هذا المقال وجدته في <عرب اونلاين alarabonline >
الإعلام المصري والنزعة الفرعونية
أزراج عمر
لقد فجرت المباريات الرياضية التي جرت بين الفريق الجزائري والفريق المصري لكرة القدم أزمة حادة انحرفت بالعلاقات بين البلدين في مسارها الطبيعي، وذلك بعد أن تعرضت الحافلة الناقلة للوفد الرياضي الكروي الجزائري للتحطيم بالحجارة في القاهرة مما تسبب في جرح عدد من اللاعبين الجزائريين، وكذلك ترويعهم قبل بدء المباراة الفاصلة، ولقد تواصل النزاع على مستوى وسائل الإعلام المختلفة وبكثير من اللاعقلانية. وفي هذا المناخ قاد الإعلاميون المصريون حملة شاركهم فيها الفنانون والفنانات وتجاوزت نطاق النقد إلى التشويه والتجريح. ومما يلاحظ هو بروز نزعة التفوق والنزعة الفرعونية ذات التوجه الانعزالي المناقض للعروبة الحضارية.
وفي الحقيقة فإن نزعة التفوق في الطرح الإعلامي السياسي المصري في هذه الأيام تتجاور مع الخيارات الفرعونية كظاهرة عرقية وانعزالية تحت مظلة التبرير الحضاري. فالعودة إلى الفرعونية يدخل أساسا في إطار النكوص إلى الماضي البعيد، والعجز عن الانفلات من قبضته الفولاذية ومن عبء تاريخه، كما قال فليب رييف؛ وأكثر من ذلك فإنها ثمرة هزيمة 1967م وليست ثمرة الانتصارات على إسرائيل، والتخلف والتبعية الاقتصادية والسياسية للغرب.
إن النزعة الفرعونية التي روج لها توفيق الحكيم، ويواصل الترويج لها نخبة من أدباء ومن مثقفي مصر منذ سنوات حتى الآن، أمثال الروائي جمال الغيطاني، هي دعوة واضحة لتطليق ما تبقى من رميم العروبة. إن هذا الروائي قد قال لي في صيف عام 2005م أثناء زيارتي له بجريدة "أخبار الأدب" بالقاهرة، والتي يرأس تحريرها، هكذا: "نحن فراعنة ولسنا عربا". نحن ندرك تماما لماذا تنكص بعض الأمم وبعض التيارات الفكرية إلى الماضي السحيق حيث إنها تعوض بذلك، عن طريق تنشيط الأوهام والحنين، عن الحاضر المثقل بالإخفاقات والتخلف والأزمات المركبة، وهو ما قصده جمال الدين الأفغاني بقوله بأن من "يعجب بماضيه وأسلافه" هو "في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله".
وفي التحليل الأخير فإن تثبيت النفس "الذات" في الماضي وتحويل ذلك إلى طقس عشقي هو دليل على الترميم النرجسي لها، الأمر الذي يؤدي بها إلى الإنغلاق ونبذ الآخرين وتصورهم كأعداء.
بناء على ما تقدم فإن التفجير الذي عرفته مصر بسبب مباراة في كرة القدم هو مجرد مظهر وعرض لأزمة كبيرة في البنية الثفافية المصرية، وفي النفسية أيضا وفي العلاقات العربية. ومن هنا، فإن المطلوب هو تحليل عناصر هذه الأزمة الخطيرة، وأسبابها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع وبنيانه بشكل عام، وفي أوساط الشرائح السياسية الحاكمة، والجماعات والأفراد المحيطين بها والمناصرين لها والمستفيدين منها بشكل خاص.
أعتقد أن مصر المعاصرة ينبغي أن تبحث عن الحلول الحقيقية لنفسها ولمحيطها من أجل غد أفضل، وفي المقدمة إعادة النظر جذريا وبشجاعة في السياسات التي أدت ولا تزال تؤدي إلى تفكك التحالفات التقليدية في المنطقة الممتدة تاريخيا من المحيط إلى الخليج، وإلى ظهور النعرات القطرية البائسة، والانعزالية العرقية والإثنية، والطائفية المتشرذمة.
إن هذه المشكلات الكبرى، وليست مباراة كرة القدم بين فريقين، هي التي تمثل العقبة أمام التقدم والتطور الحقيقي على جبهات الديمقراطية والاقتصاد والنهضات العلمية، والثقافية، والاجتماعية، والتربوية وهلم جرا؛ وفي ظل هذه التوترات الحادة، أريد القول بكل صدق بأن الإعلام المصري قد ظلم الجزائر، ولا بد من صحوة للضمير ومن مراجعة للنفس للخروج من هذا النفق المظلم إلى آفاق تسطع فيها شمس الحوار العاقل والمعقول لتجاوز دخان الفتنة!.
