روي عن عبد الله بن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : « أيكم يحب أن يصح جسمه فلا يسقم ؟ » فقالوا : كلنا يا رسول الله . قال : « أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة ؟ ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا و أصحاب كفارات ؟ و الذي بعثني بالحق نبيا ، أن الرجل لتكونن له الدرجة في الجنة فلا يبلغها بشيء من عمله ، فيبتليه الله تعالى ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله » وقال صلى الله عليه و سلم : « ما من مسلم يمرض مرضًا ، إلا حط الله من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها » . وكان يقول : لا تزال الأوصاب (1) والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة البيضاء النقية المصفاة . قيل : إن الناس قد حُمّوا في فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : « أيها الناس إن الحمى رائد الموت ، وسجن الله في الأرض ، وقطعة من النار ، فإذا وجدتم ذلك فبردوا لها الماء في الشنان (2) ، ثم صبوا عليكم بين المغرب والعشاء » ففعلوا ذلك فزالت عنهم .وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على شاب وهو في الموت فقال له : « كيف تجدك ؟ » فقال : أرجو الله ، وأخاف ذنوبي ، فقال عليه الصلاة والسلام : « هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف » . و عن عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة الزاهدة رحمها الله تعالى أنها سمعت رجلاً يقول : ما أشد العمى على من كان بصيرًا . فقالت له : يا عبد الله ، عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا ، و الله لوددت أن الله وهب لي كنه معرفته ، و لم يبق مني جارحة إلا أخذها . و كتب مبارك لأخيه سفيان الثوري يشكو إليه ذهاب بصره ، فكتب إليه : أما بعد ، فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك ، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك و السلام . و قيل لعطاء في مرضه : ما تشتهي ؟ قال : ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعًا للشهوة . و أصاب ابن أدهم بطن فتوضأ في ليلة سبعين مرة . و قيل لأعرابي في مرضه : ما تشتهي ؟ قال : الجنة . فقيل : أفلا ندعو طبيبًا ؟ قال : طبيبي هو الذي أمرضني .
من كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للكاتب شهاب الدين محمد الأبشيهى . تحقيق الدكتور مصطفى محمد الذهبي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- الأوصاب : الأسقام .
(2)- الشنان : جمع شن و هي القربة .