يُعد العلامة الداعية المجاهد الشيخ الفضيل الورتلاني الذي كان ذا أثر فكري إصلاحي بالغ في العالم الإسلامي بصفة عامة ومنه الوطن العربي خاصة ـ من أعلام الفكر والأدب والسياسة والإصلاح في الجزائر خصوصًا، وفي الوطن العربي عمومًا.
خاض النضال السياسي على الجبهة الجزائرية مع الاحتلال الفرنسي، كما خاض النضال الفكري والإصلاحي عربيًّا خصوصًا، وإسلاميًّا عمومًا، جاعلًا من قضية العرب والمسلمين شاغله حتى عن أوجاعه وأمراضه المتألبة.
ولد الفضيل بن محمد حسين الورتلاني في بلدية بني ورتلاني، بولاية سطيف في الجزائر، يوم الثاني من شهر يونيو سنة1900م، لأسرة عريقة في العلم والثقافة الإسلامية، حيث حفظ القرآن الكريم، ودرس مبادئ العربية والعلوم الشرعية، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة قسنطينة سنة 1928، حيث درس على أستاذ الجيل المصلح الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولم يلبث حتى بات منذ سنة 1932 مساعدًا له في التدريس، ومتجولًا لصالح مجلة الشهاب، ومرافقًا لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركًا بقلمه في كل من البصائر والشهاب، بروح وطنية متوثبة، وشعور ديني ملتهب.
ولإمكاناته الفكرية ومعارفه العلمية الدينية وقدرته على الخطابة وإجادة الاتصال؛ أوفدته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى باريس سنة 1930؛ لنشر فكرها الإصلاحي، وتعهُّد شئون المغتربين الدينية.
فاستطاع أن يكون الداعية المخلص الناجح الذي أحدث نحو ثلاثين مركزًا وناديًا للدعوة في فرنسا، خصوصًا في باريس؛ حيث عمل لتوثيق روابط الأخوة والمحبة والتعاون بين أبناء الجاليات الإسلامية، انطلاقًا من قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات: 13].
وهو الموضوع الذي عالجه في إحدى مقالاته بعنوان "التعاون مقدس، والتعارف أقدس" فكتب بعد التمهيد بالآية السابق ذكرها: (هذا كلام عربي مبين، ومع ذلك فإنا نجد العرب والمسلمين في هذه الأيام أزهد خلق الله في التعارف، وأزهد ما يكونون مع إخوانهم في الجنس واللغة والدين والمصلحة).
هذا النشاط القومي الديني الإصلاحي بمضمونه السياسي جعله موضع ترصد واهتمام لدى السلطات الفرنسية، خصوصًا ونذر الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، حتى بات مستهدفًا من البوليس الفرنسي للقبض عليه وسجنه، فعمل للفكاك مما يدبَّر له في أجهزة البوليس الفرنسي، فكان الشخص الذي أنقذه وساعده على الخروج سرًّا من فرنسا، والنجاة بأعجوبة من إلقاء القبض عليه؛ هو أمير البيان العربي شكيب أرسلان، وكان من أعزِّ أصدقاء الشيخ الورتلاني.
ولقد انتهز الورتلاني فرصة وجوده في باريس فاتصل بالدارسين العرب في الجامعات الفرنسية، وتوثقت بينهم المودة والصلة، مثل العلامة محمد عبد الله دراز صاحب كتاب: دستور الأخلاق في القرآن الكريم، والشيخ عبد الرحمن تاج الذي صار شيخًا للأزهر، والعلامة السوري محمد عبد القادر المبارك، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري.
وقد أقلق نشاط الورتلاني السلطات الفرنسية؛ فضيقت عليه حركته، وجاءته رسائل تهدده بالقتل، فاضطُر إلى مغادرة فرنسا إلى إيطاليا ومنها إلى القاهرة.
وفي القاهرة انتسب إلى الأزهر فحصل على الشهادة العالمية من كلية أصول الدين، وواصل جهاده بالتعريض بالاستعمار الفرنسي في الجزائر، وخدمة القضية الجزائرية وقضايا المسلمين عمومًا، فأسس سنة 1942م اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، كما أسس سنة 1944م جبهة الدفاع عن شمال أفريقيا، ثم مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948م، الذي استقبل فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1952م.
