الكثير يتساءل عن هذا المرض ويخشى أن يكون مصاباً به والبعض يحكم على نفسه ويقول نعم أنا مصاب بالرهاب الاجتماعي، والبعض الآخر يعتقد أنه خوف طبيعي. فما هي أسرار و أعراض و علاج هذا المرض ؟
تعتري الإنسان حالات من الخوف الطبيعي الذي يتكون نتيجة لتعرضه إلى مواقف تثير الخوف والقلق لديه ، ويحدث هذا للجميع بين وقت لآخر. وتمر تلك الحالات بشكل اعتيادي ولا تترك أثراً أو لا تسبب حالات مرضية ، كما يحدث أحياناً نوع من القلق ممزوج بشعور معين من الخوف قد يكون شديداً ولكنه لا يستمر طويلاً ، ويطلق عليها بنوبات الهلع أو الفزع . ويصاب بعض الأفراد بنوع من القلق العصبي الذي قد يستمر لفترة طويلة مما يؤثر على سلوكهم وقد يمهد الطريق للإصابة بالفوبيا ( الخواف ). في بعض الحالات نجد أن القلق الطافي عند الشخص العصابي القلق يصبح متعلقاً بشيء أو موقف معين أو شخص ما موجود في البيئة مما يؤدي إلى ظهور مخاوف غير عقلانية . وتختلف الفوبيا ( Phobia ) عن الخوف الاعتيادي ، فالخوف في الفوبيا يكون ناتجاً عن تطور الخوف الاعتيادي من حيث الشدة بحيث يصبح حالة مرضية، ويكون الخوف في الفوبيا عادة رمزياً، كما انه يعبر عن انفعالات مكبوتة لدى الفرد كالشعور بالذنب والعار وتكون عادة مصحوبة بفعل مشين ويستمر خوف الفرد بالرغم من انه يعرف بأنها لا تجلب الضرر عليه. وتكون بعض المخاوف غير معقولة وغير حقيقية بحيث لا يتمكن من تفسيرها إلا بالخجل من نفسه ومن الآخرين، والشعور بالعزلة والكآبة. وكثيراً ما يشكو المريض من ضعف الثقة بالنفس وتردي واضمحلال في الشخصية وهي مخاوف غير منطقية ولا يستند هذا النوع من الخوف إلى ركائز قوية. والفشل يكمن في فقد الفرد القدرة على مجابهة مشكلاته بصراحة فائقة تحت مبررات الخوف من الخسارة المعنوية والمادية ، والخوف من استغلال الآخرين لها، والخوف من تداعياتها على مشاعر الجمهور; أن هذا الخوف أكبر من الشعور العادي بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات، فغالباً يشعر الناس بالارتباك أمام الجمهور في الدقائق الأولى من إلقاء محاضرة أو كلمة أو خطبة، ويعتمد طول فترة الأرتباك على الموقف وحالة الشخص النفسية آنذاك، والرهاب الاجتماعي هو مرض نفسي وليس الخجل الخفيف أو الحياء الطبيعي، وليس له علاقة بما يسمى بـ " ضعف الأعصاب". ضعف الأعصاب يختلط فهمها على كثير من الناس ويعتقدون أن هذه الأعصاب قد تكون قوية وقد تكون ضعيفة، وأن قوتها تزيد من قوة الإنسان، والصواب هو أن الأعصاب ليست إلا نواقل للإرشادات الكهرومغناطيسية من مراكز المخ إلى العضلات الإرادية واللاإرادية والغدد، وقد يأتي الخوف منفرداً أو قد يصحبه مجيء نوبات من الفزع على فترات متقطعة. وقد تكون طبيعة الشخص الحياء والخجل الزائد قبل ظهور هذه الحالة، لكن هناك أيضا من الناس من يكون جريئاً ومنطلقاً وتظهر عنده هذه الحالة. تحدث في الرهاب ( الخوف ) الاجتماعي استثارة للجهاز العصبي غير الإرادي بسبب التعرض لبعض المواقف الاجتماعية، فيزداد إفراز بعض الهرمونات والنواقل العصبية في الجسم بصورة سريعة وخارجه عن التحكم مما يجعل الجسم يبدأ بالاستجابة لفكرة الخوف بإفراز مادة الأدرينالين، وهي المـادة المحفزة التي تجعل الجسم يتحفز للدفاع عن نفسه أو الهروب من مكان الخطر، فيزداد ضخ الدم للإطراف، وتزداد دقات القلب، ويتسارع التنفس للحصول على كمية اكبر من الأوكسجين اللازم للطاقة وتوتر العضلات، وتتوسع حدقة العين ويتسارع التفكير، وإذا ازدادت المدة قد ينخفض الضغط ويدوخ الإنسان مما يؤدي إلى الشعور الأرتباك واحمرار الوجه وتوتر العضلات، وجفاف الفم والتعرق وارتعاش الصوت وزيادة نبضات القلب، والشعور بالإمساك أو الإسهال والأرق، وقد لا ينام المريض ولا يأكل إذا علم أنه سيتعرض لموقف محرج. وكل خوفه أن يراه أحد وهو على هذه الحالة من القلق والتوتر أو الشعور بضيق التنفس وبرودة الأطراف والشعور بالدوار، وإذا اشتدت تلك الحالة فإنها تؤدي أحياناً إلى الإغماء، و الغثيان ورعشة في اليدين والحاجة المفاجأة للذهاب إلى دورة المياه أو الخوف من الاستفراغ، واللعثمة في الكلام أو عدم القدرة على الكلام أحياناً والشعور بعدم الاستمرار واقفاً.
