت لصيقة للنبى صلى الله عليه وسلم ، وهى صناعة يده ، فى كل الغزوات والمواقف ، فلم تتخلف عنه لحظة :
1ـ فى أُحد
عندما أصيب النبى صلى الله عليه وسلم فى وجهه وتدفق الدم الشريف ، اعتنقته ، وجعلت تمسح الدماء عن وجهه بالماء ، ( فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة من حصير أحرقتها , حتى إذا صارت رمادًا ألصقتها بالجرح ، فاستمسك الدم ) البخارى .
2ـ فى الفتح :
رفضت أن تجير أبا سيفيان بن حرب , عندما طلب منها أن تشفع له , عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك حينما قال لها : هل لكِ أن تجيرى بين الناس ؟
فردت عليه : إنما أنا امرأة وأبت عليه .
وعندما اغتسل النبى صلى الله عليه وسلم , يوم الفتح , كانت فاطمة بجواره تستره بثوبها .
3ـ فى خيبر :
قسم لها النبى صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقًا من قمح خيبر ، لقاء جهادها ومشاركتها فى الجهاد ، وهكذا في كل الظروف الصعبة كانت مع أبيها , الذى سئل : ( أى الناس أحب إليك ؟ قال : فاطمة ) متفق عليه .
فى عفوها :
حدث أن عليًا هم أن يخطب ابنة أبى جهل ، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ( يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علىُّ ناكح بنت أبى جهل ) .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
[ إن فاطمة بضعة منى وإنى أكره أن يسوءها , والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد ] البخارى .
فترك علىّ خطبة ابنة أبى جهل ، رعاية لفاطمة ، التى ما لبثت أن عفت عنه , حينما جاءها يطلب العفو ، وسارت سفينة الحياة الزوجية ، وعادت السعادة إلى جنبات البيت ، بالمسامحة والعفو , فالبنات الصالحات ينتصرن على أنفسهن ، ويسامحن من أجل أن تمضى الحياة , بلا منغصات أو كدرات .
فى بركتها :
ولم تكن هذه البركة إلا لطاعتها لربها ورضاها عنه تعالى ، فقد كان النبى إذا قدم من سفر يبدأ بالمسجد فيصلى ركعتين , ثم يأتى فاطمة , ثم يأتى أزواجه .
وكان من بركتها أن الله تعالى أكرمها بتكثير الطعام فى بيتها ، وعندما سألها النبى صلى الله عليه وسلم قالت : ( يا أبتِ هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
وهى التى دعا لها النبى صلى الله عليه وسلم ربه : ألا يجيع فاطمة ، تقول فاطمة : ( فما جعت أبدًا ) .
ويكفيها بركة شهادة النبى صلى الله عليه وسلم لها , فى قوله : [ يا بنية أما ترضيْن أنك سيدة نساء العالمين ] ؟ .
5ـ فاطمة واللحظات الأخيرة لأبيها صلى الله عليه وسلم
( واكرب أباه ) ، هذه العبارة التى نطقت بها فاطمة ، فى لحظات النبى صلى الله عليه وسلم الأخيرة ، فقال لها :
[ ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم ] .
وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى , قالت :
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
يا أبتاه أجاب ربًا دعاه
يا أبتاه جنة الفردوس مأواه
ثم قالت لأنس : يا أنس : كيف طابت أنفسكم , أن تحثوا التراب على رسول الله ؟! .
يقول ابن الايثر : فما رؤيت فاطمة ضاحكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقت بالله عز وجل .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أسّر لفاطمة بحديث عندما نزل قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } النصر : 1 ، فقال لها : إنه قد نعيت إليه نفسه ، فبكت ، فقال : [ لا تبكين فإنك أول أهلى لاحقًا بى ] فضحكت .
وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم اشتد عليها المرض ، فاستأذن أبو بكر فى زيارتها من علىّ ، فأذنت له ، وطلبت أن تغسلها زوجة أبى بكر .