الورتلاني وثورة اليمن
قام الفضيل الورتلاني بدور بارز في تنظيم وتنظير ثورة الأحرار في اليمن، التي قامت في فبراير 1948 ضد الإمام يحيى حميد الدين، وقد أشار بعض من الباحثين إلى هذا الدور، مثل مصطفى الشكعة في كتابه: مغامرات مصري في مجاهل اليمن، وحميد شمرة في كتاب: مصرع الابتسامة، وأحمد الشامي في كتابه: رياح التغيير في اليمن، وتجاهله كثير من المؤرخين الأوروبيين المختصين في الشئون العربية والإسلامية.
يقول أحمد الشامي أحد المشاركين في هذه الثورة: (إن العالم المجاهد الجزائري السيد الفضيل الورتلاني هو الذي غير مجرى تاريخ اليمن في القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، وأنه حين وضع قدمه على أرض اليمن كأنما وضعها على "زر" دولاب تاريخها، فدار بها دورة جديدة في اتجاه جديد، لأن ثورة الدستور سنة 1367هـ 1948م هي من صنع الورتلاني).
الورتلاني وثورة التحرير الجزائرية
سافر الفضيل الورتلاني كثيرًا في سبيل شرح القضية الجزائرية؛ فزار معظم الدول الإسلامية، والتقى كثيرًا من زعماء المسلمين، مثل عبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة العربية، الشيخ محمد الخضر حسين، الشيخ محمد عبد الله دراز، الشيخ مصطفى عبد الرازق، الأمير عبد الكريم الخطابي، المفتي محمد أمين الحسيني، وأحمد سوكارنو رئيس إندونيسيا، الذي استقبله رسميًّا في قصر الرئاسة في جاكارتا، وفي كل بلد نزل فيه خطب وحاضر في المشكلة الجزائرية، مدافعًا عن الشخصية الجزائرية، ومطالبًا بحق الشعب الجزائري في تسيير شئون بلاده بنفسه.
وفي 1 نوفمبر 1954م، انطلقت الثورة الجزائرية لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وقد رحب الفضيل الورتلاني بهذه الثورة التي طالما انتظرها وسعى لقيامها، ونشر مقالًا في 3 نوفمبر أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الثورة التحريرية تحت عنوان: "إلى الثائرين من أبناء الجزائر: اليوم حياة أو موت"، وفي 15 نوفمبر من العام نفسه أصدر مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بيانًا: "نعيذكم بالله أن تتراجعوا".
وفي 17 فبراير1955م شارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر، والتي تضم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وممثلي جبهة التحرير الوطني: أحمد بن بيلا، وحسين آيت أحمد، ومحمد خيضر، وبعض ممثلي الأحزاب السياسية الجزائرية كالشاذلي مكي، حسين لحول، عبد الرحمن كيوان، وأحمد بيوض، وكان الهدف الأساس لهذه الجبهة مناصرة ومساندة الثورة الجزائرية.
أصبح ممثلًا لجبهة التحرير الوطني في تركيا في 1956 بعد أن انضمت جمعية العلماء رسميًّا إلى الثورة وجبهة التحرير الوطني في أبريل 1956م.
وإضافة إلى ما سبق حضر الفضيل الورتلاني عدة مؤتمرات دولية، وكان أكبرها المؤتمر الإسلامي الشعبي، الذي عقد في القدس في ديسمبر 1953م، وألقى فيه خطابًا مؤثرًا.
وقد شارك في هذا التجمع كبار العلماء والمصلحين مثل سيد قطب الذي مثَّل جماعة الإخوان المسلمين، اعترافًا بجهاده في سبيل وطنه الجزائر المحتلة، ودفاعه عن فلسطين، وكفاحه من أجل نهوض شعوب العالم الإسلامي، واختار المؤتمر الإسلامي العالمي ومؤتمر علماء الإسلام الفضيل الورتلاني مندوبًا خاصًّا يمثلهما عبر رحلاته حول العالم.
