برزت
في الفترة الأخيرة على مسرح الحياة الأدبية والنقدية مصطلح "الأدب النسوي"
ليحتل حيزا واسعا من النقاش بين الأخصائيين والمهتمين الذين تكفلت بهم
الوسائط الإعلامية، وجعلت من أرائهم في الموضوع اتجاها واضحا وصريحا يتضمن
دعوة لتأسيس عالم كتابي نسائي، له ما يميزه في عالم الأدب من خصائص فنية
وجمالية وفكرية وأسلوبية وموضوعاتية.
وإذا كانت هذه الرؤية تستمد
قوامها من القناعة بأن الكتابة الإبداعية في شقها الأدبي تستمد قوامها من
المنظومة الثقافية للفرد التي تؤطرها مجموعة من الأنساق النفسية
والبيولوجية والاجتماعية، فإن الحديث على أدب نسوي مقابلة لأدب رجلي يقود
لهذه نتيجة، وهي نتيجة واضحة لهذه الأنساق التي تضفي عليها لونا إبداعيا من
خاصا، عاكسا لثقافة الانتماء والجنس.
فالكتابة عند المرأة كممارسة
لها حوافزها وإسقاطاتها، وهي غير الحوافز والإسقاطات التي يبنى عليها فعل
الكتابة عن الرجل، هذا فضلا عن خصوصية الرؤيا التي تختلف بين الرجل
والمرأة، إذ لكل منهما زاوية نطر خاصة، وهي الزاوية التي يفرزها الوعاء
الثقافي المشحون بقوة التجربة، ودرجة التفاعل، والمكون البيولوجي والنفسي
عند الرجل، وعند المرأة.
وإذا كانت حجج المنتصرين لهذا
الاتجاه تصطدم بمن يعارضها مستندا في ذلك على أن الفعل الإبداعي بمختلف
أنماطه هو تأسيس فني لرؤيا جمالية تقوم على توطيد العناصر الكونية،
وتوطينها على مستوى النص بالشكل الذي يمنح المتلقي وعيا جديدا، وإدراكا
متميزا بما يحيط به، أو بما يوجد فيه، وقابل لتأسس عبر مقامات اللغة، فإن
الحديث عن خصوصية الكتابة النسوية هو في حد ذاته قتل للوظيفة الإبداعية
التي لا تنيني على جنس الكاتب بقدر ما تنبني على قدرته على تقديم ما هو
قابل لأن يزكى في مختلف مستويات النقد اللغوية والجمالية والموضوعاتية .
هذا ما خلص إليه موقع الإذاعة
في ندوته التي محورها حول مصطلح الأدب النسوي، وحدود الفوارق بينه وبين
الأدب الرجالي، ونشطها كل من الدكتور إبراهيم صحراوي من الجزائر، والأستاذة
سوزان محمود المشهدي من السعودية ، والأديبة نور ضياء الهاشمي السامرائي
من العراق ، حيث خلص الثلاثة إلى أنه من الصعوبة الجزم بوجود فوارق جمالية
بين ما يكتبه الرجل، وما تكتبه المرأة، وإن اختلفوا في زوايا النظر.
إبراهيم صحراوي: من الصعب (عمليا) الجزم بوجود فوارق فنية جمالية بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل
يرى الدكتور إبراهيم صحراوي، الأستاذ بكلية الآداب واللغات بجامعة الجزائر
أنه يمكن قراءة عبارة "الأدب النسوي" في مستويين اثنين أو من زاويتين،
يتعلق المستوى الأول بجنس المرأة، أي اعتبار كلّ ما تكتبه المرأة أدبا
نسويا مهما كان موضوعه.
أما المستوى الثاني فهو
موضوعاتي مضاميني، حيث يحيل على قضايا نسوية خالصة، بمعنى أن تكون كلّ
موضوعاته متعلٍّقة بالمرأة وشؤونها، سواء أصدر عن كاتبة امرأة أم عن كاتب
رجل، خصوصا منه ما اندرج ضمن ما يُسمَّى بالأدب النسوي المناضل، أي الأدب
المتبنِّي لقضايا الحركة النسوية ومطالبها المختلفة.
ويضيف الدكتور: إنه على الرغم
من ارتباط القوة والخشونة، وحتى التفوق والقدرة، في الوعي الجمعي العربي
والشرقي عامة بالفحولة والذكورة، والضعف والرقة بالأنوثة، نظريا، فإنَّه من
الصَّعب (عمليا) الجزم بوجود فوارق فنية جمالية بين ما تكتبه المرأة وما
يكتبه الرجل، لأن الجودة والرداءة والنجاح والفشل والإتقان والقصور والقوة
والضّعف والرقة والخشونة والتفوق ونقيضه أمور تجدها هنا وهناك لدى هؤلاء
وأولئك.
