[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مجازر
8 ماي1945، تاريخ ينحني له التاريخ، و تسجله الذاكرة بكثير من الفخر و
كثير من الخجل..فخر بالأوراسيين الجزائريين الذين رفعوا يومها راية بلدهم
على مقابر 45 آلف شهيد أبادتهم آلة المستعمر ببشاعة حين خرجوا يومها في عدد
من ولايات شرق الجزائر في مسيرة سلمية للمطالبة بحريتهم. أما الخجل، فمن
ظالم جاء ليرفع رايته على جثث الأبرياء، ليشهد العالم واحدة من أعظم حكايا
الثورات، و التي نتوقف اليوم و ككل سنة عند تفاصيلها المحفورة في وجدان
من عايش الحدث.
قالمة تتذكر المأساة.. 18 ألف شهيد في يوم واحد
أكثر من 18ألف شهيد أحصتهم ولاية قالمة(500كلم شرق العاصمة) يومها في
أكثر من 11 موقعا بوسط المدينة وبلخير وبومهرة وهيليوبوليس وواد شحم
ولخزارة و من بين تلك الأماكن توجد "محرقة " حقيقية عبارة عن فرن لصناعة
الجبس كان يمتلكه أحد المعمرين بمنطقة هيليوبوليس اسمه " لافي" تحرق فيه
جثث الأبرياء الذين يقتلهم بوليس المستعمر بقالمة والمناطق المجاورة
لإخفاء آثار الجرم و ذلك حسب النتائج التي توصل إليها الناشطون في كشف
ملابسات تلك المجزرة.
وغير بعيد عن تلك المحرقة توجد منطقة القتل الجماعي "لكاف البومبة"
بالقرب من وادي سيبوس وأول فوج أعدم بالمكان ضم 50 شهيدا منهم تباني محمد
وجمعاوي حميد وهو ما تتذكره عائشة جمعاوي أخت حميد التي كانت حينها تبلغ
23 سنة، حيث تقول أنها حين ذهبت إلى المكان في اليوم الموالي لحادثة مقتل
أخيها وجدت عشرات الجثث مكدسة فوق بعضها بسبب رفض رئيس بلدية هيليوبوليس "
قيرو"، دفن الموتى.
ومن بين المواقع الشاهدة على بشاعة تلك المجازر،
الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة، في أول انزلاق حقيقي لبوليس المستعمر في
عملية التصفية الجماعية لنشطاء الحركة الوطنية يوم 11 ماي45 أين تم
إعدام جماعي ل9 مواطنين شاركوا في مسيرة 8 ماي.
وهو ما تأكده وثيقة
رسمية عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو " بويسون"
إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 يخبره فيها أن عملية إعدام
المشاركين في المسيرة قد تم رميا بالرصاص مرفوقة بأسماء الشهداء ورتسي
مبروك، اسماعيل عبده وأخوه علي، شرفي مسعود، بن صويلح عبد الكريم، دواورية
حميد، بلعزوق محمد، أومرزوق محمد.
ويتذكر الذين شاركوا في مسيرة يوم
الثلاثاء 5 ماي 45 بمدينة قالمة ومنهم عبد الله يلس الذي كان حينها يبلغ
20 سنة، بأنهم تلقوا أوامر من حزب الشعب تقضي
بضرورة تنظيم مسيرة
سلمية انطلاقا من منطقة الكرمات وهي المسيرة التي انطلقت بين الرابعة و
الخامسة مساء وضمت قرابة 3 آلاف مواطن من قالمة وبعض المناطق المجاورة
بحكم أن ذلك اليوم تزامن مع السوق الأسبوعية.
وأضاف عمي عبد الله أن
المشاركين في المسيرة كانوا يرددون نشيد " من جبالنا"، وقطعوا شارع
"عنونة" وسط زغاريد النسوة كما رفعوا الراية الجزائرية وكان يحملها "علي
عبده" إلى جانب بعض رايات الحلفاء منادين باستقلال الجزائر ورفعت شعارات "
تعيش الجزائر ليسقط الاستعمار الغاشم تحيا الحرية".