وقد توفيت ليلة الثلاثاء , فى الثالث من رمضان سنة 11 هجرية ، وهى ابنة تسع وعشرين سنة ، وبعد ستة أشهر من وفاة أبيها الحبيب صلى الله عليه وسلم .
ووقف زوجها يقول :
وإن افتقادى فاطمًا بعد أحمد
دليل على أن لا يدومَ خليلُ
6ـ أفضل نساء أهل الجنة
هكذا أطلق عليها النبى صلى الله عليه وسلم ، الذى خطّ فى الأرض أربعة خطوط , ثم قال :
هل تدرون ما هذا ؟
فقالوا : الله ورسوله أعلم
فقال : ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ) رواه أحمد .
وطالما كان يقول لها : ( أما ترضيْن أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة ) البخارى .
بل كان ينشر هذه البشارة فكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( نزل مَلَكْ فبشرنى أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) .
7ـ تذكرى
1ـ الابنة الصالحة هى البارة بأسرتها وبأبيها فى كل المواقف والأحداث .
2ـ الابنة الصالحة هى الزوجة الصابرة القانتة العابدة الطائعة المشاركة لزوجها .
3ـ الابنة الصالحة هى المتصلة بربها الراضية بقضائه فيحميها وينزل عليها البركات .
4ـ الابنة الصالحة هى التى تتصف بالعفو والمسامحة ولا تنتصر لنفسها أو تنتقم أو تتشفى من غيرها .
5ـ الابنة الصالحة هى التى تواجه الصعاب وتتحمل الأزمات بصبر وقوة إرادة .
6ـ الابنة الصالحة هى التى لاتخشى فى الله وتجهر بالحق وتتصدى لعمل المفسدين .
همسة فاطمة
انتهزى يا حبيبتى كل لحظة من وقتك , ففى عمرى القصير فى الدنيا صنعت أحداثًا ومواقف , كابنة وزوجة وأم , وحزت لقب : ( سيدة نساء العالمين ) ، وبُشرت بلقب : ( أفضل نساء أهل الجنة ) .
وُلدت فى بيت النور , فأبوها سيد خلق الله صلى الله عليه وسلم ، وأمها خديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين ، وقد جاء مولدها قبل النبوة بخمس سنين ، حيث كانت أصغر بنات النبى صلى الله عليه وسلم ، ففتحت عينيها على رسالة النبوة ، فأمها أول من آمن بأبيها نبيًا ورسولاً ، وكذلك أخوات فاطمة الطاهرات زينب ورقية وأم كلثوم .
وكانت ترافق أباها فى ذهابه وإيابه ، وذات مرة رأت من عقبة بن أبى معيط موقفًا لن يمحى من ذاكرة الطفلة البرئية فقد سمعت من يقول : من يقوم إلى هذا السَّلاَ ( دماء وقذورات ) فيلقيه على ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ؟
فقام عقبة ووضعه على ظهر النبى وهو ساجد وسط ضحكات وتهكم القوم .
وتسرع فاطمة بيديها الصغيرتين الطاهرتين لتلقى الأقذار بعيدًا عن جسد أبيها ، ثم أقبلت ببراءة الطفولة تسب هؤلاء العتاة .
أى مشاعر ترسخت فى نفس الفتاة الصغيرة ، وهى تواجه جهالة القوم الذين رفضوا النور ، الذى تحمله فى نفسها ، وتراه فى أمها ، وتشعر به فى أسرتها ، وهكذا تكون الفتاة الصالحة تدافع عن الحق , وتواجه الخطأ من المخطئين , فى جرأة وشجاعة , دون ضعف أو انكسار .
2ـ بنت تصنعها المحن :
لم تكن طفولة فاطمة فى رؤيتها الأذى الذى يتعرض له المسلمون ، بل هى وفى هذه السن المبكرة تعرضت للمحن تلو المحن ، التي كانت سببًا ربانيًا فى صناعة سيدة العالمين ، وأول هذه المحن كان الحصار الذى ضربه أعداء الإسلام لمقاطعة المسلمين , فلا بيع ولا شراء ولا كلام ولا مخالطة ، حيث كانت تسمع صرخات الأطفال وأنين الأمهات ، وكانت فاطمة من البنات اللاتى تدهورت صحتهن ، حتى أنها عانت من ذلك إلى أن ماتت وهى فى ريعان شبابها .
