قال الله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (1) . وقال الله تعالى : { إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (2) ، وقال تعالى : { وَلْتَكُنٍْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} (3) . وقال تعالى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4) ، و قال الله تعالى :{ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } (5) ، والآيات في ذلك كثيرة مشهورة ، وفوائدها جمة منشورة.
وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « مَنْ رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » (6)
، . وقال شيخنا محي الدين النووي رحمة الله تعالى عليه في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } (7) ، إن هذه الآية الكريمة مما يغتر بها أكثر الجاهلين ، ويحملونها على غير وجهها ، بل الصواب في معناها : أنكم إذا فعلتم ما أمرتم به لا يضركم ضلالة مَنْ ضلَّ ، ومن جملة ما أمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية مرتبة في المعنى على قوله تعالى : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ } (8) .
وقال محمد بن تمام : الموعظة جند من جند الله تعالى ، ومَثَلُها مَثَلُ الطين يضرب به على الحائط إن استمسك نفع ، وإن وقع أثر. ومن كلام علي رضي الله تعالى عنه : لا تكونَنَّ ممن لا تنفعه الموعظة ، إلا إذا بالغت في إيلامه ، فإن العاقل يعظ بالأدب ، والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب وأنشد الجاحظ :
وليس يزجُرُكم ما توعَظُون به ...... والبُهْمُ يَزْجُرُهَا الراعي فتنزجرُ (9)
وكتب رجل إلى صديق له : أما بعد فَعِظِ الناس بفعلك ، ولا تعظهم بقولك ، واستح من الله بقدر قربه منك ، وخَفْهُ بقدرته عليك ، والسلام. وقيل : من كان له من نفسه واعظ ، كان له من الله حافظ. وقال لقمان : الموعظة تشقُّ على السفيه كما يشقُّ صعود الوعر على الشيخ الكبير. قيل : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام :« إنك إن أتيتني بعبد آبق (10) كتبتك عندي حميدًا، ومَنْ كتبته عندي حميدًا لم أعذبه بعدها أبدًا » . وقال الرشيد لمنصور بن عمار: عِظْني وأوجز، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل أحد أحب إليك من نفسك ؟ قال : لا. قال : إن أردت أن لا تسيء إلى مَنْ تحبُّ فافعَلْ.
وقال النبي صلى الله عليه و سلم في بعض خطبه : « أيها الناس الأيام تطوى ، والأعمار تفنى ، والأبدان في الثرى تبلى ، وإن الليل والنهار يتراكضان تراكض البريد ، ويقربان كل بعيد ، ويخلقان كل جديد ، وفي ذلك عباد الله ما ألهى عن الشهوات ، ورغب في الباقيات الصالحات » .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة النحل : 125. (2)- سورة النحل : 90.
(3)- سورة آل عمران : 104. (4)- سورة التوبة : 71.
(5)- سورة آل عمران : 114. (6)- أخرجه : أبي داود في الملاحم 4340.
(7)- سورة المائدة : 105. (8)- سورة المائدة : 99.
(9)- الزجر : المنع و النهي. (10)- آبق : تارك لدينه.