الحمد لله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الله - تعالى - لما خلق الخلق فضَّل بعضهم على بعض، ففضل بعض الأماكن على بعض، وفضل مكة على ما سواها، وفضل حرمها على حلها، وفضل البيت على حرمها، وفضل الكعبة على البيت، وكذلك فضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل رمضان على بقية الشهور، وفضل العشر الأواخر على بقيته، وفضل ليلة القدر على العشر، وهذا التفضيل خاضع لسنن الله، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنته تحويلاً.
ولما استشعر الناس فضل ليلة القدر أراد بعضهم أن يتقربوا إلى ربهم بعبادته وطاعته؛ فزادوا في ذلك أشياء ما أنزل الله بها من سلطان ومن ذلك:
بدعة صلاة القدر:
وصفتها: أنهم يصلون بعد التراويح ركعتين في الجماعة، ثم في آخر الليل يصلون تمام مائة ركعة، وتكون هذه الصلاة في الليلة التي يظنون ظناً جازماً أنها ليلة القدر، ولذلك سميت بهذا الاسم، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن حكمها، وهل المصيب من فعلها أو تركها؟ وهل هي مستحبة عن أحد من الأئمة أو مكروهة، وهل ينبغي فعلها والأمر بها، أو تركها والنهي عنها؟.
فأجاب - رحمه الله -: "الحمد لله، بل المصيب هذا الممتنع من فعلها والذي تركها، فإن هذه الصلاة لم يستحبها أحد من أئمة المسلمين، بل هي بدعة مكروهة باتفاق الأئمة، ولا فعل هذه الصلاة لا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا يستحبها أحد من أئمة المسلمين، والذي ينبغي أن تترك، وينهى عنها" أ. ه1.
بدعة السجدات كلها عند الختم:
وهي القيام عند ختم القرآن في رمضان بسجدات القرآن كلها في ركعة قال أبو شامة: "وابتدع بعضهم أيضاً جمع آيات السجدات، يقرأ بها في ليلة ختم القرآن، وصلاة التراويح، ويسبح بالمأمومين في جميعها"2، وقال ابن الحاج: "وينبغي له - الإمام - أن يتجنب ما أحدثه بعضهم من البدع عند الختم، وهو أنهم يقومون بسجدات القرآن كلها فيسجدونها متوالية في ركعة واحدة أو ركعات، فلا يفعل ذلك في نفسه، وينهى عنه غيره، إذ أنه من البدع التي أحدثت بعد السلف، وبعضهم يبدل مكان السجدات قراءة التهليل على التوالي، فكل آية فيها ذكر "لا إله إلا الله" أو "لا إله إلا هو" قرأها إلى آخر الختمة، وذلك من البدع أيضاً"3 أ.هـ.
تخصيص هذه الليلة بعمرة:
فترى الزحام ليلة السابع والعشرين من رمضان حول صحن الكعبة ظناً منهم أن لها مزيةً خاصة، وهذا ليس بصحيح، بل الصحيح أن العمرة في رمضان كله تعدل حجةً مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت عند الإمام مسلم.
الحرص على ختم القرآن ورفع الصوت بالدعاء:
والحرص على ختم القرآن في هذه الليلة، ورفع الصوت بالدعاء بعد ختم القرآن، ويكون هذا الدعاء جماعياً، أو كل يدعو لنفسه، ولكن بصوت عالٍ، مخالفين بذلك قوله - تعالى -: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}4، وهذا كله من البدع أيضاً.
صلاة التسابيح:
ومن البدع في هذه الليلة تخصيصها بصلاة التسابيح، وكل ذلك مما لم ينزل الله به سلطاناً، بل جاء فيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))5.
وعلى العموم فكل ما لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد عن أصحابه أنهم فعلوه في هذه الليلة وخصوها به فإنه يعتبر من البدع المردودة على فاعلها، والتي يُخشى على فاعلها أن يكون ممن توعدهم الله - تعالى - بقوله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}6.