الشرح للشيخ ابن جبرين رحمه الله
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب : الإيمان - باب حلاوة الإيمان . حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث من كن فيهوجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" .
الحلاوة هي اللذة التي يجدها الإنسان في فمه إذا طعم شيئا له طعم حال. وضدها المرارة. فالمذوقات التي توضع في الفم ، منها ما هو حلو، ومنها ما هو مر ، مثل : التمر، والعسل، والعنب، وغير ذلك من الفواكه والمأكولات اللذيذة التي يحس بطعمها في فمه. وهناك مأكولات أو مطعومات مرة المذاق .
و الإيمان له حلاوة ، يعني له لذة . و اختلف العلماء هل حلاوة الإيمان حسية أو معنوية؟
أكثرهم قالوا : إنها معنوية ؛ لأن الحلاوة ما يوجد طعمه في الفم ، والأعمال هذه لا يوجد لها طعم في الفم فتكون حلاوة معنوية. وقال آخرون : إنها حسية ، وإن للأعمال الصالحة حلاوة قد تكون أشد من حلاوة الأطعمة الحالية اللذيذة . وذكروا أدلة على ذلك ، وهو أن كثيرا من السلف يستحلون العبادات ، ويستلذون بها ويجدون لها أثرا في قلوبهم ، وفي أجسادهم ، فيقول بعضهم : إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا. أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب. يجد للطاعة حلاوة ولذة ؛ حتى يقول : إذا كان هذا مثل نعيم الجنة إنه لنعيم طيب ؛ مع أن هذا في الدنيا. وأن من أسباب حلاوة الإيمان حصول هذه الثلاث :
الأولى أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما يعني : أن يقدم محبة الله ومحبة رسوله على محبة نفسه وولده وإخوته وأهله وذويه وماله وأقاربه وأسرته والناس كلهم ؛ وذلك لأنه يعرف بأن الله تعالى هو ربه ، وهو مالكه ، وهو المتصرف فيه ؛ فيحبه من كل قلبه. ويعرف أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى الأمة ، وهو الذي أنقذهم الله به من الضلالة ومن الكفر ومن العصيان ، فيحبه أيضا من كل قلبه فيكون بذلك مقدما لمحبة الله ومحبة رسوله على محبة كل شيء. وإذا أحب الله تعالى أحب عبادته ؛ أحب الصلاة والصوم والصدقة ، وأحب الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، وأحب جميع الطاعات ، وتلذذ بها ، وواظب عليها، وأكثر منها ، وكذلك أيضا أحب كل من يحبهم الله. هذه علامة محبة الله. ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامتها : أن يتبعه ، ويطيعه ، ويعمل بكل ما أمره به. فيؤمن بأنه رسول الله حقا ، وكذلك يطيعه في كل ما وجه إليه ، وكذلك يقتدي به ويتخذه أسوة ؛ لقول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وكذلك إذا أحب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكره معصيته والخروج عن سنته. هذا هو حقيقة محبة الله ورسوله.
و الخصلة الثانية أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، و محبة الإنسان للخلق تتفاوت ، هناك المحبة الطبيعية: محبة الإنسان لأولاد ، ومحبته لأبويه هذه محبة طبيعية لا يلام عليها ؛ ولأجل ذلك فإنه يسعى في طلب الرزق والمعيشة ، ويبذلها رخيصة لأولاده ولأحفاده ولأبويه ولأقاربه ولمن يحبه. فهذه محبة طبيعية. وهناك محبة لمنفعة: بأن تحب هذا ؛ لأنه نفعك نفعا دينيا ، أو نفعا دنيويا ، فتحبه ، ويميل قلبك إليه ؛ لحسن عمله ؛ ولحسن خلقه. وهذا كله لا ينافي محبة الإيمان. و هناك المحبة الدينية: وهي أن تحب الإنسان لصلاحه ولتقاه ولعبادته واستقامته ولالتزامه بأمر الله تعالى ؛ مع أنه ما نفعك في دنياك ، ولا شفع لك ، ولا أهدى إليك ، ولا أعطاك ، ولا تسبب في عمل لك ، ولا غير ذلك ؛ ولكن رأيته رجلا صالحا ، ورأيته يتعبد ، ورأيته يواظب على الصلوات ، ورأيته يتبع الحق ويبتعد عن الباطل ، ويبعد عن الآثام والمحرمات ، فأحببته من كل قلبك. فكانت هذه محبة دينية.
