السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجهاد
في سبيل الله ذروة سنام هذا الدين؛ وما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله
بالعذاب، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم. وواقع الأمة الإسلامية
اليوم، خير شاهد على ذلك .
وقد خاطب سبحانه في محكم قرآنه
المؤمنين، حاثًا لهم على عدم الركون إلى هذه الدنيا، والاطمئنان إليها،
وتسليم القياد لها، فقال: { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم
انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } (التوبة:38) .
وقد
اتفقت كلمة المفسرين على أن هذه الآية، نزلت في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع
من الهجرة، بعد فتح مكة بعام؛ وذلك - كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما
- أنه صلى الله عليه وسلم، لما رجع من الطائف أقام بالمدينة، وأمر بجهاد
الروم، وصادف ذلك الوقت زمان شدة الحر، ونضج الثمار، وقلة العدة والعتاد
لدى المسلمين، مضافًا لكل ذلك بعد المسافة بين أرض المسلمين، وأرض الروم.
فاستعظم - بسبب كل ذلك - قبائل من العرب، والمنافقون، وبعض المؤمنين، غزو
الروم وهابوه، فأنزل الله سبحانه هذه الآية .
والذي عليه أكثر
المفسرين أن الآية نزلت عقب انتهاء غزوة تبوك، وبالتالي تكون الآية قد
نزلت من باب العتاب لمن تثاقل وتقاعس عن تلك الغزوة من جهة؛ ومن باب
التوجيه والاعتبار لما يستقبل من الزمن، من جهة ثانية .
وقد ذكر
أهل السير بخصوص هذه الغزوة؛ أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم، إذا
أراد القيام بغزوة ألا يصرح بوجهته، وإنما يورِّي عن ذلك؛ أما في هذه
الغزوة، فلعظم شأنها، وبعد مسافتها، وشدة ما كانت عليه الروم، فقد أبان
صلى الله عليه وسلم عن وجهته التي يقصد؛ استعدادًا للأمر خير الاستعداد،
وتأهبًا له غاية التأهب .
هذا، وقد سميت غزوة تبوك ( غزوة العسرة
)، وسمي جيشها ( جيش العسرة )؛ نظرًا لشدة الأحداث التي أحاطت بها، من حيث
الزمان والمكان وطبيعة العدو؛ وقد أخبرنا القرآن عن ذلك، في قوله تعالى: {
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة
} (التوبة:117) .
ثم ها هنا وقفات حول هذه الآية الكريمة، نرى من المناسب الوقوف عندها:
أولها:
قوله تعالى: { اثاقلتم إلى الأرض }، ( التثاقل ) هنا، هو التباطؤ والتكاسل
عن الأمر؛ قال بعض أهل التفسير: وقد ضُمِّن هذا الفعل، معنى ( الميل )،
أي: ملتم إلى الأرض، وأخلدتم وركنتم إليها .
ثانيها: قوله تعالى: {
إلى الأرض }، في المقصود بـ ( الأرض ) في الآية أقوال ثلاثة؛ الأول:
تثاقلتم إلى شهوات الدنيا، حين أخرجت الأرض ثمارها. قاله مجاهد. الثاني:
اطمأننتم إلى الدنيا، وتركتم الآخرة. قاله الضحاك. الثالث: تثاقلتم إلى
الإقامة بأرضكم، وتركتم الجهاد في سبيل الله. والأقوال الثلاثة متقاربة
ومتلازمة، ولا تعارض بينها .
ثالثها: قوله تعالى: { أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة }، ( مِن ) في الآية بمعنى العوض والبدل، أي: كيف ترضون
بالحياة الدنيا بدلاً عن الآخرة؛ وهذا كقوله تعالى: { ولو نشاء لجعلنا
منكم ملائكة في الأرض يخلفون } (الزخرف:60)، أي: بدلاً منكم .
رابعها:
قال ابن عاشور : واختير فعل ( رضيتم ) دون ( آثرتم ) أو( فضلتم )، مبالغة
في الإنكار، لأن فعل ( رضي ) بكذا، يدل على انشراح النفس، ومنه قول أبي
بكر رضي الله عنه في حديث الغار: فشرب حتى رضيت .
خامسها: وهو
الأهم، أن الخطاب في الآية، وإن كان خطابًا لقوم معينين، وفي موقف معين،
لكنه عام يشمل كل مسلم قادر على الجهاد. والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب
الآخرة وحده، بل هو عذاب الدنيا أيضًا؛ عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن
الجهاد؛ وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في
الجهاد؛ ويقدمون على مذبح الذل والهوان أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة، لو
قدموا لها الفداء. وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل، فدفعت
مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها مواجهة الأعداء. وقد قال
الله تعالى: { ولينصرن الله من ينصره } (الحج:40)
الجهاد
في سبيل الله ذروة سنام هذا الدين؛ وما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله
بالعذاب، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم. وواقع الأمة الإسلامية
اليوم، خير شاهد على ذلك .
