هو أبو
حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس،
وأمه ليلى أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولد عمر بن عبد العزيز سنة
62هـ ،على خلاف في ذلك، وكانت ولادته في المدينة، على خلاف في ذلك أيضاً ،
حيث ترى بعض الروايات أنه ولد في حلوان في مصر، ، والراجح أنه ولد في
المدينة لأن والده لم يتول ولاية مصر إلا سنة 65هـ.
ولما شب
وعقل، وهو بعد غلام صغير، كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه
منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي يريد عبد
الله بن عمر، فتؤفف به وتقول له: أعزب، أنت تكون مثل خالك؟!
فلما كبر
سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها ثم كتب إلى زوجته أم
عاصم أن تقدم عليه بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها
إليها، فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به، فلما أرادت الخروج قال
لها: خلفي هذا الغلام عندنا، يريد عمر، فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته
عنده ولم تخالفه، فلما قدمت على عبد العزيز أخبرته بخبر عمر، فسر بذلك وكتب
إلى أخيه عبد الملك بن مروان يخبره بأمره، فكتب عبد الملك أن يجرى عليه
ألف دينار في كل شهر، ثم قدم عمر على أبيه بعد ذلك مسلماً عليه فأقام عنده
ما شاء الله.
هذه إحدى
روايتين في مولد عمر، والثانية أنه ولد بحلوان، قرية بمصر، وأبوه أميراً
عليها، ثم بعث به إلى المدينة ليتأدب بها. والرواية الأولى أصح كما أسلفنا.
نشأته وطلبه للعلم :
عني أبوه بتربيته واستصلاحه منذ نشأته، فكتب إلى صالح بن كيسان بالمدينة أن
يتعاهده ويرعاه، وكان صالح يلزمه الصلاة، فأبطأ يوماً عنها فقال: ما حبسك؟
قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ بك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على
الصلاة! وكتب إلى أبيه بذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولاً فلم يبارحه حتى
حلق شعره.
وقد استفاد عمر بن عبد العزيز كثيراً من العلماء الذين كانوا بالمدينة
المنورة التي كانت في ذلك الوقت مركزاً لعلم والعلماء وقد تفقه عمر في
الدين على يد أساتذة أجلاء من الصحابة. ومنهم أنس بن مالك، وعبد الله بن
عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومن كبار التابعين ومنهم:
سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر كما أخذ عمر بحظه
من الثقافة الأدبية وملأ سجله منها، وقد حدث عن نفسه فقال: "لقد رأيتني
وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان ثم تاقت نفسي إلى العلم بالعربية والشعر
فأصبت منه حاجتي". صفاته وأخلاقه: كان عمر بن عبد العزيز كريم الشمائل،
حميد السجايا، رفيع الخلق فاضله، ولا نغالي إذا قلنا إنه يعد في عصره المثل
الأعلى للرجل الكامل، إذ اجتمع له من مكارم الأخلاق وشريف الآداب ما لم
يعرف لأحد من معاصريه، وها نحن نورد طرفاً من أخباره نتبين منه في جلاء أنه
بلغ الذروة من شم الشيم، وعالي الهمم فنقول:
كان عمر
لا ينكث وعده، ولا ينقض عهده، يعتقد الحق فيجاهر به ولا يتهيب فيه غضبة
السلطان ونقمته، فقد أراده الوليد بن عبد الملك إبان خلافته على أن يبايع
لابنه عبد العزيز ويخلع أخاه سليمان من ولاية العهد فقال له: يا أمير
المؤمنين إنا بايعنا لكما في عقدة واحدة فكيف نخلعه ونتركك!. -
وكان عمر
ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا
توبة، فأتي سليمان بحروري مستقتل، فقال سليمان: علي بعمر بن عبد العزيز،
فلما أتي عمر عاود سليمان الحروري فقال: ماذا تقول؟ قال: ماذا أقول يا فاسق
يا ابن الفاسق! فقال سليمان لعمر: ما ترى يا أبا حفص؟ فسكت، فقال: أقسمت
عليك لتخبرني ماذا ترى عليه؟ فقال: أرى أن تشتمه كما شتمك، وتشتم أباه كما
شتم أباك، فقال سليمان، ليس إلا؟ قال: ليس إلا فلم يرجع سليمان إلى قوله،
وأمر بالحروري فضرب عنقه.