إن لظروف النشأة دور مهم في ظهور القلق عموماً والرهاب الاجتماعي خصوصاً. ولا شك أن للتربية دور هام في ظهور هذا المرض ، فالتربية التي تقوم على الحماية الزائدة والحرص الشديد على الفرد، والتدخل الزائد في خصوصيات حياته، أو القسوة الزائدة والتعنيف المستمر، أو السخرية من الشخص في الأسرة وخارجها وخاصة في التجمعات العائلية، والسخرية والهزل منه إمام زملائه تجعل الفرد يشعر بالنقص وبالتالي تنعدم ثقته بنفسه وينطوي ويتجنب الناس. فالإنسان الذي يعيش في طفولته مهزوز الثقة بالنفس ويشك في قدراته، أو بسبب قسوة من حواليه، فيهينونه عند الصغيرة والكبيرة بنقد جارح، أو الحماية الزائدة للطفل وإشعاره بالضعف فإنه قد يصاب بالرهاب الاجتماعي. وقد تعمل السلطة العائلية والمدرسية على زرع الخوف والقلق في نفوس الأفراد أحياناً، وذلك من خلال عدم إعطاء الفرصة للتعبير عن خوالج النفس، وعدم التشجيع على طرح الأسئلة والاستفسارات أو عدم السماح بالاشتراك مع أفراد العائلة في إعطاء بعض الاقتراحات التي تخص شؤون العائلة، أو الرفض والإدانة عند التعبير عن بعض الانفعالات، لذلك تلعب الضغوط الاجتماعية والنفسية دوراً في هذا المرض. فكثيراً ما يعتري الفرد خوف من الرفض والانتقاد من قبل الآخرين، ويؤثر هذا الرهاب تأثيراً مباشراً على عملية الاتصال الاجتماعي بين الأفراد من حيث إرسال أو استلام المعلومات التي تتعلق بالتفاعل الاجتماعي. وفي بعض الحالات يحدث القلق والخوف مجرد التفكير في المناسبات الاجتماعية. وهكذا لا يعرف على وجه التحديد سبب مرض الرهاب ( الخوف ) الاجتماعي. وأسباب هذه الحالة متعددة وترتبط بعوامل كثيرة كعامل الوراثة وعوامل الطفولة (تربية صارمة أو ظروف قاسية أو حماية زائدة)، وعوامل البيئة (البيت، المدرسة، الأصدقاء، الأقارب والمجتمع)، كما أن لها ارتباطاً بنوع الشخصية (الحساسية الشديدة والحذر في العلاقة مع الآخرين). إن تفاعل الإنسان مع المجتمع ينبني على مجموعة من التجارب والخبرات والنجاح والفشل. فقد يكون الخوف الاجتماعي بسبب استجابة لفكرة خاطئة أو مخاوف بدون أساس منطقي، أو بسبب صراع أو إحباط شديد يسيطر على المريض، وعدم الشعور بالأمان، وخبرات الفرد السلبية التي عانى منها في مرحلة من مراحل حياته، والقلق و الاضطراب النفسي.
فالرهاب الاجتماعي هو حالة نفسية مرضية تؤدي إلى خوف شديد قد يشل الفرد أحياناً، ويتركز الخوف في الشعور بمراقبة الناس، فأن ما يقارب 10% من الناس يرهبون المناسبات الاجتماعية مما يؤثر سلبياً على حياتهم الاجتماعية والعملية والتعليمية وعلاقاتهم الشخصية بصورة كبيرة، وتحدث هذه الحالة عند بعض الإفراد حينما يكونوا محط أنظار وتركيز الآخرين، مثل عدم القدرة على التحدث في المناسبات الاجتماعية أو أمام المسؤولين أو في مناسبة يكون الشخص فيها محط تركيز وتقييم الآخرين. إن شبح مواجهة الناس هو الكابوس المفزع الذي يقلق تلك الفئة من المرضى، مما يجعل بعضهم ينعزل ويرفض الترقية الوظيفية إذا كانت ستجعله في مواجهه اكثر مع الجمهور. تنتاب المريض هذه الحالة عندما يتعرض للمواقف الاجتماعية المختلفة التي يعتقد انه يتعرض فيها إلى نظر وتقييم الناس فيتولد لديه خوف من أن يتصرف أو يتكلم بصورة خاطئة ويصبح محط انتقاد الآخرين عند القيام بالواجبات الاجتماعية كتقديم الشاي والقهوة ومقابلة الضيوف أو الاضطرار لإلقاء كلمة أمام الآخرين، وقد تمتد هذه الحالة إلى تجنب المناسبات الاجتماعية عموماً والهروب والعزلة خشية الإحراج. ويتجنب الأفراد المواقف التي يتوقعون منها المردود السلبي بل يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر، كتركيز النظر عليهم عند حضور الحفلات والأكل والشرب، الحديث مع المسؤولين، والتحدث إلى الجمهور، والعيوب اللغوبة أو ضعف المفردات اللغوية عند التحدث بلغة أجنبية.
إنالمحاولة الجادة إلى تجنب هذه المناسبات بصورة نهائية والشعور بالعزلة يكون مدمراً للحياة الاجتماعية. فعندما يصعب على الفرد التأقلم مع مواقف الحياة فإن ذلك يؤدي إلى تعطيله عن الحركة والنشاط في مختلف النواحي الاجتماعية والعملية مما يثير لديه الهروب والابتعاد من تلك المناسبات الاجتماعية. الرهاب الاجتماعي هو احد الاضطرابات العصبية التي تتميز اعراضه بالشعور بالقلق والخوف والخجل، ومحاولة التهرب من المواقف الاجتماعية . فقد يخاف المريض من الخروج منفرداً، أو يتوقع حصول حادث مؤلم له إذا خرج بمفرده، وقد يسيطر عليه الخوف من أن يصطدم بسيارة، أو أن يسقط فاقد الوعي في الطريق، أو يخاف من حالات تحدث له أمام الناس ولا يستطيع السيطرة عليها كهستيريا البكاء واحمرار الوجه والتعرق والتلعثم أو ظهور سلوك غير طبيعي. فعندما يقوم الفرد بأخذ فنجان الشاي أو القهوة لا يستطيع أو قد تسقط منه، أو مثل الطالب الذي يتحاشى الرد على المعلم ويختبئ خلف التلاميذ لكي لا يراه المعلم ، حتى ولو كان يعرف الجواب جيداً ولكنه يخجل ويخاف التحدث امام الطلبة، أو لا يسأل عما لا يفهمه، وكذلك الشخص الذي يًدعى لوليمة يحاول أن يعتذر ويمتنع عن الحضور. كما يسيطر على الفرد أحيانا خوف شديد عند الاتصال الاجتماعي والالتقاء بعدد من الناس، مما يؤدي به إلى الأرتباك بحيث لا يستطيع التفوه بكلمة، وأن تحدث فإنه يتلعثم وتدفع تلك الحالات