ومرت السنوات السبع، والرسول r وصحابته الكرام في غيبة عن مكة المكرمة، وها هو الرسول r يعود في ألفين من الرجال، غير النساء والصبيان في مظاهرة إيمانية عظيمة، وتلبية تقطع صمت الصحراء، ويعلن لكل الخلق أن: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ.
حقًّا لا شريك لك، وحقًّا الحمد كله لله، وحقًّا الملك كله لله، والدليل هذه العمرة التي نتكلم عليها؛ فمنذ سبع سنوات خرج أهل مكة جميعًا يبحثون عن رسول الله r في كل بقعة ليقتلوه، والآن خرج أهل مكة جميعًا، ولكن خرجوا إلى جبال مكة وأوديتها؛ ليفسحوا الطريق لرسول الله r، ليدخل مكة معتمرًا وملبيًا ورافعًا رأسه ومحاطًا بكوكبة من المسلمين المسلحين بالسيوف في أعظم تشريفة رأتها مكة في كل تاريخها، اكتفى أهل مكة -سبحان الله- بالمراقبة له ولأصحابه r، وهم يؤدون شعائر العمرة على طريقة المسلمين. وهذا حدث من أعظم أحداث السيرة النبوية، وهذه العمرة تمهيدًا نفسيًّا رائعًا لما سيحدث بعد ذلك بعام عندما يدخل الرسول r مكة فاتحًا، ولعل قضية فتح مكة تكون صعبة جدًّا على التخيل عند كثير من الصحابة؛ لأن مكة من أعظم مدن الجزيرة، بل أعظم مدن العالم، وقريش هي أعز قبيلة في العرب، ومن الصعب على أحدٍ التخيل أن المسلمين يأخذون جيشًا ويقتحمون مكة، ويغزون قريشًا في عقر دارهم، فهذا أمر بعيد! ولكن بعد هذه العمرة أصبح الوضع مختلفًا، فقد رأى المسلمون أهل مكة يفسحون لهم الطريق دون مقاومة، ويتركون ديارهم ثلاثة أيام متواصلة، ويكتفون بالمراقبة والحسرة، وهم لا يستطيعون فعل أي شيء. ولا شك أن المسلمين قد لاحظوا الانبهار الذي كان عند القرشيين من رؤية قوة المسلمين، وكان الرسول r يعرف أن هناك أنواعًا كثيرة من الناس لا تنبهر إلا بالقوة، ولا يحترمون غيرهم إلا إذا وجدوه صُلبًا شديدًا عزيزًا، وصدق عثمان بن عفان t إذ يقول: "إن الله ليزعَ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن"[13].
لم يرتدع أهل مكة عند سماع الآيات القرآنية الكريمة الباهرة، مع تمام علمهم أن القرآن معجزة، وأنه فوق طاقات البشر، وأنهم لا يستطيعون الإتيان بسورة من مثله، ولو اجتمعوا لذلك، ولم يرتدعوا بهذا القرآن العظيم؛ ولكن على الناحية الأخرى وقفوا في ذهول أمام قوة المسلمين وعظمتهم.
حقًّا لا شريك لك، وحقًّا الحمد كله لله، وحقًّا الملك كله لله، والدليل هذه العمرة التي نتكلم عليها؛ فمنذ سبع سنوات خرج أهل مكة جميعًا يبحثون عن رسول الله r في كل بقعة ليقتلوه، والآن خرج أهل مكة جميعًا، ولكن خرجوا إلى جبال مكة وأوديتها؛ ليفسحوا الطريق لرسول الله r، ليدخل مكة معتمرًا وملبيًا ورافعًا رأسه ومحاطًا بكوكبة من المسلمين المسلحين بالسيوف في أعظم تشريفة رأتها مكة في كل تاريخها، اكتفى أهل مكة -سبحان الله- بالمراقبة له ولأصحابه r، وهم يؤدون شعائر العمرة على طريقة المسلمين. وهذا حدث من أعظم أحداث السيرة النبوية، وهذه العمرة تمهيدًا نفسيًّا رائعًا لما سيحدث بعد ذلك بعام عندما يدخل الرسول r مكة فاتحًا، ولعل قضية فتح مكة تكون صعبة جدًّا على التخيل عند كثير من الصحابة؛ لأن مكة من أعظم مدن الجزيرة، بل أعظم مدن العالم، وقريش هي أعز قبيلة في العرب، ومن الصعب على أحدٍ التخيل أن المسلمين يأخذون جيشًا ويقتحمون مكة، ويغزون قريشًا في عقر دارهم، فهذا أمر بعيد! ولكن بعد هذه العمرة أصبح الوضع مختلفًا، فقد رأى المسلمون أهل مكة يفسحون لهم الطريق دون مقاومة، ويتركون ديارهم ثلاثة أيام متواصلة، ويكتفون بالمراقبة والحسرة، وهم لا يستطيعون فعل أي شيء. ولا شك أن المسلمين قد لاحظوا الانبهار الذي كان عند القرشيين من رؤية قوة المسلمين، وكان الرسول r يعرف أن هناك أنواعًا كثيرة من الناس لا تنبهر إلا بالقوة، ولا يحترمون غيرهم إلا إذا وجدوه صُلبًا شديدًا عزيزًا، وصدق عثمان بن عفان t إذ يقول: "إن الله ليزعَ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن"[13].
لم يرتدع أهل مكة عند سماع الآيات القرآنية الكريمة الباهرة، مع تمام علمهم أن القرآن معجزة، وأنه فوق طاقات البشر، وأنهم لا يستطيعون الإتيان بسورة من مثله، ولو اجتمعوا لذلك، ولم يرتدعوا بهذا القرآن العظيم؛ ولكن على الناحية الأخرى وقفوا في ذهول أمام قوة المسلمين وعظمتهم.