فأنت ترى أن عمر قد أخذ في حكمه بمبدأ المساواة المطلقة ولم يفرق في موقف
الخصومة بين الخليفة الأكبر وبين الحروري البادئ بجرمه المقذع في شتمه.
حاله بعد
الخلافة :- ذكرنا نبذة يسيرة من أخلاقه قبل أن يلي الخلافة وأما بعد ا
لخلافة فقد كان على نفس ما ألفه من الأخلاق النبيلة والشمائل الغراء وكان
أبرز ما فيه، رعايته الحق وذوده عنه، وإقراره العدل بين رعيته، ورفعه
المظالم عن كواهلهم.. ولقد رووا كثيراً من أخباره المنبئة بمبالغته في
التورع والتحرج من أن ينال شيئاً من غير حله، من ذلك أنه جاءه تفاح من
الفيء، فجعل يقسمه بين المسلمين، فجاء ابن له صغير فتناول تفاحة فانتزعها
من فيه، فسعى إلى أمه مستعبراً باكياً، فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحاً،
فلما رجع عمر وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة هل أتيت شيئاً من هذا الفيء؟
قالت: لا، وقصت عليه القصة، فقال: والله لقد انتزعتها من ابني لكأنما
انتزعتها من قلبي، لكن كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فيء
المسلمين. وكان لا يحابي في الحق قريباً لقرابته، ولا عظيماً لعظمته، بل
يحق الحق للحق، ويسوي في عدله بين الجميع، وقد خاصم مسلمة بن عبد الملك
عنده أهل دير إسحق، فقال له عمر، وهو ابن عمه وصهره، لا تجلس على الوسائد
وخصماؤك بين يدي، ولكن وكل بخصومتك من شئت، وإلا فجاث القوم بين يدي، فوكل
مولى له بخصومته، فقضى عليه.
وكان
يتقدم إلى الحرس إذا خرج عليهم ألا يقوموا له ويقول لهم: لا تبتدأوني
بالسلام، إنما السلام علينا لكم. وقال يوماً لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا،
قال: لو أنك كذلك لم تقله.
ترفه قبل استخلافه وبعده:
ذكروا أن عمر كان أعظم أموي ترفهاً، غذي بالملك ونشأ فيه، لا يعرف إلا وهو
تعصف ريحه، فتوجد رائحته في المكان الذي يمر فيه ويمشي مشية تسمى العمرية،
وقد ترك كل شيء كان فيه لما استخلف غير مشيته، فإنه لم يستطع تركها، فربما
قال لمزاحم: ذكرني إذا رأيتني أمشي فيذكره، فيخلطها، ثم لا يستطيع إلا
إياها فيرجع إليها. وكان يطبع بخاتمه فيعلق العنبر بالطينة، فلم يزل على
ذلك حتى ولي الخلافة فزهد في الدنيا ورفضها. وحدث رجل قال: رأيته في
المدينة وهو أحسن الناس لباساً، ومن أطيب الناس ريحاً، ومن أخيل الناس في
مشيته، ثم رأيته بعد ذلك يمشي مشية الرهبان.
وحدث شيخ
كان في حرس عمر قال: رأيته حين ولي فإذا به من حسن اللون وجودة الثياب
والبزة، ثم دخلت عليه بعد وقد ولي فإذا هو قد احترق واسود ولصق جلده بعظمه
حتى ليس بين الجلد والعظم لحم. كل هذا يصور لك بجلاء أنه لم ينس نصيبه من
الدنيا في شرخ صباه فلما أن ولي الخلافة خرج من جميع ما كان فيه من النعيم
في الملبس والمأكل والمتاع.