المحرجة للمريض إلى تفادي مثل تلك المواقف بالهروب من تلك الاجتماعات وتجنب الاحتكاك والاتصال بالآخرين وبالتالي يؤدي به إلى العزلة والانطواء النفسي. يؤدي الخوف الاجتماعي إلى نتائج سلبية، حيث أنه من الصعب على الشخص الخائف من الاتصال الاجتماعي أن يكون صداقات حميمة وذلك لعدم جرأته من المقابلة والتعرف والنظر في عيون الذين يتعامل معهم ويكون مستوى كلامه منخفض، ويشعر بأنه غير آمن ومنعزل. ويكون الفرد بهذه الحالة غير نافع لأفراد المجتمع وغير منتفع منهم بصورة اجتماعية فعالة، فهو يتجنب أن يشتغل بمهنة تتطلب الاتصال الاجتماعي، ويتغير سلوكه عندما يتصل بالآخرين، ويشعر بالخجل وصعوبة التحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من التعرف بهم، ولا يستطيع التعبير عن أفكاره، ويشعر الفرد بالعزلة والكآبة ويشك من أفراد المجتمع بأنهم ينظرون إليه بتمعن وانتقاد ويراقبون حركاته ومظهره، ويؤدي ذلك إلى فقدان السيطرة والتركيز ولا يستطيع التحكم بكلامه وسلوكه وتفكيره. وقد يضطر مريض الرهاب الاجتماعي إلى برمجة حياته تبعاً لمعاناته ، فتجده يحضر مبكراً إلى أي مناسبة اجتماعية كي يتخلص من عقدة الدخول ومواجهة الجميع والسلام عليهم والترحيب به، أو الحضور متأخراً جداً، كما أنه قبل حضوره أية مناسبة اجتماعية يسأل عن عدد الحضور؟. ومن هم؟ وهل يحتمل أن يضطر إلى الحديث إمامهم؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يحتاط بها لنفسه كي لا يقع تحت مجهر النقد والملاحظة من قبل الآخرين. ويتركز خوف المريض من الوقوع في الخطأ، كما يزداد خوفه كلما ازداد عدد الحاضرين. وليست كثرة الناس شرطاً لحدوث الرهاب الاجتماعي فقط بل أنه قد يحدث الرهاب للمريض عند مواجهة شخص واحد فقط أو لمجرد التفكير بالموقف. وتزداد شدة الخوف كلما ازدادت أهمية ذلك الشخص، مثلما يحدث عند حوار مريض الخوف الاجتماعي مع رئيسه في العمل أو لمجرد التفكير بالموقف. وليس شرطاً أن يعاني المريض من جميع الأعراض فربما عانى من بعضها فقط، كما انه ليس شرطاً لحدوثها أن يواجه الفرد الآخرين، بل ربما كان مجرد التفكير في ذلك كافياً لحدوث بعض ذلك الأعراض. لذلك فأن أعراض المرض نابعة من السبب الأصلي وهو الميول المثلية والخوف من افتضاحها. وقد يفشل المريض أحيانا في التحكم بنفسه نظراً لشدة الحالة فينتهي به الأمر إلى عزلة إجتماعية تامة. وكثيراً ما يمتنع الشخص الخجول من مراجعة الأخصائي النفساني ويحاول مقاومة معاناته بمفرده، والغالبية الكبرى من هؤلاء المرضى تبقى معهم المعاناة وتؤثر في علاقاتهم الاجتماعية وعطاءهم الدراسي أو الوظيفي. وكثيراً منهم يصيبه أكتئاب بسبب خجله وخوفه. بينما لو استدركوا الأمر من بدايته وطلبوا العلاج المناسب عند المختصين لأمكن التخلص من هذه المشكلة. كما قد يؤدي هذا الخوف إلى اضطرابات نفسية أخرى كالعزلة أو الإدمان على الكحول والمخدرات سعياً في الهروب أو التخفيف من المخاوف.
يٌصنف المرضى بعض الأحيان بناءاً على نوع الموقف الذي يتعرضون له ويثير شعور الخوف لديهم. فهناك قسم من الأشخاص يحدث لهم خوف وتوتر شديد، إما لفكرة خاطئة أو إنهم يقومون ببعض الأعمال إمام الناس أو إلقاء خطبة مثلاً، وتسمى مجموعة التنفيذ. إما المجموعة الثانية هم مجموعة التفاعل، وهم الأشخاص الذين يخشون أي موقف يمكن أن يكون سبب في تفاعلهم مع المجتمع أو مع أشخاص آخرين مثل الاجتماع والتعرف باشخاص جدد. إن مشكلة الخوف الاجتماعي تظهر بشكل أكبر في فترة المراهقة مع احتمال ظهورها قبل أو بعد هذا السن. وعادة ينشأ الخٌواف عن خبرة صادمة تولد خوفاً شديداً، وتحدث للفرد في فترة الطفولة وإذا لم تعالج المشكلة فقد تستمر طوال الحياة وقد تجر إلى حالات أخرى كالاكتئاب والخوف من الأماكن العامة والمزدحمة. وهناك الكثير من الأشخاص يعانون من هذا الخوف في صمت لأعوام طويلة ولكنهم يبدءون في طلب المساعدة متأخراً أو عند تزايد أزمات الحياة الاجتماعية، وهناك بعض الأشخاص يصابون بمشكلة الخجل والقلق الاجتماعي نتيجة ظهور بعض الأمراض أو المشاكل الطبية والجسدية، مثل مرض الرعاش أو البدانة حيث أن هؤلاء المرضى يخشون من التواجد الاجتماعي وظهورهم بهذا الشكل امام الآخرين، وقد لا يمكن وصف هؤلاء المرضى على أنهم يعانون من الرهاب الاجتماعي وذلك لانهم يتعرضون لهذه الحالة نتيجة مرض جسماني يعانون منه.
العـلاج: نعم وبالتأكيد يمكن علاج الرهاب (الخوف) الاجتماعي بالعلاج الدوائي والعلاج النفسي ( السلوكي-المعرفي ) أو بهما معاً. والوقاية ممكنة إذا أمكن للأسرة والمدرسة والمجتمع المحافظة على ثقة الإنسان بنفسه منذ الطفولة حمايته من الإيذاء النفسي والجسدي فإن احتمالات الاصابة تقل. ويعتمد العلاج على حدة الحالة وهل هي دائمة أم أحيانا فقط، ومدى تأثيرها على حياة الفرد وكذلك مرحلة العمر التي يمر بها المريض. فالخوف الاجتماعي ليس نوعاً سيئاً من الخجل ولكنه حالة مرضية ويجب أن نتعامل معها بجدية وبلطف، ويبدأ العلاج بمعرفة السبب بواسطة التحليل النفسي لأستخراج المشاعر المكبوتة والمتعلقة بالموقف الذي يخاف منه الفرد. إن التفكير الايجابي ومعرفة السبب الأساسي لتلك الحالة يساعد على انجاح العلاج وذلك بمعرفة التنشأة الاجتماعية والحاجات والاتجاهات التي يحملها الفرد.
