لقد حدَّدت النصوص الإسلامية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآل البيت (
عليهم السلام ) آداباً للدعاء ، وقررت شروطاً لابد للداعي أن يراعيها كي
يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء .
وإذا أهملها الداعي ، فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا تحصل
له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في الدعاء .
وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
الأول : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب
الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ، ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ ) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( كان أبي إذا طلب الحاجة .. قدَّم شيئاً فتصدق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ) .
الثالث : الصلاة :
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثم
سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجل وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم
سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب ) .
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) : ( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) .
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد
الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى : على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :
(( وللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا )) [ الأعراف : 180 ] .
وقوله تعالى : (( قُلِ ادعُوا اللهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمَنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) [ الإسراء : 110 ] .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له ) .
السابع : الصلاة على النبي وآله ( عليهم السلام ) :
لابد للداعي أن يصلي على محمد وآله ( عليهم السلام ) بعد الحمد والثناء على
الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولأهل
بيته المعصومين ( عليهم السلام ) الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا
فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لا يزال الدعاء محجوباً ، حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي ) .
الثامن : التوسل بمحمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) هم سفن النجاة لهذه الأمَّة .
فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم ( عليهم السلام ) ، ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي ،
وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم ) .
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً ، مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم
الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار )
.
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر - بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله
( عليهم السلام ) والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن
لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء ،
ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء .
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظن به سبحانه :
وهذا يعني أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته .
فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الله عزَّ وجل : من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع ، استجبت له ) .
وقيل للاِمام الصادق ( عليه السلام ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم تدعون من لا تعرفونه ) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة : على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ، ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء .
قال رجل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إن الله يقول : (( ادعُونِي استَجِب لَكُم )) وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفى الله لكم ) .
الثالث عشر : الإقبال على الله :
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه ، وقلبه مشغول بشؤون الدنيا .
فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقي الذي ينسجم
فيه اللسان انسجاماً تاماً مع القلب ، فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه
الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء
بظهر قلبٍ ساهٍ . فإذا دعوت ، فأقبل بقلبك ، ثم استيقن بالإجابة ) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره ، وأن
يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي
لا تملك ضراً ولا نفعاً .
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ،
وكان مدعوُّه ربَّه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار
الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء .
الخامس عشر : تسمية الحوائج :
إن الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل
الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه
تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى
لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد
العبد إذا دعاه ، لكنه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ
حاجتك ) .
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ،
والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأن رقَّة القلب سبب
في الإخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنها رحمة ) .
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية
الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأن الدمعة لسان المذنب الذي
يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه . والدمعة سفير رِقَّةِ القلب
الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي بصير :
( إن خفتَ إمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه
كما هو أهله ، وصلِّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وَسَل حاجتَكَ ،
وتباكَ ولو مثل رأس الذباب . إن أبي كان يقول : إن أقرب ما يكون العبد من
الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ ) .
الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
وهذا من أهم آداب الدعاء ، لأنه يدل على التضامن ونشر المودَّة والمحبة بين
المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم . وذلك من منازل
الرحمة الإلهية ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه
الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنه أوجب للدعاء ) .
التاسع عشر : التضرع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، فقد قال تعالى : (( وَاذكُر
رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً )) [ الأعراف : 205 ] .
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه ، في قوله تعالى : (( وَلَقَد
أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا
يَتَضَرَّعُونَ )) [ المؤمنون : 76 ] .
وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله عزَّ
وجل : (( فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) فقال (
عليه السلام ) :
( الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) .
العشرون : الإسرار بالدعاء : فيستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً .
فقال تعالى : (( ادعُوا ربَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفيَةً )) [ الأعراف : 55 ] .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية ) .
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدُّعاءِ :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسلاً ، وذلك
لأن العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من
التضرُّع والرقة . كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء ، أو
نسيان لبعض أجزائه .
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الإجابة فيترك الدعاء ، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء .
وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً ، فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلما استبطأ كماله وإدراكه ، تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط
ويترك الدعاء ) ، فقلتُ : كيف يستعجل ؟ قال ( عليه السلام ) : ( يقول قد
دعوت منذ كذا وكذا ، وما أرى الاِجابة ) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ، لأن
ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله :
(( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيهِ ثُمَّ
إِذَا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ
)) [ الزمر : 8 ] .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لرجل يَعِظُهُ :
( لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً ) .
الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ، لما في
ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة
الدعاء عند الشدة .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) .
الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَج :
ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق
( عليه السلام ) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزَّ وجل أحبُّ إليه من
كفٍّ فيها عقيق ) .
ولقوله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال الله
عزَّ وجل : ( إني لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا
خائبة )
عليهم السلام ) آداباً للدعاء ، وقررت شروطاً لابد للداعي أن يراعيها كي
يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء .
وإذا أهملها الداعي ، فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا تحصل
له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في الدعاء .
وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
الأول : الطهارة :
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب
الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ، ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ ) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد :
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( كان أبي إذا طلب الحاجة .. قدَّم شيئاً فتصدق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ) .
الثالث : الصلاة :
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثم
سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجل وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم
سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانّه ، ومن طلب الخير في مظانّه لم يخب ) .
