النخبة العسكرية بمصر:
شكل ضباط الجيش الجماعة الاستراتيجية الأولى فى مصر منذ بدأت حركة التحديث على يد محمد على. فقد بدأت هذه الحركة ببناء الجيش، ولقد درج محمد على على منح كبار الضباط إقطاعات من الأرض؛ ومن ثم فقد أصبح الجيش مكوناً فى بناء السلطة وفى بناء المجتمع فى آن واحد. ولقد ذهب إيفرز إلى أن السبق الزمنى للجماعة الاستراتيجية يؤدى إلى أن تحتل هذه الجماعة مكانة أكبر من الجماعة التى يتأخر ظهورها الزمنى(26). ومن هنا يمكن أن نفسر غلبة الجماعة العسكرية الاستراتيجية على جميع الجماعات الأخرى، لظهورها المبكر الذى أدى إلى أن تحصل على أعلى درجة من المكاسب عبر مسيرة المجتمع، وكان مكسبها الأكبر هو صعودها إلى سدة الحكم، واحتلالها مكانة مركزية فى عملية صناعة القرار.
احتلت هذه النخبة مكانة مركزية بعد عام 1952، وظلت هكذا حتى بداية التغيرات الاجتماعية والاقتصادية فى منتصف السبعينات. واستمر تأثيرها بعد ذلك فى أنها أصبحت مصدراً لتوافد أعضاء جدد إلى النخبة المركزية وإلى النخب الوسيطة. ولذلك فإن هذه النخبة تظل هى أكثر النخب تأثيراً برغم توافد نخب جديدة كنخبة رجال الأعمال إلى دائرة الممارسة السياسية. وبالرغم من أن نهاية حكم عبدالناصر قد شهدت تحولاً نحو المدنية، يشهد على ذلك الانتقال إلى الاعتماد على "أهل الخبرة" الأمر الذى سمح بدخول عناصر غير عسكرية إلى دائرة الضوء، نقول إنه بالرغم من ذلك إلا أن ضباط الجيش قد ظلوا قوة موازية لقوة عبدالناصر المدنية(27). فقد كان ضرورياً أن يحافظ النظام بشكل أو بآخر على توازن بين القوى يمثل فيه الضباط مكانة بارزة. ولقد ظهر ذلك جلياً فيما بعد وبعد أن حقق الجيش انتصاراً عسكرياً فى العام 1973. حقيقة أن هذه الحرب قد أكدت مهنية الجيش وحرفيته، ولكنها أكسبته مكانة جديدة، وأصبح أبطال أكتوبر من الضباط يحكمون هنا وهناك فى أماكن مدنية (فى الوزارة وفى مجلس المحافظين وأماكن أخرى). وقد رأينا من قبل كيف أن الوزارات المتعاقبة من عام 1981 حتى 1995 خدم بها 15 وزيراً من بين صفوف الجيش. حقيقة أن أعداد العسكريين تتناقص أمام أعداد التكنوقراط والبيروقراط ولكن تظل المؤسسات العسكرية محتفظة بقوتها التقليدية أمام المؤسسات الأخرى، ويظل الضباط أكثر قوة من أى جماعة أخرى، يتجلى ذلك فى أمور عديدة منها:
ب-1: أن هذه الجماعة هى التى يأتى منها الرئيس، ولذلك فإن مؤسسة الرئاسة تتأسس فى جانب منها على أسس عسكرية وتصبح القوات المسلحة أقرب المؤسسات إلى مؤسسة الرئاسة، حيث يمكن جمع رئيس الجمهورية بين منصب الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
ب-2: ولظروف الأمن القومى فإن القوات المسلحة هى أكثر المؤسسات استقلالاً حيث تتمتع بميزانية منفصلة، وتحاول تحقيق اكتفاء ذاتى فى البناء والمرافق وإنتاج الطعام ومحاولة تحقيق اكتفاء فى إنتاج السلاح؛ بل إنها أصبحت المؤسسة الأكثر كفاءة إلى درجة أنها أصبحت مالكة لزمام الحسم فى إدارة الأزمات خاصة الكوارث(28).
ب-3: وأخيراً فإن هذه المؤسسة بجانب مؤسسة الشرطة تدفع بالكثير من أفرادها إلى الحياة المدنية بعد التقاعد فنجدهم يديرون المؤسسات، ويحتلون مواقع حساسة فى أجهزة الدولة (وكلاء وزارات ورؤساء مجالس مدن وسكرتيرى محافظات) وفى القطاع الخاص (حيث يتحول بعضهم إلى رجال أعمال).
المراجع:
26- انظر عرضاً لنظرية الجماعات الاستراتيجية فى كتاب الدولة فى العالم الثالث السابق الإشارة إليه.
27- أحمد عبدالله، الجيش والديموقراطية فى مصر مقدمة المحرر، فى: أحمد عبدالله (محرر) الجيش والديموقراطية فى مصر، القاهرة: سينا للنشر، ط1، 1990، ص 5-6.
28- عبدالسلام نوير، النخبة السياسية فى مصر، فى: على الصاوى (محرر) النخبة السياسية فى العالم العربى، ص571.