إن المشاكل لا تنحل بالهروب منها وإنما بمواجهتها وحلها بحكمة وإرادة قوية، وذلك يتطلب محور تثقيفي لتعزيز الإدراك والمساندة للفرد من العائلة والأصدقاء والمدرسة ورجال الدين لفهم ما هو القلق وكيف يؤثر على المريض ومدى شدة حالته. إن دعم وتشجيع الأهل والأصدقاء يساعد كثيراً في العلاج. كما أن إتاحة الفرصة للمريض لشرح مشكلته سيساعده ليشعر بعدم العزلة والخجل من حالته. لذلك يُنصح ويُشجع المريض أن يواصل حياته اليومية بشكل طبيعي بقدر الإمكان، ولهذا فلا يُقبل أن يكيف حياته لتتمشى مع مخاوفه وقلقه.
يتمثل علاج الرهاب الاجتماعي بالتعرف على المواقف والأهداف التي يبتغيها الفرد من وراء الاتصال الاجتماعي، وذلك بتحليل الموقف تحليلاً علمياً دقيقاً بتحديد جوانبه الإيجابية والسلبية، كما يجري التعمق في فهم طبيعة القلق والمخاوف التي تنتاب المريض وشدتها وأي المواقف تؤثر عليه اكثر من غيرها، ويكون ذلك بأشراف أخصائي نفساني أو طبيب مختص. تتم جلسات العلاج النفسي بدعم الفرد وتعريضه تدريجياً لمواطن القلق ومساندته وحسب خطة مسبقة، وكذلك مراقبة الأفكار السلبية ومحاولة تغييرها إلى إيجابية، وهذا المحور السلوكي المعرفي مهم لتخفيف انتكاسات الحالة. ويجب أن يكون المعالج مختص ومتدرب بشكل كافي. ومن الأفضل الجمع بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي، حيث يتم تصحيح المفاهيم السلبية لدى المريض وتدريبه على بعض الأساليب الصحيحة وطرق المواجهة والحديث إمام الآخرين، والتي تشمل التدريب لكسب مهارات فردية للتغلب على الضغوط النفسية بالإضافة إلى تمارين الاسترخاء. إما العلاج الدوائي فأنه يتم تحت إشراف طبيب نفساني مختص بإعطاء الأدوية المهدئة للقلق وأدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق وأدوية للاسترخاء النفسي والجسدي لإزالة القلق والتوتر.
يتعلم المريض من خلال العلاج السلوكي على طرق الاسترخاء في مواجهة المواقف المثيرة للخوف حتى يتدرب عليها ويكسب المهارات. وفي العلاج المعرفي يتم مناقشة المريض ببعض أفكاره السلبية التي يعتقدها والتي تؤدي به لعدم الثقة بالنفس وتجنبه المواقف الاجتماعية، واستبدال تلك الافكار بأخرى ايجابية تدعم الذات وتؤكدها. اما المحور التثقيفي وفيه يفهم الفرد ما هو القلق والخوف وكيف يؤثر عليه ، ومدى شده حالته وذلك ببرامج تعزيز الثقة بالنفس والتدريب على القدرة على الاتصال والتعبير. ومحور العلاج الاجتماعي أيضاً مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسة كثير من الافراد الذين يزيدون القلق لدى المصاب بهذه الحالة.
إن الانتكاس في العلاج ليس معناه فشل العلاج، لكن ربما معناه شدة الرهاب الاجتماعي ويحتاج لعلاج أقوى أو علاج مستمر أو علاج شامل نفسي دوائي أو أن الخوف الاجتماعي مرتبط بأمراض أخرى مثل الاكتئاب. وعلى العموم يشمل البرنامج جوانب علاجية دوائية ونفسية وتتم فيه جلسات فردية أو جماعية مع أفراد يواجهون المشكلة نفسها. إن الأدوية النفسية لها دور إيجابي مع العلاج النفسي في تخفيف الأعراض. وقبل هذا أو بعده، لا تغفل الجوانب الروحانية والإيمانية بالله. كما يشمل برنامج العلاج بالتركيز على اكتساب المزيد من المهارات الاجتماعية كالقدرة على أبداء الرأي والانتقاد البناء والاعتراض على أخطاء الأخرين باسلوب مناسب معتدل، فضلاً عن تمارين الاسترخاء النفسية والجسدية للتقليل من القلق والتوتر والخوف. ومع استمرار وفعالية العلاج يتم التدرج بوضع الحلول المناسبة لكل جزء من المشكلة والتدريب التدريجي لكسب المهارات لمواجهة الخوف أو الموقف المحرج بالتشجيع والترغيب والإقناع وإزالة الأفكار السلبية. ويعتبر العلاج بالتنويم الإيحائي من الطرق المفيدة والنافعة والفعالة. للاسترخاء وتخيل وتصور النجاح عدة مرات (21 مرة )، ويرى الانسان النجاح في كل مرة، لينجح في خيالة ومن ثم المواجهة والمقابلة الفعلية، وبرمجة العقل الباطن بالنجاح وتحقيق الأهداف.
يسهل التفاعل الاجتماعي عملية الاتصال بالآخرين ويساعد على تقوية الذات والتعود على الأسترخاء والتخلص من الخوف تدريجياً حيث تنمو الثقة بالنفس بالتجارب والخبرات الناجحة التي يتعرض لها الفرد وذلك بالتفاعل الاجتماعي وتكوين صداقات وبتشجيع الفرد بالأنتماء إلى النوادي الرياضية والاجتماعية ليصبح عضواً نافعاً فعالاً في المشاركات والمناقشات بعيداً عن الأنفعالات والتوترات. لذلك علينا أن نمارس مهارة التدريب على الاتصال الاجتماعي بمساعدة مشرفين متخصصين، أو ممارسة بعض التمارين في البيت، كالوقوف إمام المرآة للتحدث لها قبل طرح الفكرة على الآخرين، او خلق ظروف مماثلة للموقف الحرج الذي نعتقد أننا سنتعرض له، والطلب من المقربين لنا أن يستمعوا ونحن نلقي كلماتنا بعيداً عن التهكم والانتقاد، وبذلك يمكننا تلافي وتصحيح الأخطاء بالنقد البناء الإيجابي، أن محاولة التكلم مع الجمهور والنظر في عيون الآخرين يؤدي إلى توثيق العلاقة وتقوية عملية الاتصال الاجتماعي بتحسين الذات والثقة بالنفس. وعلينا السيطرة على اللغة التي نتعامل بها مع الناس واختيار المفردات اللغوية الصحيحة بدون تلعثم بالكلام أو القراءة وعدم التفكير السلبي بما يفكر به الناس نحونا، وعلى الفرد أن يتجنب من وصف نفسه بكلمات سلبية أو أن هناك أحداً يحاول أن يستهزأ به أو يحط من قدراته.