الرابع : البسملة :
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) : ( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) .
الخامس : الثناء على الله تعالى :
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد
الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى : على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى ، لقوله تعالى :
(( وللهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا )) [ الأعراف : 180 ] .
وقوله تعالى : (( قُلِ ادعُوا اللهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمَنَ أَيّاً مَّا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى )) [ الإسراء : 110 ] .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له ) .
السابع : الصلاة على النبي وآله ( عليهم السلام ) :
لابد للداعي أن يصلي على محمد وآله ( عليهم السلام ) بعد الحمد والثناء على
الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولأهل
بيته المعصومين ( عليهم السلام ) الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا
فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( لا يزال الدعاء محجوباً ، حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي ) .
الثامن : التوسل بمحمد وأهل بيته ( عليهم السلام ) :
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) هم سفن النجاة لهذه الأمَّة .
فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم ( عليهم السلام ) ، ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي ،
وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم ) .
التاسع : الإقرار بالذنوب :
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً ، مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم
الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار )
.
العاشر : المسألة :
وينبغي للداعي أن يذكر - بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله
( عليهم السلام ) والإقرار بالذنب - ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن
لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء ،
ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء .
الحادي عشر : معرفة الله ، وحسن الظن به سبحانه :
وهذا يعني أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته .
فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الله عزَّ وجل : من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع ، استجبت له ) .
وقيل للاِمام الصادق ( عليه السلام ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم تدعون من لا تعرفونه ) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة : على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ، ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء .
قال رجل للإمام الصادق ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، إن الله يقول : (( ادعُونِي استَجِب لَكُم )) وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟!
قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفى الله لكم ) .
الثالث عشر : الإقبال على الله :
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه ، وقلبه مشغول بشؤون الدنيا .
فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقي الذي ينسجم
فيه اللسان انسجاماً تاماً مع القلب ، فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه
الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء
بظهر قلبٍ ساهٍ . فإذا دعوت ، فأقبل بقلبك ، ثم استيقن بالإجابة ) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه :
لابد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره ، وأن
يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي
لا تملك ضراً ولا نفعاً .
فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم ، وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ،
وكان مدعوُّه ربَّه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار
الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء .
الخامس عشر : تسمية الحوائج :
إن الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل
الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه
تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى
لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد
العبد إذا دعاه ، لكنه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ
حاجتك ) .
السادس عشر : ترقيق القلب :
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ،
والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأن رقَّة القلب سبب
في الإخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنها رحمة ) .
السابع عشر : البكاء والتباكي :
خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية
الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأن الدمعة لسان المذنب الذي
يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه . والدمعة سفير رِقَّةِ القلب
الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي بصير :
( إن خفتَ إمراً يكون أو حاجة تريدها ، فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه
كما هو أهله ، وصلِّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وَسَل حاجتَكَ ،
وتباكَ ولو مثل رأس الذباب . إن أبي كان يقول : إن أقرب ما يكون العبد من
الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ ) .
الثامن عشر : العموم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .
وهذا من أهم آداب الدعاء ، لأنه يدل على التضامن ونشر المودَّة والمحبة بين
المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم . وذلك من منازل
الرحمة الإلهية ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه
الجزيل للداعي والمدعو له .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنه أوجب للدعاء ) .
التاسع عشر : التضرع ومدُّ اليدين :
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، فقد قال تعالى : (( وَاذكُر
رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً )) [ الأعراف : 205 ] .
وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه ، في قوله تعالى : (( وَلَقَد
أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا
يَتَضَرَّعُونَ )) [ المؤمنون : 76 ] .
وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله عزَّ
وجل : (( فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ )) فقال (
عليه السلام ) :
( الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) .
العشرون : الإسرار بالدعاء : فيستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً .
فقال تعالى : (( ادعُوا ربَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفيَةً )) [ الأعراف : 55 ] .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية ) .
الواحد والعشرون : التَرَيُّث بالدُّعاءِ :
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسلاً ، وذلك
لأن العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من
التضرُّع والرقة . كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء ، أو
نسيان لبعض أجزائه .
الثاني والعشرون : عدم القنوط :
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الإجابة فيترك الدعاء ، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء .
وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً ، فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلما استبطأ كماله وإدراكه ، تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال :
( لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط
ويترك الدعاء ) ، فقلتُ : كيف يستعجل ؟ قال ( عليه السلام ) : ( يقول قد
دعوت منذ كذا وكذا ، وما أرى الاِجابة ) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء :
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ، لأن
ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله :
(( وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيهِ ثُمَّ
إِذَا خَوَّلَهُ نِعمَةً مِنهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُو إِلَيهِ مِن قَبلُ
)) [ الزمر : 8 ] .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لرجل يَعِظُهُ :
( لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً ) .
الرابع والعشرون : التَقَدُّم في الدعاء :
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ، لما في
ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة
الدعاء عند الشدة .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) .
الخامس والعشرون : التَخَتُّم بالعقيق والفَيرُوزَج :
ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق
( عليه السلام ) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزَّ وجل أحبُّ إليه من
كفٍّ فيها عقيق ) .
ولقوله ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال الله
عزَّ وجل : ( إني لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا
خائبة )