شكل ضباط الجيش الجماعة الاستراتيجية الأولى فى مصر منذ بدأت حركة التحديث على يد محمد على. فقد بدأت هذه الحركة ببناء الجيش، ولقد درج محمد على على منح كبار الضباط إقطاعات من الأرض؛ ومن ثم فقد أصبح الجيش مكوناً فى بناء السلطة وفى بناء المجتمع فى آن واحد. ولقد ذهب إيفرز إلى أن السبق الزمنى للجماعة الاستراتيجية يؤدى إلى أن تحتل هذه الجماعة مكانة أكبر من الجماعة التى يتأخر ظهورها الزمنى(26). ومن هنا يمكن أن نفسر غلبة الجماعة العسكرية الاستراتيجية على جميع الجماعات الأخرى، لظهورها المبكر الذى أدى إلى أن تحصل على أعلى درجة من المكاسب عبر مسيرة المجتمع، وكان مكسبها الأكبر هو صعودها إلى سدة الحكم، واحتلالها مكانة مركزية فى عملية صناعة القرار.
احتلت هذه النخبة مكانة مركزية بعد عام 1952، وظلت هكذا حتى بداية التغيرات الاجتماعية والاقتصادية فى منتصف السبعينات. واستمر تأثيرها بعد ذلك فى أنها أصبحت مصدراً لتوافد أعضاء جدد إلى النخبة المركزية وإلى النخب الوسيطة. ولذلك فإن هذه النخبة تظل هى أكثر النخب تأثيراً برغم توافد نخب جديدة كنخبة رجال الأعمال إلى دائرة الممارسة السياسية. وبالرغم من أن نهاية حكم عبدالناصر قد شهدت تحولاً نحو المدنية، يشهد على ذلك الانتقال إلى الاعتماد على "أهل الخبرة" الأمر الذى سمح بدخول عناصر غير عسكرية إلى دائرة الضوء، نقول إنه بالرغم من ذلك إلا أن ضباط الجيش قد ظلوا قوة موازية لقوة عبدالناصر المدنية(27). فقد كان ضرورياً أن يحافظ النظام بشكل أو بآخر على توازن بين القوى يمثل فيه الضباط مكانة بارزة. ولقد ظهر ذلك جلياً فيما بعد وبعد أن حقق الجيش انتصاراً عسكرياً فى العام 1973. حقيقة أن هذه الحرب قد أكدت مهنية الجيش وحرفيته، ولكنها أكسبته مكانة جديدة، وأصبح أبطال أكتوبر من الضباط يحكمون هنا وهناك فى أماكن مدنية (فى الوزارة وفى مجلس المحافظين وأماكن أخرى). وقد رأينا من قبل كيف أن الوزارات المتعاقبة من عام 1981 حتى 1995 خدم بها 15 وزيراً من بين صفوف الجيش. حقيقة أن أعداد العسكريين تتناقص أمام أعداد التكنوقراط والبيروقراط ولكن تظل المؤسسات العسكرية محتفظة بقوتها التقليدية أمام المؤسسات الأخرى، ويظل الضباط أكثر قوة من أى جماعة أخرى، يتجلى ذلك فى أمور عديدة منها:
ب-1: أن هذه الجماعة هى التى يأتى منها الرئيس، ولذلك فإن مؤسسة الرئاسة تتأسس فى جانب منها على أسس عسكرية وتصبح القوات المسلحة أقرب المؤسسات إلى مؤسسة الرئاسة، حيث يمكن جمع رئيس الجمهورية بين منصب الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
ب-2: ولظروف الأمن القومى فإن القوات المسلحة هى أكثر المؤسسات استقلالاً حيث تتمتع بميزانية منفصلة، وتحاول تحقيق اكتفاء ذاتى فى البناء والمرافق وإنتاج الطعام ومحاولة تحقيق اكتفاء فى إنتاج السلاح؛ بل إنها أصبحت المؤسسة الأكثر كفاءة إلى درجة أنها أصبحت مالكة لزمام الحسم فى إدارة الأزمات خاصة الكوارث(28).
ب-3: وأخيراً فإن هذه المؤسسة بجانب مؤسسة الشرطة تدفع بالكثير من أفرادها إلى الحياة المدنية بعد التقاعد فنجدهم يديرون المؤسسات، ويحتلون مواقع حساسة فى أجهزة الدولة (وكلاء وزارات ورؤساء مجالس مدن وسكرتيرى محافظات) وفى القطاع الخاص (حيث يتحول بعضهم إلى رجال أعمال).
المراجع:
26- انظر عرضاً لنظرية الجماعات الاستراتيجية فى كتاب الدولة فى العالم الثالث السابق الإشارة إليه.
27- أحمد عبدالله، الجيش والديموقراطية فى مصر مقدمة المحرر، فى: أحمد عبدالله (محرر) الجيش والديموقراطية فى مصر، القاهرة: سينا للنشر، ط1، 1990، ص 5-6.
28- عبدالسلام نوير، النخبة السياسية فى مصر، فى: على الصاوى (محرر) النخبة السياسية فى العالم العربى، ص571.