وقد خاطب سبحانه في محكم قرآنه
المؤمنين، حاثًا لهم على عدم الركون إلى هذه الدنيا، والاطمئنان إليها،
وتسليم القياد لها، فقال: { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم
انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة
فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل } (التوبة:38) .
وقد
اتفقت كلمة المفسرين على أن هذه الآية، نزلت في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع
من الهجرة، بعد فتح مكة بعام؛ وذلك - كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما
- أنه صلى الله عليه وسلم، لما رجع من الطائف أقام بالمدينة، وأمر بجهاد
الروم، وصادف ذلك الوقت زمان شدة الحر، ونضج الثمار، وقلة العدة والعتاد
لدى المسلمين، مضافًا لكل ذلك بعد المسافة بين أرض المسلمين، وأرض الروم.
فاستعظم - بسبب كل ذلك - قبائل من العرب، والمنافقون، وبعض المؤمنين، غزو
الروم وهابوه، فأنزل الله سبحانه هذه الآية .
والذي عليه أكثر
المفسرين أن الآية نزلت عقب انتهاء غزوة تبوك، وبالتالي تكون الآية قد
نزلت من باب العتاب لمن تثاقل وتقاعس عن تلك الغزوة من جهة؛ ومن باب
التوجيه والاعتبار لما يستقبل من الزمن، من جهة ثانية .
وقد ذكر
أهل السير بخصوص هذه الغزوة؛ أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم، إذا
أراد القيام بغزوة ألا يصرح بوجهته، وإنما يورِّي عن ذلك؛ أما في هذه
الغزوة، فلعظم شأنها، وبعد مسافتها، وشدة ما كانت عليه الروم، فقد أبان
صلى الله عليه وسلم عن وجهته التي يقصد؛ استعدادًا للأمر خير الاستعداد،
وتأهبًا له غاية التأهب .
هذا، وقد سميت غزوة تبوك ( غزوة العسرة
)، وسمي جيشها ( جيش العسرة )؛ نظرًا لشدة الأحداث التي أحاطت بها، من حيث
الزمان والمكان وطبيعة العدو؛ وقد أخبرنا القرآن عن ذلك، في قوله تعالى: {
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة
} (التوبة:117) .
ثم ها هنا وقفات حول هذه الآية الكريمة، نرى من المناسب الوقوف عندها:
أولها:
قوله تعالى: { اثاقلتم إلى الأرض }، ( التثاقل ) هنا، هو التباطؤ والتكاسل
عن الأمر؛ قال بعض أهل التفسير: وقد ضُمِّن هذا الفعل، معنى ( الميل )،
أي: ملتم إلى الأرض، وأخلدتم وركنتم إليها .
ثانيها: قوله تعالى: {
إلى الأرض }، في المقصود بـ ( الأرض ) في الآية أقوال ثلاثة؛ الأول:
تثاقلتم إلى شهوات الدنيا، حين أخرجت الأرض ثمارها. قاله مجاهد. الثاني:
اطمأننتم إلى الدنيا، وتركتم الآخرة. قاله الضحاك. الثالث: تثاقلتم إلى
الإقامة بأرضكم، وتركتم الجهاد في سبيل الله. والأقوال الثلاثة متقاربة
ومتلازمة، ولا تعارض بينها .
ثالثها: قوله تعالى: { أرضيتم بالحياة
الدنيا من الآخرة }، ( مِن ) في الآية بمعنى العوض والبدل، أي: كيف ترضون
بالحياة الدنيا بدلاً عن الآخرة؛ وهذا كقوله تعالى: { ولو نشاء لجعلنا
منكم ملائكة في الأرض يخلفون } (الزخرف:60)، أي: بدلاً منكم .
رابعها:
قال ابن عاشور : واختير فعل ( رضيتم ) دون ( آثرتم ) أو( فضلتم )، مبالغة
في الإنكار، لأن فعل ( رضي ) بكذا، يدل على انشراح النفس، ومنه قول أبي
بكر رضي الله عنه في حديث الغار: فشرب حتى رضيت .
خامسها: وهو
الأهم، أن الخطاب في الآية، وإن كان خطابًا لقوم معينين، وفي موقف معين،
لكنه عام يشمل كل مسلم قادر على الجهاد. والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب
الآخرة وحده، بل هو عذاب الدنيا أيضًا؛ عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن
الجهاد؛ وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في
الجهاد؛ ويقدمون على مذبح الذل والهوان أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة، لو
قدموا لها الفداء. وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل، فدفعت
مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها مواجهة الأعداء. وقد قال
الله تعالى: { ولينصرن الله من ينصره } (الحج:40)