و اتجه الموكب -يضيف ذات المتحدث- نحو "نصب الأموات" لكن في نهج "فكتور
برناس سابقا (8 ماي حاليا) أين اعترض رجال البوليس المسيرة وفي مقدمتهم
نائب عمالة قالمة " أندري أشياري" ومعه بعض اليهود و بدأوا بإطلاق النار
في السماء لكنها لم تلبث أن تحول صوب أجساد المتظاهرين فسقط أول شهيد
بقالمة في أحداث 8 ماي 1945 وهو بومعزة عبد الله المدعو حامد.
ويعيش عمي عبد الله منذ تلك الأحداث بإعاقة حركية بعدما أصيب بها في رجله ومكث بالمستشفى من يوم الأحداث إلى غاية 22 فيفري 1947.
ورغم مرور 65 سنة كاملة على تلك الأحداث فإن كل الشهادات بمنطقة قالمة
سواء من قبل أعضاء جمعية الثامن ماي 1945 التي تأسست سنة 1995 وجعلت
شعارها " لكي لا ننسى" أو من بعض أبناء الشهداء الذين حصدتهم وحشية
المستعمر تنتهي جميعها إلى حقيقة أن المجازر المرتكبة من طرف الاستعمار
بسطيف وقالمة وخراطة هي جرائم حرب وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
أوريسيا (سطيف).. صانعة المجد
ستظل البلدة الصغيرة "الأوريسيا" (10 كلم شمال مدينة سطيف) والتي لم
تكن سوى ضيعة منسية أكثر تعلقا على مر الأيام بذاكرة الكفاح التحرري بعد
مرور 65 سنة على ذلك القمع الوحشي الدموي الذي سلط على مظاهرات 8 ماي 1945
ووعيا منهم بأهمية تواصل تذكر التضحيات الكبيرة من أجل تحرر الشعب
الجزائري و توارث أحداثها من قبل الأجيال الجديدة ما يزال شهود العيان
النادرين على ما جرى في يوم 8 ماي 1945 يلتقون بانتظام بالمقر الذي
تتقاسمه قسمة المجاهدين بالأورسيا مع المكتب المحلي لمنظمة أبناء الشهداء و
الذي يضم مجموعة جد هامة من الصور الفوتوغرافية و الوثائق و رؤوس الأقلام
المستقاة لدى العديد من المصادر حول مسارات مناضلين و مجاهدين و كذا
مراكز تموين جيش التحرير الوطني و بقايا تجهيزات الجيش الفرنسي .
و يكاد المقر المذكور يأخذ شكل متحف حقيقي للحركة الوطنية و حرب
التحرير كثمرة مجهود مشترك بذله محليا مجاهدو وأبناء شهداء من أجل الحفاظ
على الذاكرة المحلية بالأوريسيا التي تفتخر في المقام الأول بكونها مسقط
رأس سعال بوزيد أول شهداء الثامن ماي 1945 و الذي قتل بدم بارد بمدينة
سطيف بعدما تجرأ على حمل العلم الوطني على رأس مسيرة سلمية .
يومها لم
يكن عمر أحمد بوضياف أمين قسمة المجاهدين المولود في الثالث من مارس 1936
يتجاوز تسع سنوات فقط لكن أحداث الثامن ماي 45 كان لها وقع كبير عنده في
تحديد
مستقبله كمجاهد شأنه في ذلك شأن أغلبية شباب الأوريسيا وأيضا عين عباسة
و عموشة و بني عزيز و خراطة و العلمة وباقي القري والدواوير والمداشر
الشهيدة .
وبالنسبة للسيد أحمد بوضياف فإن جيله "تأثر بشكل عميق وإلى
الأبد" بصور القمع و الوحشية التي قوبل بها السكان الذين كان ذنبهم الوحيد
أنهم صدقوا وعود الحلفاء بعد التحرير باحترام " حق الشعوب في تقرير
مصيرهم بأنفسهم " إذ لم تكد تمر عشرية كاملة من الزمن حتى شرعوا في تجسيد
فعلي لمعاني ذلك النشيد الخالد للثامن ماي 45 "حيوا الشمال الإفريقي
انهضوا من أجل الوطنية " بالانخراط في الثورة التحريرية الكبرى .
ولا
يختلف المسار الثوري للمجاهد أحمد بوضياف عموما عن مثيله للعديد من
المناضلين الشباب الذي تكونوا " في مدرسة الثامن ماي 45 " و الذين التحقوا
بالجبال دون تردد بعد الفاتح من نوفمبر 1954 .
وفي الأوريسيا زاول
أحمد بوضياف تعليمه القرآني على يد الشيخ لخضر كراش أحد تلاميذ العلامة بن
باديس ب" الجامع الأخضر" لقسنطينة قبل أن يواصل تعليمه على يد شيوخ آخرين
من الحركة الإصلاحية بالمنطقة على غرار قنفود ساعد و قشي محمد الذين
درسوا فيما بعد بالحروش قرب مدينة سكيكدة كما يتذكر بوضياف.
ويتذكر
المتمدرس الفتي بعمر تسع سنوات كيف كان لاستشهاد سعال بوزيد وقعه الكبير
في تفجير "غضب غير قابل للكبح " لسكان لم يعودوا قادرين على تحمل سنوات
الحرب و المجاعة و التعسف .
ففي الأوريسيا لقي رجل دين مسيحي كان عائدا على متن دراجة نارية بعد إشرافه
على قداس بعين الكبيرة مصرعه على يد متظاهرين تم فيما بعد اعتقالهم جميعا و
محاكمتهم وكذا إعدامهم بقسنطينة كما يؤكد بوضياف الذي شاهد بأم عينه في
نفس اليوم عساكر مدججين بالسلاح الثقيل ينتشرون بكامل أنحاء المنطقة .
ومن بين الأشخاص العديدين الذين جرى اعتقالهم بقرية الأوريسيا كما يتذكر
أحمد بوضياف عفار علي الذي التقاه فيما بعد سنة 1958 بسجن الحراش .
و لم يطلق سراح سجناء الثامن من ماي 45 الذين نجوا من التصفيات الجسدية
الفورية و أحكام الإعدام إلا سنة 1962 بعد إعلان استقلال البلاد لأنهم اعتبروا
آنذاك كسجناء للحق العام إذ لم يستفيدوا أبدا من وضع السجين السياسي .
و بالأوريسيا أيضا كان الطاهر (وهو أخ أحمد بوضياف) عضوا نشيطا في حزب
الشعب الجزائري بالجهة حينما تم اعتقاله في الثامن من ماي 1945 كما جرت
تصفيته جسديا عند مخرج القرية ولم يعد دفنه في مقبرة الشهداء إلا منذ أربع
سنوات فقط كما يؤكد الشاهد.
وكان ذلك أيضا مصير شبان آخرين من ذات القرية إذ اغتيلوا بدم بارد من طرف
ميليشيات مسلحة تجوب الجهة عندما كانوا عائدين من عملهم اليومي لدى معمرين .
وفي الأوريسيا أيضا يتذكر الكثيرون شهداء آخرين مثل تباني العربي بوشريط
الطيب و بوعمامة أحمد شاعر الملحون ذائع الصيت بكامل المنطقة .
ومن
نجا من الرجال البالغين بالأوريسيا من تصفيات الميليشيات المسلحة تم
اعتقاله والحكم عليه إما بالإعدام أو بسنوات سجن طويلة و شاقة .
و من ضمن سكان القرية الذين عاشوا مجازر الثامن من ماي 45 يوجد موسى قريش الذي يتذكر اسميا كل ضحايا القرية.
وحدث أن شاهد -مثلما يقول- عندما كان يحرس قطيعه ضابطا استعماريا يعطى
الأمربقتل بوضياف العربي الذي لم يكن بالإمكان دفنه إلا حين حلول الظلام بعد ذهاب العساكر.
ويعرب موسى الذي يبلغ سنه اليوم 78 سنة بالمناسبة عن يقينه بأن اغتيال
سعال بوزيد وما تبعه من مجازر واسعة النطاق يندى لها جبين الإنسانية تمثلت
في مطاردة وحشية للجزائريين جسدت بالفعل " القطيعة النهائية مع
الاستعمار".
وبأيدي مقبوضة يواصل الشاهد كلامه" بعدما جرى ..أصبح كل
شكل من أشكال التعايش وهما..وبالنسبة لنا أضحى الخيار واضحا .. إما
الاستقلال أو الموت".
مجازر
8 ماي1945، تاريخ ينحني له التاريخ، و تسجله الذاكرة بكثير من الفخر و
كثير من الخجل..فخر بالأوراسيين الجزائريين الذين رفعوا يومها راية بلدهم
على مقابر 45 آلف شهيد أبادتهم آلة المستعمر ببشاعة حين خرجوا يومها في عدد
من ولايات شرق الجزائر في مسيرة سلمية للمطالبة بحريتهم. أما الخجل، فمن
ظالم جاء ليرفع رايته على جثث الأبرياء، ليشهد العالم واحدة من أعظم حكايا
الثورات، و التي نتوقف اليوم و ككل سنة عند تفاصيلها المحفورة في وجدان
من عايش الحدث.
قالمة تتذكر المأساة.. 18 ألف شهيد في يوم واحد
أكثر من 18ألف شهيد أحصتهم ولاية قالمة(500كلم شرق العاصمة) يومها في
أكثر من 11 موقعا بوسط المدينة وبلخير وبومهرة وهيليوبوليس وواد شحم
ولخزارة و من بين تلك الأماكن توجد "محرقة " حقيقية عبارة عن فرن لصناعة
الجبس كان يمتلكه أحد المعمرين بمنطقة هيليوبوليس اسمه " لافي" تحرق فيه
جثث الأبرياء الذين يقتلهم بوليس المستعمر بقالمة والمناطق المجاورة
لإخفاء آثار الجرم و ذلك حسب النتائج التي توصل إليها الناشطون في كشف
ملابسات تلك المجزرة.
وغير بعيد عن تلك المحرقة توجد منطقة القتل الجماعي "لكاف البومبة"
بالقرب من وادي سيبوس وأول فوج أعدم بالمكان ضم 50 شهيدا منهم تباني محمد
وجمعاوي حميد وهو ما تتذكره عائشة جمعاوي أخت حميد التي كانت حينها تبلغ
23 سنة، حيث تقول أنها حين ذهبت إلى المكان في اليوم الموالي لحادثة مقتل
أخيها وجدت عشرات الجثث مكدسة فوق بعضها بسبب رفض رئيس بلدية هيليوبوليس "
قيرو"، دفن الموتى.
ومن بين المواقع الشاهدة على بشاعة تلك المجازر،
الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة، في أول انزلاق حقيقي لبوليس المستعمر في
عملية التصفية الجماعية لنشطاء الحركة الوطنية يوم 11 ماي45 أين تم
إعدام جماعي ل9 مواطنين شاركوا في مسيرة 8 ماي.
وهو ما تأكده وثيقة
رسمية عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو " بويسون"
إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 يخبره فيها أن عملية إعدام
المشاركين في المسيرة قد تم رميا بالرصاص مرفوقة بأسماء الشهداء ورتسي
مبروك، اسماعيل عبده وأخوه علي، شرفي مسعود، بن صويلح عبد الكريم، دواورية
حميد، بلعزوق محمد، أومرزوق محمد.
ويتذكر الذين شاركوا في مسيرة يوم
الثلاثاء 5 ماي 45 بمدينة قالمة ومنهم عبد الله يلس الذي كان حينها يبلغ
20 سنة، بأنهم تلقوا أوامر من حزب الشعب تقضي
بضرورة تنظيم مسيرة
سلمية انطلاقا من منطقة الكرمات وهي المسيرة التي انطلقت بين الرابعة و
الخامسة مساء وضمت قرابة 3 آلاف مواطن من قالمة وبعض المناطق المجاورة
بحكم أن ذلك اليوم تزامن مع السوق الأسبوعية.
وأضاف عمي عبد الله أن
المشاركين في المسيرة كانوا يرددون نشيد " من جبالنا"، وقطعوا شارع
"عنونة" وسط زغاريد النسوة كما رفعوا الراية الجزائرية وكان يحملها "علي
عبده" إلى جانب بعض رايات الحلفاء منادين باستقلال الجزائر ورفعت شعارات "
تعيش الجزائر ليسقط الاستعمار الغاشم تحيا الحرية".
و اتجه الموكب -يضيف ذات المتحدث- نحو "نصب الأموات" لكن في نهج "فكتور
برناس سابقا (8 ماي حاليا) أين اعترض رجال البوليس المسيرة وفي مقدمتهم
نائب عمالة قالمة " أندري أشياري" ومعه بعض اليهود و بدأوا بإطلاق النار
في السماء لكنها لم تلبث أن تحول صوب أجساد المتظاهرين فسقط أول شهيد
بقالمة في أحداث 8 ماي 1945 وهو بومعزة عبد الله المدعو حامد.
ويعيش عمي عبد الله منذ تلك الأحداث بإعاقة حركية بعدما أصيب بها في رجله ومكث بالمستشفى من يوم الأحداث إلى غاية 22 فيفري 1947.
ورغم مرور 65 سنة كاملة على تلك الأحداث فإن كل الشهادات بمنطقة قالمة
سواء من قبل أعضاء جمعية الثامن ماي 1945 التي تأسست سنة 1995 وجعلت
شعارها " لكي لا ننسى" أو من بعض أبناء الشهداء الذين حصدتهم وحشية
المستعمر تنتهي جميعها إلى حقيقة أن المجازر المرتكبة من طرف الاستعمار
بسطيف وقالمة وخراطة هي جرائم حرب وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
أوريسيا (سطيف).. صانعة المجد
ستظل البلدة الصغيرة "الأوريسيا" (10 كلم شمال مدينة سطيف) والتي لم
تكن سوى ضيعة منسية أكثر تعلقا على مر الأيام بذاكرة الكفاح التحرري بعد
مرور 65 سنة على ذلك القمع الوحشي الدموي الذي سلط على مظاهرات 8 ماي 1945
ووعيا منهم بأهمية تواصل تذكر التضحيات الكبيرة من أجل تحرر الشعب
الجزائري و توارث أحداثها من قبل الأجيال الجديدة ما يزال شهود العيان
النادرين على ما جرى في يوم 8 ماي 1945 يلتقون بانتظام بالمقر الذي
تتقاسمه قسمة المجاهدين بالأورسيا مع المكتب المحلي لمنظمة أبناء الشهداء و
الذي يضم مجموعة جد هامة من الصور الفوتوغرافية و الوثائق و رؤوس الأقلام
المستقاة لدى العديد من المصادر حول مسارات مناضلين و مجاهدين و كذا
مراكز تموين جيش التحرير الوطني و بقايا تجهيزات الجيش الفرنسي .
و يكاد المقر المذكور يأخذ شكل متحف حقيقي للحركة الوطنية و حرب
التحرير كثمرة مجهود مشترك بذله محليا مجاهدو وأبناء شهداء من أجل الحفاظ
على الذاكرة المحلية بالأوريسيا التي تفتخر في المقام الأول بكونها مسقط
رأس سعال بوزيد أول شهداء الثامن ماي 1945 و الذي قتل بدم بارد بمدينة
سطيف بعدما تجرأ على حمل العلم الوطني على رأس مسيرة سلمية .
يومها لم
يكن عمر أحمد بوضياف أمين قسمة المجاهدين المولود في الثالث من مارس 1936
يتجاوز تسع سنوات فقط لكن أحداث الثامن ماي 45 كان لها وقع كبير عنده في
تحديد
مستقبله كمجاهد شأنه في ذلك شأن أغلبية شباب الأوريسيا وأيضا عين عباسة
و عموشة و بني عزيز و خراطة و العلمة وباقي القري والدواوير والمداشر
الشهيدة .
وبالنسبة للسيد أحمد بوضياف فإن جيله "تأثر بشكل عميق وإلى
الأبد" بصور القمع و الوحشية التي قوبل بها السكان الذين كان ذنبهم الوحيد
أنهم صدقوا وعود الحلفاء بعد التحرير باحترام " حق الشعوب في تقرير
مصيرهم بأنفسهم " إذ لم تكد تمر عشرية كاملة من الزمن حتى شرعوا في تجسيد
فعلي لمعاني ذلك النشيد الخالد للثامن ماي 45 "حيوا الشمال الإفريقي
انهضوا من أجل الوطنية " بالانخراط في الثورة التحريرية الكبرى .
ولا
يختلف المسار الثوري للمجاهد أحمد بوضياف عموما عن مثيله للعديد من
المناضلين الشباب الذي تكونوا " في مدرسة الثامن ماي 45 " و الذين التحقوا
بالجبال دون تردد بعد الفاتح من نوفمبر 1954 .
وفي الأوريسيا زاول
أحمد بوضياف تعليمه القرآني على يد الشيخ لخضر كراش أحد تلاميذ العلامة بن
باديس ب" الجامع الأخضر" لقسنطينة قبل أن يواصل تعليمه على يد شيوخ آخرين
من الحركة الإصلاحية بالمنطقة على غرار قنفود ساعد و قشي محمد الذين
درسوا فيما بعد بالحروش قرب مدينة سكيكدة كما يتذكر بوضياف.
ويتذكر
المتمدرس الفتي بعمر تسع سنوات كيف كان لاستشهاد سعال بوزيد وقعه الكبير
في تفجير "غضب غير قابل للكبح " لسكان لم يعودوا قادرين على تحمل سنوات
الحرب و المجاعة و التعسف .
ففي الأوريسيا لقي رجل دين مسيحي كان عائدا على متن دراجة نارية بعد إشرافه
على قداس بعين الكبيرة مصرعه على يد متظاهرين تم فيما بعد اعتقالهم جميعا و
محاكمتهم وكذا إعدامهم بقسنطينة كما يؤكد بوضياف الذي شاهد بأم عينه في
نفس اليوم عساكر مدججين بالسلاح الثقيل ينتشرون بكامل أنحاء المنطقة .
ومن بين الأشخاص العديدين الذين جرى اعتقالهم بقرية الأوريسيا كما يتذكر
أحمد بوضياف عفار علي الذي التقاه فيما بعد سنة 1958 بسجن الحراش .
و لم يطلق سراح سجناء الثامن من ماي 45 الذين نجوا من التصفيات الجسدية
الفورية و أحكام الإعدام إلا سنة 1962 بعد إعلان استقلال البلاد لأنهم اعتبروا
آنذاك كسجناء للحق العام إذ لم يستفيدوا أبدا من وضع السجين السياسي .
و بالأوريسيا أيضا كان الطاهر (وهو أخ أحمد بوضياف) عضوا نشيطا في حزب
الشعب الجزائري بالجهة حينما تم اعتقاله في الثامن من ماي 1945 كما جرت
تصفيته جسديا عند مخرج القرية ولم يعد دفنه في مقبرة الشهداء إلا منذ أربع
سنوات فقط كما يؤكد الشاهد.
وكان ذلك أيضا مصير شبان آخرين من ذات القرية إذ اغتيلوا بدم بارد من طرف
ميليشيات مسلحة تجوب الجهة عندما كانوا عائدين من عملهم اليومي لدى معمرين .
وفي الأوريسيا أيضا يتذكر الكثيرون شهداء آخرين مثل تباني العربي بوشريط
الطيب و بوعمامة أحمد شاعر الملحون ذائع الصيت بكامل المنطقة .
ومن
نجا من الرجال البالغين بالأوريسيا من تصفيات الميليشيات المسلحة تم
اعتقاله والحكم عليه إما بالإعدام أو بسنوات سجن طويلة و شاقة .
و من ضمن سكان القرية الذين عاشوا مجازر الثامن من ماي 45 يوجد موسى قريش الذي يتذكر اسميا كل ضحايا القرية.
وحدث أن شاهد -مثلما يقول- عندما كان يحرس قطيعه ضابطا استعماريا يعطى
الأمربقتل بوضياف العربي الذي لم يكن بالإمكان دفنه إلا حين حلول الظلام بعد ذهاب العساكر.
ويعرب موسى الذي يبلغ سنه اليوم 78 سنة بالمناسبة عن يقينه بأن اغتيال
سعال بوزيد وما تبعه من مجازر واسعة النطاق يندى لها جبين الإنسانية تمثلت
في مطاردة وحشية للجزائريين جسدت بالفعل " القطيعة النهائية مع
الاستعمار".
وبأيدي مقبوضة يواصل الشاهد كلامه" بعدما جرى ..أصبح كل
شكل من أشكال التعايش وهما..وبالنسبة لنا أضحى الخيار واضحا .. إما
الاستقلال أو الموت".