---------------------------------
تعتري الإنسان حالات من الخوف الطبيعي الذي يتكون نتيجة لتعرضه إلى مواقف تثير الخوف والقلق لديه ، ويحدث هذا للجميع بين وقت لآخر. وتمر تلك الحالات بشكل اعتيادي ولا تترك أثراً أو لا تسبب حالات مرضية ، كما يحدث أحياناً نوع من القلق ممزوج بشعور معين من الخوف قد يكون شديداً ولكنه لا يستمر طويلاً ، ويطلق عليها بنوبات الهلع أو الفزع . ويصاب بعض الأفراد بنوع من القلق العصبي الذي قد يستمر لفترة طويلة مما يؤثر على سلوكهم وقد يمهد الطريق للإصابة بالفوبيا ( الخواف ). في بعض الحالات نجد أن القلق الطافي عند الشخص العصابي القلق يصبح متعلقاً بشيء أو موقف معين أو شخص ما موجود في البيئة مما يؤدي إلى ظهور مخاوف غير عقلانية . وتختلف الفوبيا ( Phobia ) عن الخوف الاعتيادي ، فالخوف في الفوبيا يكون ناتجاً عن تطور الخوف الاعتيادي من حيث الشدة بحيث يصبح حالة مرضية، ويكون الخوف في الفوبيا عادة رمزياً، كما انه يعبر عن انفعالات مكبوتة لدى الفرد كالشعور بالذنب والعار وتكون عادة مصحوبة بفعل مشين ويستمر خوف الفرد بالرغم من انه يعرف بأنها لا تجلب الضرر عليه. وتكون بعض المخاوف غير معقولة وغير حقيقية بحيث لا يتمكن من تفسيرها إلا بالخجل من نفسه ومن الآخرين، والشعور بالعزلة والكآبة. وكثيراً ما يشكو المريض من ضعف الثقة بالنفس وتردي واضمحلال في الشخصية وهي مخاوف غير منطقية ولا يستند هذا النوع من الخوف إلى ركائز قوية. والفشل يكمن في فقد الفرد القدرة على مجابهة مشكلاته بصراحة فائقة تحت مبررات الخوف من الخسارة المعنوية والمادية ، والخوف من استغلال الآخرين لها، والخوف من تداعياتها على مشاعر الجمهور; أن هذا الخوف أكبر من الشعور العادي بالخجل أو التوتر الذي يحدث عادة في التجمعات، فغالباً يشعر الناس بالارتباك أمام الجمهور في الدقائق الأولى من إلقاء محاضرة أو كلمة أو خطبة، ويعتمد طول فترة الأرتباك على الموقف وحالة الشخص النفسية آنذاك، والرهاب الاجتماعي هو مرض نفسي وليس الخجل الخفيف أو الحياء الطبيعي، وليس له علاقة بما يسمى بـ " ضعف الأعصاب". ضعف الأعصاب يختلط فهمها على كثير من الناس ويعتقدون أن هذه الأعصاب قد تكون قوية وقد تكون ضعيفة، وأن قوتها تزيد من قوة الإنسان، والصواب هو أن الأعصاب ليست إلا نواقل للإرشادات الكهرومغناطيسية من مراكز المخ إلى العضلات الإرادية واللاإرادية والغدد، وقد يأتي الخوف منفرداً أو قد يصحبه مجيء نوبات من الفزع على فترات متقطعة. وقد تكون طبيعة الشخص الحياء والخجل الزائد قبل ظهور هذه الحالة، لكن هناك أيضا من الناس من يكون جريئاً ومنطلقاً وتظهر عنده هذه الحالة. تحدث في الرهاب ( الخوف ) الاجتماعي استثارة للجهاز العصبي غير الإرادي بسبب التعرض لبعض المواقف الاجتماعية، فيزداد إفراز بعض الهرمونات والنواقل العصبية في الجسم بصورة سريعة وخارجه عن التحكم مما يجعل الجسم يبدأ بالاستجابة لفكرة الخوف بإفراز مادة الأدرينالين، وهي المـادة المحفزة التي تجعل الجسم يتحفز للدفاع عن نفسه أو الهروب من مكان الخطر، فيزداد ضخ الدم للإطراف، وتزداد دقات القلب، ويتسارع التنفس للحصول على كمية اكبر من الأوكسجين اللازم للطاقة وتوتر العضلات، وتتوسع حدقة العين ويتسارع التفكير، وإذا ازدادت المدة قد ينخفض الضغط ويدوخ الإنسان مما يؤدي إلى الشعور الأرتباك واحمرار الوجه وتوتر العضلات، وجفاف الفم والتعرق وارتعاش الصوت وزيادة نبضات القلب، والشعور بالإمساك أو الإسهال والأرق، وقد لا ينام المريض ولا يأكل إذا علم أنه سيتعرض لموقف محرج. وكل خوفه أن يراه أحد وهو على هذه الحالة من القلق والتوتر أو الشعور بضيق التنفس وبرودة الأطراف والشعور بالدوار، وإذا اشتدت تلك الحالة فإنها تؤدي أحياناً إلى الإغماء، و الغثيان ورعشة في اليدين والحاجة المفاجأة للذهاب إلى دورة المياه أو الخوف من الاستفراغ، واللعثمة في الكلام أو عدم القدرة على الكلام أحياناً والشعور بعدم الاستمرار واقفاً.