خلافته:
كان الخليفة سليمان بن عبد الملك بناء على مشورة من العالم الجليل رجاء بن
حيوة الكندي، الذي كان مقرباً من سليمان يأتمنه ويأخذ برأيه، قد عهد
بالخلافة من بعده إلى عمر بن عبد العزيز وبايع الناس على ذلك فلما أعلنت
وفاته تلي الكتاب الذي حصلت البيعة عليه فإذا فيه أن الخليفة عمر بن عبد
العزيز فحاول رحمه الله أن يزيحها عنه فلم ينفع وقام ا لناس فيايعوه فقال
لهم إذا بايع أهل الأمصار ورضوا بي خليفة وإلا فأنا منها بريئ فما لبث أن
جاءته البيعة من أهل الأمصار أيضا واتفق الناس عليه . فلما لم يجد بدا من
تولي الخلافة على كره منه رحمه الله قام بها على أحسن وجه فأعاد سيرة
الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وكان يتمثل الوقوف أمام الله يوم الحساب
في كل شيء يفعله.
أهم أعماله والأحداث في عهده:
أولاً: الناحية الاجتماعية: عندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، بدأ
بنفسه وأهل بيته، فأعاد الأراضي التي وهبت له ولزوجته وأولاده من بيت مال
المسلمين، وطلب من بني أمية إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه
حق، كما جلس ينظر في مظالم الرعية، فأعاد إلى الناس ما اغتصبه أفراد أسرته
منهم، وطلب من موظفي الدولة والعمال مراعاة الحذر في أموال الدولة، وعدم
استخدامها للحاجات الشخصية، وعزل الولاة الظالمين والعمال القساة وعين
بدلاً منهم ولاة جدداً، وكان يراقب تصرفاتهم، كما قضى ديون المعسرين من بيت
المال، وشملت رعايته أهل السجون، فكان ينفق عليهم ويكسوهم ويتعهد مريضهم.
ثانياً: الدعوة إلى الإسلام: سلك عمر في دعوة الناس إلى الإسلام طريقين هما:
ثالثاً: الناحية الاقتصادية والمالية:-
اهتم الخليفة عمر بالمجال الاقتصادي والمالي، حيث وحد المكاييل والموازين
في جميع أنحاء الدولة الأموية، واستصلح الأراضي للزراعة، وساعد الناس
بإقراض المزارعين وحفر الآبار لهم، فازداد دخل الدولة كما ازداد دخل الناس
حتى لم يعثر على مستحق للزكاة في عهده. رابعاً الناحية العلمية: اهتم
الخليفة عمر بالناحية العلمية، فشجع الناس على حفظ القرآن الكريم كما اهتم
بتدوين الحديث النبوي وجمعه، وأوكل ذلك إلى واليه على المدينة "أبو بكر بن
حزم". 1- إسقاط
الجزية عمن أسلم من أهل البلدان المفتوحة، وقد أسفر هذا العمل عن دخول كثير
من سكان تلك البلدان في الإسلام، وعندما أرسل له أحد عماله أن الخراج قد
نقص بسبب رفع الجزية عمن أسلم، أجابه عمر: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم
يبعثه جابياً". 2- مكاتبة الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام بالطرق
السلمية، متبعاً في ذلك قول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وقد أسلم عدد من ملوك السند
وبإسلامهم أسلم كثير من شعوبهم.
وفاته:
في سنة
101هـ توفي الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، بعد حكم دام
سنتين وخمسة أشهر، عم الرخاء والعدل والمساواة جميع أقاليم الدولة الأموية.
وكان رحمه من أفضل خلفاء بني أمية حتى قال فيه محمد بن علي بن الحسين:
"أما علمت أن لكل قوم نجيباً وأن نجيب بني أمية عمر بن عبد العزيز"
حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس،
وأمه ليلى أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولد عمر بن عبد العزيز سنة
62هـ ،على خلاف في ذلك، وكانت ولادته في المدينة، على خلاف في ذلك أيضاً ،
حيث ترى بعض الروايات أنه ولد في حلوان في مصر، ، والراجح أنه ولد في
المدينة لأن والده لم يتول ولاية مصر إلا سنة 65هـ.
