كثير ما يتردد في اذهان الحاقدين على الاسلام واهله هذا
السؤال
مالحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لغرض التشكيك فيه
فنقول :
إن الحكمة العامة في
الزيادة على الواحدة في سن الكهولة ، القيام بأعباء الرسالة ، والاشتغال
بسياسة البشر ..، ومساعدة البالغين على السياسة الرشيدة .
فأما السيدة خديجة وهي الزوجة الأولى ، فالحكمة في اختيارها وراء سُنة
الفطرة معروفة وليست من موضوع السؤال .
وقد عَقَدَ بعد وفاتها على سودة بنت زَمْعَة وكان توفي زوجها بعد الرجوع من
هجرة الحبشة الثانية ، والحكمة في اختيارها أنها كانت من المؤمنات
الهاجرات لأهليهن خوفَ الفتنة ، ولو عادت إلى أهلها بعد وفاة زوجها - وكان
ابن عمها - لعذبوها وفتنوها فكفلها عليه الصلاة والسلام وكافأها بهذه المنة
العظمى
ثم بعد شهر عقد على عائشة بنت الصديق والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج
بحفصة بنت عمر بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة ببدر وهي إكرام صاحبيه ووزيريه
أبي بكر الصديق وعمر - رضي الله عنهما - وإقرار عينهما بهذا الشرف العظيم .
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة وهي إبطال تلك البدع
الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده
وغير ذلك .
ويقرب من هذه الحكمة الحكمة في التزوج بجويرية وهي برة بنت الحارث سيد قومه
بني المصطلق فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري
فأراد عليه الصلاة والسلام أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى فتزوج بسيدتهم
فقال الصحابة عليهم الرضوان أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا
ينبغي أسرهم وأعتقوهم فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون وصاروا عونًا للمسلمين
بعد أن كانوا محاربين لهم وعونًا عليهم وكان لذلك أثر حسن في سائر العرب .
وقَبْل ذلك تزوّج عليه السلام بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبد الله بن
جحش بأُحُد وحكمته في ذلك أن هذه المرأة كانت مِن فُضليات النساء في
الجاهلية حتى كانوا يدعونها أم المساكين لبرها بهم وعنايتها بشأنهم فكافأها
عليه التحية والسلام على فضائلها بعد مصابها بزوجها بذلك فلم يدعها أرملة
تقاسي الذلّ الذي كانت تُجير منه الناس وقد ماتت في حياته .
وتزوج بعدها أم سلمة واسمها هند وكانت هي وزوجها - عبد الله أبو سلمة بن
أسد ابن عمة الرسول برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرَّضاعة - أول من هاجر
إلى الحبشة وكانت تحب زوجها وتجله حتى إن أبا بكر وعمر خطباها بعد وفاته
فلم تَقْبل , ولمَّا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( سلي الله أن يؤجرك
في مصيبتك ويخلفك خيرًا ) . قالت : ومَنْ يَكُنْ خيرًا من أبي سلمة ؛ فمن
هنا يعلم السائل وغيره مقدار مصاب هذه المرأة الفاضلة بزوجها ، وقد رأى
عليه الصلاة السلام أنه لا عزاء لها عنه إلا به فخطبها فاعتذرت بأنها
مُسِنّة وأُمّ أيتام فأحسن عليه السلام الجواب - وما كان إلا محسنًا -
وتزوج بها ، وظاهرٌ أنّ ذلك الزواج ليس لأجل التمتع المباح له وإنما كان
لفضلها الذي يعرفه المتأمل بجودة رأيها يوم الحديبية ولتعزيتها كما تقدم .
وأما زواجه بأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب فلعلّ حكمتُه لا تخفى على
إنسان عرف سيرتها الشخصية وعرف عداوة قومها في الجاهلية والإسلام لبني
هاشم ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تأليف قلوبهم ،
كانت رملة عند عبيد الله بن جحش ، وهاجرت معه إلى الحبشة الهجرة الثانية
فتنصّر هناك وثبتت هي على الإسلام فانظر إلى إسلام امرأة يكافح أبوها بقومه
النبيَّ ويتنصر زوجها وهي معه في هجرة معروف سببها ، أمن الحكمة أن تضيع
هذه المؤمنة الموقنة بين فتنتين ؟ أم من الحكمة أن يكفلها من تصلح له وهو
أصلح لها ؟ .