الإعلام المصري والنزعة الفرعونية
أزراج عمر
لقد فجرت المباريات الرياضية التي جرت بين الفريق الجزائري والفريق المصري لكرة القدم أزمة حادة انحرفت بالعلاقات بين البلدين في مسارها الطبيعي، وذلك بعد أن تعرضت الحافلة الناقلة للوفد الرياضي الكروي الجزائري للتحطيم بالحجارة في القاهرة مما تسبب في جرح عدد من اللاعبين الجزائريين، وكذلك ترويعهم قبل بدء المباراة الفاصلة، ولقد تواصل النزاع على مستوى وسائل الإعلام المختلفة وبكثير من اللاعقلانية. وفي هذا المناخ قاد الإعلاميون المصريون حملة شاركهم فيها الفنانون والفنانات وتجاوزت نطاق النقد إلى التشويه والتجريح. ومما يلاحظ هو بروز نزعة التفوق والنزعة الفرعونية ذات التوجه الانعزالي المناقض للعروبة الحضارية.
وفي الحقيقة فإن نزعة التفوق في الطرح الإعلامي السياسي المصري في هذه الأيام تتجاور مع الخيارات الفرعونية كظاهرة عرقية وانعزالية تحت مظلة التبرير الحضاري. فالعودة إلى الفرعونية يدخل أساسا في إطار النكوص إلى الماضي البعيد، والعجز عن الانفلات من قبضته الفولاذية ومن عبء تاريخه، كما قال فليب رييف؛ وأكثر من ذلك فإنها ثمرة هزيمة 1967م وليست ثمرة الانتصارات على إسرائيل، والتخلف والتبعية الاقتصادية والسياسية للغرب.
إن النزعة الفرعونية التي روج لها توفيق الحكيم، ويواصل الترويج لها نخبة من أدباء ومن مثقفي مصر منذ سنوات حتى الآن، أمثال الروائي جمال الغيطاني، هي دعوة واضحة لتطليق ما تبقى من رميم العروبة. إن هذا الروائي قد قال لي في صيف عام 2005م أثناء زيارتي له بجريدة "أخبار الأدب" بالقاهرة، والتي يرأس تحريرها، هكذا: "نحن فراعنة ولسنا عربا". نحن ندرك تماما لماذا تنكص بعض الأمم وبعض التيارات الفكرية إلى الماضي السحيق حيث إنها تعوض بذلك، عن طريق تنشيط الأوهام والحنين، عن الحاضر المثقل بالإخفاقات والتخلف والأزمات المركبة، وهو ما قصده جمال الدين الأفغاني بقوله بأن من "يعجب بماضيه وأسلافه" هو "في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله".
وفي التحليل الأخير فإن تثبيت النفس "الذات" في الماضي وتحويل ذلك إلى طقس عشقي هو دليل على الترميم النرجسي لها، الأمر الذي يؤدي بها إلى الإنغلاق ونبذ الآخرين وتصورهم كأعداء.
بناء على ما تقدم فإن التفجير الذي عرفته مصر بسبب مباراة في كرة القدم هو مجرد مظهر وعرض لأزمة كبيرة في البنية الثفافية المصرية، وفي النفسية أيضا وفي العلاقات العربية. ومن هنا، فإن المطلوب هو تحليل عناصر هذه الأزمة الخطيرة، وأسبابها التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية داخل المجتمع وبنيانه بشكل عام، وفي أوساط الشرائح السياسية الحاكمة، والجماعات والأفراد المحيطين بها والمناصرين لها والمستفيدين منها بشكل خاص.
أعتقد أن مصر المعاصرة ينبغي أن تبحث عن الحلول الحقيقية لنفسها ولمحيطها من أجل غد أفضل، وفي المقدمة إعادة النظر جذريا وبشجاعة في السياسات التي أدت ولا تزال تؤدي إلى تفكك التحالفات التقليدية في المنطقة الممتدة تاريخيا من المحيط إلى الخليج، وإلى ظهور النعرات القطرية البائسة، والانعزالية العرقية والإثنية، والطائفية المتشرذمة.
إن هذه المشكلات الكبرى، وليست مباراة كرة القدم بين فريقين، هي التي تمثل العقبة أمام التقدم والتطور الحقيقي على جبهات الديمقراطية والاقتصاد والنهضات العلمية، والثقافية، والاجتماعية، والتربوية وهلم جرا؛ وفي ظل هذه التوترات الحادة، أريد القول بكل صدق بأن الإعلام المصري قد ظلم الجزائر، ولا بد من صحوة للضمير ومن مراجعة للنفس للخروج من هذا النفق المظلم إلى آفاق تسطع فيها شمس الحوار العاقل والمعقول لتجاوز دخان الفتنة!.
[/center]
[/b]