وفاته وآثاره
توفي الفضيل الورتلاني في مستشفى أنقرة في 12 مارس 1959م، ودفن في العاصمة التركية، وفي نهاية الثمانينيات نقل جثمانه إلى الجزائر، ودفن قريبًا من مسقط رأسه.
وقامت جمعية العلماء الجزائريين بجمع مقالات الفضيل الورتلاني في كتاب ضخم ونشرته في بيروت في عام 1963 تحت عنوان الجزائر الثائرة.
واحتوى الكتاب أيضًا على شهادات العلماء والسياسيين العرب في الإشادة بذكره والتنويه بجهاده.
وقال فيه أحدهم: (لم أقابل في حياتي ـ لا قبله ولا بعده ـ من هو أعرف منه بالقرآن الكريم وعلومه، وتفسير آياته واستكناه أسراره، وقدرته المنطقية على الغوص في أعماقها، واستنباطه منها ما يحلل به مشكلات الحياة، دونما تكلف أو تقعر أو إغراق، وفي منطق سهل بيَّن يخلب الألباب إلى استيعابٍ للأمهات ومسائل الفقه، واطلاعٍ على تواريخ الأمم والملل والنحل، والمذاهب السياسية والاقتصادية إلى حفظٍ للأخبار.
عاش الفضيل الورتلاني في مقاومة الجهل ومحاربة الظلم، داعيًا إلى التحرر من سيطرة الاستعمار، وكانت رحلاته عبر العالم فرصة لنصرة بلاده المحتلة، ومناسبة لدعوة القادة والشعوب العربية للنهضة.
فقد نجحت نوادي التهذيب التي أسسها في فرنسا في استقطاب المسلمين المغتربين إلى دينهم والاعتزاز بحضارتهم، حتى أصبحت تثير مخاوف السلطة الفرنسية، والأحزاب الوطنية المغاربية ذات التوجه العلماني، وفي المشرق العربي ترك آثارًا حسنة وسمعة مرموقة؛ حتى أطلق عليه العلماء والزعماء العرب لقب المجاهد، رحمه الله رحمة واسعة.
خاض النضال السياسي على الجبهة الجزائرية مع الاحتلال الفرنسي، كما خاض النضال الفكري والإصلاحي عربيًّا خصوصًا، وإسلاميًّا عمومًا، جاعلًا من قضية العرب والمسلمين شاغله حتى عن أوجاعه وأمراضه المتألبة.
ولد الفضيل بن محمد حسين الورتلاني في بلدية بني ورتلاني، بولاية سطيف في الجزائر، يوم الثاني من شهر يونيو سنة1900م، لأسرة عريقة في العلم والثقافة الإسلامية، حيث حفظ القرآن الكريم، ودرس مبادئ العربية والعلوم الشرعية، لينتقل بعد ذلك إلى مدينة قسنطينة سنة 1928، حيث درس على أستاذ الجيل المصلح الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولم يلبث حتى بات منذ سنة 1932 مساعدًا له في التدريس، ومتجولًا لصالح مجلة الشهاب، ومرافقًا لابن باديس في بعض رحلاته بالوطن، مشاركًا بقلمه في كل من البصائر والشهاب، بروح وطنية متوثبة، وشعور ديني ملتهب.
ولإمكاناته الفكرية ومعارفه العلمية الدينية وقدرته على الخطابة وإجادة الاتصال؛ أوفدته جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى باريس سنة 1930؛ لنشر فكرها الإصلاحي، وتعهُّد شئون المغتربين الدينية.
فاستطاع أن يكون الداعية المخلص الناجح الذي أحدث نحو ثلاثين مركزًا وناديًا للدعوة في فرنسا، خصوصًا في باريس؛ حيث عمل لتوثيق روابط الأخوة والمحبة والتعاون بين أبناء الجاليات الإسلامية، انطلاقًا من قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات: 13].
وهو الموضوع الذي عالجه في إحدى مقالاته بعنوان "التعاون مقدس، والتعارف أقدس" فكتب بعد التمهيد بالآية السابق ذكرها: (هذا كلام عربي مبين، ومع ذلك فإنا نجد العرب والمسلمين في هذه الأيام أزهد خلق الله في التعارف، وأزهد ما يكونون مع إخوانهم في الجنس واللغة والدين والمصلحة).
