حين حزم البرتغالي جوزيه مورينيو حقائبه مغادرا إيطاليا بعد مسيرة مشرفة مع إنتر ميلان، في اتجاه مدريد لتولي تدريب الريال الملكي، كان يحمل على عاتقه مسئولية إعادة الألقاب الغائبة عن الميرينغي والاحتفاظ بهيبته المحلية والقارية التي اهتزت في السنوات الأخيرة متأثرة باحتكار غريمه برشلونة الكؤوس بكلتا الساحتين.
ووضع مورينيو على قائمة أولوياته التتويج بلقب الدوري الإسباني (الليغا) ودوري أبطال أوروبا (الشامبيونز ليغ)، وقبل أن يوقع على العقد مع رئيس النادي فلورنتينو بيريز كان قد نال الضوء الأخضر منه لإبرام كل ما يحتاج من صفقات في سبيل تحقيق الحلمين، فكانت إشارة واحدة من "السبيشل وان" كفيلة بأن يفتح بيريز خزائنه على مصراعيها ليتعاقد مع أي نجم يريده مهما بلغ سعره.
لكن مورينيو حمل مفاجأة لبيريز في موسمه الأول بأنه انتقى عددا مميزا من اللاعبين بتكلفة زهيدة وبأسعار بخسة، فلم يضع عينيه على لاعبين سوبر من نجوم الصف الأول، وإنما تخير نخبة من المواهب الشابة الواعدة التي تنبأ لها بمستقبل مبهر بعينه الثاقبة.
استقر "مو" على ست صفقات في موسمه الأول مع الريال، فقد استقدم من ألمانيا الثنائي الواعد مسعود أوزيل وسامي خضيرة من فيردر بريمن وشتوتغارت على الترتيب بعد تألقهما في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا وتتويجهما بالميدالية البرونزية مع المانشافت.
ومن البرتغال حضر الأرجنتيني أنخل دي ماريا بعد أن سطع نجمه في بنفيكا، واستعان برفيق الدرب وابن وطنه ريكاردو كارفاليو الذي سبق وزامله في بورتو وتشيلسي، واكتملت سلسلة الصفقات ببدرو ليون نجم خيتافي وسرخيو كاناليس من راسينغ سانتاندير.
وضع مورينيو في موسمه الأول نهاية حقبة عهدتها إدارة الريال بالتعاقد مع أبرز نجوم اللعبة في العالم بأغلى سعر ممكن، فيما عرف بحقبة "الجالاكتيكوس"، بغض النظر عن حاجة الفريق إلى تلك الأسماء أم لا، وتبين أن الهدف تجاري في المقام الأول لا سيما أن مبيعات الإعلانات وقمصان نجوم الفريق تدر المليارات على خزينة النادي.
رفض مورينيو السير على نفس المنوال، لم يكن يريد إنشاء جيل جديد من نجوم الصفوة بالعالم على غرار زيدان ورونالدو وفيغو وبيكهام وأوين وكارلوس وكانافارو، بل أراد مواهب صاعدة متعطشة للعب وشق طريق الكفاح والامتثال لأوامره مع الطاعة العمياء، ليكونوا بمثابة عجينة يسهل تشكيلها كما يبتغي.
لكن هل كتب النجاح لتلك الصفقات؟ يمكن القول أن الثلاثي الأول هو من سار على النهج الصحيح، فأوزيل بات ورقة رابحة لا غنى عنها بالفريق، فبات من أفضل صناع اللعب في العالم وأكثرهم مهارة إلى جانب دي ماريا، وإن كان الأخير أعاقته الإصابات كثيرا كما اتهمه قطاع من جماهير الريال بالأنانية وعدم الجدية، كما أصبح خضيرة من أعمدة خط الوسط إلى جانب المخضرم تشابي ألونسو، حتى صار من أفضل محاور الارتكاز في العالم.
أما الثنائي بدرو ليون وكاناليس فقد خرجا من حسابات المدرب البرتغالي بعد أن عجزا عن إثبات ذاتهما ليكونا في مقدمة الراحلين عن الفريق بنهاية الموسم.
وبخصوص كارفاليو فما زال باقيا في الفريق، لكن وضعه غامض في الموسم الجاري بعد أن تغيب عن معظم المباريات لأسباب فنية غير واضحة فضلا عن إصاباته المتكررة، وبالرغم من مردوده الجيد نسبيا في موسمه الأول، لكن لا يمكن اعتباره صفقة رابحة في عهد مواطنه مورينيو.
وبخلاف الصفقات، فإن مورينيو عكف على تطوير أداء اللاعبين الأصليين، لا سيما كريستيانو رونالدو وغونزالو هيغواين وكريم بنزيمة، حتى صاروا أخطر ثالوث هجومي في العالم، كما اكتشف قدرات جديدة لدى سرجيو راموس وأربيلوا وألونسو ومارسيلو وغرانيرو وبيبي على مدار الموسمين.