كذلك تظهر الحكمة في زواج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير وقد قتل
أبوها مع بني قريظة وقتل زوجها يوم خيبر ، وكان أخذها دحية الكلبي من سيد
خيبر فقال الصحابة : ( يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح
إلا لك ) ، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بأن تكون أسيرة عند من
تراه دونها فاصطفاها وأعتقها وتزوّج بها ووصل سببه ببني إسرائيل وهو الذي
كان يُنْزِلُ النَّاس منازلَهم .
وآخر أزواجه ميمونة بنت الحارث الهلالية ( وكان اسمها برة فسماها ميمونة )
والذي زوجها منه هو عمّه العباس - رضي الله عنه - وكانت جعلت أمرها إليه
بعد وفاة زوجها الثاني أبي رَهم بن عبد العزّى وهي خالة عبد الله ابن عباس
وخالد بن الوليد فلا أدري هل كانت الحكمة في تزوجه بها تشعب قرابتها في بني
هاشم وبني مخزوم أم غير ذلك .
وجملة الحكمة في الجواب أنه صلى الله عليه وسلم راعى المصلحة في اختيار كل
زوج من أزواجه - عليهن الرضوان - في التشريع والتأديب فجذب إليه كبار
القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء دون الرجال ، ولو ترك واحدة
فقط لما كانت تغني في الأمة غناء التسع ، ولو كان عليه السلام أراد بتعدد
الزوجات ما يريده الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط ؛ لاختار حسان
الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات كما قال لمن استشاره في التزوج بأرملة
: ( هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك ) هذا ما ظهر لنا في حكمة التعدد ، وإن
أسرار سيرته صلى الله عليه وسلم أعلى من أن تحيط بها كلها أفكار مثلنا
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي
السؤال
مالحكمة من تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ؟ لغرض التشكيك فيه
فنقول :
إن الحكمة العامة في
الزيادة على الواحدة في سن الكهولة ، القيام بأعباء الرسالة ، والاشتغال
بسياسة البشر ..، ومساعدة البالغين على السياسة الرشيدة .
فأما السيدة خديجة وهي الزوجة الأولى ، فالحكمة في اختيارها وراء سُنة
الفطرة معروفة وليست من موضوع السؤال .
وقد عَقَدَ بعد وفاتها على سودة بنت زَمْعَة وكان توفي زوجها بعد الرجوع من
هجرة الحبشة الثانية ، والحكمة في اختيارها أنها كانت من المؤمنات
الهاجرات لأهليهن خوفَ الفتنة ، ولو عادت إلى أهلها بعد وفاة زوجها - وكان
ابن عمها - لعذبوها وفتنوها فكفلها عليه الصلاة والسلام وكافأها بهذه المنة
العظمى
ثم بعد شهر عقد على عائشة بنت الصديق والحكمة في ذلك كالحكمة في التزوج
بحفصة بنت عمر بعد وفاة زوجها خنيس بن حذافة ببدر وهي إكرام صاحبيه ووزيريه
أبي بكر الصديق وعمر - رضي الله عنهما - وإقرار عينهما بهذا الشرف العظيم .
وأما التزوج بزينب بنت جحش فالحكمة فيه تعلو كل حكمة وهي إبطال تلك البدع
الجاهلية التي كانت لاحقة ببدعة التبني كتحريم التزوج بزوجة المتبنى بعده
وغير ذلك .
ويقرب من هذه الحكمة الحكمة في التزوج بجويرية وهي برة بنت الحارث سيد قومه
بني المصطلق فقد كان المسلمون أسروا من قومها مئتي بيت بالنساء والذراري
فأراد عليه الصلاة والسلام أن يعتق المسلمون هؤلاء الأسرى فتزوج بسيدتهم
فقال الصحابة عليهم الرضوان أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا
ينبغي أسرهم وأعتقوهم فأسلم بنو المصطلق لذلك أجمعون وصاروا عونًا للمسلمين
بعد أن كانوا محاربين لهم وعونًا عليهم وكان لذلك أثر حسن في سائر العرب .
وقَبْل ذلك تزوّج عليه السلام بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبد الله بن
جحش بأُحُد وحكمته في ذلك أن هذه المرأة كانت مِن فُضليات النساء في
الجاهلية حتى كانوا يدعونها أم المساكين لبرها بهم وعنايتها بشأنهم فكافأها
عليه التحية والسلام على فضائلها بعد مصابها بزوجها بذلك فلم يدعها أرملة
تقاسي الذلّ الذي كانت تُجير منه الناس وقد ماتت في حياته .
