قال الله تعالى : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الْدُّنْيَا}(1) وقيل : الفقررأس كل بلاء ، وداعية إلى مقت الناس ، وهو مع ذلك مسلبة للمروءة مذهبة للحياء ، فمتى نزل الفقر بالرجل لم يجد بدًّا من ترك الحياء ، ومَن فَقَدَ حياءه فقد مروءته ، ومَنْ فًَقَدَ مروءته مقت ، ومَن مقت ازدري به ، ومَنْ صار كذلك كان كلامه عليه لا له. وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إنك إن تذر(2) ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ». وفي الحديث: « لا خيرَ فيمن لا يحب المال ليصل به رحمه، ويؤدي به أمانته ، ويستغني به عن خلق ربه ». وقال على كرم الله تعالى وجهه : الفقر الموت الأكبر، وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه و سلم من الكفر والفقر وعذاب القبر. وقيل: مَنْ حفظ دنياه حفظ الأكرمين : دينه و عرضه . قال الشاعر:
لا تَلُمنــي إذا وقيـــت الأواقــــى .... بالأواقــى لمــاء وجهــي واقــي
وقال لقمان لابنه : يا بنيّ أكلت الحنظل ، وذقت الصبر فلم أر شيئًا أمّر من الفقر؛ فإن افتقرت فلا تحدّث به الناس كيلا ينتقصوك، ولكن اسأل الله تعالى من فضله، فمن ذا الذي سأل الله فلم يعطه أو دعاه فلم يجبه ، أو تضرّع إليه فلم يكشف ما به.
وكان العباس رضي الله تعالى عنه يقول: الناس لصاحب المال ألزم من الشعاع للشمس، وهو عندهم أعذب من الماء ، وأرفع من السماء، وأحلى من الشهد، وأزكى من الورد ، خطأه صواب، وسيئاته حسنات ، وقوله مقبول، يرفع مجلسه ولا يملّ حديثه.
والمفلس عند الناس أكذب من لمعان السراب، وأثقل من الرصاص، لا يسلم عليه إن قدم، ولا يسأل عنه إن غاب، إن حضر ازدروه، وإن غاب شتموه، وإن غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة.
وقال بعضهم: طلبت الراحة لنفسي فلم أجد لها أروح من ترك ما لا يعنيها، وتوحشت في البرية فلم أر وحشة أقر من قرين السوء، وشهدت الزحوف وغالبت الأقران فلم أر قرينًا أغلب للرجل من المرأة السوء، ونظرت إلى كل ما يذل القوي ويكسره فلم أر شيئًا أذل له ولا أكبر من الفاقة. قال الشاعر:
وكــلُّ مُقــلِّ حـينَ يغــدُو لحاجــةٍ .... إلى كـلِّ مـا يلقـى مـن النـاس مذنــبُ
وكـانَتْ بنـو عمي يقولون مرحبا .... فلمـا رأونـي مـعـدمـًا مـات مـرحـبُ
وكـانَتْ بنـو عمي يقولون مرحبا .... فلمـا رأونـي مـعـدمـًا مـات مـرحـبُ
وقال آخر:
المــالُ يرفــعُ سـقـفــًا لا عِمَــادَ لــه .... والفَقْـــر يـهـدمُ بـيـتَ الـعــزِّ والشَّـرفِ
وقال آخر:
جــروحُ الليــالي مــا لَهــنَّ طبيـــبُ .... وعيشُ الفتـى بالفقــر ليــس يطيــبُ
وحسبــك أن المــرء فـي حال فقره .... تـحـمـّـِقّــهِ الأقــوام وهــو لـبـيــب(3)
ومـن يغـترِرْ بالحادثــات وصرفهـا .... يَبِـتْ وهــو مغـلــوبُ الفـؤاد سليــب
ومـا ضرَّنـي أنْ قالَ أخطأتَ جاهـلٌ .... إذا قـال كــلُّ الـنـاس أنــت مـصـيــبُ
وحسبــك أن المــرء فـي حال فقره .... تـحـمـّـِقّــهِ الأقــوام وهــو لـبـيــب(3)
ومـن يغـترِرْ بالحادثــات وصرفهـا .... يَبِـتْ وهــو مغـلــوبُ الفـؤاد سليــب
ومـا ضرَّنـي أنْ قالَ أخطأتَ جاهـلٌ .... إذا قـال كــلُّ الـنـاس أنــت مـصـيــبُ
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبهيشي . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
(1)- سورة الكهف : 46.
(2)- تذر : تترك.
(3)- أي : يظنونه أحمق و هو لبيبُ.