ولما شب
وعقل، وهو بعد غلام صغير، كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه
منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي يريد عبد
الله بن عمر، فتؤفف به وتقول له: أعزب، أنت تكون مثل خالك؟!
فلما كبر
سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها ثم كتب إلى زوجته أم
عاصم أن تقدم عليه بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها
إليها، فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به، فلما أرادت الخروج قال
لها: خلفي هذا الغلام عندنا، يريد عمر، فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته
عنده ولم تخالفه، فلما قدمت على عبد العزيز أخبرته بخبر عمر، فسر بذلك وكتب
إلى أخيه عبد الملك بن مروان يخبره بأمره، فكتب عبد الملك أن يجرى عليه
ألف دينار في كل شهر، ثم قدم عمر على أبيه بعد ذلك مسلماً عليه فأقام عنده
ما شاء الله.
هذه إحدى
روايتين في مولد عمر، والثانية أنه ولد بحلوان، قرية بمصر، وأبوه أميراً
عليها، ثم بعث به إلى المدينة ليتأدب بها. والرواية الأولى أصح كما أسلفنا.
نشأته وطلبه للعلم :
عني أبوه بتربيته واستصلاحه منذ نشأته، فكتب إلى صالح بن كيسان بالمدينة أن
يتعاهده ويرعاه، وكان صالح يلزمه الصلاة، فأبطأ يوماً عنها فقال: ما حبسك؟
قال: كانت مرجلتي تسكن شعري، فقال: بلغ بك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على
الصلاة! وكتب إلى أبيه بذلك، فبعث إليه عبد العزيز رسولاً فلم يبارحه حتى
حلق شعره.
وقد استفاد عمر بن عبد العزيز كثيراً من العلماء الذين كانوا بالمدينة
المنورة التي كانت في ذلك الوقت مركزاً لعلم والعلماء وقد تفقه عمر في
الدين على يد أساتذة أجلاء من الصحابة. ومنهم أنس بن مالك، وعبد الله بن
عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ومن كبار التابعين ومنهم:
سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر كما أخذ عمر بحظه
من الثقافة الأدبية وملأ سجله منها، وقد حدث عن نفسه فقال: "لقد رأيتني
وأنا بالمدينة غلام مع الغلمان ثم تاقت نفسي إلى العلم بالعربية والشعر
فأصبت منه حاجتي". صفاته وأخلاقه: كان عمر بن عبد العزيز كريم الشمائل،
حميد السجايا، رفيع الخلق فاضله، ولا نغالي إذا قلنا إنه يعد في عصره المثل
الأعلى للرجل الكامل، إذ اجتمع له من مكارم الأخلاق وشريف الآداب ما لم
يعرف لأحد من معاصريه، وها نحن نورد طرفاً من أخباره نتبين منه في جلاء أنه
بلغ الذروة من شم الشيم، وعالي الهمم فنقول:
كان عمر
لا ينكث وعده، ولا ينقض عهده، يعتقد الحق فيجاهر به ولا يتهيب فيه غضبة
السلطان ونقمته، فقد أراده الوليد بن عبد الملك إبان خلافته على أن يبايع
لابنه عبد العزيز ويخلع أخاه سليمان من ولاية العهد فقال له: يا أمير
المؤمنين إنا بايعنا لكما في عقدة واحدة فكيف نخلعه ونتركك!. -
وكان عمر
ينهى سليمان بن عبد الملك عن قتل الحرورية ويقول: ضمنهم الحبوس حتى يحدثوا
توبة، فأتي سليمان بحروري مستقتل، فقال سليمان: علي بعمر بن عبد العزيز،
فلما أتي عمر عاود سليمان الحروري فقال: ماذا تقول؟ قال: ماذا أقول يا فاسق
يا ابن الفاسق! فقال سليمان لعمر: ما ترى يا أبا حفص؟ فسكت، فقال: أقسمت
عليك لتخبرني ماذا ترى عليه؟ فقال: أرى أن تشتمه كما شتمك، وتشتم أباه كما
شتم أباك، فقال سليمان، ليس إلا؟ قال: ليس إلا فلم يرجع سليمان إلى قوله،
وأمر بالحروري فضرب عنقه.