وتزوج بعدها أم سلمة واسمها هند وكانت هي وزوجها - عبد الله أبو سلمة بن
أسد ابن عمة الرسول برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرَّضاعة - أول من هاجر
إلى الحبشة وكانت تحب زوجها وتجله حتى إن أبا بكر وعمر خطباها بعد وفاته
فلم تَقْبل , ولمَّا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ( سلي الله أن يؤجرك
في مصيبتك ويخلفك خيرًا ) . قالت : ومَنْ يَكُنْ خيرًا من أبي سلمة ؛ فمن
هنا يعلم السائل وغيره مقدار مصاب هذه المرأة الفاضلة بزوجها ، وقد رأى
عليه الصلاة السلام أنه لا عزاء لها عنه إلا به فخطبها فاعتذرت بأنها
مُسِنّة وأُمّ أيتام فأحسن عليه السلام الجواب - وما كان إلا محسنًا -
وتزوج بها ، وظاهرٌ أنّ ذلك الزواج ليس لأجل التمتع المباح له وإنما كان
لفضلها الذي يعرفه المتأمل بجودة رأيها يوم الحديبية ولتعزيتها كما تقدم .
وأما زواجه بأمّ حبيبة رملة بنت أبي سفيان بن حرب فلعلّ حكمتُه لا تخفى على
إنسان عرف سيرتها الشخصية وعرف عداوة قومها في الجاهلية والإسلام لبني
هاشم ورغبة النبي صلى الله عليه وسلم في تأليف قلوبهم ،
كانت رملة عند عبيد الله بن جحش ، وهاجرت معه إلى الحبشة الهجرة الثانية
فتنصّر هناك وثبتت هي على الإسلام فانظر إلى إسلام امرأة يكافح أبوها بقومه
النبيَّ ويتنصر زوجها وهي معه في هجرة معروف سببها ، أمن الحكمة أن تضيع
هذه المؤمنة الموقنة بين فتنتين ؟ أم من الحكمة أن يكفلها من تصلح له وهو
أصلح لها ؟ .
كذلك تظهر الحكمة في زواج صفية بنت حيي بن أخطب سيد بني النضير وقد قتل
أبوها مع بني قريظة وقتل زوجها يوم خيبر ، وكان أخذها دحية الكلبي من سيد
خيبر فقال الصحابة : ( يا رسول الله إنها سيدة بني قريظة والنضير لا تصلح
إلا لك ) ، فاستحسن رأيهم وأبى أن تذل هذه السيدة بأن تكون أسيرة عند من
تراه دونها فاصطفاها وأعتقها وتزوّج بها ووصل سببه ببني إسرائيل وهو الذي
كان يُنْزِلُ النَّاس منازلَهم .
وآخر أزواجه ميمونة بنت الحارث الهلالية ( وكان اسمها برة فسماها ميمونة )
والذي زوجها منه هو عمّه العباس - رضي الله عنه - وكانت جعلت أمرها إليه
بعد وفاة زوجها الثاني أبي رَهم بن عبد العزّى وهي خالة عبد الله ابن عباس
وخالد بن الوليد فلا أدري هل كانت الحكمة في تزوجه بها تشعب قرابتها في بني
هاشم وبني مخزوم أم غير ذلك .
وجملة الحكمة في الجواب أنه صلى الله عليه وسلم راعى المصلحة في اختيار كل
زوج من أزواجه - عليهن الرضوان - في التشريع والتأديب فجذب إليه كبار
القبائل بمصاهرتهم وعلم أتباعه احترام النساء دون الرجال ، ولو ترك واحدة
فقط لما كانت تغني في الأمة غناء التسع ، ولو كان عليه السلام أراد بتعدد
الزوجات ما يريده الملوك والأمراء من التمتع بالحلال فقط ؛ لاختار حسان
الأبكار على أولئك الثيبات المكتهلات كما قال لمن استشاره في التزوج بأرملة
: ( هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك ) هذا ما ظهر لنا في حكمة التعدد ، وإن
أسرار سيرته صلى الله عليه وسلم أعلى من أن تحيط بها كلها أفكار مثلنا
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي