حكيم مرزوقي : ذاكرة الجسد.. أو مربّع من ذهب
المصدر : حكيم مرزوقي
20/08/2010
اسمحوا لي أن أبدأ بالسيّدات أوّلاً... (lady’s first)
*أحلام مستغانمي:
جعلت القارئ العربي يقرأ بحواسه الستّ، ويتذوّق وجبات أدبيّة يسهل هضمها، بعد أن كاد يعتقد بأنّ أمهر الطهاة هم حصراً من الذكور.
أعترف أنّ «ذاكرة الجسد» كان من القلّة القليلة التي احتفظت بها من الكتب حين بعت مكتبتي كلّها – تحت الجسر - لأحد الورّاقين, ذات يوم غائم ... وهو الآن من المسلسلات التي تجعلك تؤجّل موعداً غراميّاً لأجل متابعتها.
أحلام مستغانمي كتبت «جزائرها» الرائعة، ومدّت جسور «قسنطينة» في اتجاه كلّ الثقافات, جعلت من خطّ (موريس) المكهرب، والذي جعله المستعمر مصيدة للثوّار اللاّجئين إلى تونس... جعلته قبلة حنين ووفاء للذين ضمّدوا وبلسموا جراح أهلها.
*ريم حنّا:
قلمها حمام زاجل يوصل رسائل الإبداع من القلوب إلى القلوب...
تمارس الكتابة والنقد والصحافة بالألمعيّة ذاتها, تحتفي بالإبداع أينما وجد.. وبعيداً عن عقدة الأنوثة والذكورة.
أعدّت وأعادت «ذاكرة الجسد» إلى العيون، ومحت أميّة من لا يتقن القراءة في عالمنا العربي (وما أكثرهم)... جعلتهم يقرؤون الرواية بكبسة زرّ من إبهامهم وهم مستلقون على الكنبايات.
*نجدت أنزور:
فارس الكاميرا... والرجل الذي لا يحبّ السباحة على الشواطئ الآمنة، وفي المياه الضحلة. عبّد الطريق لجيل جديد من الذين نزعوا النقاب عن الكاميرا العربية وجعلوها تطأ مواقع كانت محرّمة.
سخيّ في المغامرة بالمواضيع الساخنة، وبارع في (استفزاز) ذوي العقليات المتحجّرة.
قيل إنّ القفقاسيين قد ولدوا فوق ظهور الجياد... وأظنّ أنّ نجدت أنزور قد ولد خلف الكاميرا... تحية إلى روح أحد رواد السينما السورية إسماعيل أنزور.
*جمال سليمان:
قامة عالية في كلّ شيء, آسر في حديثه وصمته وغضبه, إنّه يقدّم الحجّة على أنّ الفنّان السوري والعربي قادر على ترك نجمة في شارع هوليوود.
كأنّ (خالد بن طوبال) في «ذاكرة الجسد» قد ورّث جمال سليمان صوته وهيئته وشاعريته وأسئلته.
ما أروع الأناقة في كلّ شيء، وما أجلّ صانعيها من حرّاس الإبداع وطالبي الإتقان.
جمال سليمان جعل «ذاكرة الجسد» (ذاكرة الروح). لن ننسى بقيّة صنّاع هذا العمل من الذين أخرجوه من الورق إلى الشاشة بالروعة ذاتها، أو ما يزيد: آمال بوشوشة، التي كانت فراشة هذا العمل, أتقنت «جزائريتها» النقيّة, جواد شكرجي, العراقي الذي يتنقّل من البوابة الشرقية إلى الغربية بيسر وسهولة, خالد القيش في حضوره المحبّب وإحساسه العالي... وآخرين من الممثّلين والفنيين الذين منعتني من ذكرهم (ذاكرة القلم).
«ذاكرة الجسد» عمل منع الكثيرين من القيلولة أو السهر خارج البيت, أعاد الاعتبار إلى لغة نزار قباني، وعرّف المشرقيين إلى بعض مفردات المغاربيين في حالات العشق واللوعة وحتى الفراق.
هكذا تكون الروعة والإتقان في مربّع استوت أضلاعه الأساسيّة، وتقاربت مواهبها إلى أن لامس متعة الفرجة الحقيقية.
ليس في الأمر رشّ للورود ولا مغازلات تمارسها الصحافة الصفراء في أسواق البورصة التلفزيّة (أنا لست صحفيّاً), إنّما هو اعتراف بمهارة صنّاع هذا العمل... واستهجان للذين يلوكون مقولة «عداوة الكار». تعلّمنا الكتابة الحقيقية والإبداع الحقيقي ضرورة تقدير الذين أدهشوا بشتى أدواتهم الفنية لأنهم قد انهشوا من إبداع غيرهم ومن سبقهم.
احترم من أبصر الشمس قبلك أيها الفنان ولا تمش في الأرض مرحاً، فإنّ هناك من سوف يأتي بعدك ويحمل قربتك وعصاك.
صحيح أنّ المواهب لا تورّث... لكنّ الأخلاق والسلوك القويم يورّثان وينتقلان عبر المعرفة والجينات. إنّما «النقاد» الأخلاق ما بقيت..... أعترف أنّي زاهد و«راهب بوذي» في سوق الشتّامين والمدّاحين, لكنّني أفرح لكلمة شكراً... ولمن يربّت على كتفي عند الفشل قائلاً: «حسناً سوف تنجح في المرة القادمة». ثمّة من يعضّ على أسنانه قائلاً: «حسناً سوف تفشل في المرّة القادمة». قلت لأحد صنّاع هذا العمل: «لماذا لم تقترحني، أو تقترحينني، في مشهد... فقط كي أتشبّه بالقصبجي العازف خلف أمّ كلثوم دون أن يعطيها لحنه؟.
بكلمتين
هكذا تكون الروعة والإتقان في مربّعٍ استوت أضلاعه الأساسيّة وتقاربت مواهبها إلى أن لامس متعة الفرجة الحقيقية
المصدر : حكيم مرزوقي
20/08/2010
اسمحوا لي أن أبدأ بالسيّدات أوّلاً... (lady’s first)
*أحلام مستغانمي:
جعلت القارئ العربي يقرأ بحواسه الستّ، ويتذوّق وجبات أدبيّة يسهل هضمها، بعد أن كاد يعتقد بأنّ أمهر الطهاة هم حصراً من الذكور.
أعترف أنّ «ذاكرة الجسد» كان من القلّة القليلة التي احتفظت بها من الكتب حين بعت مكتبتي كلّها – تحت الجسر - لأحد الورّاقين, ذات يوم غائم ... وهو الآن من المسلسلات التي تجعلك تؤجّل موعداً غراميّاً لأجل متابعتها.
أحلام مستغانمي كتبت «جزائرها» الرائعة، ومدّت جسور «قسنطينة» في اتجاه كلّ الثقافات, جعلت من خطّ (موريس) المكهرب، والذي جعله المستعمر مصيدة للثوّار اللاّجئين إلى تونس... جعلته قبلة حنين ووفاء للذين ضمّدوا وبلسموا جراح أهلها.
*ريم حنّا:
قلمها حمام زاجل يوصل رسائل الإبداع من القلوب إلى القلوب...
تمارس الكتابة والنقد والصحافة بالألمعيّة ذاتها, تحتفي بالإبداع أينما وجد.. وبعيداً عن عقدة الأنوثة والذكورة.
أعدّت وأعادت «ذاكرة الجسد» إلى العيون، ومحت أميّة من لا يتقن القراءة في عالمنا العربي (وما أكثرهم)... جعلتهم يقرؤون الرواية بكبسة زرّ من إبهامهم وهم مستلقون على الكنبايات.
*نجدت أنزور:
فارس الكاميرا... والرجل الذي لا يحبّ السباحة على الشواطئ الآمنة، وفي المياه الضحلة. عبّد الطريق لجيل جديد من الذين نزعوا النقاب عن الكاميرا العربية وجعلوها تطأ مواقع كانت محرّمة.