إن لظروف النشأة دور مهم في ظهور القلق عموماً والرهاب الاجتماعي خصوصاً. ولا شك أن للتربية دور هام في ظهور هذا المرض ، فالتربية التي تقوم على الحماية الزائدة والحرص الشديد على الفرد، والتدخل الزائد في خصوصيات حياته، أو القسوة الزائدة والتعنيف المستمر، أو السخرية من الشخص في الأسرة وخارجها وخاصة في التجمعات العائلية، والسخرية والهزل منه إمام زملائه تجعل الفرد يشعر بالنقص وبالتالي تنعدم ثقته بنفسه وينطوي ويتجنب الناس. فالإنسان الذي يعيش في طفولته مهزوز الثقة بالنفس ويشك في قدراته، أو بسبب قسوة من حواليه، فيهينونه عند الصغيرة والكبيرة بنقد جارح، أو الحماية الزائدة للطفل وإشعاره بالضعف فإنه قد يصاب بالرهاب الاجتماعي. وقد تعمل السلطة العائلية والمدرسية على زرع الخوف والقلق في نفوس الأفراد أحياناً، وذلك من خلال عدم إعطاء الفرصة للتعبير عن خوالج النفس، وعدم التشجيع على طرح الأسئلة والاستفسارات أو عدم السماح بالاشتراك مع أفراد العائلة في إعطاء بعض الاقتراحات التي تخص شؤون العائلة، أو الرفض والإدانة عند التعبير عن بعض الانفعالات، لذلك تلعب الضغوط الاجتماعية والنفسية دوراً في هذا المرض. فكثيراً ما يعتري الفرد خوف من الرفض والانتقاد من قبل الآخرين، ويؤثر هذا الرهاب تأثيراً مباشراً على عملية الاتصال الاجتماعي بين الأفراد من حيث إرسال أو استلام المعلومات التي تتعلق بالتفاعل الاجتماعي. وفي بعض الحالات يحدث القلق والخوف مجرد التفكير في المناسبات الاجتماعية. وهكذا لا يعرف على وجه التحديد سبب مرض الرهاب ( الخوف ) الاجتماعي. وأسباب هذه الحالة متعددة وترتبط بعوامل كثيرة كعامل الوراثة وعوامل الطفولة (تربية صارمة أو ظروف قاسية أو حماية زائدة)، وعوامل البيئة (البيت، المدرسة، الأصدقاء، الأقارب والمجتمع)، كما أن لها ارتباطاً بنوع الشخصية (الحساسية الشديدة والحذر في العلاقة مع الآخرين). إن تفاعل الإنسان مع المجتمع ينبني على مجموعة من التجارب والخبرات والنجاح والفشل. فقد يكون الخوف الاجتماعي بسبب استجابة لفكرة خاطئة أو مخاوف بدون أساس منطقي، أو بسبب صراع أو إحباط شديد يسيطر على المريض، وعدم الشعور بالأمان، وخبرات الفرد السلبية التي عانى منها في مرحلة من مراحل حياته، والقلق و الاضطراب النفسي.
فالرهاب الاجتماعي هو حالة نفسية مرضية تؤدي إلى خوف شديد قد يشل الفرد أحياناً، ويتركز الخوف في الشعور بمراقبة الناس، فأن ما يقارب 10% من الناس يرهبون المناسبات الاجتماعية مما يؤثر سلبياً على حياتهم الاجتماعية والعملية والتعليمية وعلاقاتهم الشخصية بصورة كبيرة، وتحدث هذه الحالة عند بعض الإفراد حينما يكونوا محط أنظار وتركيز الآخرين، مثل عدم القدرة على التحدث في المناسبات الاجتماعية أو أمام المسؤولين أو في مناسبة يكون الشخص فيها محط تركيز وتقييم الآخرين. إن شبح مواجهة الناس هو الكابوس المفزع الذي يقلق تلك الفئة من المرضى، مما يجعل بعضهم ينعزل ويرفض الترقية الوظيفية إذا كانت ستجعله في مواجهه اكثر مع الجمهور. تنتاب المريض هذه الحالة عندما يتعرض للمواقف الاجتماعية المختلفة التي يعتقد انه يتعرض فيها إلى نظر وتقييم الناس فيتولد لديه خوف من أن يتصرف أو يتكلم بصورة خاطئة ويصبح محط انتقاد الآخرين عند القيام بالواجبات الاجتماعية كتقديم الشاي والقهوة ومقابلة الضيوف أو الاضطرار لإلقاء كلمة أمام الآخرين، وقد تمتد هذه الحالة إلى تجنب المناسبات الاجتماعية عموماً والهروب والعزلة خشية الإحراج. ويتجنب الأفراد المواقف التي يتوقعون منها المردود السلبي بل يضطرون لتكييف جميع حياتهم ليتجنبوا أي مناسبة اجتماعية تضعهم تحت المجهر، كتركيز النظر عليهم عند حضور الحفلات والأكل والشرب، الحديث مع المسؤولين، والتحدث إلى الجمهور، والعيوب اللغوبة أو ضعف المفردات اللغوية عند التحدث بلغة أجنبية.
إنالمحاولة الجادة إلى تجنب هذه المناسبات بصورة نهائية والشعور بالعزلة يكون مدمراً للحياة الاجتماعية. فعندما يصعب على الفرد التأقلم مع مواقف الحياة فإن ذلك يؤدي إلى تعطيله عن الحركة والنشاط في مختلف النواحي الاجتماعية والعملية مما يثير لديه الهروب والابتعاد من تلك المناسبات الاجتماعية. الرهاب الاجتماعي هو احد الاضطرابات العصبية التي تتميز اعراضه بالشعور بالقلق والخوف والخجل، ومحاولة التهرب من المواقف الاجتماعية . فقد يخاف المريض من الخروج منفرداً، أو يتوقع حصول حادث مؤلم له إذا خرج بمفرده، وقد يسيطر عليه الخوف من أن يصطدم بسيارة، أو أن يسقط فاقد الوعي في الطريق، أو يخاف من حالات تحدث له أمام الناس ولا يستطيع السيطرة عليها كهستيريا البكاء واحمرار الوجه والتعرق والتلعثم أو ظهور سلوك غير طبيعي. فعندما يقوم الفرد بأخذ فنجان الشاي أو القهوة لا يستطيع أو قد تسقط منه، أو مثل الطالب الذي يتحاشى الرد على المعلم ويختبئ خلف التلاميذ لكي لا يراه المعلم ، حتى ولو كان يعرف الجواب جيداً ولكنه يخجل ويخاف التحدث امام الطلبة، أو لا يسأل عما لا يفهمه، وكذلك الشخص الذي يًدعى لوليمة يحاول أن يعتذر ويمتنع عن الحضور. كما يسيطر على الفرد أحيانا خوف شديد عند الاتصال الاجتماعي والالتقاء بعدد من الناس، مما يؤدي به إلى الأرتباك بحيث لا يستطيع التفوه بكلمة، وأن