فأنت ترى أن عمر قد أخذ في حكمه بمبدأ المساواة المطلقة ولم يفرق في موقف
الخصومة بين الخليفة الأكبر وبين الحروري البادئ بجرمه المقذع في شتمه.
حاله بعد
الخلافة :- ذكرنا نبذة يسيرة من أخلاقه قبل أن يلي الخلافة وأما بعد ا
لخلافة فقد كان على نفس ما ألفه من الأخلاق النبيلة والشمائل الغراء وكان
أبرز ما فيه، رعايته الحق وذوده عنه، وإقراره العدل بين رعيته، ورفعه
المظالم عن كواهلهم.. ولقد رووا كثيراً من أخباره المنبئة بمبالغته في
التورع والتحرج من أن ينال شيئاً من غير حله، من ذلك أنه جاءه تفاح من
الفيء، فجعل يقسمه بين المسلمين، فجاء ابن له صغير فتناول تفاحة فانتزعها
من فيه، فسعى إلى أمه مستعبراً باكياً، فأرسلت إلى السوق فاشترت له تفاحاً،
فلما رجع عمر وجد ريح التفاح، فقال: يا فاطمة هل أتيت شيئاً من هذا الفيء؟
قالت: لا، وقصت عليه القصة، فقال: والله لقد انتزعتها من ابني لكأنما
انتزعتها من قلبي، لكن كرهت أن أضيع نفسي من الله عز وجل بتفاحة من فيء
المسلمين. وكان لا يحابي في الحق قريباً لقرابته، ولا عظيماً لعظمته، بل
يحق الحق للحق، ويسوي في عدله بين الجميع، وقد خاصم مسلمة بن عبد الملك
عنده أهل دير إسحق، فقال له عمر، وهو ابن عمه وصهره، لا تجلس على الوسائد
وخصماؤك بين يدي، ولكن وكل بخصومتك من شئت، وإلا فجاث القوم بين يدي، فوكل
مولى له بخصومته، فقضى عليه.
وكان
يتقدم إلى الحرس إذا خرج عليهم ألا يقوموا له ويقول لهم: لا تبتدأوني
بالسلام، إنما السلام علينا لكم. وقال يوماً لرجل: من سيد قومك؟ قال: أنا،
قال: لو أنك كذلك لم تقله.
ترفه قبل استخلافه وبعده:
ذكروا أن عمر كان أعظم أموي ترفهاً، غذي بالملك ونشأ فيه، لا يعرف إلا وهو
تعصف ريحه، فتوجد رائحته في المكان الذي يمر فيه ويمشي مشية تسمى العمرية،
وقد ترك كل شيء كان فيه لما استخلف غير مشيته، فإنه لم يستطع تركها، فربما
قال لمزاحم: ذكرني إذا رأيتني أمشي فيذكره، فيخلطها، ثم لا يستطيع إلا
إياها فيرجع إليها. وكان يطبع بخاتمه فيعلق العنبر بالطينة، فلم يزل على
ذلك حتى ولي الخلافة فزهد في الدنيا ورفضها. وحدث رجل قال: رأيته في
المدينة وهو أحسن الناس لباساً، ومن أطيب الناس ريحاً، ومن أخيل الناس في
مشيته، ثم رأيته بعد ذلك يمشي مشية الرهبان.
وحدث شيخ
كان في حرس عمر قال: رأيته حين ولي فإذا به من حسن اللون وجودة الثياب
والبزة، ثم دخلت عليه بعد وقد ولي فإذا هو قد احترق واسود ولصق جلده بعظمه
حتى ليس بين الجلد والعظم لحم. كل هذا يصور لك بجلاء أنه لم ينس نصيبه من
الدنيا في شرخ صباه فلما أن ولي الخلافة خرج من جميع ما كان فيه من النعيم
في الملبس والمأكل والمتاع.