سخيّ في المغامرة بالمواضيع الساخنة، وبارع في (استفزاز) ذوي العقليات المتحجّرة.
قيل إنّ القفقاسيين قد ولدوا فوق ظهور الجياد... وأظنّ أنّ نجدت أنزور قد ولد خلف الكاميرا... تحية إلى روح أحد رواد السينما السورية إسماعيل أنزور.
*جمال سليمان:
قامة عالية في كلّ شيء, آسر في حديثه وصمته وغضبه, إنّه يقدّم الحجّة على أنّ الفنّان السوري والعربي قادر على ترك نجمة في شارع هوليوود.
كأنّ (خالد بن طوبال) في «ذاكرة الجسد» قد ورّث جمال سليمان صوته وهيئته وشاعريته وأسئلته.
ما أروع الأناقة في كلّ شيء، وما أجلّ صانعيها من حرّاس الإبداع وطالبي الإتقان.
جمال سليمان جعل «ذاكرة الجسد» (ذاكرة الروح). لن ننسى بقيّة صنّاع هذا العمل من الذين أخرجوه من الورق إلى الشاشة بالروعة ذاتها، أو ما يزيد: آمال بوشوشة، التي كانت فراشة هذا العمل, أتقنت «جزائريتها» النقيّة, جواد شكرجي, العراقي الذي يتنقّل من البوابة الشرقية إلى الغربية بيسر وسهولة, خالد القيش في حضوره المحبّب وإحساسه العالي... وآخرين من الممثّلين والفنيين الذين منعتني من ذكرهم (ذاكرة القلم).
«ذاكرة الجسد» عمل منع الكثيرين من القيلولة أو السهر خارج البيت, أعاد الاعتبار إلى لغة نزار قباني، وعرّف المشرقيين إلى بعض مفردات المغاربيين في حالات العشق واللوعة وحتى الفراق.
هكذا تكون الروعة والإتقان في مربّع استوت أضلاعه الأساسيّة، وتقاربت مواهبها إلى أن لامس متعة الفرجة الحقيقية.
ليس في الأمر رشّ للورود ولا مغازلات تمارسها الصحافة الصفراء في أسواق البورصة التلفزيّة (أنا لست صحفيّاً), إنّما هو اعتراف بمهارة صنّاع هذا العمل... واستهجان للذين يلوكون مقولة «عداوة الكار». تعلّمنا الكتابة الحقيقية والإبداع الحقيقي ضرورة تقدير الذين أدهشوا بشتى أدواتهم الفنية لأنهم قد انهشوا من إبداع غيرهم ومن سبقهم.
احترم من أبصر الشمس قبلك أيها الفنان ولا تمش في الأرض مرحاً، فإنّ هناك من سوف يأتي بعدك ويحمل قربتك وعصاك.
صحيح أنّ المواهب لا تورّث... لكنّ الأخلاق والسلوك القويم يورّثان وينتقلان عبر المعرفة والجينات. إنّما «النقاد» الأخلاق ما بقيت..... أعترف أنّي زاهد و«راهب بوذي» في سوق الشتّامين والمدّاحين, لكنّني أفرح لكلمة شكراً... ولمن يربّت على كتفي عند الفشل قائلاً: «حسناً سوف تنجح في المرة القادمة». ثمّة من يعضّ على أسنانه قائلاً: «حسناً سوف تفشل في المرّة القادمة». قلت لأحد صنّاع هذا العمل: «لماذا لم تقترحني، أو تقترحينني، في مشهد... فقط كي أتشبّه بالقصبجي العازف خلف أمّ كلثوم دون أن يعطيها لحنه؟.
بكلمتين
هكذا تكون الروعة والإتقان في مربّعٍ استوت أضلاعه الأساسيّة وتقاربت مواهبها إلى أن لامس متعة الفرجة الحقيقية