ويرفض الأستاذ بجامعة الجزائر
القول بأن كلّ طرف من أطراف الثنائيات السابقة حكر على جنس دون الآخر، كما
يرفض القول بأنَّ موضوعات بعينها حكر على الرجال وموضوعات أخرى بعينها حكر
على النسوة، بل إن العكس هو الصحيح فبإمكان أي كاتب أو كاتبة تناول أي
موضوع من الموضوعات.
كما يقلل صحراوي من حدة
الاختلاف بين الموضوعات المطروقة من هذا الجنس أو ذاك، فهي نسبية وغير
مطلقة، مستبعدا في الآن ذاته أن يكون جنس الكاتب فيه هو الفيصل بالضرورة في
كلّ الحالات.
وعلى خلفية ذلك يضيف الأستاذ
إلى لأن ما يراه البعض تفوقا رجاليا (ولا أقول رجوليا) من الرجال الكتاب
على النساء الكاتبات، هو لا يعدو أن يكون تفوق عددي كمِّي، وليس تفوق وليس
تفوق فنيا كيفي نوعي، ومرد هذا إلى ظروف عديدة (اجتماعية ثقافية، على
الخصوص) ميزت المجتمعات الإسلامية والعربية (والمجتمعات الإنسانية الأخرى
أيضا لكن بنسب متفاوتة وأشكال مختلفة) على مرّ العصور أعطت للرجل حظوظا
أوفر ومساحات أوسع وحضورا أبين ممَّا أعطت للمرأة.
ويختم ضيف الإذاعة الجزائرية
بالقول: إنَّ ربط عبارة "الأدب النسوي" بثنائية: رجل/امرأة أو ذكر/أنثى أو
ثنائية جودة/ رداءة أو بباقي الثنائيات المذكورة أمر فيه كثير من الشَّطط
والتجاوز، ونظرة واحدة على المُنجز الأدبي الثقافي والفكري العربي
(والإنساني) على مرِّ العصور تؤيِّد هذا الذي قلناه.
سوزان محمود المشهدي: الأدب والإبداع لا يتعلقان بجنس
من
جهتها تذهب الكاتبة السعودية والأخصائية الاجتماعية سوزان محمود المشهدي
على أن الأدب والإبداع غير متعلقان بجنس معين، ولكنها تنبه في الآن ذاته
على توصيف الأدب الذي تكتبه النساء بالمغرق في تفاصيل التتناول، لأن النساء
– تقول سوزان - في الأغلب وليس على العموم (يتناولن القضايا، وعيونهن على
التفاصيل الكثيرة التي يضعنها في الاعتبار أثناء الكتابة، ويستحضرن النماذج
حتى يتم ربط الموضوع ببعض)، وهذا بخلاف الكتاب الرجال الذي يتمركز وعيهم
الإبداعي حول فكرة رئيسية بعيدا عن لغة التفاصيل .
وحول الفوارق بين هذا وذك تضيف
الكاتبة والإعلامية بصحيفة الحياة: إن الفوارق متعلقة بأسلوب الكتابة، وطرق
الصياغة والتركيز على الفكرة، مدعمة ذلك بما خلصت إليه في تجربتها في
الكتابة والقراءة التي تحولت من الرؤية من زاوية عدم التفريق بين نوعين من
الأدب نسائي ورجالي، إلى الوقوف على الفوارق الكامنة بين هذين النمطين من
الكتابة، وهي فوارق لا يقف عن حدودها إلا المحلل الخبير بالبنى العميقة
للنسيج النصي، ومختلف السياقات المحيطة به.
نور الهاشمي السامرائي: هناك خصوصية إبداعية لدى المرأة نابعة من جنسها
من
جهتها تذهب الأديبة والشاعرة العراقية نور ضياء الهاشمي السامرائي إلى
التشديد على مصطلح الأدب النسوي الجاد، من منطلق خصوصية الإدراك عن المرأة
لبعض القضايا الحياتية بعيدا عن كل القوالب الثقافي الاجتماعية المهيمنة،
إذ المرأة في هذا السياق عالم ثان، قابل للانكشاف الجاد في رحم الكتابة عن
معاناتها، ومعانات أطفالها، ومعاناة المسنين أيضا، وكل هذا الموضوعات تكسي
لونا خاصا مميزا في التناول النسائي.
وحول خصوصية الأدب النسوي ومما
يجعل منه ذا تميز خاص عن الأدب الرجالي ترى الأديبة إلى أنه بعد ما تعلمت
المرأة الكثير من الأدب الرجالي بدأت تبدع في دمج النمطين، الأول الذي هو
خصوصية نسائية تؤطرها الأبعاد العاطفية الأخاذة والجارفة، والثاني الذي هو
محل إجماع بين كافة الشرائح الاجتماعية، وله ضوابط التقليدية، وهي ضوابط
ساهمت من الزاوية التاريخية في التعتيم على الخصوصية العاطفية للمرأة، بل
تقديمها تقديما متحفظا .