تحدث فإنه يتلعثم وتدفع تلك الحالات المحرجة للمريض إلى تفادي مثل تلك المواقف بالهروب من تلك الاجتماعات وتجنب الاحتكاك والاتصال بالآخرين وبالتالي يؤدي به إلى العزلة والانطواء النفسي. يؤدي الخوف الاجتماعي إلى نتائج سلبية، حيث أنه من الصعب على الشخص الخائف من الاتصال الاجتماعي أن يكون صداقات حميمة وذلك لعدم جرأته من المقابلة والتعرف والنظر في عيون الذين يتعامل معهم ويكون مستوى كلامه منخفض، ويشعر بأنه غير آمن ومنعزل. ويكون الفرد بهذه الحالة غير نافع لأفراد المجتمع وغير منتفع منهم بصورة اجتماعية فعالة، فهو يتجنب أن يشتغل بمهنة تتطلب الاتصال الاجتماعي، ويتغير سلوكه عندما يتصل بالآخرين، ويشعر بالخجل وصعوبة التحدث مع الأشخاص الجدد والحرمان من التعرف بهم، ولا يستطيع التعبير عن أفكاره، ويشعر الفرد بالعزلة والكآبة ويشك من أفراد المجتمع بأنهم ينظرون إليه بتمعن وانتقاد ويراقبون حركاته ومظهره، ويؤدي ذلك إلى فقدان السيطرة والتركيز ولا يستطيع التحكم بكلامه وسلوكه وتفكيره. وقد يضطر مريض الرهاب الاجتماعي إلى برمجة حياته تبعاً لمعاناته ، فتجده يحضر مبكراً إلى أي مناسبة اجتماعية كي يتخلص من عقدة الدخول ومواجهة الجميع والسلام عليهم والترحيب به، أو الحضور متأخراً جداً، كما أنه قبل حضوره أية مناسبة اجتماعية يسأل عن عدد الحضور؟. ومن هم؟ وهل يحتمل أن يضطر إلى الحديث إمامهم؟ وغير ذلك من الأسئلة التي يحتاط بها لنفسه كي لا يقع تحت مجهر النقد والملاحظة من قبل الآخرين. ويتركز خوف المريض من الوقوع في الخطأ، كما يزداد خوفه كلما ازداد عدد الحاضرين. وليست كثرة الناس شرطاً لحدوث الرهاب الاجتماعي فقط بل أنه قد يحدث الرهاب للمريض عند مواجهة شخص واحد فقط أو لمجرد التفكير بالموقف. وتزداد شدة الخوف كلما ازدادت أهمية ذلك الشخص، مثلما يحدث عند حوار مريض الخوف الاجتماعي مع رئيسه في العمل أو لمجرد التفكير بالموقف. وليس شرطاً أن يعاني المريض من جميع الأعراض فربما عانى من بعضها فقط، كما انه ليس شرطاً لحدوثها أن يواجه الفرد الآخرين، بل ربما كان مجرد التفكير في ذلك كافياً لحدوث بعض ذلك الأعراض. لذلك فأن أعراض المرض نابعة من السبب الأصلي وهو الميول المثلية والخوف من افتضاحها. وقد يفشل المريض أحيانا في التحكم بنفسه نظراً لشدة الحالة فينتهي به الأمر إلى عزلة إجتماعية تامة. وكثيراً ما يمتنع الشخص الخجول من مراجعة الأخصائي النفساني ويحاول مقاومة معاناته بمفرده، والغالبية الكبرى من هؤلاء المرضى تبقى معهم المعاناة وتؤثر في علاقاتهم الاجتماعية وعطاءهم الدراسي أو الوظيفي. وكثيراً منهم يصيبه أكتئاب بسبب خجله وخوفه. بينما لو استدركوا الأمر من بدايته وطلبوا العلاج المناسب عند المختصين لأمكن التخلص من هذه المشكلة. كما قد يؤدي هذا الخوف إلى اضطرابات نفسية أخرى كالعزلة أو الإدمان على الكحول والمخدرات سعياً في الهروب أو التخفيف من المخاوف.
يٌصنف المرضى بعض الأحيان بناءاً على نوع الموقف الذي يتعرضون له ويثير شعور الخوف لديهم. فهناك قسم من الأشخاص يحدث لهم خوف وتوتر شديد، إما لفكرة خاطئة أو إنهم يقومون ببعض الأعمال إمام الناس أو إلقاء خطبة مثلاً، وتسمى مجموعة التنفيذ. إما المجموعة الثانية هم مجموعة التفاعل، وهم الأشخاص الذين يخشون أي موقف يمكن أن يكون سبب في تفاعلهم مع المجتمع أو مع أشخاص آخرين مثل الاجتماع والتعرف باشخاص جدد. إن مشكلة الخوف الاجتماعي تظهر بشكل أكبر في فترة المراهقة مع احتمال ظهورها قبل أو بعد هذا السن. وعادة ينشأ الخٌواف عن خبرة صادمة تولد خوفاً شديداً، وتحدث للفرد في فترة الطفولة وإذا لم تعالج المشكلة فقد تستمر طوال الحياة وقد تجر إلى حالات أخرى كالاكتئاب والخوف من الأماكن العامة والمزدحمة. وهناك الكثير من الأشخاص يعانون من هذا الخوف في صمت لأعوام طويلة ولكنهم يبدءون في طلب المساعدة متأخراً أو عند تزايد أزمات الحياة الاجتماعية، وهناك بعض الأشخاص يصابون بمشكلة الخجل والقلق الاجتماعي نتيجة ظهور بعض الأمراض أو المشاكل الطبية والجسدية، مثل مرض الرعاش أو البدانة حيث أن هؤلاء المرضى يخشون من التواجد الاجتماعي وظهورهم بهذا الشكل امام الآخرين، وقد لا يمكن وصف هؤلاء المرضى على أنهم يعانون من الرهاب الاجتماعي وذلك لانهم يتعرضون لهذه الحالة نتيجة مرض جسماني يعانون منه.
العـلاج: نعم وبالتأكيد يمكن علاج الرهاب (الخوف) الاجتماعي بالعلاج الدوائي والعلاج النفسي ( السلوكي-المعرفي ) أو بهما معاً. والوقاية ممكنة إذا أمكن للأسرة والمدرسة والمجتمع المحافظة على ثقة الإنسان بنفسه منذ الطفولة حمايته من الإيذاء النفسي والجسدي فإن احتمالات الاصابة تقل. ويعتمد العلاج على حدة الحالة وهل هي دائمة أم أحيانا فقط، ومدى تأثيرها على حياة الفرد وكذلك مرحلة العمر التي يمر بها المريض. فالخوف الاجتماعي ليس نوعاً سيئاً من الخجل ولكنه حالة مرضية ويجب أن نتعامل معها بجدية وبلطف، ويبدأ العلاج بمعرفة السبب بواسطة التحليل النفسي لأستخراج المشاعر المكبوتة والمتعلقة بالموقف الذي يخاف منه الفرد. إن التفكير الايجابي ومعرفة السبب الأساسي لتلك الحالة يساعد على انجاح العلاج وذلك بمعرفة التنشأة الاجتماعية والحاجات والاتجاهات التي يحملها الفرد.