والمحنة الثانية بعد هذا الحصار هى موت أمها خديجة ، وهى فى أمس الحاجة إلى أم تشجعها وتدفع بها وتحفزها ، بالحب والرعاية والدفء ، نعم فقد تعلقت بوالدها ووجدت عنده العطف والرحمة والحنان ، ولكن شتان بين أم حنون لا شغل لها إلا بناتها ، وبين أب حنون مشغول بهم الدعوة وحمل الرسالة ، ولكن فى كل محنة منحة ، فقد كتب الله لفاطمة أن تتابع رحلة الحياة مع أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن تشاركه أعباء الإسلام الوليد فى مكة ، فاكتسبت من الخبرات العملية والمعارف العلمية ، ما جعلها بحق أن نقول عنها : إنها البنت الصالحة التى صنعتها المحن ، إلى أن أذن الله بالهجرة إلى المدينة المنورة ، ولم تبلغ بعد السادسة عشر من عمرها .
3ـ عروس الثمان عشرة عامًا
بعد سنتين من الهجرة إلى المدينة ، وعقب غزوة بدر الكبرى التى انتصر فيها المسلمون ، تقدم ابن عمها علىّ بن أبى طالب لخطبتها , وكان يكبرها بأربعة أعوام حيث أتم 22 عاماً من عمره ، بينما بلغت عروستنا الثمان عشرة عامًا .
يروى علىّ بن أبى طالب قصة زواجه قائلا : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قعدت بين يديه أُفحمت ، فو الله ما استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك ألك حاجة ؟
يقول علىّ : فسكت
فقال صلى الله عليه وسلم : [ لعلك جئت تخطب فاطمة ؟ ]
فقلت : نعم
فقال : وهل عند من شيء تستحلها به ؟
فقلت : لا يا رسول الله
فقال : ما فعلت بالدرع التى سلحتكها ؟
فقلت : عندى فوالذى نفسى بيده ماثمنها أربعة دراهم
فقال صلى الله عليه وسلم : ( قد زوجتُكها فابعث إليها بها فاستحلها بها )
وأقبل صلى الله عليه وسلم على فاطمة قائلا لها : ( إن عليًا يذكرك ) ، فسكتت ، فزوجها .
وبهذا التيسير كانت فاطمة راضية بزوجها , وكان حفل الزواج فى قمة البساطة ، والنبى صلى الله عليه وسلم يدعو لهما : [ اللهم بارك فيهما وبارك لهما فى نسلهما ] ، وأقام حمزة عم فاطمة الموائد ، وفى فرحة تذهب فاطمة إلى بيت الزوجية الغالى ، فى قيمته وليس فى شكله ، فقد كانت فى قمة سعادتها التى انبعثت من داخلها ، وليس من المفروشات والأثاث أو البيت ، فكان بيتها يتكون من : وسادة حشوها من الليف وسقاء وجرتان ورحى للطحن ، ولم يكن البيت وسط المدينة ، أو بالقرب من أبيها ، وإنما كان على أطراف المدينة , بعيدًا عن بيوت النبى صلى الله عليه وسلم .
وهكذا عروس الثمان عشرة عامًا ، لم تشترط لزواجها ، وكانت راضية بالشاب علىّ , فهو فتى الإسلام الذى ضحى بنفسه ليلة الهجرة فداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا خير مؤهل ، وكانت راضية ببيت الزوجية المتواضع البعيد عن أبيها ، يكفيها رضا الله عنها ، وهل يتخلى الله عمن توجه إليه ؟.
كلا فالبنات الصالحات معهن الله تعالى , فما هى إلا فترة وجيزة ويأتى حارثة بن النعمان يعرض بيتًا قريباً لفاطمة , قائلا : ( إنما أنا ومالى لله ولرسوله ) ، ويقول له النبى صلى الله عليه وسلم : [ صدقت بارك الله عليك ] .