جاء في الحديث حديث السبعة سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ثم قال : ورجلان تحابا في الله –أي اجتمعا على ذلك ، وتفرقا على ذلك يعني : كل منهما أحب أخاه لله تعالى لا لعرض من الدنيا. فهذه المحبة الدينية هي التي يجد بها حلاوة الإيمان ؛ وذلك لأنه إذا أحب من يحبهم الله تعالى فإنه يقتدي بهم ؛ إذا رأيته يتهجد فإنك تحبه وتقتدي به ، وإذا رأيته يرتل القرآن فإنك تحبه وتقتدي به ، وإذا رأيته يتصدق ، وإذا رأيته يصوم ، وإذا رأيته يدعو إلى الله وإذا رأيته ينصح ، وإذا رأيته يأمر أو ينهى أو يرشد ، وإذا رأيته يبر والديه ويصل رحمه ، ونحو ذلك ؛ فإنك تحبه ، ثم تقتدي به في هذه الأعمال. وأما المحبة العاجلة الدنيوية ؛ فإنها ليست مستقرة، نعرف وتعرفون اثنين كانا متصادقين ، ثم بعد ذلك تهاجرا وتقاطعا ، تسأل : يا فلان ؛ قد كنت صديقا لفلان ثم إنك أخذت تسبه فلا يذكر سببا ؛ إلا أمرا دنيويا ، فيقول –مثلا إنه خانني ، إنه ما شفع لي ، إنه ما نفعني ، إنه أخذ مني شيئا ولم يرده. فيكون هجره ومقاطعته ؛ لأجل أمر دنيوي. هل تتهمه في عقيدته؟ هل تقول : إنه يزني أو يسرق؟ هل تتهمه بأنه لا يصلي ولا يصوم؟ فيقول : لا والله ؛ بل إنه مواظب على العبادة ، وإنه متنزه عن الآثام ؛ ولكنه ما نفعني لما طلبت منه كذا وكذا ، فقاطعته. لا شك أن هذا دليل على أنها محبة عاجلة ، محبة دنيوية.
و أما الخصلة الثالثة ، قوله: وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار يكره الكفر، الله تعالى أنقذه من الكفر وهداه للإيمان ، وسدده وثبته ووفقه ، فآمن ، ودخل في الإيمان ، والتزم بالطاعة ؛ فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان ، وكذلك يكره الضلالة بعد الهدى ، ويكره الانحراف بعد الاستقامة ، ويكره الجهل بعد العلم ويكره المعصية بعد الطاعة ، يعني : كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه ؛ ولو عذب ؛ ولو أحرق ؛ ولو قيل له : اكفر وإلا أحرقناك ، فإنه يصبر على الأذى ، يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار. وهكذا أيضا يكره المعصية ؛ ولو كانت مما تشتهيها النفس ؛ ولو كانت لذيذة ومحبوبة عند النفس، فإنه يعلم أن ربه حرمها ، وأن ربه يكرهها ؛ فلأجل ذلك يقول : أكره كل شيء نهاني عنه ربي ، ولا أقترب منه ؛ ولو كان فيه لذة دنيوية فيكره الكبر؛ ولو كانت النفس تدعو إليه ، ويكره الإعجاب ، ويكره الزنا ؛ ولو كانت النفس تندفع إليه ، ويكره النظر في الصور والأفلام الخليعة ونحوها ، ويكره النظر إلى النساء المتكشفات . يكره كل إنسان ما يغضب الله ، وما نهاه الله عنه. فهذا هو علامة محبة الإيمان ، وعلامة حلاوته.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب : الإيمان - باب حلاوة الإيمان . حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث من كن فيهوجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لايحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" .