إن المشاكل لا تنحل بالهروب منها وإنما بمواجهتها وحلها بحكمة وإرادة قوية، وذلك يتطلب محور تثقيفي لتعزيز الإدراك والمساندة للفرد من العائلة والأصدقاء والمدرسة ورجال الدين لفهم ما هو القلق وكيف يؤثر على المريض ومدى شدة حالته. إن دعم وتشجيع الأهل والأصدقاء يساعد كثيراً في العلاج. كما أن إتاحة الفرصة للمريض لشرح مشكلته سيساعده ليشعر بعدم العزلة والخجل من حالته. لذلك يُنصح ويُشجع المريض أن يواصل حياته اليومية بشكل طبيعي بقدر الإمكان، ولهذا فلا يُقبل أن يكيف حياته لتتمشى مع مخاوفه وقلقه.
يتمثل علاج الرهاب الاجتماعي بالتعرف على المواقف والأهداف التي يبتغيها الفرد من وراء الاتصال الاجتماعي، وذلك بتحليل الموقف تحليلاً علمياً دقيقاً بتحديد جوانبه الإيجابية والسلبية، كما يجري التعمق في فهم طبيعة القلق والمخاوف التي تنتاب المريض وشدتها وأي المواقف تؤثر عليه اكثر من غيرها، ويكون ذلك بأشراف أخصائي نفساني أو طبيب مختص. تتم جلسات العلاج النفسي بدعم الفرد وتعريضه تدريجياً لمواطن القلق ومساندته وحسب خطة مسبقة، وكذلك مراقبة الأفكار السلبية ومحاولة تغييرها إلى إيجابية، وهذا المحور السلوكي المعرفي مهم لتخفيف انتكاسات الحالة. ويجب أن يكون المعالج مختص ومتدرب بشكل كافي. ومن الأفضل الجمع بين العلاج النفسي والعلاج الدوائي، حيث يتم تصحيح المفاهيم السلبية لدى المريض وتدريبه على بعض الأساليب الصحيحة وطرق المواجهة والحديث إمام الآخرين، والتي تشمل التدريب لكسب مهارات فردية للتغلب على الضغوط النفسية بالإضافة إلى تمارين الاسترخاء. إما العلاج الدوائي فأنه يتم تحت إشراف طبيب نفساني مختص بإعطاء الأدوية المهدئة للقلق وأدوية تخفض الأعراض العضوية للقلق وأدوية للاسترخاء النفسي والجسدي لإزالة القلق والتوتر.
يتعلم المريض من خلال العلاج السلوكي على طرق الاسترخاء في مواجهة المواقف المثيرة للخوف حتى يتدرب عليها ويكسب المهارات. وفي العلاج المعرفي يتم مناقشة المريض ببعض أفكاره السلبية التي يعتقدها والتي تؤدي به لعدم الثقة بالنفس وتجنبه المواقف الاجتماعية، واستبدال تلك الافكار بأخرى ايجابية تدعم الذات وتؤكدها. اما المحور التثقيفي وفيه يفهم الفرد ما هو القلق والخوف وكيف يؤثر عليه ، ومدى شده حالته وذلك ببرامج تعزيز الثقة بالنفس والتدريب على القدرة على الاتصال والتعبير. ومحور العلاج الاجتماعي أيضاً مهم لتخفيف الضغوط على الفرد وتصحيح ممارسة كثير من الافراد الذين يزيدون القلق لدى المصاب بهذه الحالة.
إن الانتكاس في العلاج ليس معناه فشل العلاج، لكن ربما معناه شدة الرهاب الاجتماعي ويحتاج لعلاج أقوى أو علاج مستمر أو علاج شامل نفسي دوائي أو أن الخوف الاجتماعي مرتبط بأمراض أخرى مثل الاكتئاب. وعلى العموم يشمل البرنامج جوانب علاجية دوائية ونفسية وتتم فيه جلسات فردية أو جماعية مع أفراد يواجهون المشكلة نفسها. إن الأدوية النفسية لها دور إيجابي مع العلاج النفسي في تخفيف الأعراض. وقبل هذا أو بعده، لا تغفل الجوانب الروحانية والإيمانية بالله. كما يشمل برنامج العلاج بالتركيز على اكتساب المزيد من المهارات الاجتماعية كالقدرة على أبداء الرأي والانتقاد البناء والاعتراض على أخطاء الأخرين باسلوب مناسب معتدل، فضلاً عن تمارين الاسترخاء النفسية والجسدية للتقليل من القلق والتوتر والخوف. ومع استمرار وفعالية العلاج يتم التدرج بوضع الحلول المناسبة لكل جزء من المشكلة والتدريب التدريجي لكسب المهارات لمواجهة الخوف أو الموقف المحرج بالتشجيع والترغيب والإقناع وإزالة الأفكار السلبية. ويعتبر العلاج بالتنويم الإيحائي من الطرق المفيدة والنافعة والفعالة. للاسترخاء وتخيل وتصور النجاح عدة مرات (21 مرة )، ويرى الانسان النجاح في كل مرة، لينجح في خيالة ومن ثم المواجهة والمقابلة الفعلية، وبرمجة العقل الباطن بالنجاح وتحقيق الأهداف.
يسهل التفاعل الاجتماعي عملية الاتصال بالآخرين ويساعد على تقوية الذات والتعود على الأسترخاء والتخلص من الخوف تدريجياً حيث تنمو الثقة بالنفس بالتجارب والخبرات الناجحة التي يتعرض لها الفرد وذلك بالتفاعل الاجتماعي وتكوين صداقات وبتشجيع الفرد بالأنتماء إلى النوادي الرياضية والاجتماعية ليصبح عضواً نافعاً فعالاً في المشاركات والمناقشات بعيداً عن الأنفعالات والتوترات. لذلك علينا أن نمارس مهارة التدريب على الاتصال الاجتماعي بمساعدة مشرفين متخصصين، أو ممارسة بعض التمارين في البيت، كالوقوف إمام المرآة للتحدث لها قبل طرح الفكرة على الآخرين، او خلق ظروف مماثلة للموقف الحرج الذي نعتقد أننا سنتعرض له، والطلب من المقربين لنا أن يستمعوا ونحن نلقي كلماتنا بعيداً عن التهكم والانتقاد، وبذلك يمكننا تلافي وتصحيح الأخطاء بالنقد البناء الإيجابي، أن محاولة التكلم مع الجمهور والنظر في عيون الآخرين يؤدي إلى توثيق العلاقة وتقوية عملية الاتصال الاجتماعي بتحسين الذات والثقة بالنفس. وعلينا السيطرة على اللغة التي نتعامل بها مع الناس واختيار المفردات اللغوية الصحيحة بدون تلعثم بالكلام أو القراءة وعدم التفكير السلبي بما يفكر به الناس نحونا، وعلى الفرد أن يتجنب من وصف نفسه بكلمات سلبية أو أن هناك أحداً يحاول أن يستهزأ به أو يحط من قدراته.
---------------------------------