هذا النشاط القومي الديني الإصلاحي بمضمونه السياسي جعله موضع ترصد واهتمام لدى السلطات الفرنسية، خصوصًا ونذر الحرب العالمية الثانية تلوح في الأفق، حتى بات مستهدفًا من البوليس الفرنسي للقبض عليه وسجنه، فعمل للفكاك مما يدبَّر له في أجهزة البوليس الفرنسي، فكان الشخص الذي أنقذه وساعده على الخروج سرًّا من فرنسا، والنجاة بأعجوبة من إلقاء القبض عليه؛ هو أمير البيان العربي شكيب أرسلان، وكان من أعزِّ أصدقاء الشيخ الورتلاني.
ولقد انتهز الورتلاني فرصة وجوده في باريس فاتصل بالدارسين العرب في الجامعات الفرنسية، وتوثقت بينهم المودة والصلة، مثل العلامة محمد عبد الله دراز صاحب كتاب: دستور الأخلاق في القرآن الكريم، والشيخ عبد الرحمن تاج الذي صار شيخًا للأزهر، والعلامة السوري محمد عبد القادر المبارك، والشاعر عمر بهاء الدين الأميري.
وقد أقلق نشاط الورتلاني السلطات الفرنسية؛ فضيقت عليه حركته، وجاءته رسائل تهدده بالقتل، فاضطُر إلى مغادرة فرنسا إلى إيطاليا ومنها إلى القاهرة.
وفي القاهرة انتسب إلى الأزهر فحصل على الشهادة العالمية من كلية أصول الدين، وواصل جهاده بالتعريض بالاستعمار الفرنسي في الجزائر، وخدمة القضية الجزائرية وقضايا المسلمين عمومًا، فأسس سنة 1942م اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، كما أسس سنة 1944م جبهة الدفاع عن شمال أفريقيا، ثم مكتب جمعية العلماء المسلمين في القاهرة سنة 1948م، الذي استقبل فيه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي سنة 1952م.
الورتلاني وثورة اليمن
قام الفضيل الورتلاني بدور بارز في تنظيم وتنظير ثورة الأحرار في اليمن، التي قامت في فبراير 1948 ضد الإمام يحيى حميد الدين، وقد أشار بعض من الباحثين إلى هذا الدور، مثل مصطفى الشكعة في كتابه: مغامرات مصري في مجاهل اليمن، وحميد شمرة في كتاب: مصرع الابتسامة، وأحمد الشامي في كتابه: رياح التغيير في اليمن، وتجاهله كثير من المؤرخين الأوروبيين المختصين في الشئون العربية والإسلامية.
يقول أحمد الشامي أحد المشاركين في هذه الثورة: (إن العالم المجاهد الجزائري السيد الفضيل الورتلاني هو الذي غير مجرى تاريخ اليمن في القرن الرابع عشر الهجري / العشرين الميلادي، وأنه حين وضع قدمه على أرض اليمن كأنما وضعها على "زر" دولاب تاريخها، فدار بها دورة جديدة في اتجاه جديد، لأن ثورة الدستور سنة 1367هـ 1948م هي من صنع الورتلاني).
الورتلاني وثورة التحرير الجزائرية
سافر الفضيل الورتلاني كثيرًا في سبيل شرح القضية الجزائرية؛ فزار معظم الدول الإسلامية، والتقى كثيرًا من زعماء المسلمين، مثل عبد الرحمن عزام أمين عام الجامعة العربية، الشيخ محمد الخضر حسين، الشيخ محمد عبد الله دراز، الشيخ مصطفى عبد الرازق، الأمير عبد الكريم الخطابي، المفتي محمد أمين الحسيني، وأحمد سوكارنو رئيس إندونيسيا، الذي استقبله رسميًّا في قصر الرئاسة في جاكارتا، وفي كل بلد نزل فيه خطب وحاضر في المشكلة الجزائرية، مدافعًا عن الشخصية الجزائرية، ومطالبًا بحق الشعب الجزائري في تسيير شئون بلاده بنفسه.