فما دامت البنت الصالحة مع ربها , فإن الله يسخر لها القلوب والأحوال والناس ، فلتطمئن الفتيات ، ويكفيهن الرضا بالحال ، فإذا بالله تعالى يجعل الحال أحسن الأحوال .
4ـ كونى فاطمة
فى مشاركتها :
كانت فى البيت تعمل في العجن والخبز والطحن حتى أثّر ذلك على يديها ، وعلى رضى الله عنه يأتى بالماء من البئر حتى اشتكى صدره ، فلما شق عليها ذلك طلب منها علىّ أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلب خادمًا ، إلا أنها حينما وقفت بين يدى أبيها الذى سألها : ما جاء بكِ وما حاجتك أى بنية ؟ ، لم تستطع أن تتكلم أو تطلب شيئًا .
فشجعها علىّ وذهب معها فى تردد ، فقال لهما النبى صلى الله علهي وسلم : [ والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة ] ثم جاءها رسول الله صلى الله قائلا لهما : ألا أخبركما بخير مما سألتمانى ؟
قالا : بلى
قال : ( كلمات علمنيهن جبريل ، تسبحان الله فى دبر كل صلاة عشرًا ، وتحمدان عشرًا ، وتكبران عشرًا ، وإذا أويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثًا وثلاثين وتحمدان ثلاثًا وثلاثين وتكبران ثلاثًا وثلاثين ] البخارى .
وبهذا رسمت فاطمة للبنات الصالحات إيثار هذا الزاد الربانى الذى نفعها طيلة حياتهما ، فأيهما أفضل للفتاة شخصية ربانية , تبقى وتمتد أم تفوق مادي يزول ويختفى ؟!.
فى جهادها :
كانت لصيقة للنبى صلى الله عليه وسلم ، وهى صناعة يده ، فى كل الغزوات والمواقف ، فلم تتخلف عنه لحظة :
1ـ فى أُحد
عندما أصيب النبى صلى الله عليه وسلم فى وجهه وتدفق الدم الشريف ، اعتنقته ، وجعلت تمسح الدماء عن وجهه بالماء ، ( فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة من حصير أحرقتها , حتى إذا صارت رمادًا ألصقتها بالجرح ، فاستمسك الدم ) البخارى .
2ـ فى الفتح :
رفضت أن تجير أبا سيفيان بن حرب , عندما طلب منها أن تشفع له , عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , وذلك حينما قال لها : هل لكِ أن تجيرى بين الناس ؟
فردت عليه : إنما أنا امرأة وأبت عليه .
وعندما اغتسل النبى صلى الله عليه وسلم , يوم الفتح , كانت فاطمة بجواره تستره بثوبها .
3ـ فى خيبر :
قسم لها النبى صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقًا من قمح خيبر ، لقاء جهادها ومشاركتها فى الجهاد ، وهكذا في كل الظروف الصعبة كانت مع أبيها , الذى سئل : ( أى الناس أحب إليك ؟ قال : فاطمة ) متفق عليه .
فى عفوها :
حدث أن عليًا هم أن يخطب ابنة أبى جهل ، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ( يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علىُّ ناكح بنت أبى جهل ) .
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
[ إن فاطمة بضعة منى وإنى أكره أن يسوءها , والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد ] البخارى .
فترك علىّ خطبة ابنة أبى جهل ، رعاية لفاطمة ، التى ما لبثت أن عفت عنه , حينما جاءها يطلب العفو ، وسارت سفينة الحياة الزوجية ، وعادت السعادة إلى جنبات البيت ، بالمسامحة والعفو , فالبنات الصالحات ينتصرن على أنفسهن ، ويسامحن من أجل أن تمضى الحياة , بلا منغصات أو كدرات .