الحلاوة هي اللذة التي يجدها الإنسان في فمه إذا طعم شيئا له طعم حال. وضدها المرارة. فالمذوقات التي توضع في الفم ، منها ما هو حلو، ومنها ما هو مر ، مثل : التمر، والعسل، والعنب، وغير ذلك من الفواكه والمأكولات اللذيذة التي يحس بطعمها في فمه. وهناك مأكولات أو مطعومات مرة المذاق .
و الإيمان له حلاوة ، يعني له لذة . و اختلف العلماء هل حلاوة الإيمان حسية أو معنوية؟
أكثرهم قالوا : إنها معنوية ؛ لأن الحلاوة ما يوجد طعمه في الفم ، والأعمال هذه لا يوجد لها طعم في الفم فتكون حلاوة معنوية. وقال آخرون : إنها حسية ، وإن للأعمال الصالحة حلاوة قد تكون أشد من حلاوة الأطعمة الحالية اللذيذة . وذكروا أدلة على ذلك ، وهو أن كثيرا من السلف يستحلون العبادات ، ويستلذون بها ويجدون لها أثرا في قلوبهم ، وفي أجسادهم ، فيقول بعضهم : إنه ليمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا. أقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب. يجد للطاعة حلاوة ولذة ؛ حتى يقول : إذا كان هذا مثل نعيم الجنة إنه لنعيم طيب ؛ مع أن هذا في الدنيا. وأن من أسباب حلاوة الإيمان حصول هذه الثلاث :
الأولى أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما يعني : أن يقدم محبة الله ومحبة رسوله على محبة نفسه وولده وإخوته وأهله وذويه وماله وأقاربه وأسرته والناس كلهم ؛ وذلك لأنه يعرف بأن الله تعالى هو ربه ، وهو مالكه ، وهو المتصرف فيه ؛ فيحبه من كل قلبه. ويعرف أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو رسول الله إلى الأمة ، وهو الذي أنقذهم الله به من الضلالة ومن الكفر ومن العصيان ، فيحبه أيضا من كل قلبه فيكون بذلك مقدما لمحبة الله ومحبة رسوله على محبة كل شيء. وإذا أحب الله تعالى أحب عبادته ؛ أحب الصلاة والصوم والصدقة ، وأحب الذكر والدعاء وقراءة القرآن ، وأحب جميع الطاعات ، وتلذذ بها ، وواظب عليها، وأكثر منها ، وكذلك أيضا أحب كل من يحبهم الله. هذه علامة محبة الله. ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامتها : أن يتبعه ، ويطيعه ، ويعمل بكل ما أمره به. فيؤمن بأنه رسول الله حقا ، وكذلك يطيعه في كل ما وجه إليه ، وكذلك يقتدي به ويتخذه أسوة ؛ لقول الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وكذلك إذا أحب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكره معصيته والخروج عن سنته. هذا هو حقيقة محبة الله ورسوله.
و الخصلة الثانية أن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، و محبة الإنسان للخلق تتفاوت ، هناك المحبة الطبيعية: محبة الإنسان لأولاد ، ومحبته لأبويه هذه محبة طبيعية لا يلام عليها ؛ ولأجل ذلك فإنه يسعى في طلب الرزق والمعيشة ، ويبذلها رخيصة لأولاده ولأحفاده ولأبويه ولأقاربه ولمن يحبه. فهذه محبة طبيعية. وهناك محبة لمنفعة: بأن تحب هذا ؛ لأنه نفعك نفعا دينيا ، أو نفعا دنيويا ، فتحبه ، ويميل قلبك إليه ؛ لحسن عمله ؛ ولحسن خلقه. وهذا كله لا ينافي محبة الإيمان. و هناك المحبة الدينية: وهي أن تحب الإنسان لصلاحه ولتقاه ولعبادته واستقامته ولالتزامه بأمر الله تعالى ؛ مع أنه ما نفعك في دنياك ، ولا شفع لك ، ولا أهدى إليك ، ولا أعطاك ، ولا تسبب في عمل لك ، ولا غير ذلك ؛ ولكن رأيته رجلا صالحا ، ورأيته يتعبد ، ورأيته يواظب على الصلوات ، ورأيته يتبع الحق ويبتعد عن الباطل ، ويبعد عن الآثام والمحرمات ، فأحببته من كل قلبك. فكانت هذه محبة دينية.