وفي 1 نوفمبر 1954م، انطلقت الثورة الجزائرية لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وقد رحب الفضيل الورتلاني بهذه الثورة التي طالما انتظرها وسعى لقيامها، ونشر مقالًا في 3 نوفمبر أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الثورة التحريرية تحت عنوان: "إلى الثائرين من أبناء الجزائر: اليوم حياة أو موت"، وفي 15 نوفمبر من العام نفسه أصدر مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بيانًا: "نعيذكم بالله أن تتراجعوا".
وفي 17 فبراير1955م شارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر، والتي تضم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وممثلي جبهة التحرير الوطني: أحمد بن بيلا، وحسين آيت أحمد، ومحمد خيضر، وبعض ممثلي الأحزاب السياسية الجزائرية كالشاذلي مكي، حسين لحول، عبد الرحمن كيوان، وأحمد بيوض، وكان الهدف الأساس لهذه الجبهة مناصرة ومساندة الثورة الجزائرية.
أصبح ممثلًا لجبهة التحرير الوطني في تركيا في 1956 بعد أن انضمت جمعية العلماء رسميًّا إلى الثورة وجبهة التحرير الوطني في أبريل 1956م.
وإضافة إلى ما سبق حضر الفضيل الورتلاني عدة مؤتمرات دولية، وكان أكبرها المؤتمر الإسلامي الشعبي، الذي عقد في القدس في ديسمبر 1953م، وألقى فيه خطابًا مؤثرًا.
وقد شارك في هذا التجمع كبار العلماء والمصلحين مثل سيد قطب الذي مثَّل جماعة الإخوان المسلمين، اعترافًا بجهاده في سبيل وطنه الجزائر المحتلة، ودفاعه عن فلسطين، وكفاحه من أجل نهوض شعوب العالم الإسلامي، واختار المؤتمر الإسلامي العالمي ومؤتمر علماء الإسلام الفضيل الورتلاني مندوبًا خاصًّا يمثلهما عبر رحلاته حول العالم.
وفاته وآثاره
توفي الفضيل الورتلاني في مستشفى أنقرة في 12 مارس 1959م، ودفن في العاصمة التركية، وفي نهاية الثمانينيات نقل جثمانه إلى الجزائر، ودفن قريبًا من مسقط رأسه.
وقامت جمعية العلماء الجزائريين بجمع مقالات الفضيل الورتلاني في كتاب ضخم ونشرته في بيروت في عام 1963 تحت عنوان الجزائر الثائرة.
واحتوى الكتاب أيضًا على شهادات العلماء والسياسيين العرب في الإشادة بذكره والتنويه بجهاده.
وقال فيه أحدهم: (لم أقابل في حياتي ـ لا قبله ولا بعده ـ من هو أعرف منه بالقرآن الكريم وعلومه، وتفسير آياته واستكناه أسراره، وقدرته المنطقية على الغوص في أعماقها، واستنباطه منها ما يحلل به مشكلات الحياة، دونما تكلف أو تقعر أو إغراق، وفي منطق سهل بيَّن يخلب الألباب إلى استيعابٍ للأمهات ومسائل الفقه، واطلاعٍ على تواريخ الأمم والملل والنحل، والمذاهب السياسية والاقتصادية إلى حفظٍ للأخبار.
عاش الفضيل الورتلاني في مقاومة الجهل ومحاربة الظلم، داعيًا إلى التحرر من سيطرة الاستعمار، وكانت رحلاته عبر العالم فرصة لنصرة بلاده المحتلة، ومناسبة لدعوة القادة والشعوب العربية للنهضة.
فقد نجحت نوادي التهذيب التي أسسها في فرنسا في استقطاب المسلمين المغتربين إلى دينهم والاعتزاز بحضارتهم، حتى أصبحت تثير مخاوف السلطة الفرنسية، والأحزاب الوطنية المغاربية ذات التوجه العلماني، وفي المشرق العربي ترك آثارًا حسنة وسمعة مرموقة؛ حتى أطلق عليه العلماء والزعماء العرب لقب المجاهد، رحمه الله رحمة واسعة.