فى بركتها :
ولم تكن هذه البركة إلا لطاعتها لربها ورضاها عنه تعالى ، فقد كان النبى إذا قدم من سفر يبدأ بالمسجد فيصلى ركعتين , ثم يأتى فاطمة , ثم يأتى أزواجه .
وكان من بركتها أن الله تعالى أكرمها بتكثير الطعام فى بيتها ، وعندما سألها النبى صلى الله عليه وسلم قالت : ( يا أبتِ هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ) .
وهى التى دعا لها النبى صلى الله عليه وسلم ربه : ألا يجيع فاطمة ، تقول فاطمة : ( فما جعت أبدًا ) .
ويكفيها بركة شهادة النبى صلى الله عليه وسلم لها , فى قوله : [ يا بنية أما ترضيْن أنك سيدة نساء العالمين ] ؟ .
5ـ فاطمة واللحظات الأخيرة لأبيها صلى الله عليه وسلم
( واكرب أباه ) ، هذه العبارة التى نطقت بها فاطمة ، فى لحظات النبى صلى الله عليه وسلم الأخيرة ، فقال لها :
[ ليس على أبيك كرب بعد هذا اليوم ] .
وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى , قالت :
يا أبتاه إلى جبريل ننعاه
يا أبتاه أجاب ربًا دعاه
يا أبتاه جنة الفردوس مأواه
ثم قالت لأنس : يا أنس : كيف طابت أنفسكم , أن تحثوا التراب على رسول الله ؟! .
يقول ابن الايثر : فما رؤيت فاطمة ضاحكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقت بالله عز وجل .
وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أسّر لفاطمة بحديث عندما نزل قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله والفتح } النصر : 1 ، فقال لها : إنه قد نعيت إليه نفسه ، فبكت ، فقال : [ لا تبكين فإنك أول أهلى لاحقًا بى ] فضحكت .
وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم اشتد عليها المرض ، فاستأذن أبو بكر فى زيارتها من علىّ ، فأذنت له ، وطلبت أن تغسلها زوجة أبى بكر .
وقد توفيت ليلة الثلاثاء , فى الثالث من رمضان سنة 11 هجرية ، وهى ابنة تسع وعشرين سنة ، وبعد ستة أشهر من وفاة أبيها الحبيب صلى الله عليه وسلم .
ووقف زوجها يقول :
وإن افتقادى فاطمًا بعد أحمد
دليل على أن لا يدومَ خليلُ
6ـ أفضل نساء أهل الجنة
هكذا أطلق عليها النبى صلى الله عليه وسلم ، الذى خطّ فى الأرض أربعة خطوط , ثم قال :
هل تدرون ما هذا ؟
فقالوا : الله ورسوله أعلم
فقال : ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ) رواه أحمد .
وطالما كان يقول لها : ( أما ترضيْن أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة ) البخارى .
بل كان ينشر هذه البشارة فكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( نزل مَلَكْ فبشرنى أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) .
7ـ تذكرى
1ـ الابنة الصالحة هى البارة بأسرتها وبأبيها فى كل المواقف والأحداث .
2ـ الابنة الصالحة هى الزوجة الصابرة القانتة العابدة الطائعة المشاركة لزوجها .
3ـ الابنة الصالحة هى المتصلة بربها الراضية بقضائه فيحميها وينزل عليها البركات .
4ـ الابنة الصالحة هى التى تتصف بالعفو والمسامحة ولا تنتصر لنفسها أو تنتقم أو تتشفى من غيرها .
5ـ الابنة الصالحة هى التى تواجه الصعاب وتتحمل الأزمات بصبر وقوة إرادة .
6ـ الابنة الصالحة هى التى لاتخشى فى الله وتجهر بالحق وتتصدى لعمل المفسدين .
همسة فاطمة
انتهزى يا حبيبتى كل لحظة من وقتك , ففى عمرى القصير فى الدنيا صنعت أحداثًا ومواقف , كابنة وزوجة وأم , وحزت لقب : ( سيدة نساء العالمين ) ، وبُشرت بلقب : ( أفضل نساء أهل الجنة ) .