جاء في الحديث حديث السبعة سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ثم قال : ورجلان تحابا في الله –أي اجتمعا على ذلك ، وتفرقا على ذلك يعني : كل منهما أحب أخاه لله تعالى لا لعرض من الدنيا. فهذه المحبة الدينية هي التي يجد بها حلاوة الإيمان ؛ وذلك لأنه إذا أحب من يحبهم الله تعالى فإنه يقتدي بهم ؛ إذا رأيته يتهجد فإنك تحبه وتقتدي به ، وإذا رأيته يرتل القرآن فإنك تحبه وتقتدي به ، وإذا رأيته يتصدق ، وإذا رأيته يصوم ، وإذا رأيته يدعو إلى الله وإذا رأيته ينصح ، وإذا رأيته يأمر أو ينهى أو يرشد ، وإذا رأيته يبر والديه ويصل رحمه ، ونحو ذلك ؛ فإنك تحبه ، ثم تقتدي به في هذه الأعمال. وأما المحبة العاجلة الدنيوية ؛ فإنها ليست مستقرة، نعرف وتعرفون اثنين كانا متصادقين ، ثم بعد ذلك تهاجرا وتقاطعا ، تسأل : يا فلان ؛ قد كنت صديقا لفلان ثم إنك أخذت تسبه فلا يذكر سببا ؛ إلا أمرا دنيويا ، فيقول –مثلا إنه خانني ، إنه ما شفع لي ، إنه ما نفعني ، إنه أخذ مني شيئا ولم يرده. فيكون هجره ومقاطعته ؛ لأجل أمر دنيوي. هل تتهمه في عقيدته؟ هل تقول : إنه يزني أو يسرق؟ هل تتهمه بأنه لا يصلي ولا يصوم؟ فيقول : لا والله ؛ بل إنه مواظب على العبادة ، وإنه متنزه عن الآثام ؛ ولكنه ما نفعني لما طلبت منه كذا وكذا ، فقاطعته. لا شك أن هذا دليل على أنها محبة عاجلة ، محبة دنيوية.
و أما الخصلة الثالثة ، قوله: وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار يكره الكفر، الله تعالى أنقذه من الكفر وهداه للإيمان ، وسدده وثبته ووفقه ، فآمن ، ودخل في الإيمان ، والتزم بالطاعة ؛ فلأجل ذلك يكره الكفر بعد الإيمان ، وكذلك يكره الضلالة بعد الهدى ، ويكره الانحراف بعد الاستقامة ، ويكره الجهل بعد العلم ويكره المعصية بعد الطاعة ، يعني : كل شيء يكرهه الله فإنه يكرهه ؛ ولو عذب ؛ ولو أحرق ؛ ولو قيل له : اكفر وإلا أحرقناك ، فإنه يصبر على الأذى ، يكره الكفر كما يكره أن يقذف في النار. وهكذا أيضا يكره المعصية ؛ ولو كانت مما تشتهيها النفس ؛ ولو كانت لذيذة ومحبوبة عند النفس، فإنه يعلم أن ربه حرمها ، وأن ربه يكرهها ؛ فلأجل ذلك يقول : أكره كل شيء نهاني عنه ربي ، ولا أقترب منه ؛ ولو كان فيه لذة دنيوية فيكره الكبر؛ ولو كانت النفس تدعو إليه ، ويكره الإعجاب ، ويكره الزنا ؛ ولو كانت النفس تندفع إليه ، ويكره النظر في الصور والأفلام الخليعة ونحوها ، ويكره النظر إلى النساء المتكشفات . يكره كل إنسان ما يغضب الله ، وما نهاه الله عنه. فهذا هو علامة محبة الإيمان ، وعلامة حلاوته.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول