الحب قيمة كبيرة من قيم الحياة، ومصدر هام من مصادر الأمل، تزودنا معانيه بالخير وتدفعنا آثاره إلى نشر الفضيلة، ويفرض الواقع علينا البحث عن الحب في كل الاتجاهات وشحذ الهمم من أجل الظفر به لأن الحب هو السبيل لتماسك الأسر وترابط القلوب، وعامل مهم في تقوية العلاقات الإنسانية ضمن المجتمع الواحد، كما إنه الطريق السهل للفوز برضا الله عزوجل في الدنيا والآخرة. فيصبح الحب الدواء الشافي لمشاكل البشر والقاعدة الرئيسة لبناء الأسر ونهوض المجتمعات وتشييد الدول وتنمية البيئات.
والحب هو الإحساس الذي يتغلغل في أعماق الإنسان ليظهر ما بداخله من عمق الوصف والخيال وهو الشعور الذي يكشف حقيقة البشر وجمال النفوس وصفاء النيات، وعند بابه تنهدم صور الخداع والنفاق وزيف العلاقات وتتلاشى المصالح الشخصية والمنافع الذاتية وتبرز أروع الاخلاق مثل الإخلاص والتضحية والإلتزام بالمسؤولية.
وليس الحب فقط الشوق والحنين واللوعة التي يشعر بها الحبيب تجاه حبيبه والتي نراها واضحة في كمية الأشعار ونوعية الأغاني التي لوثت أسماعنا ليلا ونهارا من قبل الشعراء والمغنيين، وحملت كلماتها طوفان العواطف وإرتعاش الأحاسيس وخطفت قلوب المراهقين إلى عوالم الأوهام وحلقت بأجنحة العشاق الهشة في مدارات الأحلام وسحب الأوهام، إنما الحب الحقيقي ذو معنى أعمق وأوسع من كل تلك القصائد الخاوية والأغاني الهزلية والحركات الجنسية التي تجعل الحب قرين الجنس مثلما هو حادث اليوم في عالم الغرب المظلم والذي يفتقر لنور الحب الحقيقي وتنحصر اهتماماته بالمادة وتغيب الأخلاق والقيم عن تعاملات أفراده.
ومن جانب آخر فإن الإساءات المتكررة والأخطاء الإرادية والسلوكيات المنحرفة التي نرتكبها بحق من حولنا، تؤدي تدريجيا إلى اختفاء حالات الحب في ممارسات الناس فيما بينهم كما إن إبتعاد الناس عن مبادئ الدين وقيم الأخلاق وأصول التربية السليمة ومناهج التعليم الصحيح تعتبر من معاول هدم الحب بل تسحب الإنسان بمرور الأيام عن مشاركة الآخرين في أوجاعهم وهمومهم، ومن ثم تتهيئ النفوس لاستقبال أفعال وصفات قبيحة كالجشع والطمع والبخل والتكبر والظلم مما يمهد لظهور أمراض مختلفة مثل تغليب حب الذات والوقوع في وحل الرذيلة وتقديم النزوات الشخصية والمصالح الفئوية على كل المبادئ والقيم والأخلاق، ليعيش الحب حالة من الضمور والإنكماش في قلوب الناس ونفقد صوره الجميلة في علاقاتنا مع الله وعلاقاتنا المتعددة مع الوالدين والأخوان والأصدقاء والزملاء.
في النهاية مهما تكون صعوبة الأوضاع وقسوة الظروف وكثرة الإلتزامات فنحن بحاجة ماسة للحب وسط هذا الظلام الدامس والانهيار الواسع لكل القيم والمثل، ونحن فقط من نملك القدرة على صناعة الحب أو خلق الكراهية لأن نفوسنا تحمل بذور المحبة والكره على حدا سواء وتتحكم في زراعة تلك الأشجار لنجني الأشواك او الثمار وبأيدينا تنمو بذور الحب، لذا فإن هذا المقال دعوة حقيقة لزراعة بذور الحب وإقتلاع نباتات الكراهية وتطهير النفوس من كل الأمراض لأن الحب عملة نادره هذه الايام عند مقارنته بأمور أخرى في الحياة.