وخرج مورينيو من موسمه الأول بانجاز وحيد، كان التتويج بلقب كأس ملك إسبانيا الذي لم يكن الفريق الأبيض قد فاز به من العام 1993 لكنه خسر لقبي الليغا ودوري الأبطال، الذي تعاقد معه الريال من أجلهما، أمام سطوة الغريم الأزلي برشلونة.
لكن الداهية البرتغالي تعهد بالمزيد في الموسم الثاني، المعروف دوما بـ"موسم الحصاد"، حيث تصبح فرقه أكثر انسجاما ونضجا وقدرة على الظفر بالكؤوس.
وفي مستهل الموسم الثاني، كان مورينيو قد أعد العدة بالتعاقد مع خمسة لاعبين جدد يجمعهم ريعان الشباب، ليستمر في سياسة الابتعاد عن اللاعبين المشاهير وذوي الأسماء الرنانة، فصوب نظره تجاه ألمانيا مجددا ليتعاقد مع التركيين نوري شاهين وحميد ألتينتوب من بروسيا دورتموند وبايرن ميونخ على الترتيب، والأول كان أفضل لاعب في البوندسليغا حينها.
ومن بنفيكا ايضا أحضر مواطنه فابيو كوينتراو، وأضاف اليهم خوسيه كاييخون من إسبانيول، وهو في الأصل من أبناء ريال مدريد، بجانب الفرنسي رافائيل فاران من لانس.
ومع انتهاء الموسم، وفى مورينيو بوعده الأول بالتتويج بالليغا التي كانت بعيدة عن قلعة النادي المدريدي منذ ثلاثة مواسم، ليصبح المدرب الوحيد في العالم الذي اقتنص أهم ثلاث دوريات في العالم: البريمير ليغ في إنكلترا مع تشيلسي، والكالتشو في إيطاليا مع الإنتر، والليغا الإسبانية مع الريال، ولكن في المقابل خسر دوري الأبطال وكأس الملك.
ولكن بتسليط الضوء على الدور الذي لعبته الصفقات الجديدة في الفوز بالليغا، نجد أن مورينيو لم يعتمد بصفة أساسية أو شبه أساسية على أي لاعب من الوافدين الجدد، وإن إجمالي مشاركتهم في الموسم لا تتعدى 16% من مباريات الفريق.
يمكن القول بأن كوينتراو كان الأكثر مشاركة من بين هؤلاء، لكنه شارك في عدد محدود من المباريات ولم يلق استحسان معظم جماهير الفريق، حيث كان شريكا أساسيا في معظم هزائمه هذا الموسم، لكن مورينيو دافع عنه باستماتة، حتى بعد نشر صورة له وهو يدخن في عيد ميلاده.
ويأتي من خلفه كاييخون الذي أثبت في بعض المباريات أنه بديل كفء وساهم في تسجيل عدد من الاهداف، لكنه لم يفرض نفسه على التشكيل الأساسي ولم يعط مردودا كبيرا في المباريات الهامة.
أما شاهين وألتينتوب فقد وصلا الريال مصابين، وبعدها لم يقنعا المدرب البرتغالي بمستواهما حيث تم استبعادهما لاسباب فنية في أغلب مباريات الموسم، وتردد أن النادي الملكي سيعيرهما الى ألمانيا مجددا.
وبالنسبة لفاران، فقد قدم أداءا راقيا في المباريات القليلة التي لعبها، وتنبأ له مورينيو بأنه سيكون أفضل مدافع في تاريخ فرنسا، فقد انضم للريال بناء على توصية خاصة من الأسطورة زين الدين زيدان، لكنه لم يمنحه فرص كبيرة في اللعب، ربما يدخر موهبته مستقبلا أو لأنه يطمئن أكثر لبيبي وراموس في قلبي الدفاع.
خلاصة الأمر أن مورينيو وافق على التعاقد مع 11 صفقة على مدار موسمين، اذا استثنينا التوغولي إيمانويل أديبايور، أي فريق بأكمله، لكنه اعتمد بشكل أساسي على ثلاثة لاعبين فقط، ما يثير الشكوك قبل أن يجهز الريال لصفقات الموسم الجديد.
لا خلاف على أن مورينيو من أنجح المدربين في التاريخ، لكن هل لا يملك عين الكشاف الصائبة..أو لا يحسن اختيار الصفقات الجديدة؟ هل يكتفي فقط برفع الروح المعنوية للاعبين القدامى مع تطوير قدراتهم؟ الاجابات متروكة للقراء.