خلافته:
كان الخليفة سليمان بن عبد الملك بناء على مشورة من العالم الجليل رجاء بن
حيوة الكندي، الذي كان مقرباً من سليمان يأتمنه ويأخذ برأيه، قد عهد
بالخلافة من بعده إلى عمر بن عبد العزيز وبايع الناس على ذلك فلما أعلنت
وفاته تلي الكتاب الذي حصلت البيعة عليه فإذا فيه أن الخليفة عمر بن عبد
العزيز فحاول رحمه الله أن يزيحها عنه فلم ينفع وقام ا لناس فيايعوه فقال
لهم إذا بايع أهل الأمصار ورضوا بي خليفة وإلا فأنا منها بريئ فما لبث أن
جاءته البيعة من أهل الأمصار أيضا واتفق الناس عليه . فلما لم يجد بدا من
تولي الخلافة على كره منه رحمه الله قام بها على أحسن وجه فأعاد سيرة
الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم وكان يتمثل الوقوف أمام الله يوم الحساب
في كل شيء يفعله.
أهم أعماله والأحداث في عهده:
أولاً: الناحية الاجتماعية: عندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، بدأ
بنفسه وأهل بيته، فأعاد الأراضي التي وهبت له ولزوجته وأولاده من بيت مال
المسلمين، وطلب من بني أمية إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه
حق، كما جلس ينظر في مظالم الرعية، فأعاد إلى الناس ما اغتصبه أفراد أسرته
منهم، وطلب من موظفي الدولة والعمال مراعاة الحذر في أموال الدولة، وعدم
استخدامها للحاجات الشخصية، وعزل الولاة الظالمين والعمال القساة وعين
بدلاً منهم ولاة جدداً، وكان يراقب تصرفاتهم، كما قضى ديون المعسرين من بيت
المال، وشملت رعايته أهل السجون، فكان ينفق عليهم ويكسوهم ويتعهد مريضهم.
ثانياً: الدعوة إلى الإسلام: سلك عمر في دعوة الناس إلى الإسلام طريقين هما:
ثالثاً: الناحية الاقتصادية والمالية:-
اهتم الخليفة عمر بالمجال الاقتصادي والمالي، حيث وحد المكاييل والموازين
في جميع أنحاء الدولة الأموية، واستصلح الأراضي للزراعة، وساعد الناس
بإقراض المزارعين وحفر الآبار لهم، فازداد دخل الدولة كما ازداد دخل الناس
حتى لم يعثر على مستحق للزكاة في عهده. رابعاً الناحية العلمية: اهتم
الخليفة عمر بالناحية العلمية، فشجع الناس على حفظ القرآن الكريم كما اهتم
بتدوين الحديث النبوي وجمعه، وأوكل ذلك إلى واليه على المدينة "أبو بكر بن
حزم". 1- إسقاط
الجزية عمن أسلم من أهل البلدان المفتوحة، وقد أسفر هذا العمل عن دخول كثير
من سكان تلك البلدان في الإسلام، وعندما أرسل له أحد عماله أن الخراج قد
نقص بسبب رفع الجزية عمن أسلم، أجابه عمر: "إن الله بعث محمداً هادياً ولم
يبعثه جابياً". 2- مكاتبة الملوك والأمراء يدعوهم إلى الإسلام بالطرق
السلمية، متبعاً في ذلك قول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وقد أسلم عدد من ملوك السند
وبإسلامهم أسلم كثير من شعوبهم.
وفاته:
في سنة
101هـ توفي الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، بعد حكم دام
سنتين وخمسة أشهر، عم الرخاء والعدل والمساواة جميع أقاليم الدولة الأموية.
وكان رحمه من أفضل خلفاء بني أمية حتى قال فيه محمد بن علي بن الحسين:
"أما علمت أن لكل قوم نجيباً وأن نجيب بني أمية عمر بن عبد العزيز"