السلام عليكم
المفتي
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الجواب :
الأصل جواز الصلاة في جميع الأماكن لقوله صلى الله عليه وسلم : "جعلت لي الأرض مسجداً"
ويُستثنى من ذلك ما يلي :
أولاً : المقبرة : لقول النبي فيما رواه الترمذي: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ولأن الصلاة في المقبرة قد تُتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ويستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة ، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المرأة التي كانت تقمُّ المسجد أنها ماتت بليل فكرهوا أن يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الصباح سأل عنها فقالوا: إنها ماتت ، فقال : "دلوني على قبرها"، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ودلوه على قبرها فصلى عليها.
ثانياً : الحمام : ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، والحمام مكان المُغتسل ، والعلة في ذلك أن الحمام تكشف فيه العورات ولا يخلو من بعض النجاسة.
ثالثاً : الحشّ : وهو مكان قضاء الحاجة لأنه أولى من الحمام ، ولا يخلو من النجاسة ، ولأنه نجس خبيث ، ولأنه مأوى الشياطين والشياطين خبيثة ، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عز وجل.
رابعاً: أعطان الإبل : وهو عبارة عن المكان الذي تبيت فيه الإبل وتأوي إليه ، والمكان الذي تبرك فيه عند صدورها من الماء ، أو انتظار الماء ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فيه فقال : "لا تصلوا في أعطان الإبل" والأصل في النهي التحريم ، مع العلم أن أبوال الإبل وروثها طاهر، والعلة في التحريم أن السنة وردت به ، والواجب في النصوص الشرعية التسليم ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
وقال بعض العلماء: لأن أرواثها وأبوالها نجسة ، وهذا مبنيٌ على أن الأبوال والأرواث نجسة ولو من الحيوان الطاهر، والصحيح خلافه ، ولكن هذه العلة باطلة ، إذ لو كانت هذه هي العلة ما جازت الصلاة في مرابض الغنم ، لأن القائلين بنجاسة أبوال الإبل وأرواثها يقولون بنجاسة أرواث الغنم وأبوالها.
وقيل: لأن الإبل شديدة النفورة ، وربما تنفر وهو يصلي فإذا نفرت ربما تصيبه بأذى، حتى وإن لم تصبه فإنه ينشغل قلبه إذا كانت هذه الإبل تهيج، ليكون النهي عنها لئلا ينشغل قلبه ، لكن هذه العلة أيضاً فيها نظر، لأن مقتضاها ألا يكون النهي إلا والإبل موجودة، ثم قد تنتقض بمرابض الغنم ، فالغنم تهيج وتشغل، فهل نقول إنها مثلها؟ لا.
وقال بعض أهل العلم : إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها لأنها خُلقت من الشياطين ، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين فلا يبعد أن تصحبها الشياطين ، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين ، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة في الحش ، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يقال في الحكمة ومع ذلك فالحكمة هي التعبد لله بذلك.
خامساً : المغصوب : وهو الذي أخذ من صاحبه قهراً بغير حق وقد اختلف العلماء فيه:
فذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة غير صحيحة ، وأن الإنسان منهيٌ عن المقام في هذا المكان، لأنه ملك غيره، فإذا صلى فصلاته منهي عنها، والصلاة المنهي عنها لا تصح ، لأنها مضادة للتعبد، فكيف تتعبد لله بمعصيته؟
وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة مع الإثم ، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "جعلت لي الأرض مسجداً"، فلا يوجد دليل على إخراج المغصوب من عموم هذا الحديث ، وإنما مأمور بهذا وهذا هو الأرجح، ولأن الصلاة لم يُنه عنها في المكان المغصوب بل نُهي عن الغصب، والغصب أمر خارج.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب اجتناب النجاسة
المفتي
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
الجواب :
الأصل جواز الصلاة في جميع الأماكن لقوله صلى الله عليه وسلم : "جعلت لي الأرض مسجداً"
ويُستثنى من ذلك ما يلي :
أولاً : المقبرة : لقول النبي فيما رواه الترمذي: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، ولأن الصلاة في المقبرة قد تُتخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور، ويستثنى من ذلك الصلاة على الجنازة ، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المرأة التي كانت تقمُّ المسجد أنها ماتت بليل فكرهوا أن يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الصباح سأل عنها فقالوا: إنها ماتت ، فقال : "دلوني على قبرها"، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ودلوه على قبرها فصلى عليها.
ثانياً : الحمام : ودليله قوله صلى الله عليه وسلم : "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، والحمام مكان المُغتسل ، والعلة في ذلك أن الحمام تكشف فيه العورات ولا يخلو من بعض النجاسة.
ثالثاً : الحشّ : وهو مكان قضاء الحاجة لأنه أولى من الحمام ، ولا يخلو من النجاسة ، ولأنه نجس خبيث ، ولأنه مأوى الشياطين والشياطين خبيثة ، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عز وجل.
رابعاً: أعطان الإبل : وهو عبارة عن المكان الذي تبيت فيه الإبل وتأوي إليه ، والمكان الذي تبرك فيه عند صدورها من الماء ، أو انتظار الماء ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فيه فقال : "لا تصلوا في أعطان الإبل" والأصل في النهي التحريم ، مع العلم أن أبوال الإبل وروثها طاهر، والعلة في التحريم أن السنة وردت به ، والواجب في النصوص الشرعية التسليم ، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.
وقال بعض العلماء: لأن أرواثها وأبوالها نجسة ، وهذا مبنيٌ على أن الأبوال والأرواث نجسة ولو من الحيوان الطاهر، والصحيح خلافه ، ولكن هذه العلة باطلة ، إذ لو كانت هذه هي العلة ما جازت الصلاة في مرابض الغنم ، لأن القائلين بنجاسة أبوال الإبل وأرواثها يقولون بنجاسة أرواث الغنم وأبوالها.
وقيل: لأن الإبل شديدة النفورة ، وربما تنفر وهو يصلي فإذا نفرت ربما تصيبه بأذى، حتى وإن لم تصبه فإنه ينشغل قلبه إذا كانت هذه الإبل تهيج، ليكون النهي عنها لئلا ينشغل قلبه ، لكن هذه العلة أيضاً فيها نظر، لأن مقتضاها ألا يكون النهي إلا والإبل موجودة، ثم قد تنتقض بمرابض الغنم ، فالغنم تهيج وتشغل، فهل نقول إنها مثلها؟ لا.
وقال بعض أهل العلم : إنما نهى عن الصلاة في مبارك الإبل أو أعطانها لأنها خُلقت من الشياطين ، كما جاء ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح ، فإذا كانت مخلوقة من الشياطين فلا يبعد أن تصحبها الشياطين ، وتكون هذه الأماكن مأوى للإبل ومعها الشياطين ، وتكون الحكمة في النهي عن الصلاة في الحش ، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أقرب ما يقال في الحكمة ومع ذلك فالحكمة هي التعبد لله بذلك.
خامساً : المغصوب : وهو الذي أخذ من صاحبه قهراً بغير حق وقد اختلف العلماء فيه:
فذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة غير صحيحة ، وأن الإنسان منهيٌ عن المقام في هذا المكان، لأنه ملك غيره، فإذا صلى فصلاته منهي عنها، والصلاة المنهي عنها لا تصح ، لأنها مضادة للتعبد، فكيف تتعبد لله بمعصيته؟
وذهب بعضهم إلى أن الصلاة في المكان المغصوب صحيحة مع الإثم ، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "جعلت لي الأرض مسجداً"، فلا يوجد دليل على إخراج المغصوب من عموم هذا الحديث ، وإنما مأمور بهذا وهذا هو الأرجح، ولأن الصلاة لم يُنه عنها في المكان المغصوب بل نُهي عن الغصب، والغصب أمر خارج.
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب اجتناب النجاسة